منقولات روحيّة 

اصدار مستمر

 

إن سبب اختيار هذا الموضوع هو أنَّنا كلنا نعرف حتميَّة الموت، وأنه قدر لا مهرب منه، ومع هذا نثابر ونجتهد في إنكاره وعدم التفكير به، ونعتبر كل من يفكِّر به أو يتبادر إلى ذكره بأنه مصاب بالاكتئاب أو القلق أو الوسواس المرضي... الخ، وعندما يحدث الموت، نتعامل معه بسطحية بالغة، وبشعائر وفروض جوفاء، هدفها الحفاظ على مظهر اجتماعي لائق، وتطبيق قوانين معيَّنة لا تفيد شيئًا أمام قدسيَّة الموت وأهميَّته البالغة على المستوى النفسي والروحي.

ساعدت الحياة العصرية وسرعتها على إهمال الجانب القدسي والنفسي والروحي للموت، وأصبحت مجرَّد واجبات دينية واجتماعية عديمة الفحوى. أعطت الديانات السماوية اهتمامًا خاصًا للموت وقدسيَّته، ولكن مع الوقت وللأسف، ركَّزنا على النواحي الشعائرية والطقسية وأهملنا الجوانب الروحية والنفسية.

اهتمت معظم الحضارات القديمة بالموت ومعناه اهتمامًا خاصًا، نرى ذلك في كتابات السومريين وحضارات بلاد الرافدين والشام والإغريق والفرس والهند والصين واليابان، ونرى الطقوس الغريبة في حضارات أوروبا الشمالية أيام الفايكنغ وغيرهم، ونرى عمق الطقوس عند الأفارقة والهنود الحمر، وللأسف نقول إن معظم الحضارات تعاملت مع الموت بشكل أفضل بكثير مما نفعله اليوم، أما قمة العمق النفسي والروحي في هذا الموضوع، نجده عند الفراعنة وأهل التيبيت.

 

يتحدث شمس الدين التبريزي في كتابه المقالات (تمت ترجمته إلى العربية عام 2018 تحت عنوان أنا والرومي) عن "علم القال" أو "علم الرسوم"، أي المعرفة النظرية "الأرسطية المشائية غالبًا" عند الفقهاء والفلاسفة النسقيين، وكيف أنهم يخيفون الناس من الاقتراب منه بإيهامهم أنهم يحوزون شيئًا لا سبيل لغيرهم من الدنو منه وإدراك مراميه، ويتقصدون تقديمه بلغة مبهمة يكتنفها الغموض ليضمن لهم ذلك البقاء في موقع السلطة المعرفية (إنهم يثيرون الغبار، ثم يشكون من عدم وضوح الرؤية، كما يقول جورج باركلي). فقد حبسه العلماء والفقهاء داخل سجن من حديد وأحكموا إغلاقه (بمجموعة من المصطلحات المعقدة) في سبيل إخافة الناس منه. لكن الحقيقة غير ذلك، فهذا العلم الرسمي ليس سوى دودة يلُّفها تصور تخيًلي خادع، تضمحل أمام سطوع المعرفة الحقة "المعرفة الروحية الذوقية" وتتلاشى في لحظة. يقول:

 

 

المهم هو الاستماع، ليس فقط إلى مكلِّمكم، بل أيضًا إلى ردود فعلنا على ما يقال، لأن مكلمكم سوف لن يتناول أي فلسفة خاصة، إنه لا يمثل الهند بحال من الأحوال، أو أي واحدة من فلسفاتها. إننا معنيون بالمشاكل الإنسانية، لا بالفلسفات والاعتقادات. إننا معنيون بالحزن الإنساني، الحزن الذي هو عند أكثرنا والهم والخوف والآمال وحالات اليأس والاضطراب العظيم الكائن في شتى أنحاء العالم. بذلك نحن معنيون بصفتنا كائنات إنسانية، لأننا مسؤولون عن الفوضى العظيمة التي في العالم، مسؤولون عن الاضطراب، عن الحرب الدائرة في فيتنام، مسؤولون عن حوادث الشغب. إننا، بصفتنا كائنات إنسانية تعيش في هذا العالم في بلدان ومجتمعات مختلفة، مسؤولون بالفعل عن كل ما هو دائر. لا أحسبنا ندرك مقدار خطورة هذه المسؤولية. لعل بعضنا يحس بها ولذلك فإننا نريد أن نفعل شيئًا ما، أن ننضم إلى زمرة معينة، أو طائفة أو اعتقاد معينين، وأن نكرس حياتنا لتلك الإيديولوجيا، لذلك الفعل بعينه. لكن ذلك لا يحل المشكلة ولا يبدد مسؤوليتنا الخاصة.

يجب علينا، إذًا، أن نُعنى أولاً بفهم ما هي المشكلة، وليس بما علينا فعله؛ ذلك سوف يأتي لاحقًا.

 

 

الهندوسية Hinduism هي الديانة الأكثر انتشارًا في شبه القارة الهندية، وهي مجموعة كبيرة من المعتقدات والتقاليد الدينية التي تعود جذورها إلى أواسط الألف الثانية قبل الميلاد، وما تزال مستمرة حتى اليوم ولها من الأتباع أكثر من 900 مليون. وهي ديانة لا يعرف لها مؤسس محدد، وقد تطورت على مدى عصور طويلة عن ديانة سابقة، ما قبل تاريخية، يطلق عليها المؤرخون وعلماء الأديان تسمية "الفيدية" Vedism، نسبة إلى كتب الفيدا الدينية التي ظهرت في زمانها، وهي أقدم الكتب الدينية المعروفة في العالم.

ثم مرت الهندوسية بمرحلة وسيطة هي المرحلة البراهمانية Brahmanism، وهي مرحلة تبدأ تقريبًا في القرن التاسع قبل الميلاد، واشتهرت بكهنتها السحرة الذين كان يـُطلق على الواحد منهم تسمية "برا همان" Bráhman أو "براهمين" Brahmin، واقتصرت خدمتهم الدينية بشكل أساسي على تقديم القرابين وممارسة السحر، وكانوا يحظون بالمكانة العليا في المجتمع، ويعتبرون طبقته casta الأعلى، ويليهم طبقة الأمراء والفرسان Kshatriya، وتليها طبقة الفلاحين ومربي المواشي Vaishyas، ثم طبقة العمال والحرفيين Shudra، وأخيرًا طبقة المنبوذين Paria المعدومة المكانة والدور الاجتماعي.

 

 

منذ فجر التاريخ والإنسان يسعى إلى فهم نفسه وفهم ما يحيط به وفهم هذا الكون الواسع الذي يعيش به. كانت المفاهيم الأولى بدائية جدًا، قامت على عبادة قوى الطبيعة من شمس وقمر ومطر وجبال ورعد وولادة وموت ونار وريح... إلخ، ولكنها كانت إلى حد كبير بسيطة لكن متوازنة وفيها الكثير من التواضع والاعتراف بأن إدراكنا بسيط جدًا أمام تلك القوى الهائلة. كانت العبادات تجمع بين فلسفة بسيطة مصحوبة بتقاليد وشعائر بسيطة.

مع تطور الإنسانية، وحصول إدراك أكبر للإنسان لما يحصل حوله، بدأت تلك الفلسفات الدينية تتعقد وتأخذ مفاهيمًا أكبر، وبنفس الوقت تطورت الحالة الاجتماعية والمدنية بشكل أكبر وظهرت المدن ومن ثم الدول، مما تطلب وضع قوانين وشعائر. هذا التطور كانت له طبعًا فوائد جمة على حياة الإنسان وقيمه الاجتماعية والفكرية، ولكن حمل معه تناقضًا لم يكن موجودًا سابقًا على كافة الأصعدة، فظهرت القوانين مثلاً، والتي طبعًا تنظم العلاقات بين الناس وتحفظ حقوقهم وواجباتهم، ولكن بنفس الوقت فقدت الشفافية التي كانت موجودة، وأصبح القانون بطشًا أحيانًا وأصبح بيد الأقوى. ظهرت بنفس الوقت التصنيفات والطبقات الاجتماعية. على مستوى العبادة، لم تعد العبادة بالانسجام والبساطة نفسهما، وظهر تياران واضحان جدًا وأحيانًا كثيرة متناقضان: التيار الأول وهو الفلسفة، ويقوم على محاولة فهم الكون والألوهة من خلال تجارب عقلية ونفسية وروحية معينة؛ والتيار الثاني وهو الدين، والذي يقوم على ممارسة شعائر وطقوس معينة، واعتبار الألوهة أمرًا خارجيًا يجب تقديم الأضاحي والقرابين وصلوات معينة نحوها.

 

 

 

 

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 إضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

info@maaber.50megs.com  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود