قـاتـلٌ وضـحـيَّـةٌ وإلـه

فؤاد رفقة

 

ظاهرة الاغتيال دهريَّة الجذور. فهي جرحٌ دائم النَّزف في جسد التاريخ، من أيام قايين حتى هذه اللحظة – وما بعدها.

واضح أنَّ هذه الظاهرة التاريخية لا تحلُّ العقبات. وإن حلَّتْها فإلى حين. وبعد ذلك يذوب الصقيع وتسطع الحقيقة. وعلى الرغم من هذا الوضوح، يستمر الاغتيال في العالم – وسيبقى.

علامَ تدلُّ هذه الظاهرة؟ جواب: على انهيار سلطة العقل في الكائن البشري وسقوط نورها في ظلمة الغرائز. في هذا السقوط يتحول الكائن إلى أنياب من الدماء. في هذا السقوط يتحول الكائن – حتى في هيأته وتقاسيمه وصوته – إلى وحش أشدَّ بشاعة من ضحية تمزِّقها الكواسر.

وأنت، يا ألله، يا أيها الغائب الحاضر، أنت تعرفني منذ البدء. تعرف أني في جوارك دائم السَّهر، على الرغم من الأسئلة التي تعذِّبني. ألجأ إليك ولا من جواب. فأنا أريد أن أعرف، أن أرى وأن أسمع، وبدماء جرحك أغرز أصابعي وأغسل وجهي. أسألك، يا ألله، لماذا تسمح بولادة إنسان تعرف مسبقًا أنه سيكون ضحيةً نقية تمزِّق جبينَه رصاصة، تحرق جسدَه متفجرة، وإلى رماد تحيله القذيفة؟! لماذا تسمح بولادة إنسان تعرف مسبقًا أنه سيتحول إلى وحش، عيناه جمرتان في مواقد الأشلاء والدماء؟! ولماذا تسمح بولادة القاتل والقتيل، على الرغم من معرفتك المسبقة بكلِّ الحوادث؟!

أنا على يقين أنك سمعت هذا السؤال يتكرر منذ البشري الأول – ولا يزال. وأنا على يقين أن لديك الجواب. لكن ما هو؟ الحرِّية؟! أنا لا أريد حريةً على حساب ضحية بريئة تشطرها المتفجرةُ شطرين! ولا أريد حرية على حساب ضحية يحوِّلها الانفجارُ فحمةً مطفأة! لا أريد حرِّية على حساب ضحية تمزقها الحرِّية!

صحيح أني تعلَّمت، في السرير وفي البيت وفي الكنيسة، أن العذاب الأبديَّ مصير القاتل. لكن ما الفائدة؟! إن أبديةً من العذاب لا تغسل قطرة واحدة من دماء الضحية لحظة الانفجار. إن أبدية من عذاب القاتل في الجحيم لن تعيد الضحيَّة إلى نهارات الشمس. إن أبدية من العذاب لن تعيد الحياة إلى مَن تناثر في رياح لن تعود.

لكن ما يخيفني، يا ألله – يخيفني حتى الرعب! – محبتك التي لا تعرف التخوم والأسوار. أخاف بهذه المحبة أن تحتضن القاتل، وبهمسة أصفى من نبعة الوعر أن تقول له: "مغفورة لكَ خطاياك"، فيحمل سريره ويمشي إلى السَّاحات والمحافل.

والضحية؟! كيف تغفر لك الضحيةُ هذا الغفران؟! إن غفرانًا كهذا يجعلها تصرخ من عمق الجروح في العالم: "توقف، يا ألله، لأنك بهذا الغفران تطلق ذئاب القتل من مغاورها، وفي الليل يرتفع أنين الضحايا إلى أبراجك وقلاعك!"

أما أنا – الأقرب إليك من البصر للعين – فسأمزِّق جبَّتي، وأطلق لحيتي، وفي البراري سأعوي مثل وحش مسعور – إذا غفرت!

*** *** ***

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود