إلى ديمتري أفييرينوس

هات المزيد من علبة أسرارك

 

حياة أبو فاضل

 

أما قلتُ بالأمس القريب إن دمشق "علبةُ أسرار"؟

وها ديمتري أفييرينوس "الدمشقي" يمدُّ يده إلى العلبة، ويأتي منها بسرٍّ مصيري من أسرار الوجود، في زمان لا يفتح له التاريخ إلا كلَّ أربعة وستين ألفًا وثمانمائة سنة. ويطلب أفييرينوس إلى مَن يتلقون الرسالة[1] "الخروج من سباتهم" – ولو لهنيهات – ليكلِّمهم عن سرِّ المرأة الحق، العارفة، وعلاقتها بنبض الوجود ومسيرة الإنسان نحو بُعد وعي جديد، في زمن آتٍ قريبًا، حين "سنفكر ونحسُّ ونعيش على نحو مختلف [...] يوم يستولي الروح على كياننا ويُلهبه حتى الترمُّد".

وعلى مَن يترقَّب هذا اليوم اختيارُ "الموقع الصحيح للمراقبة". والموقعُ في أعماقنا، حيث هناك "غور سحيق نكفُّ فيه عن النظر إلى الحياة والموت، إلى الماضي والآتي، والى الجسد والروح، كمتناقضات". وكي يبلغ الرجل هذا الغور السحيق، عليه بنار العشق أو الهيام، عشق "المرأة الحق" التي سيقت على مرِّ العصور إلى الذبح، كما يقول أفييرينوس، من غير أن يَتَّهم أحدًا، لأن هذه المذبحة كانت محتمة ليتمَّ ما بَلَغَه الجنس البشري اليوم.

فإذا بنا – على مستوى الإنسان – أمام رجل غافل، وامرأة هي "نسخة" عن المرأة الحق لأنها بلا جوهر. لكنْ بقي عددٌ من النساء الحقيقيات، كما بقي عددٌ من ورثة الحكماء الأقدمين، "المؤتمَنين على العلم القديم الذي تلتقي فيه النهاية بالبداية". والزمان اليوم مفتوح على تلقِّي رموز الماضي وإشارات المستقبل كلِّها، وعلى تفتُّح داخلي جاهز لاستقبال الرموز والإشارات في سبيل قفزة نوعية على درب تطور الجنس البشري، أحد مفاتيحها المرأة الحق. لكن أين هي؟

أين هي، هذي العزيزة التي تُلهِم الشوق، التي "تنتظر الرجل لتعود به إلى الفردوس الأرضي"، تأخذه إلى الاستغراق في "غياهب كيانه الداخلي [...] وحسبها هي أن تحيا لتمتلئ بغبطة الوجود"؟ إذن هي واعيةٌ لعبة الوجود وموقعها المميَّز من هذه اللعبة. وحين يلتقيها الرجل، ليلتقي في عينيها صورته الإلهية، سيعود ليفقدها، وسيقع في غربة ووحدة مؤلمتين، وسيغدو داخلُه صحراء قاحلة، إنما داخل الصحراء هناك طريق ستأخذه إلى الوعي.

ويبقى سؤال: مختارٌ هذا الرجل الذي ستأخذه المرأة الحق إلى معرفة ذاته الإلهية. لكن ماذا عن سواه من ملايين الغافلين؟ وماذا عن المرأة العادية؟ مَن سيرشدها إلى طريق المعرفة؟ وهل ستقتصر قفزة الوعي الجديد على "المختارين" فقط؟ يقول أفييرينوس عن مصدر المعرفة لديه: "نحن، أيها السادة، قوم أشداء، مجتهدون، بصيرون [...] ولا نعوِّل على المخيِّلة بشيء"[2] في ما نقول؛ و"أساتذتنا أناسٌ اجتازوا شوط البشرية العادية، وهم يعلنون مَقْدَم حالة الوعي الأخرى". وزمن الوعي الجديد الذي بات قريبًا، كما تقول يا صديقي أفييرينوس، هل سيغيِّر نظام الوجود مثلما نعرفه؟

رجاءً، مدَّ يدك إلى علبة الأسرار مرة أخرى، وأخبرنا، ولا تطلب إلينا بعدُ أن نعود إلى سباتنا!

*** *** ***

عن النهار، 4/10/2003


[2] الواقع أن ديمتري أفييرينوس يورِد ذلك كناية عن "الرجال الغافلين" وتهكمًا عليهم، وليس إيرادًا لـ"مصدر المعرفة لديه"، كما فهمت حياة أبو فاضل من العبارة؛ فاقتضى التنويه. (المحرِّر)

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود