الإسلام والغرب

 

حوار مع برنارد لويس

 

سيكون للعلاقة بين الغرب والإسلام أهمية خاصة خلال القرن الحادي والعشرين. وخاصة فيما يتعلق بالشرق الأوسط. كيف سيتعامل صانعو السياسة الأمريكية مع العالم الإسلامي؟ هل سيؤدي نشر الديموقراطية في العالم الإسلامي إلى لجم القوى الناشطة التي تغذي الإرهاب؟ وكيف ستتعامل الحكومات والشعوب الأوروبية مع جالياتها المسلمة المزدهرة، وكيف سيؤثر هذا الأمر على أولويات السياسة الخارجية الأمريكية وعلى تحالفاتها؟

في هذه الجلسة، يستضيف منتدى الـ Pew حول الديانات والشؤون العامة Pew Forum on Religion and Public life، الأستاذ برنارد لويس الذي ساعد خلال ما يقارب الستين عامًا على شرح الإسلام للغرب، بالإضافة إلى أنه كتب ما يزيد عن أربع وعشرين كتابًا، من ضمنها: أين حصل الخطأ؟ وأزمة الإسلام. كما كان البروفيسور لويس مستشارًا لصنَّاع السياسة وللمسؤولين في الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، والشرق الأوسط حول أمور لها علاقة بتعقيدات العلاقة بين الإسلام والغرب.

المتحدث: الأستاذ برنارد لويس، الحائز على لقب كليفلد ي. دودج كأستاذ فخري في دراسات الشرق الأدنى من جامعة برينستون.

مدير الجلسة: لويجي لوغو، مدير منتدى الـ Pew للديانات والشؤون العامة.

* * *

لويجي لوغو: مساء الخير، وشكرًا لكم جميعًا على مشاركتنا هذا اللقاء. اسمي لويجي لوغو وأنا مدير منتدى الـ Pew للديانات والشؤون العامة، الذي هو أحد المشاريع المنبثقة عن مركز أبحاث الـ Pew، الذي هو منظمة تقوم بالدراسات ولا تتخذ مواقف محددة في الشؤون السياسية.

ويشكِّل هذا اللقاء أحد اللقاءات التي يرعاها منتدى الـ Pew، والتي تجمع معًا صحافيين وصنَّاع سياسة حول موضوعات آنية تتعلق بالدين والشؤون العامة.

ويسرنا اليوم أن نستضيف البروفيسور برنارد لويس الذي هو من أشهر العلماء المختصين بالإسلام في زماننا. فمما يزيد عن ستين عامًا تخصَّص في تاريخ الإسلام، وخاصةً في الشرق الأوسط، وفي العلاقة بين الإسلام والغرب، تلك العلاقة التي يمكن القول إنها أصبحت اليوم أحد أهم هواجس السياسة الأمريكية في القرن الحادي والعشرين. وقد كان البروفيسور لويس أول من استعمل عبارة "صدام الحضارات"، تحديدًا قبل ثلاث سنوات من استعمالها من قبل صموئيل هنغلتون، وذلك في مقالته الشهيرة التي نشرت في مجلة الـ Foreign Affairs (الشؤون الخارجية)، والتي أثارت نقاشًا حادًا حول العلاقة بين الإسلام والغرب.

كما تعرفون جميعًا، لقد انقضى حتى اليوم ما يقارب الأربع سنوات ونصف على أحداث الحادي عشر من أيلول، وتواجه الولايات المتحدة تحديات خطيرة فيما يتعلق بعلاقاتها مع العالم الإسلامي. وتبيِّن احصاءات قامت بها منظمة شقيقة، هي مشروع الـ Pew للمواقف العالمية، هذا الواقع بالأرقام. وأسوء تلك الأرقام هي تلك التي جاءتنا من البلدان الإسلامية. وفي الواقع، فإن الأغلبية العظمى من الذين جرى استفتاؤهم في ستة بلدان إسلامية ينظرون نظرةً سلبيةً إلى الولايات المتحدة الأمريكية؛ ففي الأردن، على سبيل المثال، فقط 21% من السكان ينظرون بشكل إيجابي إلى الولايات المتحدة، وفي تركيا وباكستان فقط 23%، وفي المغرب، الذي كان استثناءً بحدِّ ذاته، كانت نسبة من ينظرون إلينا بشكل سلبي 42% مقابل 49% للذين ينظرون إلينا بشكل إيجابي.

وهذا الشعور متبادل على ما يبدو، فالإحصاءات التي قام بها المركز نفسه تبيِّن أنْ فقط 4 من أصل كل عشرة أمريكيين ينظرون بشكلٍ إيجابي إلى الإسلام. والآراء السلبية حول الإسلام في هذا البلد ناجمة عن اعتقادهم بوجود ارتباط وثيق بين الإسلام والعنف. والواقع، كما تظهره احصاءاتنا التي تمت خلال الصيف الماضي، يقول بأن أكثر من نصف الجمهور الأمريكي يعتقد أن الهجمات الإرهابية في السنوات القليلة الماضية هي، كما سيحصل قريبًا، بعضٌ من صدام حضارات كبير بين الإسلام والغرب.

فهل سنشهد صراع حضارات عميقًا وطويل الأجل، أم أن ما نشهده هو مجرد صدام، قصير الأمد، من الممكن معالجته بالسياسة؟ وما هي انعكاسات كل هذا على السياسة الخارجية للولايات المتحدة وأولوياتها؟ أعتقدُ أنه لو طلب من أيٍّ من الحاضرين اقتراح لائحة قصيرة بأسماء من يود أن يتناقش معهم حول موضوع الإسلام، فإنه، من دون أدنى شك، سيقترح اسم برنارد لويس، الذي يسرُّنا بأن يكون معنا اليوم، مشيرًا إلى أن البروفيسور لويس سيحتفل في الشهر القادم بعيد ميلاده التسعين.

برنارد لويس: لا أعتقد أن كلمة "احتفال" هي الكلمة المناسبة في مثل هذه الحالة. [ضحك]

السيد لوغو: سيعقد مؤتمر كبير بهذه المناسبة الأسبوع القادم في فيلادلفيا برعاية مجلس رعاية الشؤون الدولية هناك. بروفيسور لويس، نحن نشكرك لأنك معنا اليوم. إنه فعلاً لمن دواعي سرورنا، ونحن نتشرف، بأن نستضيفك سيدي.

برنارد لويس: أشكركم أيتها السيدات وأيها السادة. إنه فعلاً لشرف بالنسبة لي، وآمل أن تتاح لي فرصة الاستمتاع بكوني معكم اليوم. لكن، وبما أن الوقت قصير، فإني لن أضيعه بالكلام الاحتفالي الرسمي إنما سأبدأ مباشرة بالنقطة أو النقطتين اللتين أتيح لي أن أحضِّرهما، وأترك الباقي لكم ولما ستطوروه ضمن سياق نقاشنا.

ودعوني أبدأ بالعنوان الذي أُعطي – ليس من قبلي – لنقاشنا اليوم: الغرب والإسلام، وأحيانًا الإسلام والغرب، حسب المنظور الذي تنطلقون منه. وستصدمون حتمًا لعدم توازن مثل هذه الصيغة، فمن جهةٍ نجد أنفسنا أمام توجُّه، ومن جهة أخرى نجد أنفسنا أمام ديانة. فنحن نستعمل الآن كلمة الغرب للتعبير عن عدة معان أو مفاهيم، هي بالدرجة الأولى سياسية واستراتيجية وثقافية وحتى حضارية، لكنها قطعًا ليست دينية. فالتعبير الديني الوحيد الذي بوسعي أن استعمله للدلالة على الغرب هو عالم ما بعد المسيحية. ولا أرى ضرورة للتوسع في مضمون هذه العبارة. أمَّا الإسلام، من جهة أخرى، فهو اسم يطلق للإشارة إلى ديانة. وهو بعض من مجتمع إنساني يصنِّف نفسه، وبالتالي يصنِّفه الآخرون – وليس العكس –، من منظور ديني.

لكني، وقد قلت هذا، أجدني بحاجة لأن أكون أكثر تحديدًا. لأننا حين نتحدث عن العالم المسيحي، بالإنكليزية – أو كما أفترض، بأية لغةٍ أخرى –، فإننا نستعمل عبارتين هما: الدين المسيحي Christianity والحضارة المسيحية Christendom. فالمسيحية كدين تعني، بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة، منظومة من المعتقدات والعبادات وما يتوافق معها من رجال دين ومنظمات كنسية. بينما حين نتحدث عن المسيحية كحضارة، فإننا نعني كلَّ تلك الحضارة التي نمت وترعرعت في ظلِّ هذه الديانة السائدة، والتي تتضمن بعضًا من العناصر التي ليست جزءًا من هذه الديانة، لا بل الكثير من العناصر التي تتعارض حتى مع هذه الديانة. دعوني أقدِّم مثالاً بسيطًا لتوضيح هذا الأمر، حيث ما من أحدٍ بوسعه الادعاء بشكل جدِّي أن هتلر والنازية قد ولدا من المسيحية كدين. ولكن، في المقابل، ليس بوسع أحد أن ينكر أنهما ولدا من قلب المسيحية كحضارة. بينما تجدنا حين نتحدث عن الإسلام، نستعمل التعبير نفسه والكلمة نفسها للدلالة عن كلا المفهومين، وهذا يخلق الكثير من الالتباس وسوء الفهم. لأن هناك الكثير من الأمور التي يتم وصفها وكأنها جزء من الإسلام، وهي فعلاً كذلك إن نظرنا إلى الإسلام كحضارة، لكنها لا علاقة لها بالإسلام – ويمكن اعتبارها حتى غريبة أو معادية للإسلام – إن نظرنا إلى الإسلام كديانة. أعتقد أن هذه النقطة هامة، وأنه يجب علينا أخذها بالحسبان.

وقد اقترح المرحوم مارشال هودجسون، حين كنَّا نتحدث عن هذا الموضوع، استعمال كلمة Islamdom حين نتحدث عن الإسلام كحضارة؛ إنها فكرة جيدة لكنها غير عملية، ربما بسبب صعوبة لفظها.

وأيضًا، لأنه في هذا الجزء من العالم، يشتمل الدين، كمفهوم، أكثر مما يشتمله في العالم المسيحي وما بعد المسيحي. فنحن معتادين على أن نتحدث عن الكنيسة وعن الدولة، وعن كل تلك السلسلة الكاملة من الكلمات الثنائية المترافقة معهما – كالمدني والكنسي، والعلماني والديني، والروحاني والزمني، وإلى ما هناك. لكن، ما تعبِّر عنه هذه الثنائيات، وبكل بساطة، غير معروف في العالم الإسلامي. فهذه الكلمات تستعمل في اللسانيات الحديثة. وهي، في العربية، مصطلحات استخدمها المسيحيون العرب – وهم محظوظون هناك لأنه يوجد في كنفهم أعداد كبيرة من المسيحيين الناطقين بالعربية، مما يضع قسمًا هامًا من المصطلحات الحديثة بين أيديهم، وبلغتهم. لكنهم، بالنسبة للغات المستعملة في البلدان الإسلامية الأخرى، كالتركية والفارسية والأوردو، لم يكتشفوا بعد مثل تلك الكلمات الحديثة. فالكلمة التي ما زالوا يستخدمونها في التركية والفارسية للتعبير عن فصل الدين عن الدولة هي لايك (المستعارة من الفرنسية).

في العالم الإسلامي، ومنذ البداية، شكَّل الإسلام أساس كلٍّ من الهوية ومن الولاء. فنحن نفكر من منظور أمة مقسَّمة إلى ديانات. أمَّا هم فيفكرون، بالأحرى، من منظور دين مقسَّم إلى أمم. وهذا هو، في نهاية المطاف، التعريف الأولي والوحيد الذي يحدد، كما قلت، ليس فقط الهوية إنما أيضًا أسس الولاء. لكن هذا مستقل تمامًا عن الإيمان الديني. ففي الإسلام ليس هناك – أو لنقل لم يكن هناك حتى فترة قريبة – أي شيء مشابه للكنيسة، بالمعنى الدارج لهذه الكلمة في المسيحية. فالجامع هو مكان عبادة، إنه مجرد بناء ومكان للتعبد والدراسة. من هذا المنظور يشبه الجامع الكنيسة. لكن كمؤسسة لها تسلسلها الهرمي وقوانينها وطقوسها، لم يكن هناك شيء مشابه في الإسلام حتى فترة قريبة جدًا. وقد كانت إحدى إنجازات الثورة الإسلامية في إيران أن منحت بلدًا إسلاميًا، وللمرة الأولى، شيئًا يشبه البابا ومجمع الكرادلة، والمناصب الأسقفية، وخاصةً، قبل كل شيء، محاكم التفتيش. وكلُّ هذه الأمور لم تكن معروفة سابقًا في العالم الإسلامي.

وفيما يتعلق بالولاء، دعوني أقدِّم مثالاً. جميعنا يعرف من كتب التاريخ قصة التبادلات التي تمَّت، بمجرد أن انتهت الحرب العالمية الأولى وما تلاها من حرب بين تركيا واليونان، بين الأتراك واليونانيين. حيث أن ما اتفقت عليه في حينه، وفي نهاية المطاف، الحكومتان اليونانية والتركية كان تبادلاً للسكان. وما قد يبدو للوهلة الأولى من كتب التاريخ هو أن الأقلية اليونانية في تركيا قد أُرسلت إلى اليونان، وأن الأقلية التركية في اليونان قد أرسلت إلى تركيا – على الأقل، هذا ما تقوله كتب التاريخ. لكننا، إن تمعنا في الوثائق التي تم التوافق عليها من أجل هذا التبادل، فإننا نجد أنفسنا أمام شيء مختلف تمامًا. حيث أن السكان الذين تم تبادلهم كانوا الرعايا الأتراك من ذوي الديانة الأورثوذكسية اليونانية، والرعايا اليونانيين المسلمين. ما يعني، إن نظرنا إلى الأمر بمزيد من التمعن، أن السكان الذين تم تبادلهم كانوا، في معظمهم، مسيحيين أورثوذكس أتراك ويتحدثون التركية، ومسلمين يونانيين يتحدثون اليونانية. ما يعني أن ما حصل لم يكن تبادلاً لأقليتين إثنيتين إنما كان تهجيرًا لأقليتين دينيتين.

وهذا المفهوم ما زال سائدًا هناك حتى يومنا هذا. حيث الدين هو الهوية الأساسية التي لا علاقة لها بالاعتقاد والعبادة. لا بل إن باحثًا مصريًا كتب كتابًا يحمل عنوانًا غريبًا – إنه غريب من منظور القارئ الغربي – وهو الإلحاد في الإسلام[1]. ما قد يبدو عنوانًا سخيفًا إن نظرنا إلى الإسلام كدين. لكن هذا الكتاب لم يكن سخيفًا على الإطلاق، فهو يتناول الإسلام كثقافة، وكحضارة، حيث كان يوجد، كما في أي مكان آخر، ملحدين وحركات إلحادية. وهذا ما يجعل مثل هذا العنوان مشروعًا بالكامل وكذلك الدراسة. ولكن، من الصعب بالنسبة لنا في الغرب أن نتفهم مثل هذا الأمر وأن نقدِّر كل تداعياته. في الماضي، كانوا يسخرون في العالم الإسلامي من مفهوم فصل الدين عن الدولة، فيقولون إنه دواء مسيحي لداء مسيحي؛ بمعنى أنه لا ينطبق على عالمهم. أمَّا اليوم، فإني أعتقد أن البعض منهم بدأ يعيد النظر في هذا المفهوم، وبات يعترف بأنهم ربما قد التقطوا مرضًا مسيحيًا، ما يعني أنه بات من الأفضل بالنسبة لهم أن يجرِّبوا من أجله دواءً مسيحيًا.

إن كل ما قلته حتى الآن هو مجرد مقدمة، بوسعي أن أتوسع حولها لاحقًا إن شئتم. ولكني أريد أن أبدأ بمسألة محددة شغلت الإعلام كثيرًا في الآونة الأخيرة وتثير اهتمامكم اليوم، كما أرجو ذلك، من الناحية المهنية. إنها مسألة الصور الكاريكاتورية الدنماركية التي أجدها قصة غريبة فعلاً. فالقصة، كما تداولتها وسائل الإعلام، تقول بأن صحيفة دنماركية نشرت مجموعةً من الصور الكاريكاتورية المهينة للنبي، مما أدى إلى تفجُّر سخط عفوي في كافة أنحاء العالم الإسلامي. وأجدني من خلال هذا الطرح أواجه عدَّة مشاكل. وإحدى هذه المشاكل تقول إن هذا التفجُّر العفوي للسخط لم يحدث مباشرة، إنما بعد نشر الرسوم الكاريكاتورية بما يقارب الأربعة أشهر. وهذا يصعب قبوله كما أظنكم توافقون. والمشكلة الثانية هي أن هذا التفجُّر العفوي للغضب حدث في آن واحد في كلِّ أرجاء العالم الإسلامي، بدءًا من المناطق النائية لشمال نيجيريا، وصولاً إلى أواسط آسيا، وجنوب شرقها، وأماكن أخرى؛ وأن الجميع في هذه الأماكن كان مزودًا بما يكفي من الأعلام الدنماركية ذات الأحجام المناسبة وبكلِّ مستلزمات حرقها. ما يجعل الأمر يبدو وكأنه حُضِّر له خلال ما يكفي من الوقت.

ما الذي يعنيه هذا؟ لحسن الحظ لدينا خلفية مشابهة قد تساعدنا على الفهم. فمنذ حوالي 18 سنة من الآن، كما تذكرون، أطلق آية الله الخميني حكمًا بالموت على الروائي سلمان رشدي الذي كان يعيش في حينه في لندن. والجريمة التي حكم على سلمان رشدي بالموت من أجلها كانت إهانة النبي. فإهانة النبي بالنسبة للمسلم تعادل الارتداد. وهذا الأمر، كما شهدنا مؤخرًا في أفغانستان، ينظر إليه غالبًا كجريمة يُعاقب عليها بالإعدام.

لكن الأمر مختلف هنا. لذلك، وجدتني بعد فترةٍ من الزمن أهتم أكثر بما يجري، وأقوم بدراسة ما نُشر من أدبيات ذات علاقة بالإساءة. وهي أمور لم أكن لأهتم بها في وضع مختلف. وقد تبدت لي بعض الأمور الجديرة بالاهتمام. وأشير هنا، بالمناسبة، إلى أننا حين نتحدث عن الشرع الإسلامي فإنما نتحدث عن قوانين. لأن الشريعة هي نظام قانوني ونظام تحكيم، وليست نظام إعدام وإرهاب. إنها نظام له قواعده، ويستند إلى أدلة وما يمكن أن تتمخض عنه تلك الأدلة من لوائح اتهام تتعلق بالدفاع وما ينجم عنه من أمور. وهذا أمر يختلف تمامًا عما نشهده اليوم.

والنقطة الأولى التي يجب أن نتنبه إليها هي أنه محظور رسم النبي؛ فتصوير النبي، بأي شكل من الأشكال، يتعارض مع الدين الإسلامي. وهذا صحيح، رغم أنه لم يكن يُحترم دائمًا من قبل المسلمين. وسبب هذا التحريم أنهم أرادوا تجنب أي شكل من أشكال تأليه النبي. فالمسلمون يصدمون حين يدخلون إلى الكنائس، ويشاهدون تعبدًا أمام صور وتماثيل، ما يعتبرونه نوعًا من الوثنية. لأنكم إن دخلتم إلى داخل جامع فإن أول ما تلاحظونه هو طابعه المتقشف، حيث لا توجد صور، ولا تماثيل، إنما فقط نقوش. فالغاية من منع رسم النبي إنما هي منع حدوث أي تأليه له. وأنا لا أعتقد أن الكاريكاتيرات الدانماركية كانت تشكل أي تهديد في هذا المضمار.

إنما ما كان مطروحًا فعلاً هو خرق حظرٍ آخر، وهو تحقير النبي. وهذا بالفعل يعتبر إهانة، كما أنه يطرح العديد من التساؤلات الهامة التي لها علاقة مباشرة بما يجري اليوم. لأن تحقير النبي هو إهانة وفقًا للشريعة الإسلامية. لكن هذا يطرح نوعين من التساؤلات: الأول له علاقة بوضعية القانون، والآخر بصلاحية تطبيقه. وهي أمور ناقشها المشرِّعون المسلمون مطولاً، وهناك مجموعة كبيرة من السوابق القضائية المتعلقة بها في البلدان الإسلامية.

وتبرز هنا نقطة خلافية أولى: ما هو نطاق صلاحية تطبيق الشرع الإسلامي؟ في هذا الخصوص هناك رأيان: فحسب الشيعة وأقلية من السنَّة، تُطبق الشريعة الإسلامية على المسلمين أينما كانوا في العالم. فالمسلم الذي يرتكب إهانة بحق الشريعة الإسلامية، وأيًّا كان مكان تواجده في العالم، يخضع لأحكام الشريعة الإسلامية، ويجب أن يعاقب وفقًا لهذه الشريعة. أمَّا أغلبية السنَّة فتعتقد أن الشرع الإسلامي إنما يطبق على المسلمين الخاضعين لحكومات إسلامية. وما يحدث خارج هذا الإطار، لا علاقة للسلطات الإسلامية به. فإن ارتكب المسلم المسافر في بلاد الكفَّار سرقةً أو جرمًا، وعاد إلى أرض الإسلام بغنيمته، فإنه لا يلاحق على ما فعل، لأن ما فعله إنما جرى خارج نطاق صلاحية تطبيق الشريعة الإسلامية. ما يعني أنه على السلطات القانونية والقضائية في بلاد الكفار أن تلاحقه إن أرادت وكان في وسعها ذلك.

ونجد أنفسنا، وفيما يتعلق بإهانة تم ارتكابها من قبل مسلم، أمام رأيين مختلفين. لكن هذا لا ينطبق على الرسوم الكاريكاتيرية الدانمركية. فهنا تتوضح المؤامرة. لأن ما تناقشه كلُّ السلطات القضائية في حالة تتعلق بشخص غير مسلم وتابع لبلد إسلامي، أنه إن ارتكب هذا الشخص التابع لدولة مسلمة إساءة أو قال شيئًا مسيئًا بحق النبي، فإنه سيحاكم – لا بل سيتهم ويحاكم، وإن اقتضت الضرورة يحكم عليه حتى. ويتفق جميع الفقهاء هنا على اتخاذ موقف مخفف من الإساءة. حيث يقولون: حسنًا، إنه ليس مسلمًا، ولا يعترف بمحمد كنبي، ونحن نعلم هذا. ما يعني أن القول بأن محمد ليس نبيًا لا يشكل إهانة. كما يعني أيضًا أن الإساءة يفترض أن تكون أكثر تحديدًا. وقد كُتب الكثير حول هذه المواضيع، كما سبق وأشرت.

لكن ما لم يُناقش سابقًا – وبالتالي لم يتم مطلقًا التطرق إليه – هو موضوع إساءة ارتكبت من قبل شخص غير مسلم وفي بلد غير مسلم. في هذه الحالة، وكما يتفق كل المشرِّعين وعلماء القانون، فإن الموضوع لا يدخل ضمن نطاق اختصاص الشرع الإسلامي. وهذا ما يعيدنا إلى إعادة طرح موضوع الدانمارك مجددًا. هل يعني ما حصل أن الدانمارك، ومعها مجمل البلدان الأوروبية، قد أصبحت تعتبر جزءًا من العالم الإسلامي؟ وأن الدانماركيين، وسواهم، أصبحوا من أهل الذمَّة، بمعنى أنهم أصبحوا رعايا غير مسلمين في بلد مسلم؟ أعتقدُ أن المسألة هامة، لأنه من الممكن أن تطرح أمامنا عدة أمور من الواجب بحثها.

السيد لوغو: عظيم، وشكرًا جزيلاً. لكن، وقبل الإجابة على أسئلتكم، دعوني أقدِّم لكم جميعًا شركائي في جريمة رعاية هذه المجموعة من المحاضرات، وهما: ي. ج. ديوني من مؤسسة بروكينز والواشنطن بوست، ومخائيل كروماتيس من مركز الأخلاق والسياسات العامة، الذين سيتناوبون معي في إدارة هذه الجلسة.

برنارد لويس: هناك نقطة أريد أن أضيفها.

السيد لوغو: تفضل.

برنارد لويس: لقد كانت الإساءة إلى النبي أمرًا شائعًا في أوروبا، ولعدة قرون. فلنأخذ مثلاً جحيم دانتي، وتحديدًا منه النشيد الثامن والعشرين، الذي يقود فيه فيرجيل دانتي أثناء زيارته لجهنم، فيمران معًا على النبي محمد الذي حلَّت عليه اللعنة هناك إلى أبد الآبدين، لأنه معاقب، وأنا هنا أستعيد كلمات دانتي نفسها، بتهمة "زرع الفحشاء والشقاق"[2]. وهذا تعبير مهين جدًا. وأيضًا، في الكاتدرائية الكبرى في بولونيا، هناك مجموعة رائعة من اللوحات المرسومة، والتي تعود، إن كنت أتذكر جيدًا، إلى القرن الخامس عشر. وهذه تتضمن مشاهد من جحيم دانتي. ومن بينها رسوم تصور بوضوح كيف يُعذَّب النبي في جهنم.

لم يقل أحد شيئًا بهذا الخصوص حتى ما قبل عامين تقريبًا، حين أرسل رؤساء الجالية المسلمة في إيطاليا رسالةً إلى المسؤولين عن هذه الكاتدرائية، يطلبون فيها حجب هذه اللوحات. فأجابتهم إدارة الكاتدرائية أنها ستدرس الموضوع. لكن شيئًا من هذا لم يحدث. وما زالت اللوحات تعرض.

السيد لوغو: شكرًا لك.

بربارا سلافين من صحيفة الولايات المتحد اليوم USA Today: يسرني جدًا أن أجتمع بك من جديد، بروفيسور لويس. أريد أن أعيدك إلى الوقت الراهن، ولكن ليس إلى قصة الرسوم الكاريكاتورية الدانماركية. لقد شهدنا صراعًا كبيرًا بين الغرب ممثلاً بالولايات المتحدة الأمريكية، وبين العالم الإسلامي أثناء الهجوم على أفغانستان واحتلال العراق. أريد سماع رأيك حول كيف كان تأثير هذا الأمر على سكان تلك المنطقة من العالم، وخاصةً على العراق؟ في آخر مرة تحدثت فيها إليك، كنتَ مؤيد جدًا لهذا الأمر. وأتساءل، هل ما زلت كذلك، وهل اختلف واقع الحال عما كنت تتوقعه؟ شكرًا جزيلاً لك.

برنارد لويس: هل بوسعي الإجابة أولاً على القسم الثاني من سؤالك؟ كلا، لم يختلف ما حدث عما كنت أتوقعه. إنما قد استخفيتُ فقط بمقدرتنا على استنباط الهزيمة من بين فكي النصر. لكن، دعينا من هذا الأمر.

كيف ينظرون إلى الأمر؟ لأن هذا هو الأهم. ولأننا، حول هذا الموضوع، مطلعين بشكل جيد جدًا. فبفضل وسائل الإعلام، وبفضل الاتصالات الحديثة، نحن قادرون على متابعة طريقة تفكيرهم، ومتابعة نقاشاتهم الداخلية عن قرب. وأعتقد أنه بوسع المرء أن يشكل فكرة جيدة جدًا عن كيفية نظرتهم إلى الصراع، ليس فقط أسامة بن لادن وجماعة القاعدة بشكل عام، إنما أيضًا العديد من الحركات الموازية كالقيادة الإيرانية التي يمثلها (محمود) أحمدي نجاد.

تجري الأمور تقريبًا على هذا النحو. لقد تحدَّثتي سابقًا عن صراع الحضارات، وهي عبارة استعملت كثيرًا، لا بل أسيء استعمالها كثيرًا. فأنا حين استخدمتُ هذه العبارة للمرة الأولى، استعملتها بشكلٍ محدد جدًا، وليس كحالة عامة. لكن البعض ذهب إلى حدِّ أنه تصور بأن للحضارات سياسات خارجية، وأنها من الممكن أن تقيم تحالفات، إلى ما هناك. أنا لم أصل إطلاقًا إلى هذا الحدِّ، إنما كنت أتحدث عن صراع محدد بين حضارتين محددتين هما الحضارة الإسلامية والحضارة المسيحية. وهو صراع ناشىء ليس بسبب ما يفرقهما، إنما بسبب ما هو مشترك بينهما.

فهاتان الديانتان – أقصد الإسلام والمسيحية – تعتقدان، وعلى حدِّ علمي لا يوجد سواهما يعتقد ذلك، أن حقائقهما ليست فقط عالمية إنما هي أيضًا حصرية. إنهما تعتقدان بأنهما المتلقيتان المحظوظتان لرسالة الله الأخيرة للبشرية، وأن من واجبهما ليس الحفاظ على هذه الرسالة بأنانية لأنفسهما، كما يفعل اليهود والهندوس، وإنما جلب ما تبقى من الإنسانية إلى هذه الرسالة، وإزالة الحواجز من أمامها ومهما كانت السبل إلى ذلك. وهذا كان بين حضارتين محددتين بشكل جيد من الناحية المدنية؛ الحضارة المسيحية التي كانت، في ذلك الوقت، تحمل التراث ذاته، والتصور الذاتي ذاته، والطموح ذاته الذي تحمله الحضارة المقابلة، مما أدى بشكل حتمي إلى الصراع. ذلك الصدام الحقيقي بين حضارتين متنافستين تطمحان لأن تلعبا الدور ذاته من أجل الوصول إلى الهيمنة ذاتها، وكلٌّ منهما تعتقد بأنها مكلَّفة بمهمة إلهية.

وقد حصل هذا تحديدًا مع ظهور الإسلام، الذي انتشر بسرعة عن طريق الفتوحات. إن ذهبتم إلى أورشليم (القدس)، فإنكم سترون، من دون أدنى شك، قبَّة الصخرة، التي هي بحدِّ ذاتها علامة من علامات هذا الصراع، فقد بُنيت على مكان مقدسٍ من قبل كلٍّ من اليهود والمسيحيين، وطرازها هو طراز الكنائس الشرقية القديمة، ككنيسة المهد، وكنيسة القيامة، وغيرها، كما أنَّ النقوش التي على جدرانها معبِّرة جدًا: "هو الله أحد، لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفء أحد" – ما يعني، بكلمات أخرى، أنه تحدٍّ واضح للمسيحية. [ضحك]. لأن الخليفة الذي بنى هذا المكان في نهايات القرن السابع، إنما كان يرسل رسالة واضحة، رسالةً نقشها أيضًا على عملته الذهبية. أي أنه، بعبارات أخرى، كان يقول للإمبرطور المسيحي: إنَّ دينك قد أصبح باطلاً، وإنَّ وقتك قد مضى؛ لا بل أكثر من ذلك، كان يقول له: نحن سنستلم العالم.

وهذه كانت بداية صراع ما زال مستمرًا حتى يومنا هذا. والآن، نحن في العالم الغربي، وخاصةً في الولايات المتحدة، يبدو أننا لا نعير أهمية كبرى للتاريخ. لا بل سرعان ما يصبح ما حدث قبل ثلاث سنوات تاريخًا قديمًا بالنسبة إلينا. فكثيرًا ما ألتقي بأناس يتناقشون بجدية بأن ما حدث في 11 إيلول إنما كان بسبب احتلالنا للعراق. وهذا النوع من الانعكاس والتأثير أمرٌ شائع.

أما في العالم الإسلامي، فإننا نواجه العكس تمامًا. حيث لديهم إحساس مرهف بالتاريخ، ولديهم وعي حاد جدًا، ومعرفة تفصيلية مستغربة، به. يكفي من أجل هذا أن نتمعن، على سبيل المثال، بالدعاية الحربية خلال الحرب التي استمرت ثمان سنوات، ما بين 1980 و1988، بين العراق وإيران – وهي دعاية كانت موجهة بشكل عام إلى الجمهور الواسع، وهو بمعظمه جمهور أمِّي –، لنلاحظ أن هذه الدعاية مليئة بالتلميحات التاريخية. وحين أقول تلميحات، فأنا أعني ما أقوله، لأنها تلميحات فعلاً وليست قصصًا. إنها مجرَّد تلميحات سريعة تشير إلى اسم وحدث من المؤكد أنه سيُلتقط ويُفهم.

في أحد بياناته، قال أسامة بن لادن: "لأكثر من ثمانين عامًا عانينا من الإذلال" (حين يتحدث بالجمع فإنه يعني بذلك العالم الإسلامي). ويندفع كلُّ الخبراء للبحث عما يعنيه بذلك، فيندفع القدماء منهم إلى مراجعه من الكتب، والشباب منهم إلى حواسبه. [ضحك]. ويحصلون على العديد من الإجابات المختلفة.

أما بالنسبة لمن درس الإسلام وما جرى ويجري في العالم الإسلامي، فإن ما يعنيه واضح تمامًا. لأنه يشير إلى إلغاء الخلافة على يد الجمهورية التركية في العام 1924. والخلافة هي ذلك النظام الذي قام وترأس الحكم في العالم الإسلامي بعيد وفاة النبي. فبالنسبة للعالم الإسلامي، ترأس هذا العالم سلالات مختلفة من الخلفاء، الذين حكموا من أماكن مختلفة، كالمدينة، ودمشق، وبغداد، والقاهرة. وكانت آخر تلك الخلافات تحكم من اسطنبول، وانتهت بشكل كارثي مع نهاية الحرب العالمية الأولى، حين أُطيح بآخر الخلفاء، وقسِّمت إمبرطوريته بين الحلفاء الغربيين المنتصرين. هذا ما كان يعنيه، من دون أدنى شك، أسامة بن لادن حين تحدث عن الإذلال.

وأيضًا، فإنه بالنسبة لهم، وكما حكمت العالم الإسلامي سلالات من الخلفاء، كذلك حكمت عالم الكفَّار، وخاصةً منهم خصمهم الرئيسي العالم المسيحي، سلالات من القوى، كان أولها أباطرة بيزنطة، ثم أباطرة الكنيسة الرومانية المقدسة، ثم القوى الغربية. وأنا بهذا التحليل إنما أستعيد ما قاله أسامة بن لادن تحديدًا: في هذه المرحلة النهائية، كان عالم الكفار محكومًا من قبل قوتين عظميين هما الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي.

ونحن ننظر إلى هزيمة وانهيار الاتحاد السوفييتي كانتصار غربي في الحرب الباردة، والبعض منا ينسب هذا الانتصار بشكل خاص إلى الرئيس رونالد ريغن. أما بالنسبة لأسامة بن لادن وأتباعه، فقد كان هذا الانتصار انتصارًا إسلاميًا مردُّه الجهاد. وإن نظرنا بتمعنٍ إلى ما يجري اليوم، فإننا سنجد أن هذا التفسير لا يفتقر تمامًا إلى المنطق. حيث أنه، وفي نهاية الأمر، كان الطالبان في أفغانستان هم الذين هزموا الجيش الأحمر، مما أدى بالاتحاد السوفييتي إلى الانهيار. وقد عبَّر أسامة بن لادن عن ذلك كما يلي: لقد تعاملنا الآن بنجاح مع القوة الأكثر فتكًا والأكثر خطورةً من القوتين الغربيتين. ما يعني أن تعاملنا من الأمريكان اللينين والمدللين والمنحلِّين سيكون أسهل.

وهذا الانطباع تأكد في التسعينات، حين كانوا يشنون الهجوم تلو الآخر، مرددين العبارات الغاضبة، ومطلقين الصواريخ العشوائية على أماكن غير مأهولة.

لهذا، ومن أجل أن نفهم ما الذي يجري، فإنه علينا أن ننظر إلى الصراع من منظور أوسع، هو منظور الصراع بين دينين. صراع هو اليوم، على حدِّ قولهم، في مراحله النهائية.

لننظر الآن إلى المرادف الشيعي لما عرضناه من خلال التمعن في الثورة الإيرانية – مشيرين إلى أن كلمة ثورة غالبًا ما تستعمل أو يساء استعمالها في الشرق الأوسط للتعبير عن أي تغير ظاهري في السلطة. في الواقع، إنها اللقب الوحيد المقبول هناك للتعبير عن الشرعية. فالثورة الإيرانية كانت ثورة حقيقية، ولم تكن مجرد انقلاب، أو محاولة انقلاب، أو ما شابه ذلك. لقد كانت ثورة أصيلة بنفس المعنى الذي كانت فيه الثورات الفرنسية والروسية. وقد أحدثت تغييرًا اجتماعيًا، واقتصاديًا، وأيديولوجيًا كبيرًا – وليس فقط مجرد تغيير في نظام الحكم. فكما حصل في حينه بالنسبة للثورات الفرنسية والروسية، كان للخميني تأثير هائل في كلِّ مكان كان له فيه، إن صحَّ القول، إمكانية الخطاب المشترك، أي في العالم الإسلامي. وتمامًا كما كان للثورات الفرنسية والروسية في أيامها، ولبعض الوقت الذي تلا، امتدادًا وتأثيرًا، كذلك كان الأمر بالنسبة للثورة الإيرانية، التي لم تكن محصورةً بالعالم الشيعي.

وأتذكر أني حين كنت في جولة زرت فيها بعض الجامعات الإسلامية في أندونيسيا، التي هي بلد سني بامتياز، أن الطلاب هناك كانوا يعلِّقون على جدران غرف منامتهم صورًا للخميني. وقد مرَّت الثورة الإيرانية بعدة مراحل، فكان لها يعاقبتها وجيروندييها، وبلاشفتها ومناشفتها، وإرهابها. وهي الآن، في وسعي القول، في مرحلتها الستالينية، التي كان لها أيضًا بعض التأثير.

جاي تولسون من الـ US News and World Report: بروفيسور لويس، لقد أشرت إلى واقع مثيرٍ للاهتمام ألا وهو: إلى أي حدٍّ يمكننا القول بأن خطاب أسامة بن لادن كان مؤثرًا في جرِّ الولايات المتحدة إلى الاستجابة من بعض النواحي التي أدَّت، كما قلت، إلى تلك الحال التعيسة التي هي استجرار الهزيمة من بين فكِّي النصر؟ وأتساءل ما الذي يوازيه في هذا المضمار ويتعلَّق بموقف أحمدي نجاد تجاه الغرب، وخصوصًا فيما يتعلَّق بأسلوب التعنيف نفسه الذي يستعمله. كما أني أريد التطرق أيضًا إلى العديد من الأمور الأخرى المتعلقة بأحمدي نجاد، لكني سأحدُّ نفسي بما يلي: هل تعتقد أن هذا يعبِّر عن شيء جديد، وخاصة فيما يتعلق بالحالة الإيرانية، التي هي نوع من الحالة الفارسية التي تتوجه إلى العالم الإسلامي الأوسع، أم أنك تعتقد بأن أحمدي نجاد هو مجرَّد انتهازي ماكر يستخدم الدين من أجل تدعيم قاعدته السياسية الإيرانية؟ أم أنه يحاول حاليًا أن يتنافس مع أسامة بن لادن على الصعيد الإسلامي العام، متبعًا من أجل ذلك تكتيكًا ناجحًا جدًا، إن لم أقل استراتيجية أسامة بن لادن في تعنيف الشيطان الأكبر، والتي أظهرت حتى الآن عدم فعاليتها؟

برنارد لويس: أميلُ إلى الاعتقاد بصدق أحمدي نجاد. وأعتقد أنه يؤمن حقًا بما ينطق به من خطاب مروِّع. لا تنسى أن المسلمين، كالمسيحيين واليهود، يؤمنون بسيناريو معين لنهاية الأزمنة، وستظهر فيه شخصية مسيانية. بالنسبة لهم، أقصد بالنسبة للشيعة، ستكون هذه الشخصية هي الإمام المختفي الذي سيظهر للملأ، ويقاتل قوى الشرِّ، أي المسيح الدجَّال في المسيحية، وأجوج وماجوج في اليهودية، والدجَّال في الإسلام، وهذا هو الدور الذي ينسبوه إلينا اليوم. يبدو أنه يؤمن فعلاً بأن زمن القيامة قد أتى، وأن هذه هي المعركة النهائية التي ستؤدي إلى النصر النهائي وإلى إقامة مملكة السماء على الأرض.

وقد يشاركه آخرون من النخبة الإيرانية الحاكمة في رؤيته هذه. لكني أميل إلى الاعتقاد بأن معظمهم أكثر تشاؤمًا، وينظرون إلى ما يقوله من منظور أنه يخفف عنهم مشاكلهم المحلية وبوسعهم استعماله كسلاح في علاقاتهم الخارجية. خاصةً وأنه يبدو بأنه ينجح فيما يفعل، كما هي الحال، على سبيل المثال، فيما يتعلَّق بمسألة الأسلحة النووية. حيث في كلِّ مرَّة يحققون فيها تقدمًا، ترانا ننتقل إلى موقع نقول فيه بأننا لن نقبل بأن يحصل هذا. وقد حصل هذا مرات ومرات. ففي كلِّ مرَّة كنا نقول فيها بأننا لن نسمح بالخطوة القادمة، كنا نجد أنفسنا، إن صحَّ القول، قابلين جدًا للتكيف. وهذا واقع لا يسمح لنا، بأيِّ شكل، بكسب الأصدقاء، وبالتأثير على الناس.

أعتقدُ أن الطريقة التي يتحدث بها أحمدي نجاد تظهر بشكل جليٍّ احتقاره للعالم الغربي بشكل عام، وللولايات المتحدة بشكل خاص. إنهم يشعرون بأنهم يتعاملون، وكما عبَّر عن ذلك أسامة بن لادن، مع عدو عاجز، ومنحط، ومدلل، وغير قادر على المقاومة الحقيقية. وهم يتصرفون على هذا الأساس. لا يغب عن بالكم، أنهم لا يفهمون ولم يجرِّبوا معنى النقاش الحرِّ في مجتمع حرٍّ. فحين نرى من جانبنا بأن ما يحصل هو نقاش حرٌّ ونقدي، هم يرون فيه خوف وضعف وانشقاق؛ ويتصرفون على هذا الأساس، كما يثبت لنا، كل يوم، الواقع الإيراني.

وأعتقدُ أن هذا الوضع خطير. وأملي الوحيد هو أنهم ليسوا على حقٍّ فيما يتعلَّق بالعالم الغربي. وغالبًا ما أجد نفسي أعيد التفكير بالسنوات الأولى للحرب العالمية الثانية – لقد أُخبرتم سابقًا بأني شخص عجوز. والعام الذي أتذكره بوضوح أكثر من سواه في حياتي هو العام 1940. ومن فترة قريبة، كنت أتفكر بالعام 1938 وليس بالعام 1940. لأنه يبدو لي أننا أقرب اليوم إلى مزاج تشامبرلاين منه إلى مزاج تشرشل.

ماسّيمو كالابريزي من مجلة التايم: لقد صوَّرتَ الحضارة الإسلامية يا سيدي على أنها غير مضيافة فيما يتعلَّق بالديمقراطية. لقد وصفتهم قائلاً بأن بعضًا من السكَّان لا يفهم معنى النقاش الحرِّ والديموقراطية.

برنارد لويس: أنا تحدَّثت عن الحكَّام الحاليين لإيران.

السيد كالابريزي: لكنكَ أثناء حديثك عن الشريعة كقانون، أشرت أيضًا إلى أن لها أولويات تتجاوز حدود الأوطان. كما بينت التناقض بين أمَّة مقسَّمة إلى أديان ودين مقسَّم إلى أمم. وأن الدين هو الهوية الأولى لمعتنقيه في كل أنحاء العالم. وسؤالي ببساطة هو: إلى أي حدٍّ تصحُّ سياسة نشر الديموقراطية في العالم الإسلامي؟

برنارد لويس: شكرًا، لقد كنت آمل أن يسألني أحد هذا السؤال. أشكرك كثيرًا. هناك أمور كثيرة تقال اليوم عن الإسلام. على سبيل المثال، هناك وجهة نظرٍ يمكن تلخيصها بما يلي: إن هؤلاء الناس غير قادرين على إقامة حكم لائق، ومنفتح، وحضاري. ومهما فعلنا، فإنهم سيبقون محكومين من قبل طغاةٍ فاسدين، ما يعني أن الهدف الرئيسي لسياستنا الخارجية يجب أن يكون: السعي لأن يكون هؤلاء الطغاة أصدقاء لنا وليس أعداء. ونحن نعرف ما تمخضت عنه نماذج من مثل هذه المقاربة من نتائج معروفة في أمريكا الوسطى، وجنوب شرق آسيا، وأماكن أخرى.

أقولُ إن مقاربة كهذه مخطئة بالكامل، فالقول بأنه ليس بوسعهم الإتيان بأي شيء آخر منافٍ للتاريخ. لأن ما ننظر إليها اليوم كأنظمة شرق أوسطية نموذجية، لم تكن نموذجية في الماضي. فأنظمة كنظام صدام حسين وغيره، هذا النوع من الحكومات والمجتمعات، لا جذور له في الماضي العربي أو الإسلامي. إن منشأ هذه الأنظمة – واسمحوا لي أن أكون واضحًا وصريحًا – هو أوروبي، وقد تمَّ على مرحلتين.

المرحلة الأولى، تعود إلى القرن التاسع عشر، حين تنبَّهوا إلى أنهم أصبحوا متخلفين عن العالم الحديث، وأنهم بحاجة ماسة إلى اللحاق به؛ وهكذا، مدفوعين بأفضل النوايا، تبنوا كلَّ أنواع الوسائل الأوروبية، التي كان لها رغم ذلك نتيجتان ضارتان. النتيجة الأولى كانت أنهم ضخموا إلى حدٍّ كبير قوة الدولة، فوضعوا بين أيدي حكَّامهم أسلحة ووسائل اتصال لم يكن هؤلاء يحلموا بها في الأزمنة القديمة؛ وهكذا أصبح أصغر طاغية تافه يملك تجاه شعبه سلطات لم يكن يملكها في حينه هارون الرشيد أو سليمان القانوني، أو أي من حكَّام الماضي الأسطوريين.

والنتيجة الثانية الأسوأ تتعلق بحدود صلاحيات وسلطات الحاكم. فالمنقول السياسي الإسلامي بالكامل كان معارضًا بقوة للاستبداد. صحيح أن الحكومات الإسلامية التقليدية كانت متسلطة، لكنها لم تكن استبدادية. لا بل على العكس من ذلك، كان هناك رفض فعلي للاستبداد. وهذا لم يكن نظريًا فقط، إنما كان أيضًا على أرض الواقع، لأنه كانت توجد في المجتمعات الإسلامية كلُّ أنواع التنظيمات القائمة التي كانت تفعل فعلها كعوامل كابحة، كتجار السوق (أو البازار)، والجمعيات الحرفية، والنبلاء، والكتبة، وجميعهم كانوا تجمعات لها نظامها وقادتها المنبثقين عنها، ولم يكن هؤلاء يُعيَّنون أو يُسرَّحون من قبل الحاكم، وكانوا يؤثرون عليه فعلاً.

هناك، في هذا الخصوص، قصة طريفة سأرويها لكم؛ إنها قصة تلك الرسالة التي كتبها السفير الفرنسي في اسطنبول في العام 1786 إلى حكومته – محاولاً أن يشرح فيها لماذا لم يحقق نجاحًا ملحوظًا في المهمة الموكلة إليه. يقول: "الأمور هنا ليست كما في فرنسا حيث الملك هو الحاكم الوحيد الذي يفعل ما يحلو له؛ هنا يتوجب على السلطان أن يستشير أناسًا عدة، ورؤساء الدوائر عدة، وحتى أولئك المتقاعدين منهم". هكذا كانت الأمور بالفعل. لكن كل هذا الواقع زال مع عملية التحديث التي، كما سبق وأشرت، قوَّت الحكومة وأضعفت، إن لم نقل أزالت، تلك العوامل الكابحة.

والمرحلة الثانية والمميتة جاءت – وبوسعي أن أحدد ذلك بدقة – في العام 1940. ففي العام 1940، قررت الحكومة الفرنسية الاستسلام أمام ألمانيا، لكنها في الواقع، غيرت الجانب الذي كانت تقف فيه في الحرب. وكان القسم الأكبر من الإمبرطورية الاستعمارية في حينه خارج منال المحور، ما يعني أنه كان لحكام المناطق حرِّية الخيار بين فيشي وبين ديغول. فاختارت الأغلبية العظمى منهم فيشي، بمن فيهم – وهذا ما له علاقة بموضوعنا تحديدًا – الحاكم، أو المندوب السامي كما كان يدعى، للأراضي المنتدبة في سورية ولبنان. ما جعل سورية ولبنان مفتوحين تمامًا أمام النازيين، الذين انتقلوا إليهما إلى حدٍّ كبير، ليس كقوات عسكرية طبعًا، لأن هذا سرعان ما كان سيلحظ، إنما بمختلف أشكال العمل الدعائي. من هنا نبعت جذور تلك الأحزاب، وأدت إلى تشكُّل أولى التنظيمات، التي سرعان ما تطورت لتصبح أحزابًا.

في ذلك الحين بدأ يُعرف الشكل النازي للأيديولوجيا والحكم، والذي تمَّ تبنِّيه بسرعة، ليس لجاذبيته إنما لكونه معادٍ للغرب. ومن سورية، تمكنوا من الانتشار في العراق، حيث تمكنوا لبعض الوقت من إقامة حكومة نازية التوُّجه برئاسة رشيد عالي. وقد كان ممكنًا معالجة الأمر آنذاك، إذ سرعان ما تمَّ طردهم من الشرق الأوسط. لكن، بعد الحرب غادر الحلفاء الغربيون أيضًا المنطقة، مما مكَّن السوفييت من التسلُّل إليها، فحلوا محل النازيين في تزعُّم العداء للغرب. والانتقال من النموذج النازي إلى النموذج الشيوعي لا يتطلَّب إلا تعديلات بسيطة.

لكن كل هذا لا يشكِّل جزءًا من التاريخ العربي أو من المنقول الإسلامي، لهذا السبب تراني أؤمن بأن إمكانية أن يطوروا بأنفسهم مؤسساتهم الديموقراطية، وليس أن نوجدها لهم، متوفرة قطعًا. لا بل أزيد، حيث أني أعتقد أنه كان بوسعنا أن نفعل أكثر بكثير مما فعلناه، وأن القضية لم تصبح بعد قضية ميؤس منها، وإن كان وضعها خطيرًا اليوم. لذلك، إن ساروا إلى أمام، وإن ساعدناهم، فإن هناك الكثير من المؤشرات الدالة على إمكانية أن تتطور، ليس فقط في العراق وإنما أيضًا في إيران، وفي أماكن أخرى، حركات ديموقراطية وشعبية نشطة.

إن حراكًا كهذا موجود. من الخطر طبعًا أن تقال أو أن تتم أفعال معينة هناك، لأن عليهم أن يكونوا في منتهى الحذر؛ لكنه موجود، وينمو، وفي وسعنا فعل الكثير لمساعدته.

ما هي البدائل؟ كما أرى، هناك العديد من الإمكانيات؛ لذلك دعوني أعرض عليكم أسوأ وأفضل سيناريو ممكن. السيناريو الأسوأ بالنسبة لي، هو أن يدمِّر العالم الغربي والإسلامي بعضهما بعضًا، عندئذٍ، سيصبح المستقبل ملكًا تتنازعه الهند والصين كقوى عظمى كامنة للنصف الثاني من القرن الحادي والعشرين. أما السيناريو الأفضل، فهو بشكل ما، وبمعونتنا، أو لنقل من دون إعاقة من قبلنا، أن تتمكَّن شعوب الشرق الأوسط من أن تطور مجتمعات ديموقراطية ومنفتحة. في هذه الحالة، سيكون بوسع الشرق الأوسط أن يستعيد مكانته الصحيحة، تلك المكانة التي شغلها مرتين خلال تاريخ الحضارة العالمية.

آدم غارفينكل، المصلحة الأمريكية: حين أجبت على سؤال بربارا، توقفت وقدَّمت نظرة عميقة لتصورات العالم الإسلامي المتعلقة بطبيعة ديناميكيات العالم.

السؤال الذي يلي هو: واضح أنك تتحدث عن وجهات نظر أسامة بن لادن ومصعب الزرقاوي وأمثالهم، لكن إن شئنا أن نلخص نوعًا ما، تراتبيًا، المواقف في العالم الإسلامي، وخاصةً في العالم العربي، فإنه بوسعنا، إلى حدٍّ ما، أن نقول بأن غالبية المسلمين، أيًّا كان موقفهم، يتفقون بشكل عام مع تحليلات أسامة بن لادن، مما يفسر شعبيته الكبيرة في العديد من الأماكن. كما أن هناك آخرون يرفضون هذه النظرة، لكنهم ما زالوا يشكلون نسبة مئوية ضئيلة. كما أن هناك آخرون يرغبون بأن ندعهم في حالهم، أو لنقل ما زالوا متأرجحين بين نوع من التقوى التقليدية وبين تفسير جديد للفكر الإسلامي. إلى أين، في اعتقادك، يميل الآن الميزان بشكل عام؟ وكيف تحوَّل، إن كان هناك أي تحوُّل، خلال السنوات الخمسة المنصرمة؟

برنارد لويس: لا نملك طرائق نستطيع بواستطها أن نقيس بدقة تطور الآراء في هذه البلدان. فهي بلدان خاضعة، إلى حد متفاوت، لديكتاتوريات قاسية، وحيث يخاف الناس التعبير عن آرائهم، وخاصةً أمام غرباء وقحين يأتون ويسألونهم كلَّ أنواع الأسئلة الشخصية. لذلك، لا أعطي الكثير من الأهمية لاستفتاءات الرأي ولغيرها من الطرائق التي تقيس الرأي العام هناك. والطريقة الوحيدة هي أن نتحادث مع أناس نعرفهم، ومن خلالهم نتحدث مع أناس آخرين يعرفونهم، وهكذا وهكذا. وأيضًا يجب التمعن بعمق في التعبير الجماهيري الذي يظهر بين الحين والحين حول أمر ما. وأعتقد أننا بهذا يمكن بوضوح أن نقيس تطور الفكر الديموقراطي في هذه البلدان. من ناحيتي، أتابع الشرق الأوسط منذ ما يقارب النصف قرن، وأسافر كلَّ عام فعليًا إلى بعض بلدانه؛ وقد لاحظت تطورًا عميقًا بالفعل في الأمور التي أصبح الناس مستعدين للبوح بها في جلساتهم الخاصة، وفي المواقف التي يعبِّرون عنها. وهذا شيء جديد، ومؤثر جدًا، وآمل أن لا نخيِّب آمالهم.

جون باري من النيوزويك: كلُّ من يعمل في واشنطن يعرف أنه يوجد في هذه المدينة أناس لهم آراءهم أكثر من أناس عارفين فعلاً، وخاصةً فيما يتعلق بالعالم العربي. هناك أناس يدَّعون بأنهم خبراء بشؤون العالم العربي ولا يفقهون كلمةً عربية واحدة – وأنا لا أقصد بهذا من هم حول هذه المائدة إنما من هم في هذه المدينة. وهذا صحيح إلى حدٍّ كبير أيضًا حين نتحدث ليس فقط عن الولايات المتحدة وإنما أيضًا عن معظم البلدان الغربية. هناك شحٌّ في المعلومات. لذلك، إن كان عليك أن تقدم النصح للشباب الذين يريدون دراسة العالم العربي المعاصر من أجل أن يتفهموا طبيعته المعاصرة وجذوره، إلى أي مكان تنصحهم بأن يتوجهوا؟

برنارد لويس: إلى برينستون طبعًا. [ضحك]. لكن الأمر أعقد من ذلك. فخلال الحرب الباردة، كانت هناك فترات سيطر فيها الماويون في الجامعات الأمريكية، وبشكل شبه كامل، على أقسام الدراسات المتعلقة بالشرق الأقصى. ونحن نقارب مثل هذا الوضع اليوم فيما يتعلق بدراسات الشرق الأوسط. لذلك تروني أتردد. لكن برينستون ما زالت صامدة. كم من الوقت ستتمكن من البقاء على هذه الحال؟ لست أدري.

جين ليتل من الـ ب.ب.سي: لقد ذكرتَ، بروفيسور لويس، أن هناك جدلاً قائمًا في الإسلام حول موضوع فصل الكنيسة عن الدولة. أتساءلُ أين يمكن أن يكون مثل هذا النقاش أكثر احتدامًا؟ وهل بوسع المفكرين الإسلاميين، الذين يعيشون بمعظمهم في الغرب، أن يؤثروا فعلاً على ظهور شكل من أشكال الديمقراطية العلمانية في العالم الإسلامي؟ وإلى أي حدٍّ تعتقد بأن النقاشات حول تطابق الإسلام والديمقراطية تتطابق مع المفاهيم الإسلامية المتعلقة بالشورى؟ وكم تعتقد واقعيًا أن نتخيل، في هذه الحال، ديموقراطية على شكل ديموقراطيتنا؟

برنارد لويس: لا يفترض أن تكون ديموقراطيتهم على شكل ديمقراطيتنا. أنا لا أرى لماذا علينا أن نفترض بأن النموذج المتعارف عليه كنموذج وستمنسر أو نموذج جيفرسون يجب أن يُطبق عالميًا. أعتقدُ أن محاولة فرض شكلنا الديموقراطي محكومة بالفشل. ما أعتقده وآمل به هو أن يتمكنوا من خلق نموذجهم الديموقراطي الخاص. حيث أن هناك بعض المبادئ التي يمكن أن تغتني من خلال الشرع المقدس للإسلام – على سبيل المثال، مبدأ المسؤولية المحدودة للحكومة. لأن هذا بعض من ذلك الشرع المقدس حيث الحكومة محدودة الصلاحية. فحين يقول القرآن أطيعوا أولياء الأمر منكم، فإنه يقول أيضًا – وهذا من المنقول الذي أعطي للنبي –: لا طاعة في المعصية. ما يعني أنه في حال أمر الحاكم بشيء شرير، فإنه ليس من المفروض إطاعته، إنما من الواجب عصيان أمره، وهذا يتجاوز مفهوم العصيان كما هو وارد في الفكر الغربي.

وهناك العديد من الأمثلة الأخرى بهذا الخصوص. هناك العامل التعاقدي. حيث أن الخليفة يعتبر، وفق الشرع الإسلامي التقليدي، رأس الدولة. ويجري اختيار الخليفة وتعيينه من خلال عملية يدعونها بالعربية بـالبيعة، التي غالبًا ما نترجمها نحن بالـ"إجلال"، وهذه الترجمة خاطئة، لأن البيعة بالعربية لا تعني الإجلال، إنما يعود أصل الكلمة إلى البيع والشراء. ما يعني بعبارة أخرى أنها شكل من أشكال التعاقد. فالبيعة هي عقد بين الحاكم وبين الذين عيَّنوه حاكمًا، الأمر الذي يفرض واجبات على الطرفين.

وهذا يعني أن الشكل المحدود، والتعاقدي، والمتوافق عليه برضى الطرفين لمفهوم الحكومة، هو بعض من المنقول الإسلامي؛ وأن هذا الشكل كان قائمًا حتى جاءت الحداثة ودمَّرت كلَّ شيء. لذلك، أعتقد أن هناك إمكانية كبيرة بأن نعود إلى مثل هذا الواقع. لكن علينا أن نكون واقعيين. حيث، كما قلت، عليهم أن يطوروا نموذجهم الخاص من الحكومة المحدودة والمعتدلة، والتعاقدية بتراضي كل الأطراف. ما ليس موجودًا لديهم، وهذا يشكل جانبًا رئيسيًا مما لدينا، هو فكرة التمثيل المنتخب. ما هو موجود لديهم هو تمثيل مجسد بزعيم الجماعة، الذي هو من قلب هذه الجماعة؛ لكن فكرة انتخاب الهيئات الاعتبارية جديدة، وتحقيقها صعب، لكنه ليس مستحيلاً.

السيدة ليتل: لنعد إلى الجزء الأول من السؤال، أين تعتقد أنه بوسع أفضل مفكري الإسلام أن يؤثروا في النقاش الدائر، وهل بوسعهم فعلاً أن يؤثروا عليه؟

برنارد لويس: هناك مفكرون في أماكن عدة. في العالم العربي اليوم توجهات فكرية هامة، في مصر، وفي العراق، وفي لبنان، لكن عليهم توخي الحذر. فالتفكير خطر. إنه خطر، على الأقل حين يعبِّر عن نفسه.

أدريان وولدريدج من الإيكونوميست: أردت السؤال حول فشل استيعاب المجتمعات الإسلامية في أوروبا. يبدو أنك متفائل جدًا بهذا الخصوص.

السيد لوغو: حسنًا، إنه سؤال هام بالفعل، لكن دعني أضع خطًا هنا، هل توافقني يا أدريان؟

السيد وولدريدج: أوكي.

السيد لوغو: سنعود إليك حقًا بعد ذلك.

فيليب جيلي من صحيفة الفيغارو: هل تلاحظ أن هناك اتجاهًا سائدًا تعبر عنه تلك الانتصارات المتتالية للأحزاب الإسلامية في جميع أنحاء الشرق الأوسط مؤخرًا؟ وعلى نطاق أوسع، لقد ذكرتَ أنه توجد أصوات كثيرة في العالم الإسلامي. لكن، هل تعتقد أنه بوسع هذه الأصوات أن تكون مسموعة ومؤثرة في مجتمعاتها؟ شكرًا.

برنارد لويس: من الواضح أنهم أخافوا مبارك. حيث من الملفت للاهتمام أنه، في الانتخابات المصرية (قبل) الأخيرة، سمح للأخوان المسلمين بأن يفوزوا بعدة مقاعد لكنه استبعد الديموقراطيين بلا رحمة. والغاية من هذا واضحة: فالديمقراطيون يشكلون بالنسبة له الخطر الحقيقي؛ أما الأخوان المسلمين فيمكِّنوه من التوجه نحو الغرب والقول: كما ترون، هم أو أنا. التكتيك واضح جدًا.

السيد جيلي: لكن هل هناك اتجاه سائد، أم...

برنارد لويس: إحم. من الصعب الحديث عن اتجاه سائد. فالأوضاع تختلف من مكان إلى آخر. في زمن ما، كنت متفائلاً جدًا بالنسبة لما كان يجري في تونس. حيث كان يبدو بأن الأمور تسير في اتجاه إيجابي جدًا، ثم تغيرت الأحوال. لأن أهم ما يجري ما زال غير شرعي، ما زال يتم بالسرِّ. لذلك فإنه من الصعب أن نجمع ما يكفي من المعطيات التي تمكننا من القيام بدراسة أكاديمية.

بيل جيرتز من الواشنطن تايم: أغطي شؤون وزارة الدفاع (البنتاغون)، وهناك يحبون الاختصارات لذلك تراهم اختصروا عبارة الحرب على الإرهاب بـ GWOT، التي تعني الحرب الكونية على الإرهاب Global war on terrorism، وإن سألت بعض صنَّاع السياسة هناك، فإنهم سيجيبونك بأن لهذه الحرب ثلاثة مكونات: المكون الأول هو ذلك الديناميكي المتضمن فعل الحرب بحدِّ ذاته كإطلاق النار مثلاً، والمكون الثاني يتضمن تدعيم القانون أو لنقل العمل الاستخباراتي، والمكون الثالث يتضمن حرب الأفكار أو المعركة الفكرية. أعتقد أنك أجبت على بعض من هذا الجانب حين تطرقت إلى الشريعة الإسلامية، لكن هل بالإمكان خوض حرب ناجحة في هذا المجال ضدَّ التطرف الإسلامي؟ وهل من الممكن وصف التطرف الإسلامي باللاإسلامي، ومن هذا المنطلق تطوير أيديولوجية مقابلة؟ يبدو لي أن الطريقة المعتمدة حاليًا هي تطبيق المفاهيم الديمقراطية المتعلقة بالديمقراطية والحرِّية على شيء يطغو عليه النغم الديني.

برنارد لويس: فيما يتعلق بالحرب على الإرهاب، فأنا على دراية بهذا الشعار. أشعر أننا في الوقت الذي نخوض فيه حربًا فعلية على الإرهاب فإن هذا الشعار غير كافٍ، لا بل إنه مضلِّل. لو أن تشرشل قال للبلد عام 1940 بأنه يخوض حربًا ضد قاذفات القنابل والغواصات، لكان ما عبَّر عنه دقيقًا ولكنه لا يحقق الغاية المرجوة. والقول بأننا نخوض حربًا على الإرهاب هو من المرتبة نفسها. لأن الإرهاب تكتيك، بمعنى أنه طريقة لخوض الحرب، لكنه ليس قضية، وبالتالي فهو ليس عدوًا بحدِّ ذاته. لأنه ليس ذلك الشيء الذي بوسع المرء أن يحدده كشيء يجابهه. أعتقد أننا بحاجة لأن نكون أكثر تحديدًا حين نخوض حربًا. لأنه من المفيد أن نحدد من هو العدو. وأعتقد أنك تتفق معي على هذا.

السيد جيرتز: إن كنت قد فهمتك جيدًا فسأقول إني لم أتحدث عن هذا، إنما الرئيس بوش قال بأن مشكلة الإرهاب الإسلامي هي في أنه تحريف للإسلام. فهل توافق على هذا أم أنك تعتقد بأن لهذا الشكل من الإرهاب بعض المشروعية الدينية؟

برنارد لويس: حسنًا، ربما يمكن اعتبار الكثير مما حصل تشويهًا للإسلام. وذلك بكل بساطة على ضوء نصوصه نفسها. خذ على سبيل المثال الانتحاريين الذين يفجرون أنفسهم، حول هذه النقطة، التي هي الانتحار، فإن الإسلام التقليدي والشرعي وكذلك النصوص الكلاسيكية واضحة جدًا. فالانتحار يعتبر، كما تسميه المسيحية، خطيئة مميتة. وحتى لو عاش الرجل أو المرأة حياة فضيلة متواصلة، فإنهم إن أقدموا على الانتحار، سيخسرون الجنَّة وسيذهبون مباشرةً إلى الجحيم. لأنه حسب النصوص المقدسة، فإن العقوبة الأزلية للانتحار هي تكراره إلى الأبد. لذلك فإنك إن سممت نفسك فسيؤلمك بطنك إلى الأبد، وإن خنقت نفسك فإنك ستخنقها إلى الأبد، وكذلك فيما يتعلق بمن يفجرون أنفسهم، فإن أشلاءهم ستبقى متناثرةً إلى الأبد.

ونتساءل: حسنًا، لماذا إذن يقومون بذلك؟ وكيف حصل هذا؟ حقيقة الأمر أن هذا التطور محدث، وأنه جاء على مراحل. المرحلة الأولى كانت تساؤلاً طرح من زمن بعيد ويقول: هل يحق للمرء أن يلقي بنفسه على عدوٍ يتفوق عليه، وهو يعلم بأن هذا الفعل سيقوده إلى الموت المحتوم؟ هل مثل هذا الفعل مشروع وهل يمكن اعتباره قتلاً للنفس أو انتحارًا، مع التأكيد على أن الانتحار ممنوع؟ وقد قرر الفقهاء بأن هذا الفعل مشروع. وبقيت الحال هكذا لقرون وقرون. مشيرين إلى أنه حتى الحشاشين، الذائعي السيط في القرون الوسطى، لم يقتلوا أنفسهم بشكل مباشر، كما أنهم لم يقتلوا أحدًا بشكل عشوائي.

لكن، منذ فترة قريبة، طُرح سؤال آخر هو: هل مسموح أن تقتل نفسك حين تهاجم عدوك، وذلك في حال تمكنت في المقابل من قتل عدد لا بأس به من هؤلاء الأعداء؟ وكان الجواب أيضًا نعم، في حال قتلت مع نفسك عددًا كافيًا من الأعداء، فإنه مسموح لك بأن تقتل نفسك. الآن، ورغم أن هذا الأمر يشكِّل خروجًا جذريًا عن ما يزيد عن ألف عام من الإسلام. تراكم تتساءلون، كيف حصل هذا؟ حسنًا، حصل لأنه يشبه الكثير من الأشياء الخاطئة التي حدثت في الإسلام. ومرد هذا الأمر يمكن أن نعيده تحديدًا إلى الوهابية. ومكانة الوهابية بالنسبة للإسلام لا تتعدى، إن صحَّ القول، مكانة الكو كلوكس كلان بالنسبة للمسيحية. والوهابية أصلها من نجد التي هي الآن جزءٌ من المملكة العربية السعودية. وقد ولدت هناك في القرن الثامن عشر، وكانت ردة فعل على شعور عام ساد في ذلك الوقت ويقول بأن هناك خطأ ما حاصل.

وقد كانت هناك دائمًا ردتي فعل تجاه ذلك الوعي القائل بوجود خطأ ما: الأول مرده ذلك الوعي الذي يجعلك ترى نفسك وقد أصبحت متخلفًا عن العالم المعاصر، والجواب على هذا يكون بالحداثة التي عن طريقها بوسعنا اللحاق بالعالم المعاصر؛ أما ردَّة الفعل الثانية والتي نراها الآن فتقول إننا حاولنا تقليد ما هو محدث، بمعنى آخر، حاولنا تقليد عالم الكفَّار، بينما الجواب الصحيح هو العودة إلى المنقول الصادق والصحيح للإسلام. وهذا كان مضمون الخط الوهابي الذي كان دائمًا وجهًا متعصبًا وعنيفًا لذلك التوجه.

وقد كان بالإمكان أن يبقى مثل هذا التوجه حدًّا متطرفًا في بلد هامشي لو لم يتفاعل معه، لسوء الحظ، عاملان آخران: العامل الأول هو قيام المملكة السعودية في العشرينات من القرن الماضي، فقد كان آل سعود شيوخ عشائر وجدت في تلك المنطقة التي نمى فيها الوهابيون ولحق فيها السكان المذهب الوهابي، وبالتالي، فإنه مع قيام المملكة والسيطرة على المدن المقدسة مكة والمدينة وعلى الحج، أصبح لهذا التوجه تأثير وقوة كبيرين في كافة أرجاء العالم الإسلامي؛ أما العامل الثاني فقد كان طبعًا قوة النفط والمال، الأمر الذي أمَّن لهذا التوجه موارد ما كان ليحلم بها.

وبالتالي، فإن ما تروه الآن في العالم الإسلامي، في كلِّ أرجاء العالم الإسلامي، وخاصةً في قلب الجاليات المسلمة في البلدان غير المسلمة، هو انتشار ذلك الشكل الوهابي من الإسلام. والذي هو بالنسبة للتوجه الإسلامي الرئيسي، كما أشرت سابقًا، كالكو كلوكس كلان بالنسبة للتوجه الرئيسي للمسيحية. الوهابية إذن هي الاتجاه الرئيسي المتطرف. هناك طبعًا اتجاهات أخرى يسمونها بالسلفية، وهي توازي الوهابية لكنها أقل عنفًا وتطرفًا منها – إنها اتجاهات عنيفة ومتطرفة، لكنها أقل عنفًا وتطرفًا من الوهابية. وإضافة لذلك، هناك الآن أيضًا الثورة الإيرانية.

جاب فان فيسيل من الـJerusalem Report: بروفيسور لويس، ذكرتَ سابقًا أن الأحزاب القومية ولدت من قلب النازية. ما رأيك بالناصرية وبالقومية العربية؟ أين تصنفهما؟ سؤال آخر، لقد اقترحت في الماضي الهاشميين كمرشحين للسلطة في العراق. لماذا كنت تعتقد آنذاك بأن هذه الفكرة جيدة؟ وهل ما زلت تعتقد ذلك؟

برنارد لويس: كجواب على سؤالك الثاني أقول: ليس بوسعك الانتصار على شيء بلا شيء، كما أن الإطاحة بنظام ما لا بد من أن يطرح عليك التساؤل حول ما الذي ستفعله حين تستبدل هذا النظام. من هذا المنظور كان للهاشميين عدة مزايا. حيث أن لهم شرعيتهم في قلب العالم الإسلامي. فلديهم مطالباتهم التاريخية المتعلقة بالأماكن المقدسة وغيرها. لهذا السبب، كان يبدو أنه بوسعهم تقديم حجَّة شرعية ذات علاقة بتغير كبير في مثل هذا الجزء من العالم.

أعتقد أن هذه الفرصة قد فاتت الآن. لقد كان بوسع الهاشميين أن يلعبوا دورًا مفيدًا في العراق، لو أننا قررنا السير بهذا الاتجاه. لا بل حتى فيما يتعلق بالعربية السعودية لو توفرت ظروف مختلفة. لكن هذا ليس مطروحًا الآن. كما أنه من شبه المستحيل إقناع الأمريكان بأن فكرة إعادة نظام ملكي هي فكرة جيدة.

عفوًا، ماذا كان سؤالك الأول؟

السيد فان فيسيل: لقد كان حول التوجه الناصري والقومي العربي.

برنارد لويس: نعم، كان هناك ما يمكن تسميته بالتوجه القومي العربي الكلاسيكي. وهذا كان أيضًا تقليدًا لأوروبا. في القرن التاسع عشر، حصل في أوروبا حدثان مهمان هما توحيد إيطاليا وتوحيد ألمانيا. وكان للحدثين أثر كبير على العالم العربي. حيث رأوا فيما حدث مثالاً لما يتوجب عليهم فعله. وقد حاولوا القيام بذلك لفترة طويلة. الناصرية كانت ربما المرحلة الأخيرة لهذا التوجه، لكنها فشلت كما تعلم. الدول العربية مستقلة اليوم، لكن أية وحدة لم تنجح بين الدول العربية. حيث انهارت الوحدة دائمًا بسبب الخلافات الداخلية.

إيلزا والش من النيويوركر: أتساءل لماذا قلت أنك تعتقد بأننا أقرب الى حقبة 1938، أي إلى حقبة شامبرلاين وميونخ، منه إلى حقبة 1940 – أو أنك تخشى من أن نكون كذلك؟

برنارد لويس: حسنًا، كما تعلمون، فلنلتقي ولنتناقش فيما حصل في حينه بمنطق اليوم. لو اتخذ شامبرلاين في حينه منحى أكثر صرامةً، فإن الاحتمال الأرجح كان أن يزيح القادة العسكريون الألمان هتلر وأن نتجنب ربما الحرب العالمية الثانية. لكنهم لم يفعلوا. لأننا شجعناه، فأعطيناه تشيكوسلوفاكيا ومن ثم قام هو بأخذ بولندا. وما أخشاه هو أنه يبدو أننا نفعل الشيء نفسه اليوم، من خلال الانتقال من تراجع إلى تراجع آخر كلما تحققت نقطة من النقاط. أرجو أن أكون مخطئًا.

السيدة والش: هل تتحدث تحديدًا عن إيران والعراق، أم ...

برنارد لويس: بشكل خاص. وأيضًا، نعم، بشكل عام.

السيد وولدريدج: أنت متفائل تمامًا بشأن مقدرتنا على نشر الديموقراطية و...

برنارد لويس: كلا ليس بمقدرتنا، إنما بمقدرتهم.

السيد وولدريدج: معذرةً، ولكن إن تأملت في تجارب ملموسة. لنأخذ، على سبيل المثال، ثلاث ملايين مسلم ونضعهم في بريطانيا، لن نجد أنفسنا أمام عملية استيعاب ناجحة. إنما يبدو أننا الآن أمام عملية استيعاب بالمقلوب.

برنارد لويس: دعوني أعود إلى نقطة تطوير الديموقراطية في هذه البلدان. أنا لم أقل إنه بوسعنا تطويرها، إنما قلت إن ما بوسعنا فعله هو إزالة العقبات من أمامها وتركهم يفعلون ذلك بأنفسهم. لأن الطريقة الوحيدة كي تنجح الديموقراطية هو أن يطوروها بأنفسهم. وأنا أرى إمكانات حقيقية لذلك.

سئلت ذات يوم في محاضرة ألقيتها ما هو رأيي بتطور الديموقراطية في العالم العربي وفي أماكن أخرى من العالم الإسلامي، وأجبت بأني أصف موقفي بالتفاؤل الحذر. أمَّا تفاؤلي فمرده إلى هناك، بينما حذري مرده إلى هنا. [ضحك].

فيما يتعلق بالجاليات المسلمة في العالم الغربي، لقد تحدثت قبل لحظات عن التهديد الوهابي، وهو تهديد قوي جدًا بين الجاليات الإسلامية في أوروبا وفي أمريكا. تفكروا على سبيل المثال، في وضع مسلم يعيش في هامبورغ، أو في برمنغهام، أو في لوس أنجلس، أو في أي مكان، حيث من الطبيعي جدًا أن يسعى لكي يؤمن لأبنائه بعض المبادىء الأساسية المتعلقة بدينهم وبثقافتهم، لذلك نراه يسعى نحو الدروس المسائية خلال العطل الأسبوعية، أو نحو المخيمات التي تقام في العطل، وما شابه ذلك. وهذه، اليوم، مُسيطر عليها وممولة بالكامل من قبل الوهابيين. وهكذا، تكون النتيجة أن ما نحصل إليه بالنسبة للمسلم في المهجر، ويتجاوز بكثير ما يتلقاه في البلدان الإسلامية نفسها، هو تلقين مكثَّف لأكثر أشكال الإسلام تعصبًا وعنفًا وتطرفًا.

سأعطيكم مثالاً محددًا يشرح كيف يحصل هذا. وفق الدستور الألماني هناك فصل كامل بين الدين وبين الدولة، لكن ألمانيا، خلافًا للولايات المتحدة، سمحت ضمن المناهج الدراسية بأوقات للتعليم الديني، وذلك على الشكل التالي: في مناهج المدارس الألمانية أوقات مخصصة للتعليم الديني. حضور هذه الحصص اختياري بالكامل، والدولة لا تؤمن لهذه الحصص لا المعلمين ولا الكتب المدرسية. لأنه، كما يقال، بوسع الجاليات الدينية أن تؤمن، إن شاءت، الكتب والأساتذة لهذه الدروس.

وفي ألمانيا، كما نعلم، أغلب الجاليات الإسلامية من أصولٍ تركية. لذلك نراهم، حين يصبح لديهم العدد الكافي من الطلاب، يتوجهون إلى السلطات الألمانية طالبين السماح بتقديم دروس دينية ضمن المناهج التعليمية للمدارس الألمانية. يجيبهم الألمان بأن لهم الحقَّ في ذلك وفق القانون، لكن عليهم أن يؤمنوا الكتب. فيجيب الأتراك، بأن لا مشكلة في هذا لأنه لدينا كتب ممتازة تستخدم في المدارس التركية وبوسعنا استعمالها. فتجيبهم السلطات الألمانية، كلا ليس بوسعكم فعل هذا لأن هذه الكتب موجهة من قبل الحكومة (التركية)، ونحن ليس بوسعنا أن نوافق على كتب دينية موجهة من قبل حكومة، لذلك فإن هذه الكتب يجب أن تكون صادرة من قلب جالياتكم. والنتيجة تكون أن الإسلام الذي يدرَّس في المدارس التركية، والذي هو إسلام حداثي، أي شكل من الإسلام نصف العلماني يُرفض، بينما الإسلام الذي يدرَّس في المدارس الألمانية هو إسلام وهابي بالكامل. في آخر مرة تمعنت فيها بالأمر، كان ذلك من خلال خبرٍ يقول بأنه تمَّ توقيف 12 تركيًا كانوا جميعهم أعضاء في تنظيم القاعدة. وجميعهم، أي الاثني عشر تركيًا، من مواليد ألمانيا ودرسوا في ألمانيا، وليس في تركيا. فهل تراني أجبت على سؤالك؟

السيد وولدريدج: إلى حدٍّ ما.

تشارلز كراوتهامر من الواشنطن بوست: لنفترض أننا الآن في العام 1938 يا سيد لويس، وأنا أفترض أيضًا أن ميولك هي مع تشرشل. [ضحك]. أية سياسة تشرشلية تنصح الحكومة الأمريكية أن تتبعها – وتحديدًا فيما يتعلق بثلاث أزمات هي أولاً فما يتعلق بإيران، وثانيًا ما يتعلق بحماس، وثالثًا ما يتعلق بالتمرد الحاصل في العراق؟

برنارد لويس: حسنًا، وبكلمتين بسيطتين أجيب: لنكن حازمين. أنا لا أقترح أن نشنَّ هجومًا مسلَّحًا على إيران. ولا أعتقد أن هذا ضروري. ولا أعتقد أنه علينا فعل أي شيء يمكن أن يستفز أو يهين الكبرياء الوطنية للإيرانيين. حاليًا نحن نفعل الأمرين معًا؛ نحن نهينهم حين نقول بأنه يجب أن لا يمتلكوا أسلحةً ذرِّية، ونحن ندغدغهم حين نسمح لقادتهم أن يقدموا أنفسهم كمتحدين للغرب القوي، وكواقفين لوحدهم بنجاح ويتحدون الولايات المتحدة. أعتقدُ أن هذه هي الطريقة الخطأ للتصرف. لكن هناك طرائق أخرى للتعبير عن استيائنا ولمساعدة الآخرين الذين يريدون إحداث تغيير كبير هناك.

السيد لوغو: وحماس؟ فقد قال إن هناك ثلاث نقاط يريد إجابةً عليها من منظور تشرشلي. الأولى منها إيران ثم حماس – كيف يجب أن نجيب حماس؟

برنارد لويس: حماس خطرة – أعني حماس وحزب الله –. وأقول أيضًا: إن هذه المنظمات إرهابية وخطرة ويجب أن تعامل من هذا المنطلق.

السيد لوغو: وأخيرًا، ماذا فيما يتعلق بالتمرد الحاصل في العراق؟

برنارد لويس: ما الذي تريد أن تعرفه حول التمرد العراقي؟ [ضحك]

السيد لوغو: تفضل يا تشارلز.

السيد كراوتهامر: ما هي السياسة المفضلة، من منظور تشرشلي؟

برنارد لويس: التعامل معه يكون بقمعه. وهذا لا يمكن القيام به بفتور بحيث نبدو وكأننا نسعى في الوقت نفسه إلى التوصل إلى تسوية مع المتمردين. أنت تعرف ماهية المقاربة التقليدية: ما الذي فعلناه وأهانكم، وكيف بوسعنا تصحيح الأمر. لا يجب أن تكون تلك هي الأسئلة التي نطرحها عليهم.

مايكل هيرش من النيوزويك: شكرًا. لو كان بوسعك أن تتوسع أكثر فيما يتعلق بإجابتك حول إيران – ما الذي يجب علينا أن نفعله ويختلف عمَّا كانت إدارة بوش تعتبره مواجهةً مع النظام؟ أريد أيضًا، أن أتوقف أمام بعض ما طرحته سابقًا وأطلب منك أن تفصله بشكل أكثر لأنك حذَّرت فيما قدمته سابقًا في ملاحظاتك من أنك خائف من إمكانية خيانتنا للناس في الشرق الأوسط، وفي البلدان العربية. بأي شكل أنت خائفٌ من إمكانية أن نفعل هذا؟ كما أن هذه الملاحظة تتضمن انتقادًا مبطنًا لسياسة الإدارة الحالية.

برنارد لويس: ما الذي بوسعنا أن نفعله؟ الآن، وكما قلت سابقًا، أعتقد أن القيام بعمل مسلح ليس فكرةً صائبة. لكن هناك الكثير الذي بوسع المرء أن يفعله ليعبِّر عن استنكاره، وليصعِّب الأمور، وليشجع مقاومة رعايا الحكومة الإيرانية. حيث من الواضح أن هناك انتشارًا واسعًا للتعاسة وللسخط بين الشعب الإيراني. أعتقد أنه بوسعنا أن نفعل المزيد كي نشجعهم بطرائق عدة.

السيد لوغو: وهذا يوصلنا إلى سؤالك الثاني، الذي هو: كيف، يا ترى، ترانا نخون شعوب الشرق الأوسط؟

برنارد لويس: خيانتهم هي بفعل ما نحن متهمين بفعله غالبًا، ألا وهو جعل الطغاة أصدقاء لنا. أن نجعل من الطغاة عملاء لنا، وأن نكون غير عابئين بإلغائهم لشعوبهم. وهو اتهام غالبًا ما يوجَّه إلينا بالنسبة للعديد من حكام المنطقة. وفي الوقت الذي غالبًا ما يكون هذا الاتهام مبالغ به، إلا أنه ليس بلا أساس بشكل كامل.

نيل كينغ من الوول ستريت جورنال: لقد أشرت إلى أن جهودنا المتعلقة بنشر الديموقراطية ليست قضيةً خاسرة وإن تكن تلك الجهود الآن معرضةٌ جدًا للخطر، وأنا لدي بعض الفضول حول ماهية طريقتك المفضلة بالنسبة لهذه الجبهة، وأين تعتقد أننا نخطئ في هذا المجال؟

برنارد لويس: أعتقد بأن خطأنا الأساسي هو ذو طابع نفسي. لأننا نظهر ترددًا وضعفًا وخوفًا.

السيد لوغو: وبشكل إيجابي، ما الذي يتوجب علينا فعله؟

برنارد لويس: علينا أن نكمل ما باشرنا به في العراق، والذي، كما لاحظتم، كان له تأثيرًا كبيرًا على بلدان أخرى، حيث بدا وكأن الأمور بدأت تتخذ منحى إيجابيًا...

ألان كوبرمان من الواشنطن بوست: ما مدى أهمية الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي بالنسبة للصراع بين الحضارة المسيحية والحضارة الإسلامية؟

برنارد لويس: من الواضح أنه مهم جدًا، لكنه ليس العامل الوحيد. فإن نظرت إلى ما يقع داخل المحيط الدامي للعالم الإسلامي – وأنا استعمل تعبير "دامي" من الناحية المجازية فقط، وليس بالمعنى العامي الإنكليزي. [ضحك]. إن نظرت إلى ما يقع داخل هذا الإطار، فإنك ستجد أن الصراعات تمتد من مكان إلى آخر: كوسوفو، البوسنة، الشيشان، جنوب الفيليبين، تيمور، وغيرها. وهو نمط يشق طريقه من المحيط إلى القلب. من هذا المنظور، نحن نرى أن القضية الفلسطينية هي مجرد قضية من بين مجموع قضايا أكبر.

ونحن نوليها أهمية أكبر لسببين: أولهما لأن إسرائيل مجتمع منفتح. لهذا السبب بوسع الصحفيين أن يتوجهوا إليها وأن يغادروها، وأن يرسلوا منها تقاريرهم الصحيحة أو المغلوطة بحرِّية، لكن هذا لا ينطبق على باقي الأماكن التي ذكرتها، وهذا يجعل من السهل بالنسبة إليهم هناك أن يحوزوا على انتباه وسائل الإعلام. والسبب الثاني هو أن لهذه القضية علاقة باليهود. وأنتم تعرفون بلا شك المثل القديم القائل بأن اليهود هم وسائل الإعلام. كما أن إسرائيل موضوع مفيد جدًا بالنسبة للعالم العربي في الشرق الأوسط، فهو موضوع تظلُّم مرخص. حيث أن هناك غضب مكبوت في كلِّ هذه البلدان، وبشكل خاص، تجاه حكامها، لهذا فإن هؤلاء الحكَّام يفعلون كلَّ ما في وسعهم ليوجهوا هذا الغضب نحو أشياء أخرى. الأمر الذي يجعل من إسرائيل موضوع تظلُّم مرخص بالفعل، ويجعلها مفيدة جدًا بالنسبة لهم من هذا المنظور. لأنه إن حُلَّ موضوع هذا التظلُّم، فإنه سيكون عليهم أن يبحثوا عن موضوع آخر، وهذا يعني الكثير من المشاكل.

لكني حين أقول كلَّ هذا، فإنا لا أعني أن هذا العامل ليس مهمًا. من المؤكد أنه مهم جدًا، لكني أعتقد بأن المشكلة العامة هي التي تمنعنا من حلِّ القضية الفلسطينية، وليست القضية الفلسطينية هي التي تمنعنا من حلِّ هذه المشكلة العامة.

بول ستابورين من الناشيونال جورنال: بروفيسور لويس، كيف سيكون برأيك أثر امتلاك القنبلة الذرية على عقول قادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية؟

برنارد لويس: أعتقد أنهم سيصبحون متعجرفين إلى حدٍّ لا يطاق. تذكَّروا بأن أحمدي نجاد، والحلقة المحيطة به، لديهم، كما أشرت سابقًا، مزاجية مروعة. فهم يعتقدون بأن نهاية الزمن أصبحت حتمية، لهذا فإن استخدام القنبلة الذرية لن يزعجهم في النهاية. وهم لن يستخدموها حتمًا عن طريق القصف الجوي. فما حمانا من الحرب النووية خلال مرحلة الحرب الباردة كان ما عرف بمبدأ الدمار المتبادل والحتمي MAD أو Mutually assured destruction. ما يعني أنهم إن استخدموها، فإنها لن تأتي من عنوان معروف ومحدد؛ إنما ستكون من خلال عمل إرهابي. هكذا من وجهة نظري قد يستخدمون القنبلة الذرية إن تمكنوا من امتلاكها – من دون عنوان معروف ومحدد.

السيد ديوني: بروفيسور لويس، كنت أفكر مجازًا في تلك التواريخ المحيرة. كنت أتساءل مثلاً، ما الذي كان سيحدث في العام 1946 لو أننا لم نعطي لأيزنهاور ما يكفي من القوات، ولو لم نزوده بخطةٍ جيدة. لأن هذا يعيدنا مرةً أخرى إلى ما قلته في البداية ويتعلق بالمشاكل التي نواجهها اليوم في العراق. لذلك أريد أن أبني المزيد على إجابتك على سؤال تشارلز كراوتهامر بأن أتساءل حول الوضع الذي نحن فيه الآن: ما هو أفضل مخرج بالنسبة لنا في العراق، وكيف بوسعنا تحقيقه؟ فمما قلته يمكن أن نستشف بأنه يجب علينا إرسال المزيد من القوات من أجل إتمام العمل الذي قمنا به. وأيضًا، ما هو، من وجهة نظرك، الحدُّ الأدنى المقبول للخروج من هذا المأزق، ذلك الذي يمكن أن يكون الأقل ضررًا، انطلاقًا من الواقع الذي نحن فيه اليوم؟ أنا أعرف أنه ليس من العدل أن نسأل مؤرخ كيف يمكن تغيير التاريخ الحالي؟ [ضحك].

برنارد لويس: أذكرك بما أجاب به تشرشل حين سُئل حول كيف يعتقد بأن التاريخ سيعامله، أجاب: "سيعاملني بشكل جيد جدًا، لأني سأكتبه بنفسي". [ضحك]. وكان هذا ما فعل.

لنعد الآن إلى العراق حيث يبدو أن الأوضاع تزداد سوءًا مع مرور الزمن. أعتقد أنه ما زال ممكنًا إصلاحها، حيث لدينا الآن عملية سياسية جارية. وأعتقدُ أنه إذا نظر المرء موضوعيًا إلى ما يجري هناك، فإنه ليس بالإمكان إلا أن يعجب مما تحقق. هناك مثل قديم يقول: حين لا تكون هناك أخبار فإن هذا يعني أن الأخبار جيدة. أما وسائل الإعلام فهي تعتقد عكس ذلك. فبالنسبة لها وجود أخبار جيدة يعني عدم وجود أخبار. لذلك نرى أن معظم الأشياء الجيدة التي حصلت لم يجري ذكرها. لكن، كان هناك تقدم كبير وفي عدة مجالات. حيث تمت ثلاثة انتخابات – ثلاثة انتخابات نزيهة وقف فيها الملايين من العراقيين صفوفًا منتظرين دورهم كي يصوتوا وهم يعرفون أنهم بفعلهم هذا إنما كانوا يخاطرون بأرواحهم. وهذا يدلُّ على أن ما يجري الآن هو جزء من عملية ديموقراطية. إن مجرد واقع أنهم يتناقشون، ويتفاوضون، ويحاولون التوصل إلى تسويات؛ كل هذا يشكل جزءًا من تعلُّمهم الديموقراطي.

وهكذا أجد أن كل هذا مزعج ومشجع معًا. أرى أن هناك أناس أكثر فأكثر ينخرطون في العملية السياسية، كما أن هناك أمرًا آخر يحدث في العراق وأراه مشجعًا، ألا وهو دور المرأة؛ فعلى عكس معظم البلدان العربية، ما عدا تونس ربما، نرى أن العراق هو البلد الذي حدث فيه أكبر تطور في هذا المجال. وأنا لا أتحدث هنا عن الحقوق، لأنه ليس لهذه الكلمة معنى في مثل تلك الظروف، إنما أتحدث عن توفر الفرص؛ فللنساء في العراق اليوم إمكانية التعلم، والوصول إلى التعليم العالي، وبالتالي إلى المهن، وبالتالي إلى المشاركة في العملية السياسية بشكل لا مثيل له في معظم أنحاء العالم العربي، ما عدا تونس ربما. أعتقد أن مشاركة النساء – تلك المشاركة المتزايدة للنساء – هي إشارة مشجعة من أجل تطوير المؤسسات الديموقراطية.

سأستشهد بأتاتورك، الذي بدأ حياته كسياسي عام 1923 بإلقاء مجموعة خطب طالب فيها بالحقوق السياسية للمرأة. من الصعب أن نتخيل اليوم، للوهلة الأولى، وفي ظلِّ حكم الباشا العثماني، شيئاً أكثر غرابةً من جنرال يبدأ حياته السياسية انطلاقًا من برنامج نسوي، لكن هذا كان ما فعله بالضبط، وقد قدم لفعلته هذه مبررات جيدة، حيث قال بما عُرف عنه من وضوح واختصار: "إن مهمتنا الأساسية اليوم هي أن نلحق بالعالم المتمدن. ونحن لن نلحق بالعالم المتقدم إن حدَّثنا نصف السكان فقط". بقوله "نحن" كان أتاتورك يقصد طبعًا تركيا. وما قاله كان بسيطًا وواضحًا وصحيحًا إلى أبعد الحدود.

أعتقد أن الشيء نفسه يصح على العالم العربي اليوم. لهذا أعتقد أن هذا أحد العوامل الأكثر مدعاةً للتفاؤل في العراق حيث كان ما حققته المرأة هناك أفضل منه في أماكن كثيرة أخرى. وأعتقد أيضًا أن النساء سيلعبن دورًا هامًا في المجتمع السياسي العراقي.

السيد لوغو: حسنًا، لم أندم خلال كلِّ تلك السنوات التي مضت لأني أتممت دراساتي من أجل الحصول على الدكتوراه في جامعة شيكاغو، لكن عليَّ أن أقول لكم، اليوم تحديدًا، إنه كان بودي لو ذهبتُ إلى برينستون. شكرًا جزيلاً لك لأنك شاركتنا، بروفيسور لويس.

برنارد لويس: شكرًا لكم.

السيد لوغو: شكرًا لحضوركم.

[تصفيق]

ترجمة: أكرم أنطاكي

*** *** ***

التاريخ: 27 نيسان 2006

المكان: فندق هاي - أدامز في واشنطن (العاصة الأمريكية)


 

horizontal rule

[1] كتاب لعبد الرحمن بدوي.

[2] seminator di scandalo e di scisma.

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود