جلال الدين الرومي... بالعربية!

 

عبده وازن

 

كانت السنة 2007 سنة الشاعر الفارسي الكبير جلال الدين الرومي. عواصم ومدن عديدة في العالم لبَّت دعوة منظمة اليونسكو للاحتفاء به، شاعرًا وعالِمًا ورمزًا كونيًّا، في ذكرى مرور ثمانمائة عام على ولادته في بلخ من أعمال خراسان. وكانت هذه الذكرى حافزًا على ترجمة أعماله إلى لغات شتى وعلى إعادة اكتشافه وتدوين سيرته[1] وكتابة أبحاث عنه[2]. وقد رافقت الصحافةُ العالميةُ معظمَ الاحتفالات التي أحيتْها مؤسَّساتٌ عالمية هنا وهناك وهنالك.

العالمُ العربي لم يَبْدُ معنيًّا كثيرًا بهذه الذكرى! لم تسعَ أيةُ عاصمة عربية خلال هذه السنة إلى الاحتفاء لهذا الشاعر الكبير الذي قال عنه المستشرقُ آرثر جون آربِري، أحدُ مترجميه إلى الإنكليزية: «[...] واحد من أعظم شعراء العالم، عُمْقَ فكرٍ، وابتكارَ صورٍ، وتمكنًا راسخًا من اللغة». فالقاهرة، التي كانت أولى العواصم التي عرَّبتْه، لم تكرِّمه، ولا بيروت، ولا دمشق التي قَصَدَها مرارًا، ولا بغداد التي مرَّ بها مع عائلته[3].

كان منتظَرًا أن تعمد القاهرة إلى تكريمه، هي المشغوفة به منذ الستينيات، عندما أقدم الشاعر والأكاديمي المصري محمد عبد السلام كفافي على تعريب كتابين من المثنوي، العمل الشعري الضخم ذي الأجزاء الستة، وظل هذان الكتابان المرجع اليتيم لقراءة المثنوي عربيًّا. وقد صدر الجزء الأول في العام 1966 عن «المكتبة العصرية» في لبنان، وهي الدار التي كانت تُعنى آنذاك بما يصدر عن مجلة شعر. كانت ترجمة كفافي، ولا تزال، ممتعة جدًّا، متينة وبهية في لغتها الصافية التي تنساب انسيابًا، وبدت أمينةً على اللغة الأصل، تقترب من البلاغة لتكسرها وتتحرَّر منها.

ولكن بدءًا من العام 1996، باشر الكاتب المصري إبراهيم الدسوقي شتا إصدار ترجمته الكاملة للأجزاء الستة من المثنوي؛ وقد تبنَّاها «المشروع القومي للترجمة» في القاهرة في عهدة الناقد جابر عصفور[4]. وبدت هذه الترجمة حدثًا كبيرًا، وإنْ شابتْه بضعُ هنات في اللغة والسبك أو الصوغ. وتكفي العودة إلى ترجمة محمد كفافي السبَّاقة لإدراك الاختلاف بين ترجمة المعلِّم وتلميذه. فالراحل كفافي كان أستاذ شتا، الذي رحل أيضًا بعد صدور ترجمته لـالمثنوي؛ وقد شاء شتا أن يواصل مهمة أستاذه أو «رسالته»، معيدًا تعريب المثنوي كاملاً.

لا بدَّ من الاعتراف بأن قراءة ترجمة شتا تحول دون التمتع بها «وعورةُ» لغتها تارةً وركاكةُ هذه اللغة طورًا، وكذلك التسرعُ في بناء الجمل واختيار المفردات وصوغ الأبيات المزدوجة التي تنمُّ بها تقنيةُ المثنوي الشعرية. ترجمة «نثرية» جدًّا، وربما حَرْفية، كانت تحتاج إلى قلم شاعر متمكِّن من العربية يعمل مع المترجم ويعاونه على السبك والصوغ والصهر.

إلا أن هذه المآخذ لا تنفي الجهد الجبار الذي بذله شتا، وقد أفنى حياته في سبيل هذه الترجمة، التي ألحقها بترجمة كاملة لديوان الرومي الشهير أيضًا شمس تبريز الذي يضم غزلياتٍ صوفيةً بديعة. ويذكِّر جهد شتا بالجهد الذي بذله المستشرق البريطاني رينولد نيكلسون الذي صرف خمسة وعشرين عامًا في ترجمة المثنوي كاملاً إلى الإنكليزية وباشر نشرَه في العام 1925، فغدت ترجمتُه من أروع الترجمات التي حَظِيَ بها المثنوي، علاوةً على التفاسير والحواشي المهمة التي وضعها له. والنص الفارسي الأصلُ الذي اعتمده نيكلسون اعتمده محمد كفافي بدوره، نظرًا لاكتماله وصوابيَّته.

"سلطان العاشقين"، مولانا جلال الدين الرومي (1207-1273)

أجل، كانت القاهرة مدعوَّة إلى الاحتفاء لهذا الشاعر «الأوقيانوس» الذي لا تحدُّه تخوم؛ فهي العاصمة العربية شبه الوحيدة القمينة بمثل هذه المهمة. لكنه، ربما، الاضطراب الثقافي والسياسي الذي يسودها حالَ دون قيامها بذاك الاحتفاء. لكن جريدة أخبار الأدب لم تَدَعِ المناسبةَ تفوتها، فأفردت ملفًّا شبه شامل عن صاحب المثنوي، تناولت فيه جوانب من سيرته وشعره وتجربته الفريدة.

أما البادرة العربية الوحيدة اللافتة، فهي انطلاق خمسة كتَّاب عرب برحلة إلى قونية، مدينة الرومي التي تحتضن ضريحه، يسلكون عبرها طريقه ويكتبون من بعدُ انطباعاتِهم وملاحظاتِهم. وهذه البادرة ترعاها «مؤسسة السويدي» (أبو ظبي) ضمن اهتمامها بأدب الرحلة.

تتوالى الترجماتُ الأجنبية لأعمال جلال الدين الرومي. بعضُها ينطلق من الترجمات القديمة والسابقة، مجدِّدًا إياها، وبعضُها الآخر يواجه النصَّ الأصل ويقترح صيغته الجديدة. ومديح بعض الترجمات الأجنبية، مثل ترجمة نيكلسون أو آربِري إلى الإنكليزية أو ترجمة إيڤا دو ڤيتراي مئيروڤتش إلى الفرنسية وسواها، لا ينتقص من الترجمات العربية؛ لكن قارئ هذه الترجمات الأجنبية يشعر بمتعة في قراءتها وفي متابعة الحواشي والتفاسير التي تحف بها.

وما يجب عدم تجاهُله الترجماتُ العربية الأخرى التي أنجزها، مثلاً، الكاتب السوري عيسى علي العاكوب الذي عرَّب مختاراتٍ من ديوان شمس تبريز[5] وكتاب فيه ما فيه[6] كاملاً؛ وقد بدت ترجمتُه لغزليات شمس تبريز جميلةً ومتينةً وشعريةً جدًّا[7]. وجرى الكلام أيضًا على ترجمة مختارات من رباعيات الرومي، أنجزها الكاتب العراقي عمار كاظم محمد، ولكن لم يُعرَف عن أية دار صدرت. وقد تكون هناك ترجمات أخرى لم تَرُجْ، فظلت طيَّ النسيان، خصوصًا أن حركة النشر العربي تفتقر إلى الإحصاء والفهرسة – وهذا مأخذ كبير عليها.

مضت السنة 2007، سنة جلال الدين الرومي، من غير أن يحتفي له العالمُ العربي الغارقُ في أزماته! ترى هل يمكن لمعرض القاهرة للكتاب أن يلتفت إليه، ولو متأخرًا؟ هل يمكن لدمشق، «عاصمة الثقافة العربية» للسنة 2008، أن تُفرِدَ له حيزًا من برنامجها الاحتفالي؟

*** *** ***

عن الحياة، 31/12/2007

 

ببليوغرافيا جلال الدين الرومي بالعربية (مختصرة)

-        إبراهيم، محمد عيد، رباعيات جلال الدين الرومي، دار الأحمدي، 1998.

-        أخبار جلال الدين الرومي، بترجمة أبو الفضل محمد بن عبد الله القونوي، ناشر خاص، 2000.

-        الاشتهاردي، محمد حمدي، قصص المثنوي، دار المحجة البيضاء، 1998.

-        الأفغاني، عناية الله إبلاغ، جلال الدين الرومي بين الصوفية وعلماء الكلام، بتقديم يحيى الخشاب، الدار المصرية اللبنانية، 1987.

-        الأفلاكي العارفي، شمس الدين أحمد، المنتخب من مناقب العارفين في أخبار جلال الدين الرومي، ناشر خاص، 2004.

-        الرومي، جلال الدين، ديوان شمس تبريز، مكتبة الشروق الدولية، 2005.

-        الرومي، جلال الدين، الرباعيات، بترجمة وتقديم عيسى علي العاكوب، دار الفكر، دمشق، 2004.

-        الرومي، جلال الدين، كتاب فيه ما فيه، بترجمة عيسى علي العاكوب، دار الفكر، دمشق/دار الفكر المعاصر، بيروت، 2002.

-        الرومي، جلال الدين، المثنوي، بترجمة السيد محمد جمال الهاشمي، دار الحق، 1995.

-        الرومي، جلال الدين، المثنوي، بترجمة وشرح وتقديم إبراهيم الدسوقي شتا، المشروع القومي للترجمة، المجلس الأعلى للثقافة، ستة مجلدات، 1996-1997.

-        الرومي، جلال الدين، المثنوي، بترجمة وشرح تقديم إبراهيم الدسوقي شتا، دار ومكتبة بيبليون، باريس، مجلد واحد، 2004.

-        الرومي، جلال الدين، المجالس السبعة: آفاق جديدة ورائعة في الرمزية الإسلامية، بترجمة عيسى علي العاكوب، دار الفكر، دمشق، 2004.

-        الرومي، جلال الدين، يد العشق: مختارات من ديوان شمس تبريز، بترجمة وتقديم عيسى علي العاكوب، منشورات المستشارية الثقافية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، دمشق، 2002.

-        الرومي، جلال الدين، سعدي الشيرازي، حافظ الشيرازي، روائع من الشعر الفارسي، بترجمة محمد الفراتي، منشورات وزارة الثقافة، 2002.

-        سقا أميني، ماهر، بصائر من وحي كلمات مولانا جلال الدين الرومي، دار النفائس، طب 2: 2007.

-        شيمِّل، أنيماري، الشمس المنتصرة: دراسة آثار الشاعر الإسلامي الكبير جلال الدين الرومي، بترجمة عيسى علي العاكوب، وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، طهران، 2003.

-        غالب، مصطفى، جلال الدين الرومي، مؤسسة عز الدين، بلا تاريخ.

-        فروزانڤر، بديع الزمان، من بلخ إلى قونية: سيرة حياة مولانا جلال الدين الرومي، بترجمة عيسى علي العاكوب، دار الفكر المعاصر، بيروت، 2006.

-        دو ڤيتراي مئيروڤتش، إيڤا، جلال الدين الرومي والتصوف، بترجمة عيسى علي العاكوب، وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، طهران، 2000.

-        الهاشمي، السيد جمال، رسالة الإلهام بين مدرسة جلال الدين الرومي وعلم النفس الحديث، دار الهادي، بيروت، 2005.


 

horizontal rule

[1] راجع: بديع الزمان فروزانڤر، من بلخ إلى قونية: سيرة حياة مولانا جلال الدين الرومي، بترجمة عيسى علي العاكوب، دار الفكر المعاصر، بيروت، 2006. (المحرِّر)

[2] راجع: أنيماري شيمِّل، الشمس المنتصرة: دراسة آثار الشاعر الإسلامي الكبير جلال الدين الرومي، بترجمة عيسى علي العاكوب، وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، طهران، 2003. (المحرِّر)

[3] لا يسعنا هنا إلا أن نحيِّي الجهد المرموق الذي بذلَه ويبذله المفكر واللغوي السوري د. عيسى علي العاكوب، أستاذ البلاغة والنقد في قسم اللغة العربية ورئيس قسم اللغة العربية في جامعة قطر، في ترجمة كتب جلال الدين الرومي عن الفارسية مباشرةً ومؤلَّفات أخرى من خيرة ما كُتِبَ فيه عن الفارسية والإنكليزية (انظر الببليوغرافيا). (المحرِّر)

[4] مثنوي مولانا جلال الدين الرومي، 6 مجلدات، بترجمة وشرح وتقديم إبراهيم الدسوقي شتا، المشروع القومي للترجمة، المجلس الأعلى للثقافة، 1996-1997؛ هذا ويبدو أن هناك طبعةً مختصرةً للكتاب في مجلد واحد صدرت في العام 2004، أي بعد وفاة المترجم (انظر الببليوغرافيا). (المحرِّر)

[5] يد العشق: مختارات من ديوان شمس تبريز لجلال الدين الرومي، بترجمة وتقديم عيسى علي العاكوب، منشورات المستشارية الثقافية للجمهورية الإسلامية الإيرانية بدمشق، 2002.

[6] كتاب فيه ما فيه لمولانا جلال الدين الرومي، بترجمة عيسى علي العاكوب، دار الفكر، دمشق/دار الفكر المعاصر، بيروت، 2002.

[7] ترجم د. عيسى علي العاكوب أيضًا الرباعيات والمجالس السبعة؛ والكتابان صدرا في دمشق في العام 2004 (انظر الببليوغرافيا). (المحرِّر)

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود