كلاَّ لن تدخل بيتي

 

أدونيس

 

- 1 -

تتزايد هيمنةُ العنف على الحياة العربية، سياسةً وثقافةً واجتماعًا. لا أريد أن أسأل: أين الأموات في هذا العنف، وماذا فعلوا؟ أسأل: أين الأحياء، وماذا يفعلون؟

عنفٌ - متاهةٌ لا تولِّد غير المزيد من المتاهات، في واقع يزيد الإنسانَ اختناقًا، كلَّما ازداد غوصًا فيه.

تحركاتٌ، أعمالٌ، أقوالٌ تنحرف بالإنسان عن إنسانيَّته، وتشوِّه طبيعته.

عنفُ النهار يجرفه عنف الليل. عنف الأمس «غذاءٌ مقوٍّ» لصحَّة العنف غدًا. تاريخ دمٍ وأشلاء. تنطمس دروب الضوء وتضطرب المنارات. للأحداث قوَّةٌ بطَّاشة، لكن الرهبة خفيفة، والعبرة أكثر خفَّةً. تُصابُ الأشياءُ نفسُها بالغثيان، فيما يقهقه البشر ابتهاجًا، ويصفِّقون ويرقصون. للشراسة في هذا كلِّه عنادٌ حقودٌ محيِّر. حقًا هناك شيء عصيٌّ على الفهم في هذا الجدل الهذياني المتواصل في تاريخنا، جدل الجريمة – الضحية، القاتل – القتيل. ويخيَّل لمن يحبُّ أن يسافر إلى أبعد في التخيُّل والواقع معًا، أنَّ العربيَّ «يُقتَل» في أوروبا وأميركا وإسرائيل ويُدفن ما تبقَّى من أشلائه في أحضان العروبة.

كلاَّ ليست هذه فوضى خلاَّقة. إنها بالأحرى تفتُّت وانهيار.

- 2 -

بأية لغةٍ كتبتَ كتابَك، وهو لا يلقي أيَّ حجرٍ في أيِّ ماء آسن؟ ولماذا كتبتَه؟

- 3 -

نحتاج أحيانًا إلى المرض – هذا الموت الموقَّت، لكي يشغلنا بتفاهاته عن موتنا اليومي الرهيب الدائم.

- 4 -

أوه... هذا اليوم، رجوت المللَ أن يجثمَ على ركبتيَّ، بثقله كلِّه، وألاَّ يفارقني.

- 5 -

لا نعرف الرؤيةَ الوحدانية حقًا، إذا لم نعرف عُنفَها الخفيّ.

- 6 -

لا يمكن فهم الجسد، إذا نُظر إليه، تجريديًا، في ضوء الروح. التجريد تعويقٌ ذاتيٌّ للعقل، واغتيالٌ للأشياء.

- 7 -

الخاملون البلداء لا يرضيهم أيُّ شيء حتَّى وإن كان خارقًا.

- 8 -

أن تكون مواطنًا عربيًا له حقوقه وحرِّياته الكاملة، أمرٌ مستحيل في أيِّ بلد عربي، اليوم. السبب أنَّ النظام السياسي – الاجتماعي السائد بتركيبه القبلي – التيوقراطي، وشكله الديموقراطي الأجوف، لا يتيح الاعتراف بالآخر المختلف، وبحريَّاته الفكرية والمعتقدية والجسدية.

ماذا تعني، إذًا، في اللغة العربية كلمة «وطن»؟ أو كلمة «مواطَنة»؟

- 9 -

كان التناقض بين الديموقراطية والتوتاليتارية بدَهيًا، نظرًا وعملاً. اليوم، يكاد أن يصبح مجرَّد شعار أجوف. فكثير من الممارسات السياسية الغربية التي تتمُّ باسم الديموقراطية، الآن، تبدو كأنها أشكالٌ من الانحياز والتعسُّف، ضدَّ حقوق الإنسان وحريَّاته، وضدَّ مبادئ العدالة والمساواة.

- 10 -

تكاد الحريَّة، اليوم، في العالم كلِّه، أن تكون انتحالاً، ويكاد الصدقُ أن يكون انتحارًا.

- 11 -

مجرَّد فراغ في مهبِّ المصادفات: هذا هو شأن كثيرٍ من البلدان في العالم، اليوم. لا يقدر أيٌّ منها أن يحتوي نفسه. ينفجر، وتنفجر معه تناقضاته. يتسلَّح كلُّ فريق بما لديه وبما يستجديه، أو يُغدَقُ عليه. بالمذاهب والطوائف، بالقتل والنهب، بالعنف في أشدِّ أشكاله وحشيةً. وهذا كلُّه يتمُّ باسم «الثورة» أو غيرها من الشعارات الضخمة كالحرية والوطن والديمقراطية.

- 12 -

السماء ريفيَّة في الريف، ومدنيَّة في المدينة.

- 13 -

لا أنتظر أجوبة عن الأسئلة التي أطرحها على الوجود وعلى نفسي. هذا يجعلني أزداد يقينًا أنَّ الإنسان هو نفسه جزء عضويٌّ من سرِّ الكون، ومن اللانهاية.

- 14 -

أحتاج في لحظة الفرح إلى من يكون إلى جانبي ويساعدني في احتضانها: أحتاج إلى الحزن.

- 15 -

بلى، نعيش في عالم لا يستحقُّ أن نغضب منه، وإن استحقَّ أن نغضب من أجله.

- 16 -

يتأصَّل عملي الكتابي في نوع عميق من الغمِّ والملل، لا أعرف كيف أفسِّره. لولا ذلك، لكنت على الأرجح توقفت عن هذا العمل، منذ زمن طويل.

- 17-

أن يوقن الإنسان يقينًا مطلقًا بأمرٍ ما، حدَثٌ لا يصحُّ إلا في مجال المعرفة العلمية البرهانية.

غير أنَّ هذا، بالنسبة إلينا نحن العرب، مسألةٌ عاديةٌ جدًّا. فنحن نولد في ثقافة هذا اليقين، ونعيش فيها، ونحارب دفاعًا عنها، ونموت من أجل أن تظلَّ حيَّة.

- 18 -

عندما ننظر إلى ما يحدث في معظم البلدان العربية يبدو لنا أنَّ البشر فيها، أيًّا كانت اتجاهاتهم، لا همَّ لهم إلا أن يستيقظوا، ويغتسلوا، ويأكلوا، ويذهبوا إلى عملهم اليومي: القتل أو الموت.

- 19 -

هناك مراتب في الحريَّة تتطابق مع مراتب الوعي:

هناك حريات لا ينتج عنها إلاَّ الشناعات والأهوال،

وهناك حرياتٌ تصعد إلى زيارة الكواكب.

- 20 -

حين يكون الجمع ضدَّك، فهذا يعني غالبًا أنَّ الحقَّ معك، أو أنَّك، على الأقلِّ، أقرب إلى الحقيقة من الجمع.

- 21 -

إبادة الآخر، خصوصًا ذلك الذي يُعدُّ عائقًا، هدفٌ أوَّل لكلِّ أصوليٍّ (دينيٍّ أو غير دينيّ) يناضل من أجل السلطة.

- 22 -

أمضى حياته باحثًا عن الحقيقة الضائعة.

اليوم، وهو يقترب من الموت، يبدو له أنه هو الذي كان ضائعًا.

- 23 -

القضايا الناجحة؟

لا أحبُّ، أحيانًا، أن أضمَّ صوتي إلى الأصوات التي تهتف لها، لأنَّ نجاحها يكون موضع تساؤل: ما وراءه؟ ما معناه؟ ما غايته؟

- 24 -

كان هزيود الشاعر يقول: «أخْفَت الآلهة عن البشر ينابيعَ الحياة».

أسألك، اليوم، هزيود:

«هل تعرف من يخفي عنَّا نحن العرب هذه الينابيع؟ هل تجرؤ أن تسمِّيه؟».

- 25 -

«الثورة» في الممارسة العربية: ذئبٌ وحمَلٌ في جسمٍ واحد.

و«النظام» في الممارسة العربية: سجنٌ حتَّى في الهواء الطَّلْق.

- 26 -

للزمن في هذا المكان رائحةٌ كريهة.

غريزةُ الفَتْك هي فيه الآمرة النَّاهية.

- 27 -

دائمًا أقرع بابَ اليأس، ودائمًا يطردني، صارخًا في وجهي:

«لن تدخل بيتي».

لكن، لماذا أشعر أنَّني لن أشفى منه؟

- 28 -

إن صحَّ ما يقوله شاعرٌ عربيٌّ قديم: «وشرُّ البليَّة ما يُضحِك»، فإنَّ البليَّة الأكثر إضحاكًا اليوم هي:

تركيا «العثمانية»، تقود العرب من جديد!

- 29 -

كان تاسيت المؤرخ المشهور يقول: «التاريخ قذر».

هل هذه الصفة، اليوم، كافية؟

*** *** ***

الحياة، الخميس 17 يناير 2013

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود