الانتباه يوصل إلى الوعي، والوعي يوصل إلى المعرفة

 

أميمة الخش

 

عندما اختار الإنسان، برغبته الجارفة للمعرفة، وجوده على هذا الكوكب كان هذا سقوطه الأزلي الأول. وعندما ظنِّ ذلك الكائن البشري أنَّ المعرفة تمر عبر المادة التي سقط فيها، وعبر الحواس والرغبات، تتالت سقطاته حتى بلغ به الحد ما نعرفه عنه في وقتنا هذا.

الفيلسوف العربي الكبير أبو حيان التوحيدي أشار إلى هذا كله في حديثه عن حي بن يقظان، الذي جهد في اختبار الحواس ليعرف حقيقة الوجود، وما عرف شيئًا إلا حين انتبه إلى أعماقه وخاطب بذرة الخير الكامنة فيها فأنعشها وأطلق روحها لتعلِّمه الحقيقة التي صبا إلى معرفتها طوال حياته. وهكذا تطوَّر من كائن بشري إلى إنسان عارف.

إذا قلنا إن للطبيعة من حولنا نظامًا وقوانين يمكن أن يطلق عليها كلٌّ منا ما يشاء من التسميات حسب درجة تطوره المعرفي والنفسي والروحي، فلهذه القوانين كلها غاية واحدة هي أن يتعلَّم الإنسان كيفية التناغم معها ومع نفسه ومع من حوله، ليضمن بقاءه الإنساني وليطوِّره.

السؤال هنا: كيف سيتعلَّم الإنسان ذلك إذا لم يعرف نفسه أولاً؟ الأديب الفيلسوف مخائيل نعيمة يقول:

وأمَّا غاية الإنسان من وجوده، فمعرفته لنفسه. ومعرفته لنفسه تعني معرفته لله. ومعرفة لله تعني معرفته لكل شيء. ومعرفته لكل شيء تعني القدرة على كل شيء والانعتاق من كل قيد وحدٍّ.

وإذًا، فمعرفتنا لأنفسنا، أي الاتصال العميق بتلك الشرارة الإلهية في داخلنا أو الطاقة الإيجابية، كما شئتم آن تكون التسمية، هي التي ستساعدنا على التطور الإنساني والروحي الذي حقَّقه الحكماء على مدى التاريخ.

إلا أنَّ هذه المعرفة الحقيقة العميقة للنفس الإنسانية لا شك في أنها ستحوِّل كلاً منا إلى إنسانٍ محبٍ، مضحٍٍّ، مخلصٍ، نقيٍ، صادقٍ، كي يكون مخلصًا لنفسه وللحقيقة وللكون. فمن ينتبه إلى الخير الكامن فيه ويعرف غايته من الوجود ليصل إلى الوعي يرفض الخداع والمخادعين – وما أكثرهم من حولنا!، ويرفض خونة الحقيقة – وما أكثرهم أيضًا!، ويرفض أولئك الذين يجيدون الكذب ووضع الأقنعة الملونة بألف لون ولون.

يروي الكاتب أنتوني دو ملو، الذي يُعتبر من الكتاب المتمكنين في الخبرة الروحية، قصة في كتابه أغنية الطائر باسم الوعي الدائم. تقول القصة:

ما من مريد في الزن يجرؤ على تعليم الآخرين حتى يمكث مع معلمه عشر سنوات على الأقل. فلما أنهى "تِنوّ" سنوات التعلم العشر بلغ مرتبة الأستاذية. ذات يوم، ذهب لزيارة المعلم نان–إن. كان يومًا مطيرًا. لذا انتعل تِنوّ قبقابًا خشبيًا وحمل مظلة. عندما وصل استقبله نان–إن قائلاً:

-        لقد تركت قبقابك الخشبي ومظلتك في الرواق، أليس كذلك؟ قل لي، هل وضعت مظلتك على يمين القبقاب أم على شماله؟

واسقط في يد تِنوّ، إذا إنه لم يعرف الجواب. لقد أدرك أنه ناقص الوعي. لذا صار تلميذًا لـ نان–إن وجاهد عشر سنوات أخرى لكي يبلغ الوعي الدائم.

ما رأيكم يا طلاب المعرفة؟ أليس الانتباه والوعي ضروريان من أجل الوصول إلى المعرفة الحقة في هذا الوقت الذي كثر فيه المعلمون المخادعون والكذبة؟

*** *** ***

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 إضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود