عرض كتاب الكون الحي للدكتور جواد بشارة

راجحة عبود

 

من إصدارات مؤسسة اي-كتب لنشر الكتب الإلكترونية صدر كتاب الكاتب والباحث العراقي المقيم في باريس منذ عقود طويلة الدكتور جواد بشارة تحت عنوان الكون الحي بين الفيزياء والميتافيزياء، الذي يأتي تتويجًا لبحث طويل ومضنٍ استخدم أسلوب التبسيط العلمي، كرَّسه المؤلف لموضوع الكون ودراسته من كافة جوانبه. وقد تكلل هذا الجهد بصدور الكتاب الأول للكاتب تحت عنوان الكون أصله ومصيره، الذي صدر سنة 2011، وأعقبه بكتابه الثاني الذي نحن بصدد عرضه اليوم ليكمل مشواره المعرفي وتقديمه بلغة سهلة وسلسة ومفهومة من قبل كافة مستويات القراء حتى ممن لم يمتلك خلفية علمية أو دراسات جامعية عليا أو متخصصة.

تناول الباحث في كتابه الموسوعي هذا كافة المسائل الجوهرية المتعلقة بهذا الموضوع، وكان تركيزه على الكون المرئي المرصود والموجود ماديًا والذي نعيش فيه، والذي قام بدراسته بالتفصيل في كتابه الأول، ومن ثم حاول تجاوزه في هذا الكتاب لينطلق إلى آفاق أوسع وأبعد تتعدى اللانهايات. فبعد أن محَّص موضوعة الكون المرئي تساءل بجرأة هل هو حقيقة أم وهم، وقد كرَّس الفصل الأول لهذا السؤال، ومن ثم عرج على الموضوع الأهم الذي يؤرق البشر ألا وهو الزمان الذي عده المؤلف اللغز الأهم في الكون المرئي، أي أنه ناقش موضوعة الزمان كما هي وكما نعرفها في إطار وحدود الكون المرئي المرصود في فصل كامل. ثم عاد ليبحث  في أعماق هذا الكون المرئي وأسراره في مقاربة جديدة حملت عنوان الكون المرئي بين البداية المفترضة والنهاية المجهولة. ولم ينس المؤلف التطرق إلى تطور الفيزياء وعلم الكون من نيوتن إلى آينشتين ويعالج موضوعات جديدة على القارئ العربي تمس المادة السوداء والطاقة المعتمة التي قد تكون سببًا في نهاية الكون بينما هي اليوم تقف وراء تفسير توسع وامتداد الكون كما يعتقد الكثير من العلماء الذين تناولهم المؤلف وناقشهم وعرض نظرياتهم. وفي خضم هذا الهم العلمي تقصى الكاتب مشكلة الوجود الإنساني ونشأة الحياة وهل هي مقتصرة على الأرض أم يمكن أن تتواجد في أماكن أخرى في الكون المرئي، وركَّز على علاقة البشر بالحضارات الكونية الأخرى المتقدمة علينا من خلال فصلين عن سرِّ الاتصالات بين البشر والكائنات الفضائية الأخرى ومعادلة نحن البشر والآخرون في الفضاء الخارجي. ناقش كتابه الأول نظرية الانفجار الكبير من جميع جوانبها في حين نراه يتناول في كتابه هذا النظريات التي أعقبت نظرية الانفجار الكبير مع ما يلزمها من معادلات ولغة رياضياتية قد تكون صعبة على بعض القراء. وتساءل بعد ذلك هل سيكون للكون المرئي نهاية وكيف ستكون تلك النهاية. لذلك أخضع الكون المرئي لرؤيتين تقليدية وتجديدية ليخلص إلى أن الكون المرئي ليس سوى مكون ميكروسكوبي بسيط من مجموعة لامتناهية من الأكوان وفق نظرية تعدد الأكوان التي سيثبت العلم صحتها قريبًا كما يعتقد الباحث، خاصة بعد كشف بعض ألغاز الكون المرئي التي لا تزال إلى حد الآن مستعصية على فهم وإدراك البشر في الوقت الحاضر. ولم ينس الكاتب مناقشة الأسئلة الجوهرية للكون المرئي ومعرفة ماهو ممكن وماهو مستحيل في فيزياء الغد. ومن ثم إلقاء نظرة معمقة للكون المرئي قبل الانتقال إلى فيزياء ما بعد آينشتين أي فيزياء القرن الحادي والعشرين والبحث عن النظرية الموحدة والجامعة والوحيدة للكون المرئي لكشف ما فيه من غرائب وعجائب وتفسير كل ما يجري فيه من أجل الوصول إلى نظرية الكون الحي المطلق الواعي الذي يحتوي كل الموجودات والذي ليس له بداية ولا نهاية ولم يخلقه أحد بل هو خالق لكل شيء، فكل شيء موجود في الوجود هو جزء منه ومن مكوناته الجوهرية بما في ذلك الحياة والوعي اللذان ليس سوى مظهر من مظاهر الكون الكلي الحي.

كون الله الحي، أم كون الألغاز؟

ينكشف الكون للمرة الأولى من مختلف أبعاده على يد هذا الباحث المتميز الذي يتسم بسعة المعرفة ولا يوفر جهدًا من أجل أن يقدم أوسع خدمة ممكنة للقارئ. ولهذا السبب جاء كتاب الدكتور جواد بشارة ليس غنيًا بتغطيته للنظريات العلمية وأحدث المستجدات على صعيد المعارف الكونية فحسب، بل إنه كان فسيحًا إلى درجة أنه شمل كل شيء، حتى انتهى إلى كتاب يناهز نحو 750 صفحة، وذلك في دلالة على طبيعة وعمق الجهد البحثي الذي قدمه المؤلف.

وفي الوقت نفسه، فإن الموضوع مثير وشيق لكثرة الألغاز التي حاول الباحث الكشف عن تفاصيلها والمعارف المتصلة بها. بل إنه لم يوفر حتى أكثر الألغاز إثارة للاستغراب.

مع ذلك، فإن المقاربة العامة للكتاب ظلت علمية ومنفتحة على أحدث التطورات، وآخر المعلومات التي قدمتها المختبرات ومراكز الرصد وكبريات مؤسسات الأبحاث الأوروبية والأميركية.

وسيجد القارئ أن هذا الكتاب الملفت بحجمه، ملفت أكثر بسعة الإطار المعرفي الذي ينطلق منه. يقول المؤلف:

حينما نتحدث عن الكون فإننا إنما نتحدث عن أنفسنا وعن وجودنا ومصيرنا ومعتقداتنا، وكلما أوغلنا في البحث عن أسراره، تنتصب أمامنا المزيد من الألغاز والتحديات والتساؤلات، خاصة وأن بعض العلماء يعتقد جازمًا أن ما نعرفه عن الكون ليس سوى جزء لا يذكر من الحقيقة الخفية التي تغلفه، وأن الجانب المرئي والمادي من هذا الكون، ليس سوى خلية من مليارات المليارات المليارات من الخلايا الأكوان، الدائمة الخلق والتجديد، كمثل الخلية البشرية في جسم الإنسان.

وينقل المؤلف القول إن أحد كبار فلاسفة الدين المسيحي سُئل: "ماذا كان الله يفعل قبل خلق البشر؟". أجاب الفيلسوف ورجل الدين المسيحي الشهير: "كان يعد جهنم لمن يطرح مثل هذه الأسئلة".

وكل ما فعله كتاب الكون الحي هو أنه قدم كل الأجوبة الممكنة على الكثير من تلك الأسئلة التي كان الله يعد جحيمه لمن يسألها.

لقد ناقش الكاتب كل المسائل العالقة في علم الكون والفيزياء النظرية وعلى رأسها المسائل الخمسة التالية التي شكلت وتشكل التحديات الرئيسية التي تواجه الفيزياء النظرية اليوم، فالتحدي الأول يتمثل بحل معضلة الثقالة الكمومية أو الكوانتية والتوصل إلى صيغة تجمع وتوحد بين نظرية النسبية العامة لآينشتين ونظرية الكم أو الكوانتا لتصبح نظرة واحدة ووحيدة يمكنها أن تقدم نفسها كونها النظرية الكاملة لتفسير الطبيعة.

التحدي الثاني يكمن في حل المشاكل الأساسية أو الجوهرية لميكانيك الكم أو الكوانتا وذلك عن طريق إعطاء معنى للنظرية في حالتها الآنية أو كما هي عليها وضعها اليوم أو ابتكار نظرية جديدة يكون لها معنى مقبول ومتفق عليه.

التحدي الثالث يتمثل بمحاولة توحيد الجسيمات المادية والقوى الجوهرية للطبيعة وعليه ينبغي تحديد فيما إذا كانت مختلف الجسيمات والقوى الفيزيائية يمكن أن تتوحد في نظرية واحدة تفسر كل شيء وذلك باعتبار الظواهر تجليات لكينونة جوهرية واحدة.

التحدي الرابع يتجسد في قضية الضبط وشرح كيف يتم اختيار قيم الثوابت الحرة في النموذج القياسي أو المعياري لفيزياء الجسيمات ويكون الاختيار في الطبيعة.

وأخيرًا حل مشكلة الألغاز الكونية المتبقية مثل تفسير ومعرفة ماهية المادة السوداء أو المعتمة والطاقة الداكنة أو المعتمة ومعرفة كيف ولماذا تم تعديل الجاذبية أو الثقالة في المستويات الكبرى وبتعبير آخر أكثر عمومية محاولة تفسير سبب امتلاك الثوابت الكونية في النموذج المعياري للكوزمولوجيا، بما في ذلك الطاقة المعتمة أو الداكنة، للقيم الرياضياتية المعروفة اليوم. والتي سوف يطورها بالتفصيل في كتابه القادم كما صرح لنا بذلك.

*** *** ***

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود