كـلُّ فـنٍّ كـبيـر يحتوي على بُـعْـدٍ روحـيٍّ

الأشـياءُ في لوحتي آتيـةٌ من الذَّاكـرة

 

لقـاء مع زيـاد دلُّـول

 

استضاف المركزُ الثقافي الفرنسي في دمشق [طوال شهر تشرين الثاني 2006] معرض الفنان التشكيلي السوري زياد دلول، المقيم في باريس منذ العام 1984. وإلى جانب المعرض، صَدَرَ عن المركز كتابٌ أنيق ضمَّ أعمالَ المعرض الأخير، كما ضم ثلاثة مقالات، باللغتين الفرنسية والعربية، في أعمال الفنان: لأدونيس "احتفاءً بالبَصَر والبصيرة"، ولپيير كابان "الابتهاج المطلق بالفضاء المعيش"، ولمالك علولة "فضاء زياد دلول المفتوح على اتِّساعه"[1].

في تقديمه، قال كابان إن دلول ولد في بيئة جبلية (السويداء، جنوب سوريا، 1953)، ثم عرف الصحراء خلال إقامته في الجزائر (1980-1984)، قبل أن يقيم في باريس ويعمل فيه. "ولكن ذاكرته"، يقول كابان، "حملتْ دائمًا آثار أصول نشأته وتنقلاته وعلاماتها، ودون ضجيج وبلا صراخ [...]".

ر.ع.

* * *

 

راشد عيسى: هل كان التجريد عندكَ خيارًا مقصودًا أم هو نتيجة تجربة متراكمة؟

زياد دلول: التجريد، تعريفًا وكمصطلح فلسفي، هو عزل الأشياء عن محيطها البسيط وإعطائها معناها المطلق. عندما نتكلم على كرسي بمعناه البسيط فهو الكرسي الذي نراه؛ وعندما نتكلم على الكرسي بمعناه المطلق فهو الكرسي بـ"ألـ" التعريف، بمعنى أنه مفهوم. الأشياء في لوحتي آتية من الذاكرة، أي أنها تمر من بوابة المفهوم باتجاه وضعها في المطلق، أي "تجريدها". والتجريد، بهذا المعنى، ليس رسمًا هندسيًّا، بل مفهوم يحول المرئي إلى لامرئي. واللوحة، بهذا المعنى، هي عالم موازٍ لعالمنا المعيش. أعتقد أن التجريد أيضًا هو تساؤلات أساسية حول الوجود والكون والإنسان، تساؤلات كبرى طُرِحَتْ منذ الأزل ولم تلقَ جوابًا لحسن الحظ! – ما يدفعنا إلى طرحها من جديد كل مرة، لنبقى في هذا التساؤل–اللغز الذي هو سبب لممارسة الفن والشعر والأدب والموسيقى ومبرِّر لها!

ضوء الشرق

ر.ع.: لعل ذلك الفهم هو ما يجعلكَ غير بعيد عن التجربة الصوفية؟

ز.د.: لا أعتقد أن هناك فنًّا كبيرًا لا يحتوي على بُعد روحي. الروحانية في الفن محور لوجوده وسبب له. وإذا كان المنتَج الفني هو منتَج فيزيائي فإنه يسعى دائمًا إلى عالم ميتافيزيقي. هذا هو السبب الذي جعل من باخ وامرؤ القيس ورامبرانت مبدعين معاصرين. الصوفية هي مسلك ومذهب لتفسير الطبيعة والكون يمجد الفهم الروحي للأشياء. بهذا المعنى، أشعر بقرابة فعلية إليها.

ر.ع.: كيف تغيرتْ موضوعاتك بين إقامتك المشرقية وإقامتك في الغرب؟

ز.د.: إذا استعدت تجربتي منذ 30 عامًا أو أكثر، أراها محاولةً لرؤية العالم من نقاط متباعدة أو متقاربة، ولكنها رؤية إلى العالم نفسه. وبالتالي، فإن ما يختلف هو ظاهري، وما يختلف – وهذا شيء طبيعي – هو تراكمات الممارسة والإلحاح والخبرة. هذا لا يعني على الإطلاق أن الأعمال الأولى أهم أو أقل أهمية من الأخيرة، لكن هناك تنويعات على موضوعات متشابهة.

ر.ع.: أية تجربة لونية أضفاها كونك ابن الشرق؟

ز.د.: من نافلة القول إن هناك اختلافًا جذريًّا بين جغرافيا الشرق وجغرافيا الغرب؛ ومن نافلة القول أيضًا إن الشرق حاضر بضوئه وطبيعته وذكرياته في العمل، باعتباره مهد الطفولة الأول. ولا يمكن لي أن أقول إنه وحده حاضر في هذا العمل، باعتبار أن النصف الثاني من عمري عشتُه في الغرب. إن جمال الضوء الباريسي يختلف عن جمال الضوء الدمشقي؛ وليس هناك من مجال للمفاضلة. وإذا كانت النتيجة جمعًا بين هذين العنصرين جمعًا تلقائيًّا وطبيعيًّا، فلأنني أمام العمل الفني لا أفكر بطريقة "واعية" في مصادر الأشياء. الأشياء تأتي من تلقاء نفسها، ومن الاتجاهات كلِّها!

نصوص تشكيلية

ر.ع.: باعتبارك ابنًا لثقافة مزدوجة، كيف ترى الصورة التي نَقَلَها رسامو الغرب المستشرقون عن بلادنا؟

ز.د.: المستشرقون رسموا الشرق بنظرة توثيقية تميل دائمًا إلى "السياحة"؛ رسموا العمارة والمنظر كشيء، كعالم "غرائبي" exotique. وهذا لا يعني عدم وجود بعض الرسامين الذين زاروا الشرق، مثل ماتيس ودولاكروا وپول كْلِي، ورسموه بنظرة فنية عميقة، وحلَّلوا المنظر الشرقي والعمارة الشرقية والزخرف الشرقي بمفهوم فنيٍّ بديع. وبهذا المعنى، هم ليسوا مستشرقين، أو حتى ضمن الفن الاستشراقي. إذًا تجد أن هناك استثناءات في كلا الاتجاهين. كيف ننظر نحن إلى فنون الغرب؟ أو كيف ينظر الغرب إلى الفن الشرقي عمومًا؟ ما أريد أن أؤكده هو أن نظرةً صحيحةً إلى الثقافتين هي نظرة تحترم الثقافة الأخرى وتعتبرها مكمِّلةً وموازيةً وقادرةً على تبادل الثراء الخاص بكلٍّ منهما.

ر.ع.: ما هي أمثلتك عن "استثناءات" الفنانين الشرقيين؟

ز.د.: جواد سليم، شفيق عبود، فاتح المدرس... والقائمة تطول.

ر.ع.: ماذا عن علاقتكَ بالشعر؟

زياد دلول: "الشعر هو الأقرب إلى الفن التشكيلي." خماسية نهرية، 2005 (زيت على قماش، 130 x 162 سم).

ز.د.: الشعر هو أقرب الفنون الأدبية إلى الفنِّ التشكيلي، باعتباره أقل الفنون الأدبية سردًا وأكثرها تجريدًا. علاقتي بالشعر حميمة وقديمة. ولقد أنجزتُ ثلاثة كتب تحتوي على محفورات، آخرها كتاب المدن مع أدونيس. لقد كتب أدونيس هذه القصائد بين عامي 76 و98؛ وقد أُنجِزَ الكتابُ في العام 1999 ليضم تسع مدن، من بينها: بيروت، دمشق، البتراء، القاهرة، غرناطة، باريس، ونيويورك. وأعتقد أن كلاًّ من محفورات هذا الكتاب هو "نص" تشكيلي موازٍ للنصِّ الشعري، إذ ينظران معًا إلى الموضوع نفسه. لقد حاولت في هذه المحفورات أن أرصد المدينة ببُعدها المعماري والجغرافي، وأحيانًا مَجازيًّا، باعتبار أن هناك مدنًا لم أعرفها.

زياد دلول، "البتراء"، من كتاب المدن، 1999 (بالاشتراك مع أدونيس).

ر.ع.: وماذا عن مشاريعك القادمة؟

ز.د.: أعمل حاليًّا على المعلَّقات العشر... ونحن في صدد ترجمتها إلى ثلاث لغات (الألمانية والفرنسية والإنكليزية). وقد تصدر في سبعة كتب مع محفورات خاصة بكلِّ معلَّقة.

دمشق

*** *** ***

التقى به: راشد عيسى


[1] راجع: مالك علولة، "فضاء زياد دلول المفتوح على اتساعه"، معابر، تموز 2006.

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

Editorial

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود