خواطر في التقدُّم والثقافة والقِيَم

 

ديمتري أفييرينوس

 

ماذا أفعل إذا كنتُ أتقيَّأ الطعام

السماوي،

ثم أبكي وأتلوَّى من الجوع؟

سنية صالح، "أفكار صامتة"

 

تحويش المعارف، مهما عَظُمَ مقدارُه، لا يمنح الإنسانَ أيَّ تفوُّق إذا لم يستعمله في الخارج وإذا بلغ خاتمة حياته دون أن يتطور بعمق بوصفه عنصرًا مسؤولاً عن تقدُّم الإنسانية. عليه أن يجتهد في الاندراج، عن وَعْيٍ وخُلُقٍ، في الدفق غير البيِّن بعدُ للتطور الإنساني، أن يغالب نفسه ويقنعها قبل أن يغالب الآخرين ويقنعهم. المنهج غير مهم. فأيًّا كان الطريق المسلوك فإن المسافرين يلتقون جميعًا في قمة الجبل، وإن انطلقوا من وديان مختلفة – على أن يثابروا في الصعود [...]. في وسع كلِّ امرئ أن يقدِّم دعمَه، أن ينير، أن يساعد. لكن ما يحقِّقه أحدُهم سيبقى حرفًا ميتًا في نظر الآخر، وعلى كلِّ إنسان أن يخوض نضاله الخاص الذي لن يستطيع أن يتقدَّم بدونه.

بيار لوكونت دونوي، الكرامة الإنسانية

 

خدَّاع هو التقدم – أجل، خدَّاع هو.

إننا نعيش اليوم في عالم تتضخم فيه المعرفة تضخمًا سرطانيًّا. لقد نفذنا إلى قلب الذرة والخلية، من طرف، واستكشفنا الفضاء الكوني الشاسع، من الطرف الآخر. وهذه المعرفة المتراكمة، المُستَخلَصة عبر البحث المضني الصبور، والإعمال الحاذق للذهن، والتبصُّرات البَيْنَمناهجية interdisciplinary، قد غيَّرتْ ملامح حياتنا اليومية. فالفتوح المذهلة في تكنولوجيا المعلومات تكاد تتَّسم بِسِمَةِ الخرافة. وتخبرنا التقارير الحديثة في الدوموتيكا home automation عن آلاف المنازل المبنية في العالم الموسِر التي باتت تقوم تلقائيًّا بدور موازٍ للدور الذي كان ينهض به طاقمٌ كامل من الخدم والحشم؛ إذ إنها مبرمَجة على إشعال الأنوار وإطفائها، والتحكم بالإضاءة بحسب شدة ضوء الشمس، وتسخين مياه الحمام، واستلام الرسائل، واستدعاء الشرطة عند وقوع سطو، إلخ. ووسائل الاتصال وشبكاته تجترح يوميًّا الأعاجيب بتخطِّيها مفهومَي الزمان والمكان. كذلك جلبتْ الفتوحُ التكنولوجية مفاهيم جديدة عن الصحة وشروطها؛ والخوارقُ الجراحية تطيل أمد العمر كلَّ يوم – ناهيكم عن آخر أخبار الاستنساخ العلاجي والتناسلي.

*

على الرغم من هذه الفتوح كلِّها، لا يحتاج المرء إلى ذكاء استثنائي لكي يلحظ أن عالم اليوم في حالة غليان شديد، على المستويات كافة. لقد عاد سباق التسلح إلى التسارع مع مشروع "الدرع المضادة للصواريخ"، جالبًا إلى عتبة بابنا احتمال إنهاء مروِّع للحياة العضوية على سطح كوكبنا الأزرق الوادع. وضمن العديد من حدودنا القومية أمست أشباح الإرهاب الدولي، و"الحرب على الإرهاب"، والعنف الطائفي، والصراع المُهلِك، تخيِّم بظلالها القاتمة على حياة الناس. وعلى المستوى الشخصي، يولِّد الاغتراب، والاستلاب، والإنهاك، والإحباط، جائحاتٍ من الشذوذ الذهني والنفسي لم يعرف لها العالم مثيلاً من قبل. لقد صارت "ثقافة المخدرات"، والتفاقم الناجم عنها في معدلات الجريمة، وعمليات المافيا التي تعمُّ العالم أجمع، والعنف الشارعي، جزءًا لا يتجزأ من برنامج مجتمعنا المديني المكتظ عمرانيًّا وسكانيًّا. والفساد المستشري هو السلوك المحتوم الملازم لعلاقاتنا الاجتماعية القائمة على الجشع والاستزادة بغير حدود. وحمَّى الاستهلاك ونمط المعيشة التنافسي يسيران يدًا بيد مع التدهور الأخلاقي والقيمي. كما أن الشقاق الشخصي، والتوتر في الأسرة، يزدادان حدة وسط مناخ الشذوذ السائد في الحياة الاجتماعية.

*

إن وضع العالم الراهن برهان ساطع على ما يقول به مالينوفسكي من أن التطور التكنولوجي خلو من أيِّ تفوق معنوي وأخلاقي ومن أية فطنة سامية. إن مشكلة الإنسان المعاصر ليست سياسية، ولا اقتصادية، ولا اجتماعية؛ إذ عجزت الحلول التي اقترحها كلٌّ من هذه الحقول المعرفية عن الإتيان بأيِّ علاج ناجع ضد تلك الميول المشؤومة في النفس والمجتمع، عجزتْ عن التصدِّي للانحطاط الاجتماعي، لأنها تتجاهل العوامل النفسانية المحرضة لها، وتخفق في استحضار الكمونات الإنسانية الأعمق التي وحدها يمكن أن تستنهض الهمة لإيجاد حلول جذرية.

*

في القلب من الوضع الراهن تكمن مشكلةُ أننا لسنا نواجه معضلات تكنولوجية، أو مؤسَّسية، أو تنظيمية، بل تواجهنا أزمةٌ ثقافيةٌ حادة. وهذه الأزمة لا تتأصل في بيئة المجتمع وبنيانه وحسب، بل تعكس معضلة عميقة، متجذِّرة في النفس البشرية نفسها. وإن إيجاد أكباش فداء في أيِّ قطاع من قطاعات المجتمع، أو في أسباب خارجية، من شأنه أن يفاقم الأزمةَ من جراء صرفه النظرَ بعيدًا عن جذر المشكلة الضارب عميقًا في الوعي البشري. من هنا ضرورة إمعان نظرٍ ثاقب في مفهوم التقدم الذي أمسى المحرك الرئيسي، لا بل المقياس للتطور الاجتماعي.

***

ليس لمسألة الثقافة متاتٌ إلا بالعقل البشري وحده. إن المغزى من كوننا بشرًا هو قدرتنا على وعي أنفسنا وعلى استشفاف طبيعة دور الإنسان في حِراك الحياة. وإن سوء التقدير في أمر خطير كهذا، ذي مساس مباشر باستمرارنا كنوع، هو المسؤول عن ألوان متنوعة من العذاب التي يسومها البشر أنفسهم بأنفسهم. لقد تكلم البوذا – حكيم الشرق الخالد – عن هذا الأمر في قوله (نور آسيا):

أنتم تشقون من جراء أنفسكم. لا أحد يُكرِهكم،

لا أحد سواكم يقرر حياتكم وموتكم،

ودورانكم حول العجلة، ويقبِّل ويعانق

برامق آلامها.

*

يتضمن مفهومٌ راقٍ عن الثقافة إدراكًا سليمًا لدور الإنسان في العالم ولعلاقته بالأحداث، بالناس، وبالتعقيد الذي تنطوي عليه شبكة الحياة، والسلوكَ بمقتضى ذلك الإدراك بكرامة ورقة ولطف. إنه التبصُّر الواعي بالعلاقات وبالقيم. فالإنسان "المثقف" حقًّا يعكس القيم في كلِّ خاطرة تخطر في باله، في كلِّ كلمة ينطق بها، وفي كلِّ مسلك ينتهجه.

في أيِّ مجتمع، تجسِّد أعدادٌ غفيرة من الناس تجسيدًا غير واعٍ نماذجَ السلوك والأعرافَ السارية فيها فيما يُعرَف بمصطلح خليقة الأمة ethos. ومثل هذا التكيف غير الواعي مع النماذج التي ينعقد عليها الإجماع ليست، في أغلب الأحيان، تعبيرًا ذا شأن عن الثقافة. لقد أشار الفيلسوف الهندي المرموق أنندا ك. كوماراسوامي إلى أن

الإنسان بالفعل أكثر من مجرد حيوان غرائزي وسلوكي [...]. فإن توثُّب الحملان، مهما كان فاتنًا، ليس بعدُ رقصًا.

إذ إن الرقص يتضمن توجيهًا واعيًا سديدًا لما فُطِرَ عليه الجسم الإنساني من إحساس مرهف بالإيقاع والرشاقة وما إلى ذلك.

تجسِّد الطبيعةُ، في تنوعها كلِّه، تناغمًا ونظامًا رائعين، أدركه حكماءُ الهند الأقدمين وراؤوها، فغنُّوا منتشين النظامَ الإلهي الذي سموه رتا rita (منه كلمة ritus اللاتينية التي تعني "شعيرة" أو "طقس"). والإنسان المعاصر، عبر دراسته للإيكولوجيا ولدقائق الطبيعة في تواشج ظواهرها، يعاود اكتشاف التواكل المذهل بين الأشكال اللانهائية للحياة والتوازن الدقيق الذي ينتظم السيرورات الكونية. لقد جاء الفيزيائي الألمعي ديفيد بوهم بنظرية مفادها وجودُ نظام منطوٍ Implicate Order يبطِّن العالم الظواهري ويُمِدُّه بأسباب الوجود؛ وهناك بيولوجيون أفذاذ، مثل حامل جائزة نوبل جورج والد، يؤيدون هذه الموضوعة. وبما أن التناغم والنظام هما من سيرورات التطور أساسُها ليس ثمة، على هذه المرتبة، مشكلات علائقية. إن كافة الخلائق، باستثناء الإنسان، تقوم بوظائفها بفضل غريزة فطرية يمكن ردُّها بالحدس إلى الفطنة المركوزة في قلب الكوسموس نفسه. لكن تناغم التعالقات الطبيعية لا يشكل ثقافة.

وحده الكائن الإنساني يختص بالقدرة على اكتشاف التناغم والنظام ووعيه وعلى التعبير عنهما في علاقاته وأفكاره وأفعاله. وتلكم هي علة تصريح حكماء الإنسانية الكبار بأن الولادة في جسم بشري امتياز نفيس خارق. فكما تعلن الـدهـمَّـبَـدا Dhammapada – كتاب أحاديث البوذا الشريفة:

عسير هو الحصول على ولادة ككائن بشري؛ عسير أن نحيا حياة إنسان؛ عسير هو الإصغاء إلى تعليم الدهرما الصالح؛ عسير على البوذاوات أن يظهروا.

حياة الإنسان تتلخص في العلاقة. "الوجود هو العلاقة" (كريشنامورتي) و"مقوِّمات المجتمع ليست الكائنات البشرية، وإنما العلاقات القائمة بينهم" (أرنولد توينبي). فحتى الذي يستنكف عن العمل خارجيًّا يظل داخليًّا متصلاً، عبر ذهنه وأحاسيسه، بجملة لا حصر لها من العوامل. من هنا فإن التفكُّر في طبيعة العلاقات وفي القيم الملازمة للتعبير عن العلاقة هو الثقافة بالمعنى الأوسع للكلمة. يصرِّح العلامة تلار دُهْ شاردان في كتابه الأشهر ظاهرة الإنسان:

الإنسان، كما يقدر العلم أن يعيد بناءه اليوم، حيوان كبقية الحيوانات – يكاد لا يقبل الفصل تشريحيًّا عن أشباه الإنسان، بحيث إن التصنيف الحديث الذي وضعه علماء الحيوان يُرَدُّ إلى التصنيف الذي وضعه ليناوس ويُدرِجه معها في الأسرة الكبرى عينها – أسرة البشريات. ومع ذلك، لدى النظر في النتائج البيولوجية لمَقْدَمِه، أليس هو في واقع الأمر شيئًا مختلفًا كليًّا؟ [...]

إذا شئنا حسم مسألة "تفوُّق" الإنسان على الحيوانات هذه (وحسمُها من الضرورة بمكان من أجل أخلاق الحياة كما ومن أجل المعرفة المحضة) لا أرى إلا طريقة واحدة للقيام بذلك: تجاهُل كافة تلك التجلِّيات الثانوية والمبهمة للنشاط الداخلي في السلوك الإنساني والذهاب رأسًا إلى الظاهرة المركزية – التفكير.

*

شبكة العلاقات الإنسانية متناهية التعقيد والحذاقة. فالعلاقات لا تشتمل على الصلات مع الكائنات الإنسانية الأخرى وحسب، بل وعلى المواقف غير المفصَح عنها، عطفًا أو بغضاء، خوفًا أو طمأنينة، وضوحًا أو التباسًا، وهلم جرا، كما وعلى البواعث اللاواعية العديدة التي لا تجد سبيلاً إلى التعبير عنها. فالعلاقة، باعتبارها متنوعة، تضم استجابة الإنسان للطبيعة، للأشجار، والحيوان، والمياه الجارية، وسلاسل الجبال، والأرض، والسماء، والنجوم؛ والأهم من ذلك كلِّه علاقات المرء مع أفكاره ومعتقداته، ما يحب وما يكره، ما يستحسن وما يستقبح – بعبارة أخرى، مع مضامين ذهنه هو. ذلك أن علاقته مع نفسه تُشرِطُ إلى حدٍّ كبير علاقاتِه الأخرى. فالاضطراب والإحباط في الداخل يُفسِدان قطعًا أفعاله حيال بالآخرين – وبذلك تغيم بصيرتُه. لذا فإن من الأهمية الحيوية أن يعي المرء استجاباتِه وردَّاتِ فعله تجاه كلِّ ما يحيط به من ظواهر. فكما يقول تلار دُهْ شاردان:

إن الكائن الذي يصير موضع تفكُّره الذاتي، من جراء ذلك الانكفاء على نفسه عينه، يصير قادرًا في ومضة على الارتقاء بنفسه إلى مرتبة جديدة.

عندما يكون رصد النفس معدومًا أو شبه معطَّل تؤول العلاقات إلى تقييد نظرة الشخص وفهمه وإلى ابتلائهما بالبلادة. مشكلات الإنسان كلُّها تنبع من ذهن غير واعٍ لنفسه. والتعلق بالقوم أو بالوطن الجغرافي، بالأسرة أو بالعشيرة، بالزوج أو بالولد، غالبًا ما يكون عائقًا يوصد باب النفس دون وعي الصلات الأوسع. حساسية الشعور، التي لا غنى عنها من أجل التنمية الثقافية، لا تتنامى بوجود هذه التعلقات العقيمة؛ فالإنسان يرتدُّ إلى بدائيَّته وعشائريَّته عندما تسجنه تعلقاتُه في نطاق ضيق. والأنكى من ذلك أن أشكالاً مهذبة من العشائرية أو القومية الرعناء تتخفى وراء مفاهيم خلابة تتزيًّا بالمعقولية، فتضاعف من الصراعات في العالم، وحتى ضمن الجماعة الواحدة. أما عندما تتحرر الحساسية الداخلية من الحواجز المفتعلة فإنها تتجلَّى في العلاقة مع كلِّ شيء – مع الناس، مع الحيوان، ومع الأرض ككل. ففي كلِّ فكرة، كلِّ قول، كلِّ فعل، يكون حضور الثقافة أو غيابها ملموسًا.

*

يدل مصطلح "جمالي" esthetic على إدراك التناغم والجمال في الطبيعة والفن. إن الفنون كثيرًا ما تترادف مع الثقافة نظرًا لوجود شكلٍ معين من الحساسية الجمالية يعبِّر عنها الفنُّ حصرًا. غير أن للثقافة مدلولاً أوسع من الفنِّ وأعمق بكثير. فهي وثيقة الارتباط بتفتح المَلَكات الداخلية، بما هو المقياس الحقيقي للتقدم الإنساني. في وسع الثقافة أن توجَد بغير فنٍّ، في حين أن الفنَّ ليس إلا تعبيرًا جزئيًّا عن تلك الحساسية الكلِّية التي هي الثقافة.

الفنُّ، بالمعنى العادي للكلمة، استعدادٌ مرهف للإفصاح عن الجمال من خلال تهذيب شكل معين. كلُّ فنٍّ حقيقي ينطوي على تناغم دقيق؛ ولكلِّ شكل فنيٍّ حدودُه في الإفصاح عن الجمال، باعتبار أن الشكل نفسه – بالتعريف – تعيين وتحديد. أما الفنُّ، بالمعنى الأوسع للكلمة، فيجب أن يشتمل على الحياة؛ إذ إنه عندئذٍ فقط يترادف مع الثقافة. إن المهارات الاستثنائية التي قد يتمتع بها الفنان، أو حتى عبقريته، لا تمكِّنه بالضرورة من فهم فنِّ الحياة وممارسته. والواقع أن حياة الفنانين الشخصية كثيرًا ما تعبِّر عن هذه المفارقة المأساوية.

***

في مسيرة التطور ليس الاختصاص في الشكل أو في الوظيفة مرغوبًا. فإن اختصاص نوع ما بمَلَكة معينة يصير تحديدًا له؛ إذ إنه يحتجزه ضمن حدود ذلك الاختصاص. إن أحجام الديناصورات الهائلة هي التي أوْدَتْ بها وأدَّت إلى انقراضها. وسواء كان الاختصاص في السرعة، أو في البصر، أو في أي استعداد آخر، فإنه يتحول إلى سجن حقيقي للكائن الحي. يحذِّر من ذلك الـتاو تِه كنغ، كتاب الحكمة الصينية العميق عمق الحياة:

الواقفُ على رؤوس أصابع قدميه لا يقف راسخًا؛

واسع الخَطْوِ ليس هو الأسرع.

المباهي بما سيفعل لا يفلح في شيء؛

الفخور بعمله لا يحقق شيئًا يدوم.

ومثلما يحدُّ الاختصاص من تفتح الفرد والنوع، كذلك فإنه يحدُّ من إمكانات الأمة والحضارة، وذلك لأن باب الإدراك الأوسع والنمو الأسلم ينغلق عندما توجَّه الطاقة الإنسانية في اتجاه واحد حصرًا. من هنا فإن الاختصاص قد يكون كيفيةً لعرقلة تفتح الكمون الذي ما يزال بعدُ طيَّ الممكن. وكتاب هربرت ماركوزي الإنسان ذو البعد الواحد يحلِّل هذه الظاهرة بدقة تغنينا عن أيِّ توسُّع فيها في مقام ضيق كهذا.

*

جدير بالملاحظة أن كلَّ حضارة تقدمتْ حتى بلغتْ نقطة أوج معينة شرعتْ بعدئذٍ في الأفول؛ إذ إن المزايا نفسها التي كرَّستْ تفوُّقها حالت بينها وبين المزيد من النمو. يتأسَّس النجاح في مواجهة تحديات محددة على نموِّ قدرات معينة. لكنْ عندما تظهر تحدياتٌ من نمط آخر فإن المواهب التي أثبتت فعاليتَها من قبلُ تصير عراقيل إذا لم يتمكن أصحابُها من التخلِّي عن نماذجهم النظرية والعملية الثابتة من أجل مواجهة التحديات بحيوية مستجدة. إن أفول حضارة ما يتسم دومًا بمثل هذا الإخفاق الثقافي. فكما يقول المؤرخ الكبير أرنولد توينبي:

يبدو وكأنه من غير الشائع أن تبتكر الأقليةُ الواحدة ذاتها، في تاريخ حضارة بعينها، استجاباتٍ خلاقة لاثنين أو أكثر من التحديات المتعاقبة. وبالفعل، فإن الفريق الذي تميَّز في تعامله مع تحدٍّ بعينه من شأنه أن يفشل فشلاً ذريعًا في التعامل مع التحدِّي التالي.

الحضارات تأفل من جراء افتتان القوم بماضيهم الغابر. فهم، إذ يركنون إلى إنجازاتهم السابقة ويرتضونها لأنفسهم أبديةً، يُبدون قلة اكتراث وعدم أهلية في الاضطلاع بتحديات الحاضر الحي. فمن الأهمية صون العقل والقلب حُرَّيْن من أوزار الإنجازات الماضية والاحتفالات التذكارية الدائمة بها؛ فالاختصاصات التي كانت ربما مزايا في الماضي لا تعود بفائدة اليوم من أجل المزيد من التفتح والنمو.

من هنا لا غنى عن حرية الفكر لإزهار الثقافة. فالفكر الحر لا ينظر فقط عبر نافذة واحدة ضيقة، بل يتحلَّى برؤية محيطية لا تحتجزها حدود. والحضارة التي تسجن نفسها ضمن الحدود المعلومة للمعرفة والتجربة تُصاب بالركود وتحكم على نفسها بالضمور والأفول. ويلحظ توينبي أن الطفرة الفاصلة بين مجتمع بدائي وبين حضارة متفوقة هو العبور من شرط سكوني إلى نشاط دينامي. من هنا تنعدم الديناميةُ في شعب أو أمة تتبلور عقولُ أبنائها وملَكاتهم "تبلورًا كاذبًا" (ندره اليازجي) في المحافظة والامتثالية والعصبية.

لقد فقدت الثقافة الهندية الرفيعة عبقريتها الاستيعابية والتركيبية عندما انحسرت ديناميَّتُها الخلاقة وتيبَّستْ مؤسَّساتُها الاجتماعية لصالح محاكاة عمياء للتقاليد. من ذلك أن منظومة الطوائف الاجتماعية، القائمة أصلاً على مفهومي الـغونا guna، "الخواص"، والـكرما karma، "القَدَر"، فقدت ديناميَّتها، وبمرور الزمن، تحولت إلى عبء ميت ومميت. كذلك فإن الدين في الهند آل إلى اختزاله إلى أشكال شعائرية فارغة، وحلَّتْ محلَّ البحث عن المجهول – وهو ماهية الروح الدينية بعينها – عبادةُ المعلوم، بما أدَّى إلى تكريس الوثنية.

أما الحضارة الإسلامية – وهي حضارة "دينية" الطابع بامتياز – فقد بدأ الزخم الخلاق المؤسِّس لها بالتخامُد اعتبارًا من القرن الرابع الهجري واستنفد ممكناتِه (هذا إذا استثنينا امتداديها الخلاقين في الأندلس والهند المغولية، وَلِيدَيْ التفاعل مع الحضارتين الأوروبية المسيحية والهندية، على التوالي)، ووُئِدَتْ محاولةُ ابن عربي الإحيائية الخارقة (من هنا لقبه "محيي الدين") على أيدي الفقهاء الذين أقفلوا باب الاجتهاد والتجديد الروحي، وأُرهِقَتْ تياراتُها الباطنية العرفانية في سعيها للوصول إلى السلطة السياسية، بحيث أمست استطالتُها العثمانية – على أهمِّيتها – عالة على ميراثها البيزنطي، ولم يعد بإمكان هذه الحضارة إنتاج شيء غير اجترار إنجازاتها الماضية.

وبالمثل، فإن الديموقراطية الحديثة في الغرب انبثقت من مُثُل الحرية والمساواة والإخاء التي كانت تؤذن، على ما كان يؤمَل، بإشراق فجر نظام اجتماعي جديد. لكن الأمم الأوروبية سرعان وقعت في شرك الصراع على احتكار الموارد، وعطَّلتْ أطماعُها الإمبريالية أصالةَ تأييدها لهذه المُثُل، فتم الدَّوْسُ على المساواة والحرية في غمار السباق المحموم من أجل التفوق القومي. ومن المفارقة المفجعة اليوم أن نرى الولايات المتحدة الأمريكية، التي كانت لها اليدُ الطولى في افتتاح عصر العَوْلَمة، تتعامل مع هذه العَوْلَمة من منطلق قومي بحت.

على غرار ذلك فإن الثورة الروسية التي سعت، في حميَّة منقطعة النظير، إلى وضع حدٍّ للملكية الخاصة كوسيلة للسيطرة والتمكين الذاتي، أبطلتْ مُثُلَها عبر طرازها الخاص من الإرهاب والتجييش. والدولة التي كان يُفتَرَض فيها أن "تذوي" لصالح حرية الشعب وسعادته (ماركس) آلت إلى وحش استبدادي قائم على محق الحريات.

كثيرًا ما حصل، في حضارات مختلفة، أن المؤسَّسات المَعْنية بأن تكون وسائل إطلاق قدرات الناس ومبادراتهم الإبداعية وتأمين صحتهم ورفاههم تبلَّدتْ في جمودٍ خَنَقَ فيهم المبادرة والحيوية والكرامة. فالمؤسَّسات تتحجَّر والبُنى الاجتماعية تتصلَّب، وتسرِّع بذلك في أفول الثقافة. وبالمثل، فإن الناس المتشبثين بعوائدهم الفكرية والعملية، وتستوقفهم تصوراتُهم المسبقة وتعلقهم بأفكار ومفاهيم بالية أحادية البُعْد، يفقدون ديناميَّتَهم، وتتعطل قدرتُهم على مواجهة تحديات ومواقف جديدة بروح خلاقة، بدونها لا يمكن لثقافة راقية أن تزدهر.

بذلك فإن التاريخ يحذِّرنا من إضفاء الأهمية والقيومية على الأشكال، الزائلة بالضرورة، ومن تناسي القيم التي تبثُّ نسغَ الحياة في تلك الأشكال. القيم الحقيقية لا تبلى، لكن الأشكال تفقد متاتها إلى الواقع الحيِّ وينبغي تعديلها مع الوقت – وإلا فإنها تبلى، ثم تتفكك وتتحلَّل. وحين يصير الشكل أهم من المضمون فإن الثقافة، بدورها، تتفسخ.

***

ثمة علاقة تكاملية بين الثقافة والقيم. لقد حظيتْ مشكلة القيم بقدر كبير من العناية في الغرب والشرق كليهما. ففي الهند، على سبيل المثال، يتناول مفهوم بوروشارتها purushartha، أو "غايات الحياة"، القيم التي تتراوح بين القيم المادية المحضة (من نحو أرتها artha، "الغنى"، وكاما kama، "اللذة") وبين القيمة الأقل مادية والأكثر بُعدَ نظر الذي يؤدي معناها مصطلحُ دهرما dharma أو "الواجب المقدَّر". لكنْ فيما يتعدى هذا النسق من القيم، من أغلظها إلى أكثرها تصفية، هناك قيم ذات طبيعة مطلقة. والـبارامابوروشارتها paramapurushartha هو البحث عن القيمة العليا.

*

القيم العليا ليست تجريبية، بل هي متعالية، أبدية. فالقيم التجريبية، باعتبارها مرتبطة بالمنافع المادية، تنتمي إلى الحقل الذي تنطبق عليه سلالمُ القياس. لكلِّ مجتمع بشري سلَّمُه، الذي ليس صحيحًا بالضرورة، لكنه ملائم لبنيان السلطة أو موافق لمزاج القوم. بذلك فإن هؤلاء يُلقَّنون قيم الطاعة أو النجاح، الاكتفاء أو طلب المزيد، وتصير جزءًا لا يتجزأ من خليقة الأمة. ولكلِّ جملة من الناس ولكلِّ فرد قيمة أو أكثر على السلَّم تبدو لهم أو له أهم من الأخريات. وهذا التفضيل قائم على المصلحة المباشرة والربح الآني، الناجمين عن قصر النظر.

لكنْ فيما يتعدى كلَّ قياس من هذا النوع، وكذلك كلَّ انحياز وتحديد شخصي وعرقي، ثمة قيم من نسق مختلف تمامًا. وهذه القيم المتعالية غير قابلة للتعريف؛ إذ إنها لا تُسلِس ذاتها إلا للمعرفة الاختبارية المباشرة. إن بالإمكان قياس اللذة، مثلاً، على السلَّم وربطها إلى أغراض تلبِّي، في أحسن الأحول، شيئًا من الإشباع العاطفي. أما السعادة، التي وُصِفَتْ بكونها ماهية الوجود نفسه، فلا تقبل التعريف أو القياس. إن وصف تلك الحالة الداخلية من الارتياح لا ينقل أيَّ شيء عن اختبارها الفعلي نفسه إلى امرئ ليس له منها نصيب. بإمكان وصفٍ للكرسي أن يؤدي فكرةً عن طبيعة الكرسي؛ أما وصف السعادة أو المحبة أو الحرية فليس فيه من مذاق حقيقتها شيء. من ناحية أخرى، فإن التعريف كثيرًا ما يصير بديلاً مضلِّلاً، يستولي على مكان الأصل؛ وبذلك تصير الكلمات الاصطلاحية حاجزًا يحول دون الاختبار المباشر لمدلولاتها.

إن من شأن الثقافة الحقيقية أن تَهَبَ الوعي الاختباري الشخصي لتلك القيم العصية على التعريف التي في وسع الوعي الإنساني، في ذروته، أن يحققها. وإن وعي ما هو خيِّر وحقيقي وجميل حقًّا هو الثقافة في أسمى مراتبها. فكما يقول كريشنامورتي:

الثقافة الهندية مختلفة بعض الشيء عن الثقافة الأوروبية، لكنْ الحركة من تحت هي هي [...]. التحرك لإيجاد السعادة، لاكتشاف ماهية الله، ماهية الحقيقة؛ وعندما تتوقف هذه الحركة فإن الثقافة تنحدر، كما حدث لها في هذا البلد. عندما تعوق السلطة، النقل، الخوف، هذه الحركة، ثمة تدهور. والدافع إلى اكتشاف ماهية الحقيقة، ماهية الله، هو الدافع الحقيقي الأوحد، وكلُّ الدوافع الأخرى تابعة له. عندما تلقي حجرًا في ماء راكد فإنه يصنع دوائر متوسِّعة. الدوائر المتوسِّعة هي الحركة التابعة، هي ردود الفعل الاجتماعية؛ أما الحركة الحقيقية فهي في المركز – هذا التحرك لإيجاد السعادة، الله، الحقيقة؛ وليس بإمكانك إن تجد ذاك مادمت سجينًا للخوف، أسيرًا للتهديد. فمن اللحظة التي يبرز فيها تهديد أو خوف فإن الثقافة تنحدر.

إن اكتشاف هذه القيم العليا يعيد إلى الإنسان كرامته التي لا يسلبه إياها شيء ويمكِّنه من أخذ قدره على عاتقه. فكما يقول الشاعر الصوفي الهندي كبير:

أكثر من أيِّ شيء آخر أنا حريص في قلبي على ذاك الحب الذي يجعلني أحيا الحياة غير المحدودة في هذا العالم.

الحكماء والقديسون والعلماء الأخلاقيون الكبار – وما أحوجنا إليهم في هذه الأوقات العصيبة! – أمثلة سامية على الثقافة في ذروتها. والصحوة الثقافية هي بوابة التحقيق الروحي بما هو تفتُّح متعدد الأبعاد للوعي الإنساني وللملَكات المبطونة في الإنسان. الثقافة، بهذا المعنى، هي الاستجابة الحساسة التي تحيط باللطيف وبالكثيف معًا، بالجَوَّاني وبالبرَّاني معًا، بالشامل والعام كما بالمحلِّي والخاص.

القيم ذات الطبيعة السامية لا تركن إلى ذهن فاتر الهمة، بليد، راضٍ بنفسه. فالذهن يقع في الفخ عندما ينسب القيمة إلى مفاهيم وأفعال قائمة على خدمة المصلحة الضيقة والمنفعة الذاتية، القصيرَيْ المدى بالتعريف. إذ لا غنى له عن الاستقصاء اليقظ من أجل تنمية الحساسية. وهذا الاستقصاء يجب ألا يضع لنفسه حدًّا، ولا الذهن أن ينخدع إذا ما اتفق له أن يكتشف القيمة بمعناها الحقيقي. فالأعراف والتقاليد يجب ألا تقيِّد العقلَ المتوفِّر على مثل هذا الاستقصاء، أكان عقل الفرد أم عقل الجماعة.

***

العالِِم الحديث منهمك في السعي إلى المعرفة، لكن تحرياته وأبحاثه منحصرة بالضرورة بالبيئة الخارجية. إنه يكاد يتجاهل كليًّا الطبيعة الداخلية للحياة؛ ومن هنا فقد وُصِفَتْ وجهة النظر العلمية بأنها "عديمة القيم" value-free. وبسبب من عدم اكتراث غالبية العلماء بالقيم حصرًا فإن العالَمَ الحديث، الذي تسوده الروح العلمية، عالَمٌ بلغ شأوًا لا يُصدَّق من القسوة والتدمير.

الثقافة الحقيقية معنية بمعرفة ماهية الحياة – تلك الماهية المستعصية على الذهن الجلف، لكنها تتجلَّى للعقل الحاذق الذي يتعلَّم تنمية ملَكاتِه الإدراكية والذي لا يهدأ له بال حتى يكتشف ماهية الجوهر المركوز في قلب الأشياء، حية أو غير حية.

*

بذلك فإن للثقافة منطويات أخلاقية عميقة. وبالطبع فإن الفنَّ لا يوقظ الوعي الأخلاقي تلقائيًّا. الفن الرفيع يتطلب انضباطًا. لكن الانضباط، كما رأينا، تخصصي؛ في حين يولِّد اكتشاف القيم الجوهرية نوعًا جديدًا من الانضباط الداخلي، تنشأ منه علاقات صحيحة. أما أنواع الانضباط الأخرى، سواء اتخذت شكل الشرائع الدينية، أو الأعراف الاجتماعية، أو قواعد الأدب، أو أية نماذج امتثالية أخرى مفروضة من الخارج، فلا تلبث عاجلاً أم آجلاً أن تنهار، فيتمرد اللاوعي عليها، محرِّضًا اختلالات قسرية في التوازن. بالمقابل، فإن الانضباط الذي يأتي من الداخل، عبر الإدراك الواضح للقيم الصحيحة، يؤمِّن استقرارًا وحالة من الارتياح والسعادة. إنه ينظِّم عفويًّا كلَّ فكرة وقول أو فعل؛ إذ إن هذه تصدر جميعًا عن حالة الوعي المتناغمة تلك.

وعي القيم هو تحقيق المغزى الجوهري للأشياء كلِّها في الحياة الفردية، وكذلك في كلِّية الحياة. إن أسلوب حياتنا الراهن، الموجَّه نحو اللذة، التنافسي، اللاغي للـ"آخر" المختلف، يروِّج للموقف النفعي الذي يقلب كلَّ شيء إلى غرض للَّذة والمنفعة والتملُّك. غير أن الآلاف المؤلَّفة من تجلِّيات الحياة موجودة بذاتها، لا كأغراض للذة البشر واستعمالهم النفعي؛ فلكلٍّ منها مغزاه الجوهري وغايته في مخطط الحياة. السمكة، على سبيل المثال، ليست غرضًا مطبخيًّا، كما أن معنى الشجرة ليس محصورًا في خشبها.

***

إن الذهن المتمركز حول نفسه، المهتم بنفسه، خادم الأنا الضيقة ومنفذ مآربها، يغيب عنه المغزى العميق من الحياة. وهناك الكثير مما يمكن أن يشكِّل مادة خصبة للتأمل في المعيار الأوبنشادي (نسبة إلى أسفار الأوبنشاد الهندية) الذي يميِّز بين بريياس preyas، "الملذوذ"، وشريياس sreyas، "الخيِّر". فالوعي المسدَّد نحو اللذة حصرًا تفوتُه الطبيعة الثمينة للوجود وقيمة جماله وحقيقته التي تترادف مع الخير الأسمى، كما يذهب أفلاطون.

مع أن القيم العليا تبدو عديدة إلا أنها في الجوهر واحدة؛ إذ إن الوجود الواحد يظهر كحقٍّ وخير وجمال. المحبة والفطنة تظهران في أصل التجلِّي. السير ألِستر هاردي، البيولوجي المرموق، إذ يتأمل في القوة التي تحرك التطور، يسلِّم بأنها المحبة؛ بينما يقرِّر الفيزيائي وعالم الكونيات فريد هُويْل بأن الفطنة لا تنفصل عن الكون. ففي المنظور الكلاني إلى العالم holistic world view أن القيمة العليا هي تلك الوحدة التي تحيط بالقيم المطلقة الأخرى كافة.

*

يُترجَم وعي الوحدة الجوهرية للوجود، عمليًّا، إلى اهتمام وعمل غيريين من أجل حسن الحال العام. يختفي حينئذٍ مفهوما الأعلى والأدنى في حضور فكرة التناغم مع كلِّ شيء، بما في ذلك أشكال الوجود التي تبدو تافهة أو غير حية. إن قلبًا مترعًا بمثل هذا الاهتمام لا يحرص على حماية البشر وحسب، بل وعلى الحيوانات والطيور والنباتات، وحتى التراب والماء والهواء. والحروب "الوقائية"، ومهالك التلوث، واجتياح الأرض، والإبادة الوحشية للمخلوقات البرية، ما كانت لتستشري في العالم لو أن الثقافة، بمعناها الصحيح، تخلَّلت الوعي البشري وارتقت به إلى مستوى الإنسانية.

إن الموقف العام في العالم قاطبة يميل إلى ترك الأمور للحكام والإداريين وسواهم للحفاظ على لحمة المجتمع؛ إذ يسلِّم الناس بعجزهم لأنهم لا يطيقون تحمُّل المسؤولية. أما الثقافة الباطنة للفرد، من ناحية أخرى، فتجعل منه مركز سلام وسعادة يشع على كلِّ ما حوله. فما لم يعمل أفراد جالية ما على صقل فهمهم وثقافتهم فإن المجتمع لا يستطيع تعزيز نوعية معيشتهم وحياتهم. فالمجتمع لا يوجد من تلقاء نفسه؛ إذ هو مصنوع من التعالقات بين أفراد المجموع الذي يؤلِّفونه.

***

إذا لم يُنظَر إلى الوجود نظرة كلانية فإن الأجزاء لا تتحلَّى بقيمة صحيحة، من حيث إنها لا تُرى كما هي فعلاً – كمظاهر جوهرية للكلِّية. الأمر عندئذٍ أشبه بفصل نغمة أو لحن من مقطوعة موسيقية ومحاولة القبض على معناه منفصلاً. الثقافة، في جوهرها، هي معرفة المغزى من الكلِّ وجماله، وكذلك القيمة الجوهرية للكلِّ ومعناه.

*** *** ***

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود