الطب البديل

فلسفته الترابط بين جسم الإنسان وفكره وروحه واتصاله بمحيطه

"طب بديل" أو "طب مكمِّل" وصل إلى لبنان... ولا اعتراف به

الجسم يعالج نفسه بنفسه بلا أدوية أو عمليات جراحية

 

تحقيق: جنى نصر الله

 

ثمة طب "بديل" يطرح نفسه في العالم، موازيًا للطب التقليدي ولا يلغيه. وقد وصل أخيرًا إلى لبنان. ووجود البديل مريح لطالبه، مهما يكن موضوع الوجع. فهو يعني وجود حرية اختيار، ويلغي الفرض والطريق الواحد الإجباري. وربما يكون بديلاً حقيقيًّا لليائسين من الطب العادي.

حقق العلم اكتشافات كبيرة تتراكم يوميًّا وتثير الدهشة والعجب، لكنه لم يقنع قلةً تدعو إلى التريث قبل الانزلاق في دوامة التطور التكنولوجي والانجذاب إلى عالمه الساحر. وفي رأيها أن أي تطور علمي، بقدر ما قد يحمل من سعادة للإنسان، يساهم في التسبب بموته المبكر. فالعَصْرَنَة، في هذا المعنى، هي عدو الإنسان، والتطور التكنولوجي يقصِّر الأعمار. ويستند أنصار هذه النظرية إلى المقولة التقليدية بأن متوسط أعمار أجدادنا كان أعلى مما بات اليوم، مع انتشار أمراض وأوبئة جديدة لم نكن نسمع بها من قبل.

لم يتوقف يومًا السِّجال على هذا المستوى. ورغم إدراك الناس مضارَّ الحياة العصرية، التي قد لا تؤدي بالضرورة إلى موتهم المحتم، فإنهم يجدون صعوبة بالغة في الإقلاع عن بعض مستلزمات هذه الحياة، أكان في الطعام، أم في قلة الحركة والاعتماد على وسائل النقل مهما بدت المسافة قريبة، أم في أي تفصيل آخر من تفاصيل حياتهم اليومية التي كانت سالكة قبل وجود هذه الاختراعات، ومنها – استطرادًا – الخليوي الذي يكنُّ له اللبنانيون على وجه الخصوص تقديرًا وتعلقًا كبيرين.

وفي ظلِّ الضغط الجسمي والنفسي الذي تخلِّفه العصرنة عمومًا تتزايد الأصوات الداعية إلى العودة إلى الطبيعة والحياة البسيطة، والابتعاد، قدر المستطاع، عن كل تعقيدات التطور التكنولوجي. ويبدو أن هذا النوع من الدعوات بدأ يلقى تجاوبًا، في وقت تبرهن فيه الأبحاث العلمية أن أضرار بعض أنماط الحياة العصرية باتت كبيرة؛ وقد بدأ الجنس البشري يحصد نتائجها أمراضًا مستعصية، ووفيات مبكرة، وأوجاعًا مختلفة باتت تُعرَف بأمراض العصرنة.

يشكل الطب "البديل"، وفق التعبير الشائع، إحدى هذه الدعوات التي تقدم أساليب علاجية جديدة، مغايرة تمامًا للمفاهيم التي يقوم عليها الطب الحديث أو التقليدي. ورغم أن تسمية "الطب البديل" تثير حفيظة الأطباء التقليديين الذين لا يؤمن معظمُهم في نجاعة هذه الأساليب العلاجية فإن الظاهرة باتت منتشرة في العالم، ولا سيما في أوروبا وأمريكا، وبنسبة أقل في بعض المجتمعات العربية – علمًا أن معظم الذين يلجأون إلى هذا الطب مرضى يئسوا من العلاجات التقليدية ورأوا أن لا خسارة في التجريب.

التعريف العلمي

يضم الطب "البديل" alternative أكثر من ثمانين مدرسة مختلفة الأصول، تلتقي على مبدأ فلسفي واحد هو مساعدة الجسم ليشفى وحده. على أية حال، لهذا الطب أسماء أخرى أكثر موضوعية في التعبير عن طبيعته، منها: الطب المكمِّل complementary، الطب الطبيعي natural، الطب الشامل holistic، الطب الناعم soft. ويعبِّر كلٌّ اسم منها، عمليًّا، عن أحد جوانب هذا الطب: فهو مكمِّل للطب التقليدي، رغم اعتراض بعض المتطرفين من كلتا الجهتين؛ يعتمد في علاجه على الوسائل الطبيعية التي تندرج في خانة الأدوية أو العلاج باللمس، مستندًا إلى الطاقة الموجودة في جسم الإنسان، ولا يقحم إجراء العمليات الجراحية ضمن اختصاصه، بل يعارضه كليًّا؛ وهو شامل لأنه يقوم على مبدأ الاعتناء بجسم الإنسان بصفته وحدة متكاملة، خلافًا للطب التقليدي الذي يتعاطى مع الجسم بشكل ميكانيكي، ويفصل بين أعضائه في معاينتها، بعدما أصبح هناك طبيب مختص لكلِّ عضو، أكانت وظيفته أساسية أو ثانوية.

ويعتبر الطب البديل أن ثمة رابطًا بين جسم الإنسان وفكره وروحه واتصاله بالعالم الخارجي، أو بالأحرى مع محيطه، وأن الجسم يعطي إشارات في حال حصول خلل معين فيه، وذلك قبل أن تتطور حال المرض بوقت طويل. ويمكن رصد هذا الخلل في صوت المريض ومشاعره، وحتى في رائحة جسمه. فالكل موجود في الجزء. إن فلسفة هذا الطب تقوم على اعتبار المرض نتيجة لعدم توازن بين الأعضاء الخمسة الأساسية في الجسم: الرئتان، الكبد، الطحال، القلب والكليتان. لذا يركز الطب البديل اهتمامه على رفع الطاقة في جسم الإنسان وتوجيهها نحو تحقيق الشفاء، متيحًا للمناعة الداخلية القضاء على المرض بأسلوبها الخاص. فالطاقة الحيوية vital force، بهذا المعنى، هي محور جسم الإنسان: إذا انخفضت مَرُضَ هذا الجسم؛ وإذا ارتفعت تماثَل إلى الشفاء.

شهرة متواضعة

يقول الطبيب العربي الكبير الرازي: "إن استطاع الحكيم أن يعالج بالأغذية من دون الأدوية فقد وافق السعادة." بهذا المعنى، فإن الطب العربي القديم يعتبر من ركائز الطب البديل، مثله كمثل الطب الصيني والطب الهندي، اللذين استفادا من تراثهما وطوَّراه بما يلائم البيئة الجديدة. ورغم الجذور العربية لهذا الطب فانه لا يزال حديث العهد في لبنان. وتقتصر شهرته على فئات نخبوية محددة قرأت عنه واطَّلعت على مفاهيمه وبحثت في طبيعة العلاجات التي يقدمها. فهو طب غير شعبي بهذا المعنى، ولا يزال يشكل علامة استفهام كبيرة لكثيرين؛ وهناك من لم يسمع به على الإطلاق.

وثمة عوامل عديدة تحول دون الانتشار الواسع لهذا النوع من الطب. فعدا عن أنه يطرح نفسه بديلاً عن الطب التقليدي – وهو ما لا يستسيغه عموم الناس – فإن الأطباء المتخصصين في بعض مدارسه العلاجية لا يتجاوز عددهم عدد أصابع اليد، وهم غير مسجلين في نقابة الأطباء (فلا يحق لهم مزاولة مهنة الطب)، بينما يؤدون وظيفتهم بصفة اختصاصيين. ومن ناحية أخرى، يعجز كثيرون عن تحمل تكلفة علاجات هذا الطب. وإذا كان أطباء "البديل" يعتبرون أن العلاجات التي يقدمونها تغني عن جراحة تتجاوز تكلفتُها أضعاف ما يتقاضونه، فإن المرضى يسارعون إلى التأكيد على أن وزارة الصحة أو الضمان الاجتماعي يتكفلان عادة بتغطية نفقات الجراحة، في حين أن لا أحد يعترف بوصفات الطب البديل في لبنان؛ فعلى المريض وحده أن يتحمل كلفتها – وهو ما لا يقوى عليه الجميع.

على أية حال، بدأ الاهتمام بهذا الطب يتصاعد تدريجًا. وقد انعقد في أيلول الماضي، للمرة الأولى في لبنان، "المؤتمر العربي الدولي للطب البديل"، شارك فيه أكثر من عشرين محاضرًا جاؤوا من بريطانيا وروسيا والنمسا والهند وباكستان والسعودية والبحرين ومصر وسواها. ولم تكن تلك الإشارة الوحيدة إلى توسع الاهتمام بهذا الطب. فقبل نحو عام أنشئ مركز للطب البديل في منطقة خلدة، هو الأول من نوعه في العالم العربي، وذلك من جراء تضافر جهود مجموعة من المؤمنين بأهمية هذا الطب في علاج الأمراض المستعصية وضرورة اتباع أسلوب حياة مغاير للأساليب السائدة والمدرجة في خانة العصرنة.

يقول مدير المركز جوزف صباغ أن "فكرة إنشائه تعود إلى الإيمان بأهمية الطب البديل وقدرته على حلِّ الكثير من المشكلات التي يواجهها جسم الإنسان ويعجز الطب الكلاسيكي في بعض الأحيان عن حلِّها. وعدا عن ذلك، هناك كثيرون يئسوا من علاجات الطب الكلاسيكي، ومن تناول كميات كبيرة من الأدوية، ومن صدور دراسات متناقضة حول المرض نفسه وطريقة التعامل معه وعلاجه. هذه الأسباب مجتمعة دفعت إلى إنشاء المركز، علمًا أن الطب البديل منتشر جدًّا في أوروبا؛ وقد أثبت فاعليته بشكل كبير، وارتفعت نسبة الذين يؤمنون به. ولعل خير دليل على جدية هذا الطب هو أن العائلة المالكة في بريطانيا اعتمدته منذ أعوام طويلة".

يتعامل مع هذا المركز 11 طبيبًا يغطون مدارس مختلفة في الطب البديل، منها: علم القزحية Iridology، الذي يشخِّص حال الأعضاء كافة في جسم الإنسان من خلال حدقة العين؛ والطب التجانسي Homeopathy، الذي يعتمد على مقولة "داوِني بالتي كانت هي الداء"؛ والرولفنغ Rolfing، الذي يرتكز على التدليك العضلي العميق لتحرير البنية الفسيولوجية للجسم ومساعدته في إعادة ترميم وتقويم نفسه بنفسه؛ ومدرسة الأيورفيدا Ayurveda الهندية، التي تقوم على تغذية متوازنة لرفع كفاءة جهاز المناعة بالارتكاز على خصوصية الفرد وتركيبته؛ وعلم المنعكسات Reflexology، الذي يعتمد على الضغط على النقاط الانعكاسية في الجسم؛ وطريقة غسل الأمعاء Colonic Irrigation، وتُستخدَم فيها حقنة شرجية لتخليص الأمعاء من السموم التي تتكدس فيها وتتسبب في اعتلال الجسم.

توافق وتباين

ولا شك أن تسمية "بديل" لا تعبِّر بدقة عن مفهوم هذا الطب، وخصوصًا أن الاستغناء عن الطب الكلاسيكي، غير وارد أو مطروح أصلاً. واللافت أن هناك عددًا من الأطباء المتخصصين في الطب البديل سبق أن درسوا الطب الكلاسيكي وتخصَّصوا في مجالاته المتنوعة، وتخصصوا من بعدُ في الطب البديل، ويمارسون عمليًّا الاختصاصين في آن واحد من دون أي تعارض أو تضارب.

والحديث عن الطب البديل يحتاج إلى مناقشات واسعة ومستفيضة بين أهل المهنة في الدرجة الأولى – وعنينا الطب البديل والطب الكلاسيكي – والتعاون بينهما يعود بالفائدة على المجتمعات التي تصبو في نهاية المطاف إلى تأمين سعادة الإنسان وراحته الصحية والنفسية. أما العداء الذي قد يناصبه أنصار كلِّ فريق للآخر فلن يخدم الطب ولا الأطباء ولا المرضى. وما دامت المناقشات تتناول موضوعات علمية فإن إثبات صحة الاتجاهات المتباينة ليس بالأمر الصعب أو المستحيل!

الري القولوني يعالج داء العصر في الأمعاء

الأمعاء "بيت الداء" في عصرنا. وكلما ابتعد المرء عن الأطعمة الصحية وأكثر من تناول المصنعة والمحفوظة والوجبات الجاهزة عرَّض صحة أمعائه لمشكلات خطيرة ومعقدة. وحين تتكدس السموم في الأمعاء بفعل الإمساك المزمن تتسرب خلاصة هذه السموم إلى الكبد وأنحاء الجسم بواسطة الدم. وغسيل الأمعاء أو الري القولوني من التقنيات المعتمدة في الطب البديل للتخفيف من احتمال اعتلال الجسم في زمنٍ تطوِّقُه الملوثاتُ من كل حَدَبٍ وصوب.

ليست تقنية الري القولوني حديثة العهد، بل تعود إلى حضارة ما بين النهرين؛ غير أنها كانت آنذاك بدائية جدًّا. أما اليوم فأُدخِلت عليها تقنيات حديثة وأصبحت تعتمد على أجهزة فعالة وآمنة وسهلة الاستخدام.

يقول د. ناجي حنا – وهو طبيب صحة عامة ومتخصص في الري القولوني – إن أسبابًا مرضية وأخرى غير مرضية تتسبب في اعتلال الأمعاء، منها طبيعة الطعام وأنواعه وكيفية تناوله، إلى قلة الحركة وعدم ممارسة الرياضة بانتظام. لذا، لا يبدو تفصيلا نافلاً أن يتحول داء الأمعاء إلى مرض العصر".

يرمي الري القولوني إلى تنظيف الأمعاء من الأوساخ والرواسب العالقة بها وتحسين أدائها وحركتها، مما ينعكس إيجابًا على الأعضاء المجاورة. أما التقنية المعتمدة فسهلة وغير متعبة، وتقوم على ضغط المياه في الأمعاء مما يساعد على تحلُّل الرواسب؛ ثم يلجأ المعالِج إلى نظام الذبذبات لإزالة الأوساخ الملتصقة بغلاف المصران نهائيًا.

الخيروبراكتيكي يعالج آلام الظهر باليدين

تُعتبَر آلام الظهر والعمود الفقري من الأمراض الأكثر شيوعًا. ولا ينصح الأطباء غالبًا بإجراء عمليات العمود الفقري، أو "الديسك"، لأن نسب نجاحها غير مضمونة، وخصوصًا أن عوارض المرض قد تعاود الظهور. ويقترح الطب البديل تقنية "الخيروبراكتيكي" Cheiropractice التي تعني "الممارسة بواسطة اليدين".

وقد أعاد د. ديفد بالمر اكتشاف هذا الطب قبل نحو 120 عامًا – علمًا أنه كان موجودًا في عصر الفراعنة – فذاع صيتُه في الولايات المتحدة، وبات يدرَّس في كلِّيات الطب كاختصاص قائم في ذاته.

ويشير د. غازي نحلة إلى أن "الحالات التي تستوجب العلاج بالخيروبراكتيكي كثيرة، وتشمل كلَّ ما يتعلق بالعمود الفقري والمفاصل وأوجاع الظهر والرقبة والرأس وداء الشقيقة migraine والخدر في اليدين والرجلين وسواها". ويضيف أن العلاج "يرتكز على العلاقة التي تربط بين العضلات والعمود الفقري والأعصاب. ذلك أن الجهاز العصبي، كما هو معروف، يغذي كلَّ أعضاء الجسم؛ وأي خلل في مسار الأعصاب التي تتفرع كلُّها من العمود الفقري يتسبب في مشاكل في الأعضاء. أما آلية العلاج فترتكز على تحريك العضلات بواسطة آلات لتحريرها من الضغط، ثم على تقويم الفقرات وتحريك العصب. في معنى آخر، يعتمد علاج الخيروبراكتيكي على ضبط الفقرات لتساعد الطاقة العصبية في مسارها الطبيعي، بما يحافظ على سلامة الجسم. كما يعتمد على العلاجات الفيزيائية، بدون الجري للجوء إلى الجراحة – إلا في حالات التأخر في اكتشاف المرض، أو تعرض المريض لحادث معين".

ويشير د. نحلة إلى أن "الحالات الخاصة، كعدم تكامل النمو في العمود الفقري، قد لا تجد العلاج الشافي في تقنية الخيروبراكتيكي؛ إذ لا يمكن إعادة النمو لعضو فاقد النمو أصلاً، ولكن يمكن مساعدته بتقوية العضلات بواسطة تمارين تعيد التوازن إلى الجسم".

الطب الصيني: الأقدم

ليس هناك مرض غير قابل للعلاج، بل هناك طبيب فاشل. هذه الفلسفة يقوم عليها الطب الصيني Oriental medicine، الذي يعد أقدم طب شامل وشائع في عصرنا.

يؤكد د. جميل حديب، الذي درس هذا الطب في الصين، حيث أمضى عشرة أعوام وتخصَّص في الوخز بالإبر والكي بالسيخ، أن "الطب الصيني يعالج لبَّ المرض، في حين أن الطب الغربي يعالج الغلاف فحسب؛ وهنا يكمن الفرق. تتحدث الفلسفة الصينية عن وجود قنوات في الجسم غير مرئية تصل بين أعضائه، وتنقسم بين رئيسية، وعددها 12، وفرعية، وعددها 15، وتكميلية، وعددها 80. تنتشر هذه القنوات وتتقاطع في جميع أنحاء الجسم لتربط بين الأعضاء الداخلية والأنسجة والجلد والرأس والعمود الفقري والأطراف. أما المرض فهو عبارة عن ظهور خلل في عمل إحدى هذه القنوات. عندئذٍ يأتي دور الوخز بالإبر، وهو أحد علاجات الطب الصيني، الذي يسعى إما إلى فتح هذه القناة في حال وجود احتقان معين وإما إلى التخفيف من قوة عملها إذا زادت عن حدها الطبيعي".

وعلاج الوخز بالإبر اكتُشِفَ مصادفة عندما ظهر أن الضغط بأجسام صلبة، كالصخور والعظام، على نقاط محددة في الجسم يخفِّف أعراض المرض أو يزيلها. ويشير حديب إلى أن "الخبراء في الطب الصيني اكتشفوا 669 نقطة وخز في جسم الإنسان، واعتبروا أن الإحساس بالألم أو الخدر أو الانفتاح أو الثقل الناتج من عملية الوخز ينتقل باتجاه معين بحسب الأسلوب المعتمد في غرز الإبر". ويلاحظ أن "الوخز بالإبرة على إحدى نقاط الجلد يتسبب عادة بردِّ فعل في نقطة أخرى أو في أحد الأعضاء الداخلية. وهناك اعتقاد طبي صيني بأن نقاط الوخز تنقل وظائف الأعضاء الداخلية وتغيراته إلى سطح الجلد، وتنقل، في المقابل، الأحاسيس الجلدية إلى داخل الجسم".

وقد أظهرت التجارب الطبية الحديثة أن الوخز بالإبر يقوِّي وظائف الجسم وينسِّق في ما بينها من خلال الجهاز العصبي المركزي، وتنظيم دقات القلب، ودرجة حرارة الجسم، والتنفس، وضغط الدم، وإيقاف التشنجات، ومداواة الشلل. كما يمكنها أن تحسن التوازن في أجهزة الإفراز الداخلية والخارجية؛ أي أنه يؤثر في وظائف إفراز الغدد عمومًا. ويساعد الوخز بالإبر على تغيير العمليات الكيماوية داخل الجسم، فيسرِّع عملية قذف العناصر السامة إلى الخارج برفع كفاءة الجسم في امتصاص المواد الغذائية وتركيبها وخزنها واستخدامها. وقد أدرج خبير الطب الصيني شو ليان نحو 200 مرض يمكن الشفاء منها بواسطة الوخز بالإبر.

إلا أن "العلاج الأذني" اعتُبِرَ بمثابة ثورة في الطب الصيني. فالأذن [التي يشبه شكلها شكل الجنين المقلوب في رحم الأم – المحرِّر] متصلة بجميع القنوات الرئيسية والفرعية؛ إذ تنعكس عليها التغييرات الفيزيائية والمرضية في القلب والكلى والدماغ والكبد والطحال والأمعاء الغليظة والأمعاء الدقيقة والإفرازات الهرمونية. وعلى هذا الأساس، اعتبر أن الوخز بالإبر على صيوان الأذن الخارجية يساهم إلى حدٍّ بعيد في الشفاء.

الطب التجانسي: لا مرض بل مريض

يرتكز الطب التجانسي على مساعدة الجسم ليعالج نفسه بنفسه، فيداوي الداء بمحلول من عشبة أو مادة طبيعية مخفَّفة جدًا تحرِّض العوارض نفسها التي يعانيها المريض في حال استُخدِمَت بشكل مركَّز. يعود اكتشاف هذا الطب إلى القرن الثامن عشر على يد الطبيب الألماني صاموئيل هاهنمان الذي كان يعيش في منطقة تكثر فيها المناجم؛ وقد شعر بعجز عن مداواة المرضى، خصوصًا أن الطب آنذاك لم يكن متطورًا، فقرر اعتزال مهنته والانتقال إلى ترجمة الكتب العلمية. في هذه الأثناء حصل على كتاب للصيدلي وليم كوليم عن علاج مرض الملاريا بالكينا، فقرر أن يطبق العلاج على نفسه، وصار يدوِّن كلَّ ما يشعر به بعد تناوُل عشبة الكينا. ولاحظ أنه، بعد انقضاء فترة معينة، بدأ يشعر بعوارض الملاريا. فسجَّل اكتشافه الأول الذي يقول إن أية مادة طبيعية تتمتع بهيكليَّة معينة تعمل على الشفاء من مرض معين؛ ولكنها تتسبَّب في عوارض المرض نفسه بعد تناولها بكمية كبيرة، وكأن لهذه النبتة "ذاكرة". وكان أن سمى هاهنمان اكتشافه هذا بـ"نظرية التشابه" loi de la similitude. غير أن هاهنمان لم يكتشف عمليًّا الطب التجانسي، بل أعاد اكتشافه، لأنه كان موجودًا قبل ألفي عام. ويُعتبَر أبقراط مكتشفه الأول؛ إذ سبق أن قال بأن المرض أما أن يُعالَج بمثله أو بضدِّه، علمًا أن الطب العربي اعتمد في أسُسه على الطب التماثلي الذي شكَّل المرجعية في أعمال ابن سينا.

ويؤكد د. عبد الحسن فاعور أن الطب التجانسي يعتمد "على إعطاء المريض مقادير ضئيلة من كلِّ مادة ذات تأثير فارماكولوجي تستطيع أن تولِّد علامات مرضية عند إنسان سليم. ويلفت إلى أن نظام اللقاحات المعتمد في الطب الحديث يقوم على مبدأ الطب التجانسي عينه؛ إذ إنه يلقح الجسم بعيِّنة من المرض التي قد يُصاب بها المريض لخلق مناعة لديه. لا يدَّعي الطب التجانسي القدرة على علاج كلِّ الأمراض، ولا سيما تلك الناتجة من نقص في الولادة، بل "يقتصر على الأمراض التي يستطيع الجسم أن يعالجها بنفسه من خلال إعطائه الدواء الذي يقوِّيه وينشِّطه ويساعده في فرز المواد التي تعالجه". في الطب التجانسي ليس هناك مرض بل مريض؛ ولذلك يولي أهمية خاصة للعامل النفسي. والإنسان، بحسب هذه المدرسة، مكوَّن من أربعة عوامل أساسية هي: البنية، المزاج، الاستعداد للمرض، والشخصية. ويرتكز تشخيص المرض، واختيار الدواء المناسب من بعدُ، على هذه العوامل مجتمعة. ويعيد الطب التجانسي بهذا المعنى الطاقة إلى الجسم ويسعى إلى تحفيزه وإزالة العوائق التي تمنعه من حفظ توازنه.

ولا تختلف عقاقير الطب التجانسي عن تلك المستخدَمة في الطب العادي. فكلاهما مستخرج من نباتات ومعادن وأملاح ومواد حيوانية. غير أن الاختلاف يكمن في طريقة التحضير وطريقة تناول الدواء، وليس كميته. وتحضير الدواء يرتكز على تخفيف المادة بالماء بنسبة 1 في المئة، وصولاً إلى تخفيفه أكثر من ثلاثين مرة، على أن ترافق كلَّ عمليةِ تخفيفٍ عمليةُ خلط وخضٍّ بآلة خاصة لإعطائه قوة؛ ذلك أن العلاج يكون على مستوى ذبذبات المادة المخلوطة بالماء، وليس على مستوى المادة نفسها. ويُفترَض في العلاج أن يدلَّ الجسد إلى موضع الخطأ فيه كي يصلحه.

علم القزحية: حال الجسم في العين

يُعتبَر علم القزحية، القائم على معرفة حال أنسجة الجسم من خلال قراءة قزحية العين، من الاكتشافات القديمة التي تعود إلى القرن التاسع عشر. وفي الرواية التاريخية أن الطبيب الهنغاري فون بكزلي لاحظ مصادفةً بقعة سوداء في عين طائر بوم كان يعاني كسرًا في رجله؛ ومع معالجة هذا الكسر تغير لون البقعة.

تعمَّق بكزلي في دراسة قزحية العين ومدى ارتباطها بجسم الإنسان، ثم وضع أول خريطة لقزحية العين، محدِّدًا عليها مواقع أعضاء الجسم، ونشر الخريطة في كتابه الأول عام 1866. وما لبث هذا العلم أن انتقل إلى أوروبا وتطور بشكل كبير في ألمانيا، حيث صدرت أهم المراجع المتخصصة فيه، ومنها انتقل إلى إنكلترا وأمريكا.

ويقول الاختصاصي غطفان صافي أن "علم القزحية يرتكز على رؤية تحليلية لأعضاء الجسم وبنيانها الخَلقي من خلال العين، ويتعمق في معرفة أسباب المرض ومراحل نموه وتطوره حتى قبل ظهور عوارضه. ولا يكتفي هذا العلم بقراءة عوارض المرض السطحية، بل يحاول معرفة أسبابه الوراثية، أو تلك الناتجة من فقدان التوازن في وظائف الجسم المثقل بالسموم الذي فشلت أجهزتُه في طردها. كما يسعى إلى ربط العلاقة بين أجهزة الجسم ووظائفها واحتمالات تعرضها لانتكاسة".

ويرمي علم القزحية إلى تحقيق جملة أهداف أهمها: استباق الأمراض قبل ظهور العوارض التي لا يشعر بها الإنسان إلا عندما يكون المرض قد بلغ مرحلة متقدمة؛ في حين أنه يمكن، من خلال العين، تحديد نقاط الضعف والأعضاء التي قد تتعرض لانتكاسة، وبالتالي معالجة أسباب المرض قبل حصوله، والكشف عن مستويات أداء أجهزة المناعة، وتحديد العلاقة التي تربط أجهزة الجسم بعضها ببعض، والكشف عن مدى كفاءة الجسم أو قصوره في امتصاص الأغذية إلى النقص في الفيتامينات والمعادن.

يرتبط علم القزحية ارتباطًا مباشرًا بعلوم الطب الطبيعي التي تعتمد على تنظيف الجسم من السموم؛ وهي أكثر العلوم دقة في معرفة بنية الإنسان الفسيولوجية وتحديد مناطق القوة والضعف في جسمه.

أما العلاج فيعتمد حمية خاصة diet therapy لتنظيف الدم detoxification & purification ويوفر الإنزيمات الحية لاسترجاع التوازن داخل الجسم وتحقيق الشفاء الذاتي والطبيعي.

ويقول صافي إن "العلاج بواسطة الطعام يعيد البرمجة الأساسية لجسم الإنسان، ويركِّز على الخضر والفواكه والقليل من اللحم. فنحن لا نضيف جديدًا إلى الطبيعة، بل نستفيد من إمكاناتها إلى أقصى الحدود؛ ولا نصف أدوية، بل نحاول إعادة تنظيم الجسم. إنها عملية إعادة تأهيل أكثر مما هي علاج للمريض".

*** *** ***

عن النهار، الخميس 16 كانون الثاني 2003

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود