في حَضرَة المَاء

 

نضال نجار*

  

إلى عاهلة المخيِّلة...

 

من

شَفَقِ الفصولِ

أغزلُ

فستانَ القصيدة

بعد ليلٍ وثنيٍّ

مخمورٍ بالاشتعال.

هي الآن

في أصابعي

أقترفها

تباغتني إلى ما تشاءْ

فأعلِّقُ في الكونِ

قناديلَ الغناءِ الذي

كلما استجمَّ في نبضي

يؤذِّنُ اللوزُ

تركعُ

ينابيعُ البهاءْ

ويتجلَّى

عالمٌ قزحيٌّ

يمتطي

قوسَ الغمامْ.

 

لعاهلةِ المخيِّلة أفيضُ

رحيقَ حلمٍ شهيٍّ

أغويها

برقصةٍ شبقيَّةْ

وتخلعُ عليَّ

استبرقَ المعاني الملكيَّةْ

تغمرني

باشتهاءٍ لا وصفَ لنكهتِه

يُحلِّقُ في معارج ضلوعي.

أنتشي

ويطوفُ نعناعُ الحبرِ

في مقاماتِ الهيامْ.

 

أيقونةٌ للحلم

 

وحدكَ...

من تيهِ القرنفلِ

تُشيرُ إلى القلقِ المرهَفِ

وتزرعُ في المدهشِ

خمرَ الأجوبةْ.

تسلَّلتَ

من لثغةِ الصُّبحِ

داهمْتَ غرائزَ النرجسِ

ومضيْتَ

توقِظُ شعاعَ اللغةِ

بنشوةٍ ما بعدها عاصفةْ.

ثم رحتَ للشَّفقِ

تَشي بحمَّى الاشتياقِ

والحرائقَ المعلَنةَ

واللامعلََنةْ.

 

سَفرٌ يحتضنُ الغموضَ

ببياضِ الكتابةِ

صمتُكَ

وجحيمٌ يُمارسُ المطرَ

قبل الريحِ التي

تُشعلُ الهاجسَ

في صَدْرِ الغربةِ المُترَفةْ.

 

زمنٌ أوسعُ من المتاهةِ

صمتُكَ

وجرحٌ

بعدما

في الحلمِ اقترفنا الفجرَ

على سريرِ الخرافةْ

وانصهرنا

في الوهجِ المُستباحِ

نشربُ نخبَ القيامةْ

ونُبحرُ بفيروزةِ المعنى

إلى ما وراء المسافةْ.

 

غفوةٌ مشاكسة

 

غارقةٌ في السَّهوِ

ألملمُ شظايا القلب

وروحي

لحظةٌ تزدحمُ

باحتراقِ الشواطئ

بارتباك الضوء

على شفة المساءْ.

 

ها أنا

من وهم العاصفة

أمتطي خمرَ الانتشاءِ

وأمضي

خارج لغتي

أهزُّ وردَ الأريجِ

وشقائقَ المزاج

يتهاطلُ نورٌ

ونارٌ

وقصيدةٌ عارية.

 

هل أنتهكُ البزوغَ الباهي

أم

أرمي دنان الشهوة؟!

ها أنا...

وعاهلُ العشقِ الليليِّ

منتشيًا

بنبيذِ الشِّعرِ.

لا أدري

هل تهاوتْ مجرَّاتٌ

أم

صعدتْ إلينا السماءْ؟!

 

لوزٌ يرقصُ

وطَلْعٌ

يُراودُ السُّلافَ

بلغةِ الشِّغاف –

فكان الحبُّ

وكانت الفوضى!

 

للغفوةِ

لذةُ الرؤى

توقظُ الوقتَ

من لهاثه

ومن بعدها

يضجُّ السؤال:

هل...

كنَّا انتشاءَ الصوت؟!

هل...

انتشارَ الضوء؟!

هل...

تأوُّجَ الأسرار والأفلاكْ؟!

 

ها أنا...

في سرير الشَّفَقِ

أرسمُ نكهةَ النسيان...

والليلُ

في ارتعاشِ الظلالِ

يستعيدُ ما كان

قبل العاصفة.

 

عذراء الليل

 

عذراءٌ

تزرع النعناعَ

في بيادر الدهشة

يستيقظُ نجمٌ

يُنادي حلمَ روحي

وينفلقُ من الليل لوزٌ

له لذَّةٌ

لا يتكرَّرُ سُكْرها!

يعزفُ على ضلوعي

غماماتِ صبحٍ

أتوضَّأُ بسوسنه

فيرتعشُ زنبقُ صلاتي

ترتعشُ عبراتي

على صدر الإله.

 

عذراءٌ

تلجُ نسغي دون عناءٍ!

يسيلُ عبقٌ

على موجاتِ لازوردٍ

ألتفُّ بسِربِ نوره

أهزُّ جذع الكون

ويولدُ

من ضلع الغيبِ

قيثارُ الأبد.

 

أترنَّمُ

مثل مجيء الورد

وأحلم بنورسٍ

على شاطئ المساءِ

يُشاركُني حلمي

ويفردُ للقصيدةِ أقصى الغناءْ.

 

نورسٌ

يراقصُ أسراري

إلى أن يتفتَّحَ جلَّنارٌ

قرنفلٌ

على أغصان العراءْ.

 

نورسٌ

يُشاطئُ روحي

بأوج الآفاق والأبعاد.

عذراءٌ –

وتعودُ إلى معبدها

وأتبادلُ مع الليل

أنخابَ الفناءْ.

 

في حَضرَة المَاء

 

رئتي

حبرُ القصيدة

وما تناسلَ من رَحِمِ السَّحاب

أهرقُ لها لغةً خرافيةً

تتقمَّصُ فجرًا جامحًا

يشتهي تقبيلَ حلمٍ

ليسَ يغفلُ عن رؤاه.

 

هي

بزعفرانِ الأرضِ تنصهرُ

ترتِّبُ للجرحِ عرسًا

من لازوردِ الصباح.

لكأنَّها سكرةُ الغسقِ

سرُّ المطرِ

وأنا...

أنا الرعشةُ

في حضرةِ الماء.

 

برازخ الجحيم

 

I

وحيدةً

أجرُّ روحيَ المتعَبة الخطوات

أتوهَّمُ ثلجًا

يؤجِّجُ بوحَ ناري

نجمًا

يُشعلُ ثقابَ هذا الليل

وعالمًا

يُعيدُ هندسةَ الجَّمرِ

في رمادِ القوافي

عالمًا

يُودِعني

بحرَ الفيوضاتِ المسربلة

في الحضورِ

أو في الغياب.

 

ضُمَّني

إلى أرجوانِ صدركَ

غيِّبْني

بين حفيفِ المساءاتِ التائهة

خذني

لانبهارِ المجرَّاتِ التي

كلما قدَّتْ ثوبَ الحروف

ارتديتُ

نيروزَ القصيدة.

 

II

تلكَ التي

بين فخذيِّ المنفى

تدورُ بحثًا

عن أشلائها

تتسكَّعُ، كعنكبوتٍ،

لِتعلِكَ خيوطَ بقائها

ثم تخلعُ

أكفانها المتفحِّمة

كلما ارتدتْ أزرقَ ما لديها.

 

تلكَ التي

كالريحِ الهرمة

هشَّمتْ ياسمينَ الصباح

بمخالبِ التَّماهي

خلف شلالات الضوء.

 

هيه!

أنتِ...

خذي حيرتكِ

دثِّريها

بوابلٍ من الصمتِ والمجهول

خذي المارقَ من الموتِ

والجنون

فثمةَ قصيدةٌ

ستعتلي أغصانَ الروح

كلما

داهمني المساءُ

بفحولةِ البهاء.

 

III

مطلَقٌ

يسكنُ روحي

يُطفئُ

جمرَ الضلوعِ

بحليبٍ مخمورٍ

فرَّ من أثداءِ الكونِ

بقبلةٍ

تُغري فاكهةَ الوقت –

والأغصانُ رحيلٌ.

 

مطلقٌ

ويشرئبُّ من جسدي

كلما

داعبَتْه ليلكتي

بهمسِ البزوغ.

 

خارج الحلم

 

في كلِّ الجهات

ينزفُ قمحي

ودمي

يشهقُ من جلجلةِ الخَطْبِ

جوعٌ

في نبرةِ الحلم

غربةٌ

في أحشاء القبيلةِ

وجذورٌ

شبَّتْ عن طوقِ السِّربِ.

 

ماذا تُخبِّئُ البروقُ؟ –

أنَّ الحجارةَ

تحتضنُ الأطفال؟!

أن القيامةَ

فاقتِ الأسرارْ

فخرجتْ من النشورِ

إلى احتمالاتِ الأطوارْ؟!

ماذا يُخبِّئُ الصباحُ؟ –

أنَّ النشيدَ فرَّ مذعورًا

إلى نهدي الظلمة؟!

أن الشِعرَ لم يعدْ يكفي

لِتشتعلَ السنابلُ

على أطرافِ المنافي؟!

 

ماذا بعدُ؟

والموتُ...

والموتُ يوغلُ في رَحِمِ الماء

يبتلعُ الأشجار

والأنبياء؟!

ماذا بعدُ؟

والظلامُ يغتصبُ الشمسَ

في وضح النهارْ

يُداهمُ الجراحَ إلى منتهاها

ويرتدي...

يرتدي من الجحيمِ

ما لا رسَمتْهُ الألوان؟!

 

ربَّاه!

حتى الذاكرة فاضتْ

برعاف النار التي

في حيرةِ النبضِ

صارتْ توسوسُ

في احتدامِ الأرجوان.

ويصحو النهارُ من ثُمالته

حزينًا يصحو

على رقصةِ الموتِ

على قرنفلِ الغبارْ

فأصحو

وأنا لستُ معي!

 

ثمة موعد يمرُّ

كالغيمِ الثَّمِلِ بالمطرِ

ويقترفُ نشوةَ الذهولِ

بين فخذيِّ الأرض.

فأصحو

لأجدَني خارجَ الحلمِ

والليلكُ المكبَّلُ بالغربةِ

يعشقُ صمتَ الانتظارْ.

 

أسطورةُ العبور

 

وأعبرُ إليك

أجتازُ بحرًا

لا نهايةَ لشطآنه

غيومٌ تحملني

على أجنحةِ لازوردٍ

يُدغدغُ بصفائه طفولةَ زمنٍ

يثملُ

كلما انسربَ

من بين أصابعِ الكونِ

شفقٌ خجولٌ

يستحمُّ في بحيرةٍ

من العطر المحترقِ

بأنفاسِ طقوسٍ منذورةٍ

لقرنفلِ اللقاء.

 

وأغيبُ...

أغيبُ في أدغالِ عبيرٍ

مخمورٍ بهمسِ الدفءِ المنسربِ

من إشراقاتِ الحبِّ

في عينيك

ويتغلغلُ السكونُ إلى روحي

فأغرقُ

وتغرقُ كلماتي

برقرقةِ دمعِ الوصال.

تناديني حروفُكَ

يُناديني صوتُكَ المعشِّشِ

في ذاكرة الأمسيات

فأنسابُ في جسدكَ

روحكَ

في شرايينكَ

إلى ما وراء الأعماقِ.

 

هكذا، صمتًا أقابلكَ

سرًّا أدفنُ غيابي في حضوركَ.

أنتَ!

مطرُ الأسطورةِ

تتجدَّدُ كلما أغمضتُ عينيَّ لأراكَ

وأرتوي

من ينبوعِ فجرٍ

توحَّدتْ بابتهالاته صلاتي.

 

شروق

 

أشرقُ من خلف تلالِ قلبكَ

أروي عمرَك أنهارَ صُبْحٍ

يشتاق التغلغلَ في مَسامات الضِّياء

وأسطعُ من فيروز البحر

أنثرُ على دروبكَ الأولية

أصدافًا ومرجان

من قال إنك لا تسمعُ هديلي

يأتيك من ارتجاف حكاية

لها رائحة الزَّعتر البريِّ

من ورد مخيِّلة يحملُه النَّدى

إلى جنون الاحتمالات

زغردة الربيع.

 

ولأنك حبيبي

أختزلُ النهارَ في ترانيم الألوان

أهزُّ الحنين عطرًا

على شرفات المساء.

تشتعل إشارات الاستفهام

وأتسلَّق سطور البنفسج

وأتوهَّج، وأتوهج

سُلافَ فصول من عقيق الألم.

*** *** ***


* نضال نجار أديبة سورية، من مواليد حلب 1968. حصلت على إجازة في آداب اللغة الفرنسية وعلومها من جامعة حلب (1992)، وعلى دبلوم ترجمة وتعريب. عضو جمعية العاديات، عضو حركة الاشتراكيين العرب. صدرت لها ثلاث مجموعات شعرية هي: تحت عري القمر، دفء لشتائك، مسك العتاب. ولها قيد الطبع: لراهبٍ في أسرار البنفسج (شعر)، ومخطوطات: إلى رجل ما (شعر)، شروق الإله (قصص)، عاهلة الحزن (رواية)، فضلاً عن قصص للأطفال بلغتين. ترجمت عن الفرنسية كتاب طريق الشام (توثيقي). موقعها على الإنترنت: www.geocities.com/nidalnajar، بريدها الإلكتروني: nidale11@intra-sy.net.

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود