قـطـوف مـن شـجـرة الـحـيـاة 3

اسـكـنـدر لـوقـا

 

المعرفة والجهل

لا أعتقد أن أحدًا في حاجة إلى جهد لاستنتاج أن قطبَي الوجود الإنساني، في أيِّ مكان وزمان، هما المعرفة والجهل. فإنه بمقدار ما يغلب أحدُ هذين القطبين الآخرَ، أو يتساوى معه، يتحقق التوازنُ في المجتمع أو لا يتحقق. ولا أعتقد أن أحدًا منَّا في حاجة للبرهان أن المعرفة هي الطريق الأقرب إلى تحرير الإنسان من الخطأ والخطيئة، بينما الجهل هو طريق الضلال على درب الخطأ والخطيئة. ولأن التوازن في أيٍّ من المجتمعات بعيد المنال، كما يحدِّثنا تاريخُ البشرية، فمن الطبيعي أن يبقى الصراعُ قائمًا بين أتباع هذين القطبين، كلٌّ منهما يسعى إلى هزم الآخر – ولا يدري لماذا!

* * *

 

حول "وظيفة" الرسم

إنَّ فنَّ الرسم، كما يعلم معظم المنتمين إلى الحضارة الإنسانية في أوج تألُّقها، في الزمن القديم أو في الزمن الراهن، يندرج تحت عنوان فعل الوظيفة. ولا أقدِّم هذا التوصيف لفنِّ الرسم كحقيقة يجهلها الآخرون ممَّن ينتمون إلى تلك الحضارة، لأن له، كفعل، وليس كمجرَّد مفهوم على الورق، "رسالة" يرمي صاحبُه إلى ترجمتها فعلاً على أرض الواقع. ومن هنا كان دورُه في تاريخ البشرية، وكان تجلِّيه قيمةً حاضنةً لقضايا الناس في مجتمعاتهم وهم يتطلَّعون إلى ما هو أبعد من إطار اللوحة، إلى ما توحي به قبل أيِّ شيء آخر. وبذلك يتجسَّد فن الرسم وحيًا مؤثِّرًا قد يفجِّر أحيانًا قولاً أو موقفًا يتخطَّى جمال الإطار أو اللون. وفي أروقة المتاحف العالمية ما يثبت علاقةَ فنِّ الرسم بالحدث التاريخي في أكثر من مكان.

* * *

 

النجاح برأي "الكبار"!

سألَ أحدُهم الأديب الفرنسي المعروف أندريه جيد كيف يحقِّق النجاح، فأجابه: "فكِّر طويلاً، والتمسِ المشورة، واستشِرْ ضميرك، ثم اتخذ قرارك مطمئنًا فتنجح." وسأل أحدُهم ديموسثينِس، أمير الخطابة في اليونان القديمة، كيف أدرك أوج فنِّه، فأجاب: "أسمِعْ نفسَك أولاً ما تريد أن تُسمِعَه غيرَك فتنجح." وسأل أحدُهم إديسون، المخترع العظيم، عن سرِّ نجاحه، فأجاب: "لا أسمح لليأس أن يتسرَّب إلى نفسي مهما كان عدد المرات التي أُخفق فيها." أما ناپليون بوناپرت، فكانت إجابته عن السؤال: "مَن قال أمامي كلمة مستحيل كنت أقول له: جرِّب، ثم جرِّب."

* * *

 

انتحال؟

بين وقت وآخر، يُدلي أحدُهم برأي قائلاً إن مؤلِّفًا ما ليس هو نفسه صاحب كتابه، أو إن ملحِّنًا ما ليس هو نفسه صاحب اللحن، وما إلى ذلك. وفي هذا السياق، كثيرًا ما قرأنا عن أدباء وفنانين كبار جرت محاولاتٌ لتجريدهم من هويتهم بتهمة أخذهم عن آخرين أو تسخيرهم غيرَهم لكتابة أو تلحين ما نُسِبَ إليهم لسبب أو لآخر. وغالبًا لا يُعرَف السبب، فيبقى الادِّعاء بذلك رهن "النوايا الحسنة"، تلك التي "لا توصل أصحابها إلى الجنة"، كما يقول الفرنسيون!

* * *

 

الطمع

الطمع هو واحد من الغرائز التي يكتسبها المرءُ خلال حياته، سواء بحُكم التقليد أو بحُكم التربية. وهو، في كلتا الحالتين، يندرج تحت عنوان الجشع، حيث يبدو الإنسان فيه كأنه جاء إلى هذه الحياة كي يأكل ويشرب ويكتنز المال، فلا يشبع ولا يكتفي.

وإذ يتخطَّى الطمعُ بصاحبه كلَّ المسلَّمات المعترَف بها، في أيٍّ من المجتمعات، قديمًا وحديثًا على حدٍّ سواء، وصولاً إلى مرحلة إقناع ذاته بأنه أحقُّ الناس بامتلاك ما يحلو له، ومن دون أيِّ مقابل، فقط لأنه – في نظره هو – "أجدر" منهم، لسبب ما لا يبرِّر للآخرين أن يعرفوه، يصعب إجراءُ حوار معه حول قيمة أن يستمتع الإنسانُ بالحياة قبل أن يغادرها في رحلة أبدية.

وبطبيعة الحال، فإن مخلوقًا من هذا الطراز لا يمكن أن يستكين له أحدٌ من معارفه. فيدفعه ذلك، مع مرور الوقت، إما إلى التشرنق داخل الذات أو إلى معاداة مَن هم حوله، سواء كانوا من معارفه أو من الغرباء. وغالبًا ما يقلب الطمعُ صاحبَه إلى إنسان يحيا فقط لإرضاء غريزته التي لا تعرف الشبع ولا الارتواء، مهما قيل له إن الحياة تعني أكثر من الاستمتاع بالأكل والشرب واكتناز المال!

* * *

 

حول اختلاف الرأي

ليس مستغرَبًا أن يختلف الناس فيما بينهم حول هدف ما مشترك، من حيث المبدأ، ذي علاقة بقضايا حياتية راهنة. بيد أن الاختلاف في هذا السياق لا يعني، بالضرورة، أنه ينجم عن تقييم الهدف المشترك في حدِّ ذاته، بل عن تبايُن الطريقة التي توصِلنا إليه.

وهنا قد يكون الهدف واضحًا تمامًا، ولكن تبايُن وجهات النظر حول نقطة الانطلاق إليه كثيرًا ما يتسبَّب في قيام العقبات التي تحول دون تحقيقه في الوقت المناسب، مما قد يضيِّع الفرصة أحيانًا على أطراف الخلاف جميعًا.

وبديهي القول إنه ليس من الطبيعي، أو حتى من المنطقي، أن تتطابق الآراءُ حُكمًا بين هذا الطرف وذاك، وذلك بحُكم اختلاف الخبرات في الحياة أو الثقافة أو حتى الحاجة. لهذه الاعتبارات، غالبًا ما تتوالد الآراءُ وتتباين بين الناس. وفي هذه الحالة، قد يتوافقون فيما بينهم أو يتخالفون؛ لكن الهدف المشترك، حين يكون مبدئيًّا، يبقى دائمًا هو نفسه، ذلك لأن الحرية في التعبير عن الرأي هي، بشكل أو بآخر، نتاجُ تصادُم الآراء بعضها مع بعض. بذلك تحرِّر الحرية ذاتها، إنْ صحَّ التعبير، من السقوط في نفق الاختبار أمام كلِّ قضية لا تحتمل وضعية المتأرجح عند نقطة الـ"بين بين".

* * *

 

"العقيدة" الأسمى

في أحد مواقعنا المحلِّية، نقرأ تحت اسم الموقع مباشرةً أن "لا عقيدة [في الحياة] أسمى من الحقيقة". ولا أعتقد أن اثنين يختلفان على هذه "الحقيقة"، لأنها سبيل المرء إلى معرفة دوره في الحياة، وذلك في ضوء سؤال قد يبدو عاديًا عندما يوجِّهه إلى نفسه، بيد أنه في غاية الأهمية.

أن نقول "هذه هي الحقيقة" لا يفي بالغرض. أن نضع أيدينا على "الحقيقة–الحقيقة" يجعلنا نقترب شيئًا ما من قبولها، وإن كنَّا نرفض الأخذ بها كمبدأ لا بدَّ من الرضوخ له. فالوصولُ إلى "الحقيقة–الحقيقة" يتطلَّب من المرء، أولاً وقبل كلِّ شيء، أن يعي نفسه، بمعنى أن يتعرَّف إليها قبل أن يسعى إلى التعرف إلى الآخر، سواء انتمى هذا الآخرُ إلى جنسه أو إلى بيئته، سواء دان بمعتقده أم كان من أبناء معتقد غريب عنه.

إن السعي إلى اكتشاف الحقيقة عمل مُضْنٍ، خصوصًا عندما يكون الباحثُ عنها يرمي إلى وضع النقط على الحروف، بلا مواربة. أما أن يبغي الوصول إلى "حقيقته" هو التي يجهد لجعلها معتقد الغير كي يُلزَمه به، فإن ذلك قد يستمر زمنًا قصيرًا أو طويلاً بعض الشيء؛ إلا أنه، في النهاية، يفقد قدرتَه على التأثير إلى زمن غير محدود، شأنه في ذلك شأن القادر على خداع بعض الناس لبعض الوقت.

في الساحات الفكرية، في الزمن الراهن، أمثلةٌ عديدة على ممارسة "رياضة" البحث عن الـ"الحقيقة" سعيًا وراء تحقيق مكسب آني. كذلك هي الحال في الساحات الأخرى، وفي مقدِّمها الساحات السياسية، على مستوى العالم، وليس فقط في منطقة بعينها. ففي هذه الساحات السياسية، تُبذَل الجهودُ أحيانًا لإثبات الخطأ مكانَ الصواب، وذلك بغرض التضليل أو تعويم "الحقيقة–الحقيقة" – إلى أن تتعرَّى الغايةُ التي تبرِّرها الوسيلة.

ومن هنا أهمية الركون إلى عقل يتحلَّى بالمقدرة على تحليل ليس ما يرى فقط، بل حتى ما لا يرى في بعض الحالات – بمعنى المقدرة على قراءة للمستقبل تكون المعرفةُ الموضوعية والحكمةُ مسندها، لا "المعرفة" – أقولها تجاوُزًا – التي تُصاغ بحيث تتلاءم مع "هوى" هذا الباحث أو ذاك، هذه المؤسَّسة أو تلك، وصولاً إلى "حقيقته"/"حقيقتها" المنشودة التي تلبِّي الحاجات الخاصة، لا العامة، لعدد من الشهور أو السنوات.

إن العقل المؤمن بالتحليل ليس من السهولة أن يفرض حضورَه في مجتمع يؤمن بالخرافة أو الأسطورة أو يؤمن بالغيبيات (ومن ذلك اللجوء إلى السحرة والمنجِّمين وسوى ذلك). العقل المؤمن بالتحليل هو، في اختصار، العقل المفكر، القادر على استيعاب اللحظة، وما يليها، انطلاقًا من استيعاب ما سبقَها، لتكون قدرتُه مبنيَّةً على أساس مكين من الثقافة يمكِّنه من معرفة مَن هو بالدرجة الأولى قبل معرفة الآخر من حوله. ومن هنا معاناته.

بقدرة العقل على تحليل الواقع ومتطلَّباته ليكون واقعًا حقيقيًّا، ينتفي الخطأ في المجتمع، ويُبنى على ما يمكن لمسُه بالعين المجرَّدة، لا باليد فحسب. قد تبدو العملية صعبة – وهي حقًّا كذلك – ولكنها ليست مستحيلة عندما يجيب صاحبُها عن سؤال مُفاده مَن هو وماذا يريد. من دون ذلك، سوف يبقى عالقًا على مشجب هنا وآخر هناك، غريبًا ليس فقط عن بيئته، بل حتى عن ذاته، ويغدو كما ورقة الخريف، تغادر غصنها في يوم خريفي، تبحث عن أرض ترتمي على ترابها مستسلمةً لقَدَرها بكلِّ صمت وهدوء.

الإنسان في هذا الكون ليس مجرَّد "عابر سبيل" – أو هكذا يجب أن يؤمن مادام قد وُجِدَ على سطح الأرض كيانًا قابلاً للنموِّ والتفتح. وعندما يقيم حاجزًا بينه وبين هذه الـ"الحقيقة"، قد يسقط – وغالبًا ما يسقط – في التجربة. والأمثلة على سقوط الإنسان لا يمكن إحصاؤها، لأن السقوط غالبًا ما يكون في الذات أولاً قبل أن تصل أصداؤه إلى آذان مَن هم الأبعد من مكان السقوط. ولعلَّنا نتذكر "سقوط" الإنسان الأول في الخطيئة، وما كان لسقوطه من أصداء على مدار التاريخ، وإلى اليوم، وكل يوم آتٍ.

إننا قد نبرِّر أحيانًا خروجَ أحد الناس على هذه المعادلة – معادلة التمييز بين الخطأ والصواب – باعتبارات الجهل؛ ولكن من غير المقبول تبرئته عندما يعلم ويدرك، ولكنْ يتجاهل! ففي هذه الحالة، لن يكون الإنسانُ قادرًا على تبرئة نفسه عندما ينظر إلى المرآة، لأنه، عندئذٍ، سيكون أقدر على محاكمة نفسه ممَّن هم خارج ذاته. عندئذٍ، وبغضِّ النظر عن المسافة التي تفصله عن سطح المرآة، سوف يرى بعينه، لا بأعين الآخرين، "حقيقته" هو على نحو "الـ"حقيقة – تلك التي يعتبرها شعارُ أحد مواقعنا الإلكترونية "العقيدة" الأسمى في الحياة.

*** *** ***

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود