الكوسموس التكنونانوي ومخاطر التلوث البيئي

 

علي دريوسي[*]

 

مدخل إلى الكوسموس التكنونانوي

قبل نحو 2500 عام، صاغ الفيلسوف اليوناني ديموقريطس نظريته في الذرة التي مفادها أن كلَّ مادة تتألف من واحدات صغيرة جدًّا هي الذرات، بينها فراغات، وأن تنوع الطبيعة ناتج عن تجمُّع ذرات مختلفة. وبهذا كانت نظريته هي الأهم آنذاك في جملة ما قيل بشأن الطبيعة.

يشهد العالم مع بداية الألفية الثالثة ثورة صناعية من نوع جديد هي الثورة النانوية التي يصفها بعض الخبراء بأنها "الثورة الصناعية الأخيرة في تاريخ البشرية". وتقوم التكنولوجيا النانوية على التشبيك والتنسيق بين العلوم البيولوجية والفيزيائية والكيميائية والميكانيكية والإلكترونية وعلم المواد وتقنية المعلومات، وذلك من أجل دراسة البُنى المكوِّنة للمادة الحية وغير الحية. وكما تبدلت حياة الشعوب في القرن العشرين نتيجة ثورة المعلومات والاتصالات، بدأت إرهاصات تبدل جذري جديد بالظهور بفعل التطور الهائل في مجال التكنولوجيا النانوية والبيولوجية والنانوبيولوجية والميكروية والبصرية.

تهتم النانوتكنولوجيا بنمنمة الآلات والأدوات والمواد إلى الدرجة النانوية وبتطوير أساليب الإنتاج والتحليل النانوي. وتعبِّر كلمة "نانو" في الفيزياء عن واحدة قياس تعادل 0.0000000001 من المتر. وعلى هذا الطول يمكن رصف حوالى ثماني ذرات بعضها بجانب بعض. وهكذا فإن النانومتر أصغر من قطر شعرة بشرية بحوالى 70000 مرة؛ في عبارة أخرى، يمكن مقارنة حجم الجسيم النانوي بحجم كرة القدم بالنسبة إلى حجم الكرة الأرضية! وتعود كلمة "نانو" في أصلها إلى اللغة اليونانية، وتعني عالم الأقزام الخرافي المتناهي في الصغر. وعليه، فإن عالم التكنولوجيا النانوية أشبه بعالم المخلوقات الخرافية غير القابلة للرصد بالعين المجردة، حيث تسري عليه قوانين الميكانيكا الكوانتية.

قام الباحث الياباني نوريو تانيغوشي بإدخال مصطلح "التكنولوجيا النانوية" لأول مرة في العام 1974، وذلك عندما حاول بهذا المصطلح التعبير عن وسائل وطُرُق تصنيع وعمليات تشغيل عناصر ميكانيكية وكهربائية في دقة ميكروية عالية. أما البوابة إلى عالم الذرات، فقد تم فتحها في العام 1982 بجهود الباحثَين السويسريين غيرد بينيغ وهاينريش روهرِر اللذين قاما بتطوير الميكروسكوپ الأدق من أجل رصد الذرات وإمكان التأثير فيها وإزاحتها؛ وبعد إنجازهما المشترك بأربع سنوات، حصلا على جائزة نوبل (1986). وفي العام 1991، اكتشف الباحث الياباني سوميو ليجيما الأنابيب النانوية المؤلَّفة فقط من شبكة من الذرات الكربونية. وبالقياس تم الحصول على مقاومة شد تفوق مقاومة شد الفولاذ بعشر مرات وعلى مادة أقسى وأكثر استقرارًا من الماس بمرتين على الأقل.

إن الطلب على المنتجات النانوية آخذ في الازدياد والنمو: ففي العام 2001، بلغ الإنفاق العالمي على المجال النانوي حوالى 54 مليار يورو؛ وتشير التوقعات إلى أن هذا المبلغ سوف يتضاعف أربع مرات حتى العام 2010. وفي العام 2004، وصل الإنفاق في الولايات المتحدة الأمريكية إلى حوالى 1070 مليون يورو، وفي اليابان إلى حوالى 810 مليون يورو، وفي أوروبا إلى حوالى 1150 مليون يورو، وفي ألمانيا إلى 250 مليون يورو. هذا وتوجد في ألمانيا اليوم حوالى 500 شركة ومركز أبحاث تهتم بتطوير ودراسة وتطبيق وإنتاج وتسويق هياكل غاية في الدقة وبتقديم الخدمات النانوية؛ ويبلغ عدد العاملين في القطاع النانوي حوالى 25000 عامل وعاملة.

تطبيقات التكنولوجيا النانوية

لقد نجح الباحثون في "مركز فراونهوفر للبحث العلمي" في مدينة فورتسبورغ الألمانية في اكتشاف وسيلة نانوية لدائنية لمعالجة السطوح شديدة القذارة التي لا يمكن تنظيفها بالوسائل المتاحة؛ وهذا ما يفتح آفاقًا جديدة في تقنيات تنظيف الحمامات ودورات المياه العامة والخاصة. وبهذا يكون قد أصاب الهدف مَن تنبأ بأن أشكال العمل في المجتمع العلمي المتقدم جميعًا، بما فيها تنظيف دورات المياه، ستكون ذات قيمة وسيتم الإقبال على ممارستها بمرح حقيقي ودون تذمر، وذلك لأن التطور العلمي الهائل سيوفر إمكانات تقنية عالية لممارسة الأعمال الروتينية. وعلى التوازي، نجح اليابانيون في إنتاج مسحوق نانوي عبارة عن ذرات من الذهب دقيقة للغاية لتنظيف دورات المياه دون بذل جهد إضافي.

هناك العديد من البحوث التي تموِّلها الحكومات مباشرة، كما في أمريكا الشمالية على سبيل المثال، وتهدف إلى وضع مخططات لمعالجة المياه الآسنة والنفايات السائلة الناتجة عن المصانع، وذلك عن طريق ضخ أو قذف الجزيئات النانوية عبر التربة، لتصل بذلك إلى أماكن وجود النفايات بغية هدمها وتحويلها إلى مواد غير ضارة عبر تفاعلات كيميائية خاصة؛ ولهذه الطريقة في معالجة النفايات مزاياها. وعلى التوازي من ذلك، هناك دراسات بشأن معالجة مياه الشرب والهواء الملوث، وذلك بقذف الجزيئات في الماء والهواء من أجل القضاء على البكتريا الضارة الموجودة فيهما. ومن أجل استرجاع هذه الجزيئات المقذوفة، تتم دراسة وتطوير أساليب مغناطيسية وطُرُق تصفية خاصة. وفي حالات أخرى، هناك دراسات حول تصنيع هذه الجزيئات بطُرُق خاصة، لتصير بعد استخدامها عبارة عن مواد قابلة للتحلل بطُرُق بيولوجية سليمة؛ وبذلك يمكن النظر إليها وكأنها مثل بقية المواد التي يُسمَح لها بالوجود في منظومتنا الإيكولوجية من دون مضاعفات.

وفي "معهد تطوير المواد الجديدة" في مدينة ساربروكن الألمانية، تم اكتشاف وسيلة نانوية جديدة بغية حفظ المخطوطات القديمة وحمايتها من التلف ومن تأثير العوامل الخارجية. وفي معاهد أخرى، تم تطوير مراهم وقائية جديدة بالاعتماد على الجزيئات النانوية، وذلك لاستخدامها للجسم والوجه واليدين، بما تضمنه من حماية مثلى للبشرة من تأثيرات المحيط الخارجي. وفي المجال الغذائي، يتم تطوير مساحيق غذائية نانوية لإضافتها إلى المادة الغذائية الأساسية بغية تحسين خواصها ومذاقها ولونها.

وفي عالم المادة النانوية، ستكون للمواد المنتَجة خواصها الجديدة، مثل خواص التجدد الذاتي وخواص الترابط الجزيئي بين مواد نانوية متباينة: فمادة السيراميك قد تسلك سلوك المادة الزجاجية لتصير شفافة؛ وقد يصير الزجاج لدنًا مثل مادة لاصقة؛ وستتصف المعادن بالقدرة على فقدان خاصيتها المغناطيسية واستعادتها ذاتيًّا.

وفي عالم الميكانيكا الهندسية، حقق الباحثون نتائج مذهلة في مجال السيطرة على عمليات الاهتراء والصدأ والتآكل الميكانيكي والكيميائي، وكذلك في مجال التغلب على هدر الطاقة الناجم عن الاحتكاك الميكانيكي، بما يمكِّن، بالتالي، من الاستغناء عن مواد التزييت والتشحيم؛ وهذا ما يساعد على إطالة عمر العنصر الآلي وزيادة مردودية الميكانيزمات العاملة.

وفي شركات صناعة السيارات، وبالتعاون مع الجامعات، تتم دراسة استخدام طُرُق ومواد نانوية جديدة في مجالات الطلاء والتغليف والعزل، لما لذلك من تأثيرات إيجابية في حماية الركَّاب من الإشعاعات، وكذلك المساهمة في تخفيف وزن العربات وزيادة صلادتها، وبالتالي، تخفيض مصروفها من الوقود. وهناك العديد من الأبحاث في مجال تطوير وتصنيع عجلات السيارات، التي ستتصف بالتكيف الأوتوماتيكي مع ظروف الطقس وطبيعة الأرض والعوامل الخارجية الأخرى.

وبواسطة الليزر النانوي والحسَّاسات النانوية، تتم دراسة تشغيل المواد المعدنية والتحكم في البنية البلورية للمادة المراد تشغيلها وفي أماكن توضُّع الذرات بهدف تغيير الطبقات السطحية للمواد.

كما أنه بمساعدة التكنولوجيا النانوية تتم دراسة التقنيات النانوية الهادفة إلى ترشيد استهلاك الطاقة من خلال استخدامها في الأجهزة الإلكترونية بغية تعديلها لتصير أوفر للطاقة. كذلك هناك أبحاث من أجل تحسين خلايا مواد الاحتراق وخلايا تخزين الطاقة الشمسية والبطاريات؛ وهذا ما ينعكس إيجابيًّا على مردود الطاقات البديلة واكتشاف إمكانات طاقية بديلة جديدة، ستكون في المستقبل القريب البديل الحقيقي للوقود الأُحفوري.

كذلك فإن الكثير من مشكلات الرياضيات المستعصية التي مازال حلها غير ممكن إلى اليوم ستجد الحلَّ المناسب مع التطور النانوي نظرًا للتطور السريع في مجال الأجهزة الحاسوبية ذات المعالجة النانوية ووسائط التخزين ذات القدرات الفائقة والوسائط المساعدة على إيجاد الحلول وتطويرها. لقد كان الباحثون الألمان في مدينة هامبورغ أول مَن استطاعوا تخزين المعلومات في ذرات قليلة وقراءتها. وإذا ما استمر النجاح في هذا الاتجاه فإنه سيصير من الممكن قريبًا تخزين كل ما تم إنتاجُه من الأدب العالمي على رقاقة بحجم الطابع البريدي!

لقد فتحت التكنولوجيا النانوية آفاقًا جديدة في المجال الطبي والجراحي: فهناك دراسات عديدة من أجل تطوير روبوتات نانوية يمكن إرسالها داخل الجسم للتعرف إلى الخلايا المريضة وترميمها، وكذلك للتعرف إلى محرضات الأمراض ومعالجة الأمراض المستعصية والأورام الخبيثة. وفي عالم الأدوية، ستكون للروبوت النانوي مساهمته عن طريق إيصال الحقنة الدوائية إلى الموضع المراد معالجته بدقة وبالتركيز الدوائي المطلوب من دون هدر.

أما في المجال العسكري، فإن الدعم المالي للأبحاث النانوية بات أمرًا بديهيًّا. فقبل حوالى عامين، تم في الولايات المتحدة الأمريكية، وبمبلغ قُدِّر بأكثر من 50 مليون دولار أمريكي، تأسيس "معهد البحوث التكنونانوية العسكرية" Institute for Soldier Nanotechnologies (ISN)، حيث إن جندي المستقبل سوف يرتدي بزة عسكرية "ذكية" مصنوعة من مواد تكنونانوية، مجهزة كومبيوتريًّا، تقيه الحرارة والبرودة والإشعاع وموجات الضغط وتكون، في الوقت نفسه، خفيفة الوزن ومريحة في التنقل. وهناك تجارب ودراسات حول إمكانية تلاؤم الجنود مع المحيط الذي يتعاملون معه، مثل إمكان القفز فوق جدران عالية وإمكانية المعالجة الذاتية للجروح.

إن الأمثلة التي طُرحت فيما سبق لا تشكل سوى غيض من فيض تطبيقات التكنولوجيا النانوية التي بدأت برسم ملامح المستقبل القريب. وكما هي الحال في التقنيات الجديدة كافة، يجب الاهتمام بمتابعة التطور التكنونانوي وتأثيراته الخطرة الممكنة التي مازالت مجهولة على البيئة وصحة الإنسان.

التكنولوجيا النانوية ومخاطر التلوث البيئي

إن أكثر من 90% من سكان البلدان المتقدمة لا يعرفون إلا النزر اليسير عن التكنولوجيا النانوية وتطبيقاتها ومخاطرها. فما هي الحال عليه – بالأحرى – في البلدان النامية؟!

تنطوي التكنولوجيا النانوية على إمكانية تثوير حياتنا. إلا أنها، في الوقت نفسه، قد تمثل التهديد الأعظم لحياة الإنسان والحيوان والنبات، حتى إنها تُعتبَر تهديدًا أخطر من تهديد أسلحة التدمير الشامل في القرن العشرين. ويرى الخبراء في المجال التكنونانوي أن التكنولوجيا النانوية تنضوي، باعتبارها "الثورة الصناعية الأخيرة في تاريخ البشرية"، تحت فئة المخاطر "الثورية" للقرن الحادي والعشرين التي ستجر ورائها مجموعة متلاحقة من المخاوف والأضرار. من هنا طالبت منظمةُ البيئة الكندية في العام 2003 بالتوقف عن دعم البحث العلمي في المجال النانوي وذلك لمدة عامين؛ وكانت حجتها في ذلك هو أن المشرعين، وطنيًّا وعالميًّا، لم تعد باستطاعتهم متابعة سرعة تطورات هذه التكنولوجيا الغامضة!

تخبئ هذه التقنية في ثناياها الخوف والخطر والترقب. وهكذا فإن مجرد الكتابة لتوضيح الجوانب السلبية والإيجابية للتكنولوجيا النانوية هو، في حدِّ ذاته، إنجاز غير سيء، وذلك بهدف إعلام الشرائح الأقل اهتمامًا بماهية هذه التقنية. فكلما كان مستوى الإدراك والوعي أعلى كان تقييم الإيجابيات والأخطار أكثر عقلانية، ولاسيما أنه في السنوات العشر القادمة سيتم طرح عدد كبير من المنتجات النانوية في السوق العالمية، هي عبارة عن مواد جديدة، كمًّا ونوعًا، ومجهولة في انعكاساتها البيئية، ومعظمها غير قابل للهدم بيولوجيًّا. لذا لا بدَّ من البدء مبكرًا بدراسة مدى خطورة هذه المنتجات على البيئة وصحة الإنسان. فحتى الآن لا توجد دراسات وإجابات مطروحة حول الأضرار والمخاطر البيئية لهذه الجسيمات النانوية؛ لذا لا يمكن البت فيما إذا كانت تمثل خطرًا بيئيًّا حقيقيًّا. يجوز الكلام على المخاطر البيئية للجزيئات النانوية فقط إذا تم إثبات أن بعض خواص هذه الجزيئات مضر وخَطِر على المنظومة الإيكولوجية؛ وإلا فإن الجزيء النانوي لا ينطوي على ضرر.

والأسئلة الأساسية المطروحة هي: هل في الإمكان ضبط الصناعات والتطورات النانوية؟ ما الذي يمكن حدوثه فعلاً إذا وقعت هذه التقنيات بين أيدٍ خاطئة؟ كيف سيكون تأثير الجزيئات ذات الخصائص النانوية الجديدة على الإنسان وصحته، وخاصة عند استخدامها كحقن لمعالجة الخلايا المريضة؟

إن الجانب الإيجابي للتطبيق التكنونانوي في المجال الإيكولوجي لا يعني بالضرورة غياب الإضرار والتثقيل السلبي على البيئة. وفي هذا السياق، سنستعرض بعضًا من ملامح الخطورة النانوية.

في المجتمع النانوي، سيكون الإنسان على تماس مباشر مع الجسيمات النانوية التي ستدخل الأجسام عن طريق تناوُلها مباشرة أو ابتلاعها أو تنفسها بطريقة غير مباشرة. وبحسب أسلوب الإنتاج المستخدَم، يمكن للجزيئات النانوية الوصول إلى التربة والماء والهواء، وبهذا ستشكل في السنوات القادمة نوعًا جديدًا من النفايات التي يجب التخلص منها أو إعادة تدويرها.

الأثر البيئي للذرات النانوية على النبات والحيوان

إذا ما تم امتصاص الجزيئات النانوية عبر جذور النباتات والأشجار أو عبر الهواء فإنها ستصل حتمًا إلى الإنسان والحيوان عن طريق الغذاء. وهنا تكمن الخطورة، وخاصةً إذا احتوت هذه الجزيئات خلال مراحل تصنيعها على مواد ضارة، أو إذا ما نقلت معها المواد الخطرة الناتجة عن عمليات تنظيف محددة قامت بها النانويات.

الأثر البيئي للذرات النانوية على المناخ

إن احتمالية التأثير السلبي للمنتجات النانوية على الدورة المناخية هي حتمًا مسألة تدعو إلى التبصر والتفكير الجدي. فقد تساهم النانويات في رفع درجة حرارة الغلاف الجوي أو خفضها في شكل ما. كذا فإن التأثير النانوي على المناخ ما يزال غير قابل للتقدير نظرًا لغياب الدراسات البيئية في هذا المضمار؛ إلا أنه يمكن التنبؤ الأولي بأن هذه النانويات، في العقود الثلاثة القادمة، ستكون ذات تأثير أقل بكثير من تأثير الانبعاث الغازي.

الأثر البيئي للذرات النانوية على دورة حياة الماء

بفعل التأثير الحراري، يتبخر الماء وتتشكل الغيوم، ثم تهطل الأمطار. ضمن هذه الدورة، سيكون باستطاعة الجزيئات النانوية أن تتوزع في وقت قصير جدًّا، ممهدةً بذلك الطريق لنقل المواد الضارة ونشرها. إن مدى تأثير النانويات على جودة الماء وسلوكه، وكمياتها المؤثرة، مازالا موضع سجال، مع العلم أن تغيرات صغيرة كافية لإحداث اضطراب محسوس في المنظومة الإيكولوجية.

الأثر البيئي للذرات النانوية على الهواء

إن تأثير الغبار النانوي على الهواء وجودته، وبالتالي، على صحة الإنسان عبر استنشاقه للهواء الملوث بالذرات النانوية، لأخطر بكثير من تأثير الغبار الدقيق وأدخنة وسائل المواصلات والمعامل، وذلك لأن الغبار النانوي يبقى متخثرًا في الهواء مدة أطول دون قابلية سريعة للترسب، مما يساهم في دخوله إلى الرئتين دخولاً أسرع. وفي الوقت الذي يمكن تخليص الهواء من الغبار العادي والدقيق وتقليله إلى الحدود الدنيا المسموح بها وفقًا للمواصفات العالمية، يصعب حتى اليوم تقدير إمكانات تخليص الهواء من الغبار والذرات النانوية، وكذلك تقدير حجم الصعوبات المرافقة لذلك، بما فيها الحاجة إلى أجهزة القياس المناسبة والمطوَّرة على أرضية التكنولوجيا النانوية.

الأثر البيئي للذرات النانوية على التربة

هناك مخاوف كبيرة في شأن مدى قدرة الذرات النانوية الدقيقة على حمل المواد الضارة وتوزيعها في التربة، ومن بعدُ نقلها إلى الكائنات الأخرى وتشكيل ارتباطات وتفاعلات سامة؛ حيث إن الغرام الواحد من الغبار النانوي كافٍ لتلويث مساحة لا تقل عن 1000 متر مربع. وبما أن القدرة الحركية للجزيئات النانوية كبيرة فإن هناك احتمالية عالية لانتقال المواد الضارة، بكميات كبيرة وسرعات عالية، إلى طبقات مختلفة من التربة، وخاصةً إذا كانت التربة رطبة وسرعة جريان الماء فيها كبيرة نسبيًّا.

الخلاصة

نتيجة للمخاوف والمخاطر الغامضة التي لا يمكن تقديرها بالشكل المناسب نظرًا لغياب الدراسات العلمية بهذا الشأن، لم يتم حتى الآن وضع مخططات للمعالجة البيئية للأضرار التي ستنجم عن هذه التقنيات الغامضة في مدى تطورها. والأسئلة التي ستقض مضاجعنا في المستقبل القريب، إذا ما تم إثبات جدية المخاطر النانوية والتأثيرات السلبية للتكنولوجيا النانوية على الهواء والماء والتربة والنبات والحيوان والإنسان، هي: ما هي المشكلات النفسية والاجتماعية والصحية التي ستعاني منها البشرية؟ كيف يمكن إعادة تصنيع المواد النانوية وتدويرها؟ كيف يستطيع الإنسان، وبأية وسائل، إزالة الذرات النانوية العالقة في طعامنا وشرابنا وهوائنا وتربتنا؟ ناهيكم عن أسئلة أخرى كثيرة ما تزال عالقة تنتظر لحظة البدء بتقديم اقتراحات وسياسات للتحليل وإيجاد الحلول.

إن تخليص الهواء والماء والتربة من الجزيئات النانوية يتطلب تضافُر جهود علمية وخبرات في المجال الاجتماعي والصحي والنفسي، وكذلك تقديم دراسات دورية منظمة حول التطور التكنونانوي وآفاقه. وأول المؤسسات التي ينبغي عليها، بدءًا من اللحظة الراهنة، المشاركة بتقديم الدراسات هي مراكز البحث العلمي وشركات التأمين الصحي ووزارات الصحة ومستشفياتها ومخابرها.

وفي هذا السياق – لحسن الحظ – بدأت تظهر منذ سنوات قليلة محاولات لتأسيس معاهد جديدة بمَحاور بحث علمية رئيسية، مثل علوم هندسة دراسة الأخطار في مجال المواد النانوية وعلم التحليل النانوي الذي يهتم بدراسة هياكل وشبكات ذات مقاييس ذرية وبقياس الخواص الميكانيكية والتركيب الكيميائي للجزيئات النانوية. كما بدأت تظهر بعض الكتابات في ميدان أدب الخيال العلمي تحاول تصوير خطورة هذه الثورة الصناعية الجديدة ومدى بشاعة ما قد ينجم عنها من مخاطر ورعب اجتماعي بيئي.

أخيرًا، يجب أن نلفت الانتباه إلى أنه، في حال حدوث التلوث النانوي، لن يكون استعمال الأقنعة الواقية ممكنًا، كما هي الحال في بعض أنواع التلوث السامة، وذلك لأن الحجوم النانوية الدقيقة سوف تجد طريقها إلى أجسامنا عبر القناع الواقي، مما يستدعي ابتكار وسائل وطُرُق جديدة للوقاية من التلوث النانوي. وفي الوقت نفسه، يجب التذكير بأنه في حال تطوير القناع الواقي لدرجة يصعب معها على النانويات التسرب عبرها، فإن المشكلة التي ستواجِه مستخدِم القناع الواقي المطوَّر هي الموت خنقًا لعدم استطاعته حينئذٍ القيام بالشهيق والزفير. ولحسن الحظ أيضًا، باشرت إحدى الشركات العالمية بحوثها من أجل تصميم وإنتاج أقنعة لحماية التنفس بالاعتماد على استخدام المواد والتكنولوجيا النانوية، وذلك بهدف بناء وحدة تصفية نانوية؛ لكن إنتاجها حتى اليوم تعترضه صعوبات غاية في التعقيد.

*** *** ***


 

horizontal rule

[*] يمكن الاتصال بالمهندس علي دريوسي على العنوان: daryusi@web.de.

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

Editorial

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود