<LINK href="favicon.ico" rel="SHORTCUT ICON">

 ميثاق العبرمناهجية - Charter of Transdisciplinarity

هذا الشعار مستوحى من شعار المركز الدولي للأبحاث و الدراسات العبرمناهجية، عن رسم أصلي للفنان البرتغالي الراحل ليماده فريتاس

 إصدارات خاصّة

Special Issues

  المكتبة - The Book Shop

The Golden Register - السجل الذهبي

 مواقع هامّة

Useful Sites

أسئلة مكررة

F.A.Q.

الدليل

Index

 معابرنا

 Maaberuna

عن يهود مصر

 

محمود الزيباوي

 

عاد الحديث عن يهود مصر في الآونة الأخيرة، ليتردد صداه في مختلف وسائل الإعلام. في نهاية العام الفائت، خرج نائب رئيس حزب "الحرية والعدالة" بتصريح طالب فيه يهود مصر بالعودة من إسرائيل إلى موطنهم الأصلي، واتهم بخفة عبد الناصر بطردهم من البلاد. أثار هذا التصريح عاصفة من الردود، وأشار الكثيرون إلى الدور الذي لعبه "الإخوان" في خروج اليهود من مصر. بعدها، أعلنت الصحافة عن فيلم تسجيلي طويل من اخراج أمير رمسيس يتناول تاريخ اليهود المصريين في النصف الأول من القرن العشرين، والموقع الذي احتلُّوه في البلاد على الصعيدين المجتمعي والسياسي. خرج الفيلم إلى صالات العرض في الشهر الماضي، وحاز إقبالاً جماهيريًا فاق كل التوقعات.

في خريف عام 1908، تمَّ العرض الأول لمسرحية إسرائيل على خشبة "مسرح ريجان" في باريس. ألَّفها الكاتب الفرنسي هنري برنشتين، وأراد من خلالها إلقاء الضوء على "المشكلة اليهودية" في فرنسا إثر اندلاع ما يُعرف بـ"قضية دريفوس" التي هزَّت المجتمع الأهلي على مدى أكثر من عشر سنين. كما هو معروف، اتُهم النقيب اليهودي ألفرد دريفوس في هذه القضية بالخيانة العظمى، وتمَّت تبرئته رسميًا عام 1906 بعد سلسلة من الأزمات السياسية والاجتماعية كشفت عن قوة النزعات "المعادية للسامية" في فرنسا. بعد انتهاء هذه القضية التي هزَّت الجمهورية الفرنسية، وضع هنري برنشتين مسرحيَّته، وكان بطلها شاب اريستوقراطي من أشرس "المعادين للسامية" يكتشف أنه ابن شرعي لوجيه يهودي من كبار رجال الاقتصاد، فينهار وينتحر. في شتاء 1928، عُرِّبت هذه المسرحية، وتمَّ عرضها بعنوانها الأصلي في القاهرة على خشبة مسرح رمسيس في عرض من إخراج يوسف وهبي. انتقدت مجلة الستار يومها بشدة اختيار هذا النص الفرنسي، وتساءلت: "هنري برنشتين اسم ضخم جدًا وله في عالم الأدب وسماء الفن شهرة واسعة، ولكن هل معنى هذا أن كل ما يكتبه يصلح لمسرحنا أو تراثنا؟".

استهجن محرِّر الستار نقل هذه المسرحية الفرنسية إلى مصر، وأضاف:

رواية اسرائيل هذه حادثة شخصية معينة لها قيمتها وأثرها في فرنسا، لأنهم يعلمون ما يرمي إليه برنشتين من ورائها. أمَّا هنا، أمَّا في مصر، فلن تتذوق لها معنى ولن تفهم فكرة المؤلف مهما وقفت البحث واستقصيت الأعماق، اللهم إلا إذا كنت من اولئك القلائل الذين تلقُّوا العلم في فرنسا وعاشروا الفرنسيين فعرفوا دخائلهم ودقائقهم. الرواية عاصفة دينية هوجاء، وحرب فكرية ضروس، تدور رحاها بين المسيحيين واليهود في أرض فرنسا. تدور حوادثها وتتابع مواقفها في فصولها الثلاثة في هدوء تام، فإذا أُسدل الستار الأخير ساءلت نفسك عن معنى هذه الرواية وخلاصتها، وتمضي الدقائق والساعات إذا شئت، ولكنك لن تظفر بطائل. أيُّ العنصرين انتصر في الرواية، المسيحي أم اليهودي؟ وأيُّ تعاليم أقرب للعقل المسيحية أم اليهودية؟ ولماذا يكره المسيحي اليهودي ويريد طرده من فرنسا؟ وما الغرض الذي رمى إليه المؤلف من العقدة التي بنى عليها فصول الرواية؟ وتتشاحن الأسئلة في رأسك ولكنك لن تجد جوابًا واحدًا مقنعًا. هذا رغم تقزُّزك واشمئزازك من التعصب الديني الأعمى، وما يصبُّه المسيحي فوق رأس اليهودي من عبارات السخط والتحقير والازدراء.

النسيج الواحد

يعكس هذا الموقف النقدي الانفتاح الاجتماعي التي تميزت به مصر في تلك الحقبة، ويختزل بشكل كبير بعدها عما يُعرَف في الغرب بـ"النزعة المعادية للسامية". في المقابل، يشهد لهذا الانفتاح بروز الكثير من الأسماء اليهودية في مختلف الميادين، من التجارة والاقتصاد إلى الصحافة والأدب، مرورًا بالمسرح والسينما والموسيقى والغناء. أرسى محمد علي باشا دعائم مصر الحديثة، واستمرت أسرته في انتهاج سياسة فتح أبواب البلاد أمام الأجانب، وساهمت هذه السياسة في ازدهار الطائفة اليهودية في الديار المصرية. وفد إلى أرض الكنانة الكثير من يهود أوروبا، ووجدوا فيها فرصًا للعمل، مما أدى إلى نمو الطائفة وبروزها في الكثير من الحقول. ضمت هذه الطائفة الصغيرة شرائح عدة، منها طبقة كبار الأثرياء، وطبقة رجال الأعمال البارزين، وطبقة صغار الباعة والحرفيين، ورافقت هذه الطبقات صعود مصر ونموَّها في العقود الأولى من القرن العشرين. في عام 1919، ثارت مصر في وجه السلطة الانكليزية المحتلة، وجمعت هذه الثورة تحت لوائها عناصر الأمة المتعددة، فألغى البريطانيون الأحكام العرفية، ووعدوا المصريين بالاستقلال بعد ثلاث سنوات مقابل ابقاء قواتهم في البلاد. رافقت مجلة اللطائف المصورة تلك الثورة، وكتبت في عددها الصادر في 28 نيسان:

تناسى الجميع الخلافات والأحزاب التي كانت تفرِّقهم، ونبذوا الأوهام والعقائد والخرافات، وأقاموا لهم دينًا واحدًا هو دين الله تعالى الذي أمر به في كتابه الطاهر، ونعني به دين المحبة، فمحبة الوطن وطَّدت دعائم محبة المسلم للقبطي ومحبة القبطي لليهودي ومحبة اليهودي للسوري ومحبة السوري بالتالي لإخوانه، وجعلت الجميع يهتفون معًا بصوت واحد ليحيى الوطن وليحيى الإخاء.

في تلك الحقبة، لحَّن سيِّد درويش وغنَّى من شعر بديع خيري نشيد قوم يا مصري وختامه:

ليه يا مصري كل أحوالك عجب
تشكي فقرك وأنت ماشي فوق دهب
مصر جنة طول ما فيها أنت يا نيل
عمر أبنك لم يعيش أبدًا ذليل
يوم مبارك تم لك فيه السعود
حب جارك قبل ما تحب الوجود
أيه نصارى ومسلمين قال أيه ويهود
دي العبارة نسل واحد مـ الجدود.

أثمرت ثورة 1919، وكانت ثمرتها الأبرز دستور 1923 الذي أقرَّ مبدأ المساواة في الحقوق المدنية والسياسية من دون تمييز بسبب الأصل أو اللغة أو الدين، كما نصَّ على ضمانات جديدة للطوائف والأقليات، وأكَّد حرية العقيدة والرأي والصحافة والتعليم، وحق استخدام أي لغة فيها. أحرز يهود مصر نتيجة هذه السياسة نجاحات ملموسة في مختلف مجالات الحياة المدنية، وباتوا جزءًا من الصورة المصرية الجامعة. في السنوات الأولى من الثلاثينات، برزت الحركات المعادية للسامية في اوروبا وتردَّد أثرها في مصر من دون أن ينعكس على الواقع المعيشي لليهود فيها. في نيسان 1933، نشرت مجلة كل شيء والدنيا صورة تمثل تظاهرة ضمت الألوف في حديقة هايد بارك في لندن "احتجاجًا على الاضطهاد الذي ينزله الألمانيون بيهود ألمانيا"، وحلَّت هذه الصورة في مقالة عنوانها: اليهود في مصر. رأى صاحب المقال أن يهود مصر يتمتعون بالحرية، وذكَّر بأن بعضًا منهم دخل البرلمان في سنة 1924، كما أن البعض الآخر "أعضاء في البرلمان الحالي، وفي مقدمتهم سيادة الحاخام الأكبر، وقد عُيِّن عضوًا في مجلس الشيوخ أسوةً بفضيلة شيخ الجامع الأزهر وغبطة بطريرك الأقباط". كذلك، شهدت مصر تسمية وزير يهودي في عام 1925، "وهو سعادة يوسف قطاوي باشا رئيس الطائفة الاسرائيلية في القاهرة". قدَّر هذا التقرير الصحافي عدد اليهود في مصر كلها "بنحو خمسة وثمانين ألفًا، منهم نحو أربعين ألفًا في القاهرة ونحو خمسة وعشرين ألفًا في الاسكندرية، أما الباقون فمنتشرون في سائر أنحاء القطر. ومن الأربعين ألفًا الذين يقطنون القاهرة ينتمي نحو 8000 أو 8500 إلى جنسيات أجنبية ولاسيما الجنسية الإيطالية، والآخرون كلهم مصريون، أمَّا في الإسكندرية فإن عدد اليهود الأجانب أكبر منه في القاهرة، على أنهم في سائر أنحاء القطر يؤلف اليهود المصريون ثلثي مجموع عدد اليهود".

استعرضت مجلة كل شيء والدنيا وضع اليهود في القاهرة والاسكندرية، وأشارت إلى منشآتهم الخيرية والعلمية، ومنها في القاهرة "مستشفاهم الشهير القائم في شارع الملكة نازلي"، و"ملجأ رعاية الأطفال في شارع سليمان باشا"، و"مدارسهم المجانية وغير المجانية في العباسية ومصر الجديدة، وهي تضمُّ بين جدرانها أكثر من 3500 تلميذ وتلميذة منهم عدد كبير يتعلمون ويأكلون مجانًا". وختم صاحب المقال كلامه بالقول:

مهما اختلفت الآراء في حركة الهتلريين ضد اليهود فلا يسعنا إلا أن نعترف بأن اليهود أثبتوا أنهم أهل نظام واتحاد وتضامن، وهي الصفات الثلاث التي تعتبر أساس كيانهم وبقائهم.

تتكرر صور الحاخام ناحوم أفندي والوزير يوسف قطاوي باشا في الصحافة المصرية طوال فترة الثلاثينات، وتشهد للحضور اليهودي في الحياة الاجتماعية المصرية في تلك الحقبة. في كانون الثاني 1933، الحاخام مترئسًا الاحتفال بذكرى "السيد الميمون" في العباسية. وفي شهر نيسان من العام نفسه، إلى جانب يوسف قطاوي باشا في "مظاهرة الاحتجاج على معاملة يهود ألمانيا". تتكرر أخبار هذه التظاهرات على صفحات المجلات، ويتكرر معها الحديث عن اضطهاد النازيين لليهود. بسذاجة عجيبة، تنقل مجلة المصوِّر صورًا تمثل "لجوء" اليهود الفارِّين من الاضطهاد الهتلري إلى أرض فلسطين، وترصد توقُّف اليهودي الأميركي أبرام كورلنبك في مصر قبل انتقاله إلى فلسطين لتنظيم حركة مقاطعة ألمانيا هناك، قبل أن تبدأ بنقل وقائع الصراع المشتعل بين الصهاينة والعرب، مشبِّهة انتفاضة فلسطين بثورة 1919. لا نجد في تتبُّع هذه الأخبار ما يُشبه النزعات "المعادية للسامية" المنتشرة في أوروبا. على العكس، تميِّز الصحافة بوضوح بين اليهودية والصهيونية، ويحافظ اليهود على موقعهم في المشهد المصري على رغم احتدام الصراع في فلسطين. تنقل الصحف والمجلات أخبار "انتفاضة القسام" في عام 1935، ثم الثورة الفلسطينية الكبرى في 1936، وتوقظ هذه الوقائع الحس القومي لدى الرأي العام المصري، إلا أن هذه اليقظة القومية لا تأخذ طابعًا دينيًا مناهضًا لليهودية.

المد الصهيوني

تتلبَّد الصورة في الأربعينات مع استمرار الهجرة اليهودية إلى فلسطين، ومجاهرة الكثيرين من زعماء بريطانيا بتأييدهم جعل فلسطين دولة يهودية. في نهاية شهر أيار 1944، تحت عنوان فلسطين أولاً، نشر اميل زيدان في مجلة الاثنين المصرية مقالاً حذَّر فيه من ضياع القدس نتيجة لصعود حركة الاستيطان الصهيوني، مؤكدًا "بوضوح وجلاء" أن حديثه عن الخطر الصهيوني لا يتعارض "مع العطف على يهود أوروبا، والرثاء الشديد لما ألمَّ بهم من اضطهاد وتشريد"، داعيًا إلى الفصل بين المسألتين، "فالمشكلة اليهودية غير المشكلة الصهيونية، ولعلَّ الخلط بين القضيتين هو من أسباب التبلبل في هذا الشأن". في مراجعة سريعة للصحافة المصرية، يمكن القول إن هذا التمييز صمد في أكثر من ميدان، لكن هذا الصمود لم يدم طويلا. شيئًا فشيئًا، انحسر الحضور اليهودي في مصر نتيجة صعود الصهيونية الغاصبة، وتجلَّى هذه الانحسار في الكثير من الأحداث.

في نهاية عام 1947، ذكرت مجلة الصباح أن بعض المتظاهرين اعتدوا "على متاجر بعض اليهود، لاعتقادهم بأن أصحابها يناصرون الصهيونيين ويؤازرونهم في اغتصاب فلسطين"، وقالت إن التظاهرات كانت "تدوي في الشوارع بزئير الشباب المتحمس المتعطش للجهاد". في هذا الخضم، صعد بشارة واكيم على الخشبة ليؤدي دوره في مسرحية حسن ومرقص وكوهين، وهو يقوم فيها بدور كوهين، "وفي أحد المشاهد، كان مفروضًا لأن ينطق باسمه، لكنه رفض أن يقول كوهين، وقال: أنا مرقص رقم 25، فضجَّ الجمهور بالضحك". في حزيران 1948، أعلنت مجلة الصباح إسلام النجمة السينمائية ليلى مراد، ونقلت عنها قولها "بأنها ستواظب على الصيام في شهر رمضان القادم". بعد فترة وجيزة، أكدت المجلة أن إسلام النجمة الكبيرة تمَّ بشكل رسمي في نهاية عام 1947، ونقلت عن السلطات الدينية المختصة بيانًا رسميًا بهذا الشأن. في تموز 1948، نقلت الصباح خبرًا مشابهًا مفاده أن الراقصة يسرية محمد "تبرعت بخمسة عشر جنيهًا للترفيه عن الجيش"، وقالت إن "يسرية محمد هي نفسها التي كانت تُسمى ليلى كوهين إلى وقت قريب ثم اعتنقت الدين الإسلامي".

تعكس هذه الأخبار "الصغيرة" التحوُّل الذي أنتجه اغتصاب فلسطين ونشوء الدولة العبرية، وتأتي في زمن تتحدث فيه الصحافة عن "اكتشاف مشاغبات يهود العراق"، وابتزار اليهود لأموال المصريين. مع صعود هذا الأحداث، تغيرت صورة اليهودي بشكل جذري في الخمسينات، واختلطت بصورة العدو بحيث صعب الفصل بين الصورتين. في الخلاصة، بقي العديد من نجوم مصر اليهود في مصر حتى منتصف الخمسينات، ونجد صورًا تنقل أخبار الطائفة في الصفحات الصحافية الخاصة بالنشاطات الاجتماعية في تلك الحقبة، غير أن الأخبار تضاءلت واختفت بسرعة في السنوات التي تلت مشاركة اسرائيل في "الاعتداء الثلاثي". بعد أكثر من نصف قرن، تتطلَّع مصر إلى الأمس القريب وتعيد استكشاف يهودها، وتسأل عن سبب اندثارهم. يحاول أكثر من باحث الإجابة عن هذا السؤال، والأكيد أن الشرخ الذي أحدثه نشوء الكيان الأسرائيلي الغاصب أدَّى بشكل أساسي إلى هذا الاندثار.

الحاخام الأكبر ناحوم أفندي وإلى يساره الوزير يوسف قطاوي باشا عند خروجهما من كنيس الإسماعيلية يوم تظاهرت الطائفة ضد "اعتداء الألمان على اليهود"، 1933

سيارة متجر يهودي تطوف في شوارع الإسكندرية وفوقها لافتة تنادي بمقاطعة البضائع الألمانية، 1933

الحاخام الأكبر ناحوم أفندي في يوم إحياء ذكرى العالم موسى الميموني في الكنيس الكبير في حارة اليهود، 1933

زواج يهودي من صفحة الاجتماعيات في آب 1954

*** *** ***

2013-04-13

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 إضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود