فراس السوَّاح محاضرًا عن أورشليم

قبيلة يهوذا التوراتية لا وجود لها إلا في الخيال!

 

ديب علي حسن

 

بدعوة من مجموعة "ماس" الاقتصادية وبتنظيمها، ألقى الأستاذ الباحث فراس السواح محاضرة بعنوان: "أورشليم اليهودية ومسألة الهيكل"، وذلك في قاعة مطعم برجيس بدمشق القديمة. وقد حضر المحاضرة عددٌ كبير من الباحثين والكتَّاب والصحفيين والأدباء وجمهور من المهتمين والمتابعين لهذا الشأن.

في بداية محاضرته، عرض السواح خلاصة بحثه في تاريخ وأرخيولوجيا أورشليم والمنطقة الفلسطينية. وهذا البحث هو خلاصة تجربة استمرت لأكثر من عشرين سنة خلت؛ وقد أفضى هذا الجهد إلى صدور ثلاثة كتب (1988-2001) هي: الحدث التوراتي والشرق الأدنى القديم، آرام دمشق وإسرائيل، وتاريخ أورشليم والبحث عن مملكة اليهود، بالإضافة إلى كتاب مشترك مع توماس تومپسون (محررًا) وكيث وايتلام وعدد من المؤرخين وعلماء الآثار الغربيين، صدر في بريطانيا في العام 2003، وصدرت نسختُه العربية (بترجمة السواح) عن "مركز دراسات الوحدة العربية" ببيروت بعنوان القدس: أورشليم العصور القديمة بين التوراة والتاريخ.

أورشليم واليهودية ومسألة الهيكل

يرى الأستاذ السواح أنه، منذ نشوء علم الآثار كحقل معرفي مستقل في أواسط القرن التاسع عشر إلى يومنا هذا، لم تحظَ منطقةٌ في العالم بنصيب من التنقيب الآثاري مثلما حظيت منطقةُ فلسطين. أما السبب في ذلك فقد أوضحه لنا منذ البداية بيانُ تأسيس "صندوق التنقيب في فلسطين" (وهو هيئة بريطانية تأسَّست في العام 1885)، إذ جاء فيه أن هدف الصندوق هو:

التحري الدقيق والمنهجي لآثار وطبوغرافيا وجيولوجيا وعادات وتقاليد الأرض المقدسة من أجل توضيح مسائل الكتاب المقدس.

وبذلك ولد علمُ الآثار في فلسطين كعلم آثار توراتي، ووُضِعَ في خدمة اللاهوت؛ فصار البحث عن أصول إسرائيل في فلسطين وإثبات تاريخية المرويَّات التوراتية هدفًا وحيدًا لنشاط الحملات التنقيبية.

غير ما يشتهون!

ويضيف السواح قائلاً:

إن من عجائب المفارقات أن كلَّ هذا النشاط الذي قاده المنقِّبون، يحملون التوراة بيد ومعول التنقيب باليد الأخرى، قد أدى أخيرًا إلى عكس الغاية المنشودة منه، وبدأت حلقاتُ الرواية التوراتية تخرج واحدة إثر أخرى من مجال التاريخ إلى مجال الأدب الديني، ولم يبقَ من أحداث الأسفار التاريخية في التوراة ما يتقاطع مع المصادر الخارجية ويتفق مع نتائج التنقيب الآثاري سوى بضعة أخبار من الهزيع الأخير لحياة مملكتَي السامرة ويهوذا، يشوبها الغموضُ والتشويش ويثقل كاهلَها المنظور اللاهوتي للمحررين التوراتيين.

إن أسلوب المسح الميداني الشامل الذي ابتكره علماء الآثار الإسرائيليون واستخدموه خلال العشرين سنة الأخيرة في مسح كلِّ متر مربع من مناطق الهضاب الفلسطينية التي كانت مسرحًا لنشوء إسرائيل قد ساعد على جمع كمية هائلة من المعلومات. ومع تراكُم هذه المعلومات والربط فيما بينها وتحليلها، تبيَّنت للآثاريين صعوبةُ ملاءمتها مع الرواية التوراتية عن أصول إسرائيل ومراحل تاريخ ما يُدعى بـ"شعب إسرائيل".

ويرى الباحث أن خلاصة ما يمكن قولُه بخصوص مملكة إسرائيل التاريخية هو أنها قد نشأت كمملكة فلسطينية كنعانية في سياق عصر الحديد الثاني، عقب بناء مدينة السامرة نحو العام 880 ق م، وأن سكانها فلسطينيون محليون، لا علاقة لهم بالأسباط الاثنَي عشر التوراتية الذين يفترض المحررون التوراتيون أنهم استوطنوا منطقة الهضاب المركزية إثر فتوحات يشوع!

ويرى الباحث أن لتدمير الآشوريين للسامرة وإلحاق المملكة الشمالية بالتاج الآشوري في العام 721 ق م آثارًا إيجابية على المملكة الجنوبية الناشئة: فقد استقبلت المنطقةُ أعدادًا كبيرة من النازحين عن المناطق الشمالية؛ وهذا ما زوَّدها بالحرفيين المهرة واليد العاملة الزراعية، فازداد عدد السكان ازديادًا سريعًا.

وفي القرن التاسع، تحولت أورشليم إلى مدينة مسكونة، في الوقت الذي ازدادت فيه حركةُ الاستيطان في مرتفعات يهوذا، وازداد إنتاجُها الذي كان يُدفَع به إلى أسواق أورشليم وحبرون (الخليل)، اللتين تحولتا إلى مركزين إقليميين خلال الفترة الانتقالية من القرن التاسع إلى القرن الثامن.

أورشليم آحاز

أما أول مدينة حقيقية في موقع أورشليم، فنقع عليها في عصر الملك آحاز؛ وهي الوحيدة التي لدينا عنها وثائق أرخيولوجية وتاريخية كافية. فمنذ اعتلائه عرش أورشليم في العام 735 ق م، تبنَّى آحاز سياسة التبعية الكاملة لآشور. وقد قطف آحاز ثمار عمالته لآشور بعد زوال دمشق كقوة إقليمية كبرى وبعد دمار السامرة، المنافس الرئيسي لأورشليم. وبعد وفاة آحاز، المؤسِّس الحقيقي لمملكة يهوذا في العام 715 ق م، تولَّى ابنُه حزقيا سدَّة الحكم وقام بمحاولة تمرد فاشلة.

خلاصة القول: إن يهوذا ولدت، وعاشت، وانتهت، كدولة فلسطينية في تكوينها الإثْني والثقافي. وقد جاء سكانُها من مناطق فلسطين السهلية. أما ديانتهم، فقد كانت استمرارًا طبيعيًّا لديانة كنعان في عصر الحديد الأول وما سبقه: فالآلهة التي عُبِدَتْ هنا كانت آلهة كنعانية تقليدية؛ وكل ما تمَّ الكشف عنه من مراكز دينية، صغيرة أم كبيرة، كان مكرسًا لعبادات الخصب المتأصلة في المنطقة منذ أقدم القصور. أما الإله يهوه الذي اختاره كهنةُ أورشليم معبودًا حصريًّا خلال فترة ما بعد السبي، فلم يكن في عصر مملكة يهوذا إلا واحدًا من آلهة فلسطين القديمة وعضوًا في مجمع آلهة موسَّع يضم العديدَ من الآلهة والإلهات؛ كما كان متزوجًا من الإلهة عشيرة، المعروفة لدينا جيدًا من النصوص الكنعانية، وخصوصًا نصوص أوغاريت.

رسم على جرة فخارية اكتُشِفَت في موقع أجرود (شمال سيناء) فسَّره بعضُ الباحثين على أنه يمثل يهوه (إلى اليسار) وزوجه عشيرة (العازفة على القيثارة) نظرًا لأن الكتابة فوق الرسم تقول: "لتحل عليك بركة يهوه، إله السامرة، وعشيرته".

ولا بدَّ من الإشارة إلى أن الأستاذ السواح توقف عند ابتكار الشريعة التوراتية وابتكار التاريخ المناسب لها. وقد أفاد المبتكرون لذلك من التراث الديني والأدبي المحلِّي ومن تراث الثقافات المجاورة.

وبعد ذلك، تناول الباحثُ قضية الهيكل. وقد أشار إلى أن هيكل أورشليم مرَّ بثلاث مراحل عِبْر تاريخه، وسلَّط الضوء بالتفصيل على هذه المراحل الثلاث.

*** *** ***

عن الثورة، الأحد 20/11/2005

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود