قطوف من شجرة الحياة 18

 

اسكندر لوقا

 

من حيث المبدأ يمكننا القول بأن الحاجز بين السلام والاستسلام متين إلى درجة يصعب هدمه بسهولة وصولاً إلى نقطة تحديد الموقف بشأنهما. مثل هذا الحاجز هو الذي غالبًا ما يقف عائقًا بين الأمن وانعدامه، بين الحرية والعبودية، بين القبول وعدم القبول بالأمر الواقع. وفي السياق ذاته أيضًا أعتقد أنه يخطئ من يتصوَّر أن السلام يمكن أن يُنجز حسب الطلب – إن صح التعبير – لأنه يبقى هدفًا ساميًا بين الأهداف التي يسعى المرء إلى تحقيقها، ويبقى مطلبًا إنسانيًا لا علاقة له لا بالمكان ولا بالزمان ولا بمن يملك أو لا يملك إمكانية فرضه بالقوة. السلام مطلب مقدس وحق من حقوق الشعوب التي يرفض أبناؤها أن يحنوا رؤوسهم لإغراء من هنا أو لترهيب من هناك.

***

النصائح التي يقدمها البعض من رجال السياسة المعاصرين للحكومات التي تعاني من أحداث ساخنة فوق أراضيها، وتدور مفرداتها حول جدوى التزام قيم مثالية كالأخوة والعدالة والتسامح والعديد من الصيغ المتداولة الأخرى ومنها ما الديمقراطية على سبيل المثال، كثيرًا ما تدفع بالمرء إلى التساؤل: ترى هل ثمة بلد في عالم اليوم يلتزم ممارسة مثل هذه القيم بوضوح حتى يحق له تقديم النصح لبلد يعاني تبعات أحداث ساخنة فوق أرضه؟ بحسب معلوماتنا أن تسويق المفاهيم التي تتصل بتلك المقولات من قبل الناصح، فردًا كان أم دولة، على أنها واقع يمارس حقًا لديهم، يحتاج إلى براهين لا يقاربها الشك، وهذا ما لا يمكن إثباته في زحمة تكالب الدول الأقوى على الدول الأضعف في أي مكان أو زمان. هنا فقط البراهين لا تعد ولا تحصى.

***

يروِّج البعض من السياسيين في العالم، بغض النظر عن قربهم أو بعدهم عن مكان حدوث أزمة ما من الأزمات التي تمرُّ بها جميع البلدان بين وقت وآخر، أن ذاكرة الشعوب تشيخ مع مرور الوقت، أو أنها تفقد قدرتها على رؤية الواقع ومعالجته بالحكمة المطلوبة، ما يؤدي إلى حدوث خلل داخل مجتمعاتهم في نهاية المطاف. من هذا الفهم لا التفهُّم يراهن أسياد الاستعمار الحديث، على غرار أسياد الاستعمار في العقود الماضية، على أن ما يلحق بالذاكرة الجمعية للشعوب من ضعف يشكِّل سبيلاً أمامهم للوصول إلى ما يصبون إليه. إن مثل هذه القناعة لدى أبناء وأحفاد هؤلاء يعملون على إيجاد سبل إقناع الشعوب المستضعفة أن ما مضى قد مضى حقًا وعليها القبول بالأمر الواقع.

***

قد يجد المرء، أيًّا كان موقعه في بيئته، أكثر من وسيلة ليبرئ نفسه أمام الآخرين في حال ارتكب ذنبًا يستحق عليه العقاب، وقد يفلح في مسعاه هذا. ولكن ماذا حين يقف أمام المرآة وجهًا لوجه محاولاً تبرئة نفسه كما أمام الآخرين؟ لا نعتقد أنه سوف يحقق ما يرمي إليه مهما بذل من جهد. حينئذ سيكون شأنه في سياق هذه المحاولة شأن المرأة التي تغطي قسمات وجهها بمساحيق التجميل مهما ارتفع ثمنها، ذلك لأن ساعة دخول غرفة النوم باتجاه سريرها، ستكون الكلمة الفصل بين الحقيقة والزيف، بين اللونين الأبيض والأسود. على نحو هذه المعادلة لن يستطيع الإنسان أن يتجنب تبعات السؤال لائمًا نفسه: ترى إلى متى أستطيع أن أتوارى وراء خداع نفسي؟ حين يكون صادقًا في إجابته عن سؤاله يبدأ التراجع باتجاه الاعتراف بارتكاب الذنب الذي يستحق عليه العقاب.

***

في سياق العودة إلى تفاصيل خلق الإنسان نقرأ أنه خلق وله عينان بين بقية أعضاء جسمه التي أمدته بوسائل الرؤية والسمع والسير وسوى ذلك من مكونات الجسم البشري المعروفة. أحيانًا يعجز الإنسان عن استخدام هذا العضو أو ذاك لاعتبارات تتعلق بالمرض فيرضخ حُكمًا إلى تبعاته. ولكن ماذا عندما يقرر هذا الإنسان الاستغناء عن استخدام أحد أعضائه عن عمد وعن سابق تصوُّر؟ إن أهم الأعضاء التي تتوقف عليها سلامة الحكم على أمر من الأمور المشاهدة على الأرض، العين. من خلال هذا العضو يتمكن الإنسان من رؤية دربه ولا يضيره أن يكون فقيرًا أو غنيًا، قويًا أو ضعيفًا. المهم أن يرى ما هو حوله ومن خلاله رؤيته يستطيع تحديد الهدف. في حال أقدم على خداع نفسه بالقول إنه يستطيع التنبؤ بما سيكون في حال أغمض عينًا وأبقى الأخرى حتى في حال يقظة فإنه لن يفلح في تقييم الأمور أو تقويمها بشكل صحيح.

***

عندما يمتلك أحدنا الشيء بسهولة قد لا يشكِّل لديه معنى. ولكن عندما يفقده غالبًا ما يحسُّ بحاجته إليه. هذه المعادلة تكاد تكون معروفة أو مختبرة لدى الناس كافة كلٌّ بحسب امتلاكه الشيء وفقدانه. وفي اعتقادنا أننا بتأثير تبعات هذه المعادلة قد نخسر الكثير ولا نربح سوى القليل خصوصًا إذا نحن أخطأنا التقدير. نخسر الكثير لأننا لا نسعى إلى معرفة مزايا الأشياء التي نمتلكها ونضحي بها أحيانًا من دون ثمن أو مبرر، ونربح القليل خصوصًا عندما يفوت أوان الإفادة منها عند اللزوم. على نحو فهمنا هذا، يمكننا تطبيق هذه المعادلة على حالة الأمن والأمان في أي بلد كان أتيح لأبنائه أن ينعموا بالأمن والأمان ولم يحافظوا عليهما، وأحيانًا بوعيهم وبإرادتهم.

***

يقال في الإنسان إنه مخلوق أناني بطبعه، وإن غريزته الأساسية تدفعه للبحث عما يهمه قبل البحث عما يهم سواه. ومن منطلق هذه القاعدة التي أطلقها أحد فلاسفة العصور القديمة، بات الإنسان عمليًا عدو نفسه لا عدو الآخر فقط، لأنه ولد كي يعيش لا ليمنع سواه من العيش. في السياق المتصل لا بد من استنتاج أن الإنسان غير القادر أو غير المؤهل لمعرفة نفسه لسبب من الأسباب لا يمكنه معرفة الآخر، حتى الأقرب إليه في بيئته أو داخل أسرته. ويبقى السؤال في هذه الحالة: أي طراز من الناس هكذا إنسان لم يكتشف بعد أنه لم يأت إلى دنياه مجرَّد رقم لا أكثر؟ أم أنه اكتشف هذه الحقيقة ولا تعنيه شيئًا؟

*** *** ***

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود