مريض مطيع يتسلى بالكيتش

ممدوح رزق

 

أنا لست شريرًا يا صديقتي. بصراحة أكثر وبشكل واضح ومحدد أنا بلا ذنوب أساسًا. سأكون صادقًا معك للغاية وأخبرك أن حصيلة المعطيات التي توفرت لديَّ عنك حفَّزت تلقائيًا أمنياتي وأحلامي بحكايات جميلة محتملة تجمعنا. لا تقولي أنك لا تعرفين أنَّ المطلَّقة تجنِّب، بديهيًا، قضيب الرجل مشكلة العذرية – لأنها كانت زوجة – وفي نفس الوقت تهدي قضيب نفس الرجل المأساة التي يحتاج وجودها في هذه المرأة – لأنها أصبحت مطلَّقة – كي يعبر منها للداخل. خذي عندك بقية المميزات: نسكن في مدينة واحدة، ولدينا هامش مشترك من الاهتمامات، وكلٌّ منا يمتلك إيميل على نفس الماسنجر. لكن من زاوية أخرى كانت هناك أيضًا مشكلات تواجهني وكان عليَّ أن أحاول حلها: هدم أسوار – أو على الأقل تسلقها وتخطيها – عالم التدين والتصوف والروحانيات الذي تختبئين في داخله، عدم وسامتي أو لنقل دمامتي وكذلك خجلي وارتباكي إذا ما تقابلنا وجهًا لوجه، وفشلي الوارد جدًا في أن أعطيك انطباعًا عني بأنني خفيف الدم ومثير ومتزن ورقيق وخبيث وغامض وحزين ومجرِّب وحاد وطفولي، كل هذا في نفس الوقت الأمر الذي ربما يجعلك تتركينني ولديك انطباع واحد بأنني أبله.

لم يكن مهمًا بالنسبة لي أنَّ زوجك طلَّقك بسبب عدم قدرتك على الإنجاب أو لأي سبب آخر. ما كان يهمني أنَّ روحك كانت حزينة وجسدك ربما كان يحتاج إلى رجل. كنت أريد أن أنام معكِ أو على الأقل نمارس الجنس عبر (الكام)، أما المواساة والتعاطف الإنساني والمشاركة الوجدانية في الهموم الناجمة عن ظلم الحياة فكلها موضوعات وأدوار متاحة للجميع، وفي أيِّ وقت، ويمكن أن يؤديها ويتحدث فيها أيُّ أحد كما يريد ويكون بطلها بالطريقة التي تناسبه. لو كان هذا فقط هو كل ما بيننا: تفحص كلٌّ منا لتعاسته الشخصية ولتعاسة الآخر. تكوين تاريخ مشترك من العلاقات الحميمة التي تربط بين تفاصيل معينة في ذاكرتي وذاكرتك. ترك أنفسنا لما سيقرره القدر نتيجة وجودنا معًا بهذا الشكل واقترابنا من بعضنا هكذا. لو اقتصر الأمر على هذا فحسب كان سيكون رائعًا حقًا بكافة أفكاره ومشاعره الجميلة والسيئة التي سنتورط فيها معًا. لكن ماذا لو أضيف الجنس أيضًا يا صديقتي؟ ألن يكون الأمر أكثر روعة وبهاء وتوهجًا؟ ألا تمنح الحسية الجسدية الدماء النشطة داخل العقل والقلب خلودها ونبلها وثمالتها؟ ألا تعطي الروح البصيرة الشرسة والبريئة القادرة على التوحد بنشوة مع الألم والاستسلام، بدهاء، للأسرار العميقة للوجود والموت؟ تخيلي معي – وحاولي على قدر ما تستطيعين التغلب على أيِّ عوائق تريد منعك من الاستسلام لهذا التخيل –، تخيلي لو أنك أردت أن تحكي لي مثلاً عن زملاءك الحمقى داخل المستشفى القذر، وعن المرضى النفسيين الذين تحاولين علاجهم، وعن الله الذي لا تعرفين لماذا اختارك لهذه المهنة البائسة، وعن روشتات أطباء النساء والتوليد في حقيبتك، وعن رغبتك في الأمومة التي تشهرينها في وجه الصيدلي، وعن سخطك المكتوم وأنت تتحدثين عن كتابك في برنامج (صباحك سكر زيادة) على otv. تخيلي لو أنني أردت أن أحكي لك عن نومي المضطرب، وعن الحجر الثقيل الضخم ذو الحواف الحادة جدًا المغروس في رأسي، وعن اليد القوية الهائلة التي أشعر بها تقبض على أمعائي وتعتصرها طوال الوقت، وعن زوجتي التي أخاف أن تموت قبل أن أعتذر لها، بالطريقة التي ترضيها، عن مساهمتي القيمة رغمًا عني في خيانة الدنيا لروحها الضعيفة والطيبة، وعن الهواجس المفزعة المصاحبة لضيق التنفس ودقات القلب الزائدة، وعن الأيام الرتيبة المتشابهة المجبرة على التعاقب والانتظار، وعن روايتي الجديدة التي أحاول فيها كالعادة إضاءة مناطق مظلمة في طفولتي وتثبيت المناطق المضاءة بالفعل أملاً في حدوث معجزة – ويأسًا من حدوثها في نفس الوقت – تعيدني فعليًا إلى السنوات العشر الأولى من حياتي وتضع نهاية لاسترجاعي المحموم للماضي الذي يقتلني ببطء. تخيلي معي لو أننا أردنا أن نتبادل هذه الحكايات. أخبريني بصدق أيُّ الحالتين أجمل: أن نحكيها من خلال (الشات) أو التليفون أو في مكان عام مثلاً؟ أم نحكيها ونحن عاريان في السرير بينما تكونين نائمة في حضني ورأسك على صدري وأنفاسي في شعرك ويدي تتحسس ثديك مع إضاءة خافتة وموسيقى ناعمة لو أردتِ؟

هل ستعتبرين ما أكتبه الآن نوعًا من الانتقام الرخيص نتيجة فشلي في الحصول على ما أردته منك؟ هل ستعتبرينه إثباتًا لصحة إحساسك الروحي الذي قلتِ لي في آخر حوار بيننا على (الماسنجر) إنه يخبرك بأن تبتعدي عني؟ هل صدق الآن شعورك تجاهي بالارتياب والقلق والتوتر، خاصة وأنني ربما تعمدت هنا أن أترك إشارات يمكن لكلاب الإنترنت البوليسية على المدونات والفيس بوك تتبعها للوصول إليك؟ صدقيني أنا لا أنتقم منك يا صديقتي – خصيتي لا تتحمل استخدام عزيزتي أو حبيبتي، ولو حتى على سبيل الدعابة – فأنا لم أصل لما أريده مع أي امرأة أخرى، وهذا ما يجعلك عادية ولا تستحقين مني ضغينة، خاصة أن ما كتبته الآن هو عن نفسي فقط ولا يورطك في أي اتهام بل بالعكس يثبت عدم علاقتك بالموضوع من الأساس. أما عن كلاب الإنترنت البوليسية فلا توجد مشكلة بسببهم، ويكفي أن أخبرهم الآن أنني أردت أن أضحك عليهم، وأنهم سيضيعون وقتهم لو سعوا لاقتفاء أثرك، لأنني ببساطة كنت طوال الوقت أتحدث عن صديقة متخيلة لا وجود لها إلا في داخلي فقط.

أنا لست شريرًا يا صديقتي المتخيلة لكوني أفكر وأكتب هكذا. أنا فقط أفعل ما تفعله عادة كل القطط المختبئة تحت السيارات بينما تنتظر فرصة آمنة للأكل من القمامة.

*** *** ***

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود