هكذا أمضي في النسيم

 

دانييل تورشيا

 

إلى الأخ خليل في عيد الحرف

 

يحتل دانييل تورشيا (1945-1979) مكانة متفرِّدة في الشعر الروماني المعاصر. وذلك عائد لاعتماده في شعره على ثلاثة مصادر: الليتورجيا المسيحية والثيولوجيا المشرقية (الأرثوذكسية)، اللتين يغرف منهما كثيرًا في تشكيل عالمه الشعري ومناخاته، ناهيك عن كلمته المقتضبة، المجرَّدة حتى الوميض.

يُحيلنا تورشيا، الذي يحظى بجذور قريبة جدًّا من جذور النحات برانكوزي، إلى خبرة روحانية، تذكِّرنا، من دون أدنى شك، بخبرات كلٍّ من الصوفي أنغيلوس سيليسيوس ونوفاليس. فإذا كان الحقل الشعري عند الشاعر الروماني يبدو مفتوحًا، غير محدَّد، فإن أداته – أي العبارة التي توضِّحه – تجعل من نفسها خاضعة له.

ضمير "أنت" في قصائد تورشيا ليس سوى مخاطَبة للخالق. من هنا علينا فهم كثرة استعماله لهذا الضمير.

سمحت لنفسي بإهداء الترجمة لأن الأخ خليل من دير الحرف هو الذي أهداني مجموعة تورشيا التي اخترت منها القصائد، وهي بعنوان عيد الغطاس.

اسكندر حبش

***

 

إيمان

 

سنؤمن ذات يوم

بأننا كنَّا، فيما مضى،

هنا

في البعيد

في الأمس، الآن

مضى ذلك بهدوء، بشكل غير طبيعي

تقريبًا

في المساء

في قلب صحراء الأورانيوم الملوَّن

بدءًا من الغيوم ذات الأثلام

ثمة أمراض شمسية رائعة

أثلجتْ في داخلنا، أو فوق

جبل أرارات

أو أيضًا مداعَبات افتتحت الألفية الجديدة

آه، أيتها الثمار المسكونة بالخزامى.

 

شفق

 

منطفئة

تبقى

الروائح فقط

أوتار

لا تُمَسُّ

مثل الروح

تقريبًا.

 

المرة الأولى

 

ما نراه

هو ما لا نستطيع أن ننظر إليه

ما نسمعه هو ما لا نستطيع قوله

كما لو أنك ولدت في قلب الشمس

كما لو أن كلَّ ما تعرفه

قد مات

هاكم

يستيقظون

من بين الأقمشة

مثل خيمة يخرجون

يرتفعون مثل شعلة بطيئة

ويرون أنفسهم

يرون أنفسهم

للمرة الأولى.

 

قريب جدًّا

 

مزهرية

 

لأكن بنظرك

غريبًا

كما أنا.

 

غصن

 

لأكن بنظرك

شجرة زيتون

صلاتك، ربما،

قد أسمعها.

 

اليوم المدهش

 

(1)

الحياة

تغطي كلَّ شيء

حياة

حياة

حياة

ضفاف العالم، كأس، مزبدة

مكان

التضحية.

 

(2)

حياة

تغطي، كلَّ شيء

حتى جذور الفكر

حتى أسرار الفعل

حتى الأفعى التي تنتظر

حول القلب، أدنى الأفكار

التي

خائنةً

لا تطلب شيئًا من الأرض

سوى أن تغطِّي وجهها

من النار

القاتمة

قمح بين حجر الرَّحى

عنب مسحوق في المعصرة.

 

ستشتعل السماء

في صباح

المطلق

لتسعدي

يا قلوب الأطفال

ستنبثق الرؤيا

لتصل إلى الروح.

 

حكايات

 

(1)

عصفور، في الليل

شاهدت العذاب، نظرت إلى الألم

لا يزال يستطيع الابتسام

هل كنتُ الأقوى؟

 

بينما كانت يداه تنظران إلينا

دخلتْ فتاة

مثل صرخة عصفور

يا أيها الملاذ

وحدها يداه تنظران إلينا

ترويان

وكنت في عتمته

كنتُ

الأقرب.

 

أنتَ تأتي بهدوء، مثل دمعة، مضيئة

أنت، لا تحاكمنا، أنتَ تُحيي.

 

(2)

 

كنتَ تروي كيف

في الماضي

في البعيد

أمروك، أمروا الشتاء

أن يقتلع الأشجار من جذورها

وكيف جمَّدها الجليد في هواء زجاجي

كان ذلك أليمًا، كنَزْع الأوعية الدموية

كذلك أمروك

أن لا تتكلم

أن تصرخ فقط

مثل الحيوانات.

 

من انتصر آنئذٍ؟

آه، أيها النور

المعطى لكلِّ واحد

لتُخفِقَ قلب الإنسان

للأبد

لتهزَّ جفنيه.

 

(3)

 

رأيت الخوف الذي لا يرغب

في الشفاء

رأيت الرعب الذي يعجن

انتصار مرير، مدن. أعرف أن

الصفصاف سيجدني مذنبًا

أعرف

أنها أشياء

من دون أسماء، لزجة

إشارات

وكم تختبئ.

 

هذا الممر الطويل

المتعفن

بأدراج

تصير ملجأه

حلمه

ولكلِّ ما لديه كي يعيش

نور، غير مرئي، مغشٍ للأبصار.

 

(4)

 

كنت، بين الكتب، منتظرًا

وفي الحشد

بلا صبر

أحيانًا أسير بدون أن أرى

لكنك لم تكن موجودًا، لم تكن

بين الكتب

في الحشد

ولم يعد هناك وقت

مداعبًا

عطش فقط

بدون اسم

حلمت أن أكون رضيع عُقاب

ربما الموت هو المرآة الوحيدة

التي نرى أنفسنا عبرها

سماء تنهار

لتسامحني

أسير بدون أن أرى

ولم يعد هناك وقت

نور ما وراء البرق، مضيء جدًّا

وتقول

لتكن مثلي

نور، في نور، في نور

وتقول

لتكن مثلي؟

"بيدي سأغطِّي وجهَك

وهكذا أمضي. في النسيم

لا أحد يراني

ويبقى حيًّا"

أيتها القيامة

يا نورًا في ما وراء البرق

هاك قلبي، مثل جفن يرتجف

ما وراء الدماء

جسد في عاصفة الأفكار

لا أعرف

موتي

وإن كان قريبًا جدًّا. وأنت تقول

لتكن مثلي؟

 

حب

 

في الليل

أنتظر، أنتظرك

عطش إليك،

إليك

مثل نسمة

تمسُّ

الأوتار

ولم أعد

وحدي

وكان حلَّ ليل

شمعة مضاءة

حياتي حجاب يغطي لي وجهي

أفكاري، لا تستطيع أن تكون لي بعدُ

فقط،

حبٌّ مجنون، لعديد من اللاإنسانيين، حبٌّ

لأنك لم تَنْسَني

لأنك ناديتَني، لأنك تهمس

تخلَّى عني

صمتُك

كلماتُك

قلب قلبِ الصلصال

نفث الأرض

لم أعد أستطيع الاختباء منك

لا أستطيع أن أخبئك

في شحوب وجهي

على شفتيَّ

سينزل جفناك على السماء

على الأشياء، وجوه ملأى بالدموع

وإذ ذاك يبدأ

ما رغبت فيه

ما أحببته

للأبد.

 

الحياة أم الموت

الحكمة أم الوحل

هذا هو الحظ

ولا توجد إلا

خطوة واحدة

وراء السماء، في النور

وراء السماء، في الطيبة

جمالُك، مَن سيقول ذلك.

 

أناستازيا[1]

 

يحترق هدوء الشمعدان

في قلبه

الذي لا يعرف

مثيلاً له، في الحبِّ، على الأرض

أعرف، سنموت

لكن ما هذا البهاء!

 

أنت

في ما وراء الكلمات

في ما وراء السماء

آه، كم كان قريبًا مني

في هذا العصر

عصر الظمأ

عصر النار.

 

قصيدة

 

سامحني

اسمح لي أن أكتب

من الأرض، لأنني أرض

ومن السماء

إن كنت سماء وعشبًا.

*** *** ***

ترجمة: اسكندر حبش


[1] اسم امرأة يَرِدُ كثيرًا في قصائد الشاعر. وذلك عائد لتماثُله مع الكلمة اليونانية Anastasis التي تعني "القيامة"، الانبعاث من الموت.

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود