خبز الوجود

 

موسى ديب الخوري

 

خبز الوجود

 

هناك...

في التراب

في عالمٍ مسحور

تتعشَّقه الظلمة

تغطيه الثلوج

ويلفُّه الصقيع بالوحشة والكآبة

دُفِنَت حبَّة صغيرة

لتموت!

*

وكما لو عرفتْ

أن عليها البقاء

في أعماق مجهولة

تكتنفها أسرارٌ عجيبة

أبتْ إلا أن تتحمَّل بفرح

ضيقَ المكان

حتى لا يبقى مكان

حتى يذوبَ سرُّها

وتفنى!

*

فتراها تعملُ بصمت

تمتصُ رحيقَ الأرض

فتضمُّها الأرضُ بمحبة وحنان

وتريق نفسَها أنغاماً

في سيلِ الأشعَّة الكونية

المنهمرِ عليها

كدفق ألحان وترانيم

من صدى التكوين الأزلي...

وفي أعماقها

تعجنُ أسرارَ الوجود

تجبلُ ذاتها بكيان أسمى

وتتعطَّر بموجات علوية!

*

وإذ يوشك عملُها أن يتم

فتذوي في مكانها

وتنتهي في زمانها

ترتعشُ فجأة

كما لو أن طاقة عظيمة تجتاحها

ثم تهتز بحركة سريعة

لا تبصرها عين

ولا يدركها عقل

فكأنها وهي تنازع الموت

تقتبل في أحشائها روحاً جديدة

لكنها لا تجزعُ ولا تضطرب

بل تمضي في عملها كما لو أدركت

أنها وهي تلفظُ الزمان

تصبح أقوى من الزمان

فما تلك الطاقة المتدفقة فيها

إلا طاقة الكلِّ تغمرها

وما تلك الارتعاشات اللطيفة

إلا اهتزازات أثيرية

تتناغم ونارَ الحياة

المتَّقدة في قلب الأشياء والكائنات

تتناغم وتلك العصارة

التي لا تنفك تغذي

الحياة في الموت

والموت في الحياة...

أو تلك رقصة

بين الكون والبذرة

فكأنها رقصة الانعتاق

من حبائلِ الزمان

أو كأنها سكرة الموت

فلا هي بعدُ في الوجود

ولا هي صارت في العدم

تعمل على الزوال

لكنها تنبض بالأمل

أن الزوال بقاء

وحياة وخلود...

*

فإذا وهي تلفظ الروح

تولد من جديد

من بقايا قشور

وعصارةِ بذرة

اختمرتْ بالروح

وبالحنينِ إلى الحياة...

*

وقبل أن يولدَ فيها الزمان

ليصدعَ لحاءها الميت

فتولدَ فيه متجدِّدة منتصرة

وتنطلقَ من الظلمة إلى النور

تقبِّل شفاهُ الحياة

ألسنةَ اللهب

فتخمد في البذرة القديمة

لتتَّقد في البذرة الجديدة

*

لقد نضج

خبز الوجود...

1984

***

 

نهر الحب

 

هذا الدفق

كيف تُرجِعه القهقرى

إلى مصدره؟

أرأيتَ يوماً

نهراً

يرجعُ من مصبِّه

إلى منبعه؟

أرأيتَ أبداً

صخراً

بعد أن تفجَّر

من جَوَّا حبَّته

يلتئمُ من وجعه؟!

*

أتُرى...

ذاك قانونُك تكسرُه؟!

أنْ لا درب

ترجعُ بنا إلى الورا

وأننا لا بدَّ نبلغ المستقرَّ

فلماذا تطلبُ مني

أنْ ذا قانونك

أنكِرَه؟

وكيف أعرف أنك

عليَّ لا تنصرُه؟!

*

آه...

يا للذرا!

إذا غارَ القلبُ

تهوي

فلا تدركه

آه...

يا للألم!

لا يثني الخنجرَ

وليس بعدُ عمقٌ يبلغُه!

تراك حقاً

تلوي زمني

تلجمُهُ إذا جرى

وتعود فتوقِفُه؟

*

آه...

آه منك...

تُفرِغ الشاربَ من رشفته

كأنه ما سكرَ

كأنه ما سرى

تكسرُ الكاسَ

ثم تعيدُ لحمتَه

تترعُه خمرتَه

ودون السقيا

موتٌ

كيفما حجبتَهُ

أسفرَ!

*

آه...

لماذا اخترتَ قلبي

دون الورى

بعد أن فاضَ الكوثرَ

تفرغُه؟

أتظنك بذلك تحييه؟

أبداً أبداً فأنا أعرفك...

قانونك لا تخرقُه!

بلى...

إنني أرى إلى حبي تحييه

إنما أنت تقتلُه!

***

 

النحَّات

 

إنك لا تعبأ بآلامي!

آه... أيها النحات الأعظم...

إن صخري رقَّ

وشفَّت سماتُه

فما لك بعدُ

تهذِّب خصالَه؟!

وهذي الدرَّة الثمينة

ألم تعدَّ لها في القلب

موضعاً يندر مثالُه؟!

فما لك بعدُ

تنكأ جراحَه؟!

*

إنك لا تعبأ بآلامي...

آه... من وَجْدٍ

لا ينتهي جمالُه

وكلما زادَ إشراقُه

أمعنتَ تحيي كمالَه...

آه... أيها النحَّات الأول

بات يخامرني شكٌّ

أنك ذا القلب تحييه

وتطلبُ وصالَه

تراك ألا تفنيه

إذا اكتملَ بين يديك؟

ألا تكسرُه

إذا أسكرَك اكتمالُه؟!

آه... آه... أيها النحات الأوحد

ألا اقبل صلاتَه

وانْهِ آلامَه!

*** *** ***

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود