<LINK href="favicon.ico" rel="SHORTCUT ICON">

 ميثاق العبرمناهجية - Charter of Transdisciplinarity

هذا الشعار مستوحى من شعار المركز الدولي للأبحاث و الدراسات العبرمناهجية، عن رسم أصلي للفنان البرتغالي الراحل ليماده فريتاس

 إصدارات خاصّة

Special Issues

  المكتبة - The Book Shop

The Golden Register - السجل الذهبي

 مواقع هامّة

Useful Sites

أسئلة مكررة

F.A.Q.

الدليل

Index

 معابرنا

 Maaberuna

بحثًا عن الحل: الملحق رقم 1 - أحداث حماه
(شباط عام 1982)

 

آرام الدمشقي

 

إن ما حصل في مدينة حماة قد حصل وانتهى.
خطاب حافظ الأسد أمام مجلس الشعب في 8 آذار 1982

أولاً: في المقدمات:

1.    لم تكن الأحداث التي عصفت بمدينة حماه ذلك العام هي الأولى من نوعها بعد انقلاب الثامن من آذار 1963، فلقد عاشت المدينة أحداثًا مشابهة في شهر نيسان من العام 1964، لكن على نطاق أضيق وحصيلة من الضحايا والدمار أقل.
حيث شهدت إضرابًا عامًا ومظاهرات حاشدة، مع غيرها من المدن السورية، احتجاجًا على تطبيق قانون الطوارئ ومطالبة بعودة الحياة الديموقراطية بعد انقلاب الثامن من آذار، لكنها اتخذت في حماه طابعًا إسلاميًا أوضح من غيرها من المدن.
جوبهت الاحتجاجات بقمع شديد ونزل الجيش إلى شوارع المدينة بعد قيامه بقصفها.
وقد ألمح أكرم الحوراني في مذكراته إلى دور مبهم للجاسوس الإسرائيلي الشهير إيلياهو كوهين (كامل أمين ثابت) في تلك الأحداث، بحكم قربه آنذاك من رجالات النظام الحاكم بدمشق، إذ يقول:
... لقد كانت الحجج التي تذرع بها الضباط للانتقام من مدينة حماه حججًا مفضوحة ومشبوهة، ولا أظن أن الجاسوس كوهين كان بعيدًا عن الإثارة الطائفية بين هؤلاء الضباط...

2.    تمثَّل الاحتكاك الثاني بين الطرفين بأحداث أخرى وقعت في العام 1973 عندما خرج أهل المدينة في مظاهرات حاشدة اعتراضًا على مسودة الدستور الدائم الذي تم وضعه للبلاد، من حيث عدم تضمنه للمادة التي اشتمل عليها دستور العام 1950، تلك التي قضت بأن يدين رئيس الجمهورية بدين الإسلام، مما ألزم القيادة السورية آنذاك بإعادة إضافتها للدستور وأشيع وقتها بأن الرئيس الراحل حافظ الأسد، تحت وطأة تلك الأحداث، اضطر لإشهار إسلامه على يد المفتي العام للجمهورية بغرض شرعنة انتخابه.

إلى هذا يمكن، بشكل عام، اعتبار أحداث عامي 1964 و1973 بمثابة توطئة تاريخية ونفسية لأحداث العام 1982 من حيث أنها وسمت علاقة النظام بالمدينة، والعكس بالعكس.

ثانيًا: في الأسباب المباشرة لاندلاع الأحداث:

1.    جاءت تلك الأحداث كخاتمة لصراعٍ عنيفٍ بين نظام الرئيس السوري حافظ الأسد وجماعة الإخوان المسلمين التي كانت في تلك الفترة من أقوى وأنشط قوى المعارضة في البلاد، حيث اتهم النظام حينها جماعة الإخوان بتسليح عدد من كوادرها (تنظيم الطليعة) وتنفيذ اغتيالات وأعمال عنف في سوريا من بينها قتل مجموعة من طلاب مدرسة المدفعية في حزيران 1979 في مدينة حلب شمال سوريا، ورغم نفي الإخوان لتلك التهم وتبرُّئهم من أحداث مدرسة المدفعية فإن نظام حافظ الأسد حظر الجماعة بعد ذلك وشن حملة تصفية واسعة في صفوفها، وأصدر القانون 49 عام 1980 الذي يعاقب بالإعدام كل من ينتمي إليها.

2.    تمكن النظام السوري من تصفية معظم كوادر الجماعة في كافة المدن السورية التي كانوا ينشطون بها، سواء بالقتل أو بالاعتقال أو بالهروب خارج البلاد، وباتت مدينة حماه ملاذًا أخيرًا للمتبقين منهم حيث لجأت إليها تلك الكوادر بعد أن فقدت قدرتها على الحركة والتمركز والنشاط في باقي المدن.

3.    اختلفت التقديرات حول عديد كوادر تنظيم الطليعة المقاتلة التي تحصنت في المدينة، فقد تراوحت ما بين مائتي مقاتل ولم تزد على ثلاثمائة وخمسين.

ثالثًا: في القوات المشاركة في المجزرة:

بدأت المجزرة في اليوم الثاني من شهر شباط 1982 واستمرت سبعًا وعشرين يومًا.

قاد الحملة العقيد رفعت الأسد الشقيق الأصغر للرئيس السوري حافظ الأسد والذي عُيِّن قبل المجزرة بشهرين مسؤولاً عن الحكم العرفي في مناطق وسط سوريا وشمالها ووضعت تحت إمرته قوة تضم 12 ألف عسكري مدربين تدريبًا خاصًا على حرب المدن، وتوزعت القوات المشاركة في عملية الاقتحام على الشكل التالي:

1.    سرايا الدفاع

2.    اللواء السريع الحركة التابع لسرايا الدفاع بقيادة علي ديب

3.    اللواء 47 دبابات

4.    اللواء الميكانيكي 21

5.    فوج الإنزال الجوي 21 (قوات خاصة)

6.    عدة كتائب تابعة لسرايا الصراع بقيادة عدنان الأسد

7.    عناصر مختلطة من مختلف أجهزة الأمن والمخابرات

8.    فصائل حزبية مسلحة

9.    حوصرت المدينة من الخارج حصارًا مطبقًا من قبل الفرقة الثالثة المدرعة في الجيش السوري.

مُنحت هذه القوات العسكرية كامل الصلاحيات لضرب المعارضة وتأديب المتعاطفين معها، ولتفادي الاحتجاجات الشعبية والإدانة الخارجية فرضت السلطات تعتيمًا على الأخبار، وقطعت طرق المواصلات التي كانت تؤدي إلى المدينة، ولم تسمح لأحد بالدخول إليها ولا بالخروج منها.

رابعًا: في الوقائع:

البداية: الثلاثاء الثاني من شباط: سرايا الدفاع (جيش النظام الطائفي) المدرَّب على عمليات الاقتحام والقمع داخل المدن فقط، والمتمتع بامتيازات مادية هائلة يعود إلى المدينة مساء ذلك اليوم. تلك الليلة السوداء كانت البداية الفعلية التي استمرت بعد ذلك شهرًا كاملاً، ضجت المدينة بأصوات الرصاص والمدافع والقاذفات بدءًا من الساعة التاسعة ليلاً... سرايا الدفاع مع قوات مكثفة من الجيش النظامي والمرابط هو الآخر على أطراف المدينة تحاصر منزلاً في حي (البارودية) وتشتبه بأنه مركز للمعارضة ضد النظام. تلك الليلة كانت البداية الفعلية للمجزرة. السلطة الحاكمة عمدت إلى إغلاق كل مخارج المدينة، وعزلتها عن العالم الخارجي، ورافق ذلك انقطاع الكهرباء، ومعظم أجهزة الهاتف، وغرقت المدينة منذ ليلة الثلاثاء في ظلام طويل.

الأربعاء: الثالث من شباط: المدينة تحت الحصار الكامل مكممة ومطوقة، ألوف الناس داخل البيوت المستسلمة الآمنة، وقد أطبق عليهم الجحيم رجالاً ونساء وأطفالاً. السلطة الحاكمة بجيوشها الجرارة تدخل من كل أطراف المدينة. لقد حانت الساعة... وها هي جهنم تبدأ بابتلاع المدينة الشهيرة. منذ صباح هذا اليوم استطاعت كتائب الجيش التابع للسلطة، والقابع على أطراف المدينة منذ سنوات أن تضع يدها على كل شارع وكل زقاق، وكل بيت. لقد استطعنا نحن المحاصرين – ومن شقوق النوافذ المغلقة أن نرى أرتال الجيش الزاحف والراجل والراكب... عشرات الألوف من الجند – وبأشكال متنوعة من اللباس.

حيَّ (الحاضر) بشوارعه وأزقته الضيقة، كان فيه بعض جيوب المقاومة الوطنية، وقد حانت الفرصة التي انتظرتها السلطة طويلاً، فحملت راجمات الصواريخ إلى أعالي الأبنية المتواجدة في ساحة العاصي، مقابل سراي الحكومة، بحيث تصبح منطقة (الحاضر) مكشوفة تمامًا، ومن هناك بدأت عملية دك المدينة.

كانت الصواريخ تنقض بمعدل عشرة أو أكثر في الدقيقة الواحدة، ومع كل صاروخ تخرُّ البيوت القديمة على ساكنيها من الرجال والأطفال والنساء. كان (الحاضر) بأكمله يشتعل ببيوته وأزقته وسكانه الذين يتجاوز تعدادهم مئة ألف مواطن، من استطاع منهم الهرب باتجاه القرى الشمالية فقد أسرع تاركًا ركام البيت، وجثث الأعزاء، ومن لم يستطع، انهار البيت عليه، أو احترق وهو فيه.

حتى هذه اللحظة... لا يستطيع أحد أن يعطي إحصاءً دقيقًا لخسائر هذه المنطقة القديمة، فهناك عائلات أبيدت بأكملها، وذهبت تحت الركام أو احترقت.

هناك بيوت اختلطت على بعضها بأكوام هائلة من التراب والأحجار بحيث بات يصعب حتى تقدير عدد المنازل المتهدمة، فضلاً عن جرفها نهائيًا بعد ذلك، وتحويلها إلى ساحات ترابية هائلة.

باختصار، كان هذا الحي القديم منذ يوم الأربعاء، سحابة كثيفة من الغبار الأسود المختلط بتراب الحجارة المنهارة، ودخان الحرائق المتصاعدة من معظم الأمكنة. كان (الحاضر) يحترق بأكمله، وينهار بأكمله، ويموت بأكمله.

لذلك، مهما كذبت السلطة في تضخيم ما يمكن وجوده من أشكال المقاومة العنيفة داخل الحي القديم، لتبرر ضربها للمدينة، فإنه يبقى فضيحة معلنة. لأن الحي القديم كان يشتعل من كل جوانبه بصواريخ السلطة منذ اليوم الأول، ولا مجال من الناحية المنطقية لحدوث مقاومة مؤثرة على النحو الذي صوره النظام.

إذا تركنا (الحاضر) المحترق وتلفتنا نحو الجانب الآخر من النهر، نجد أمامنا المنطقة الأخرى وهي (منطقة السوق) عصب المدينة التجاري، وحيث تقع أهم وأكبر الأسواق.

في هذا الجانب من حماة كان القصف أخف وطأة تناول بصورة رئيسة الأحياء المحيطة بالقلعة. مع قذائف صاروخية عشوائية تنهال من كل المرتفعات، وتقع دون تحديد على أي حي أو بيت.

هذا اليوم لم تنجُ معظم البيوت في الشوارع الرئيسة من زيارات صاروخية كانت تلتهم سقفًا أو حائطًا بلمح البصر.

في هذا اليوم أيضًا بدأنا نرى شيئًا هامًا. لقد عمدت السلطة إلى أسلوب الانتشار الكثيف، فتركت الجنود من سرايا دفاع ووحدات خاصة وجيش نظامي يملئون الشوارع والأزقة، حيث استتب الأمر كاملاً في منطقة السوق، بعد سقوط القلعة.

كان الجنود يقرعون الأبواب، ويطلبون الطعام. وفعلاً قدَّمت لهم كثير من البيوت الطعام والشراب والأغطية. أحد الجنود كشف عن الحقيقة حين قال لإحدى النسوة: "لقد تركنا الضباط دون طعام أو شراب"، قالوا لنا: "المدينة مفتوحة وهي لكم بكل ما فيها". معظم الجنود لم يتعبوا طويلاً... كانت مخازن الأسواق ملأى بكل احتياجاتهم. وفعلاً، فتحت من مساء ذلك اليوم مخازن المدينة بكاملها، وبدأ النهب الفعلي المنظم والذي سيستمر طوال اليوم التالي أيضًا. قبل الانتقال إلى عمليات الإبادة، وحتى يمارس الجنود عملهم القادم براحة ونشاط، وبعد أن يكونوا قد حصلوا على غنائم لا تصدق.

جنود كثر، ممن تواجدوا داخل الأحياء، وعلى مسافة من الأسواق، كانوا ضيوفًا على كل البيوت.

نعم، حماة المدينة الصابرة قدَّمت يوم الأربعاء بل كلَّ يوم تقريبًا الطعام والشراب والشاي والأغطية للجنود الذين قتلوها.

الخميس: الرابع من شباط: لا يزال القصف المجنون الذي بدأ منذ منتصف الليل وما يرافقه من موت عبثي محتم هو سيد الموقف. منطقة السوق الآهلة بالسكان، بل المكتظة بهم، ستكون بعد قليل مسرحًا لأكبر مشروع من مشاريع حمامات الدم عرفه التاريخ. لكن هذا اليوم سيكون بالنسبة لجنود السرايا والوحدات يوم الغنيمة الكبرى. لقد فتحوا منذ البارحة بعض الأسواق واليوم يطبقون عليها كليًا، فلا تسلم دكان واحدة، وبدأت عملية النهب المنظم.

تركزت السرقات أولاً على الأموال المودعة داخل المخازن: في الصناديق الحديدية، أو في حفر مخفية داخل الجدران، يستطيع الجنود الاهتداء إليها جيدًا، بأيديهم وأنوفهم المدربة. وحتى دوائر الدولة، فقد تم فتحها بكاملها، وسرقت كل الأموال المودعة داخلها. (بعض هذه الأموال كانت رواتب الموظفين البسطاء عن شهر شباط التي لم يتم قبضها كلها بعد).

وحتى سراي الحكومة لم يسلم من التخريب والتدمير والسرقات. لقد حوله الجنود عن عمد إلى مستودع للقاذورات والنفايات.

المحاكم داخل السراي، مع دوائر السجلات المدنية والعقارية، تحوَّلت هي الأخرى، بفضل السواعد (الحضارية الجديدة) إلى صناديق قمامة، فيها آلاف الأوراق الممزقة والمرمية داخل الغرف وفي الممرات وفي الحديقة الخلفية. كان الجنود وهم يبحثون عن الصناديق الحديدية والأموال المودعة داخلها، يمزِّقون كل شيء، ولا يبقون على شيء.

وقد باتت مدينة حماة اليوم بدون وثائق ومستندات تضبط الملكية أو العلاقات بين السكان.

وفعلاً استطاع الجنود والضباط، بعد أن وضعوا أيديهم على كل الأموال المودعة في الأسواق ودوائر الدولة، أن يحصلوا على غنائم حقيقية توزعوها فيما بينهم.

يروي شهود عيان أن الجنود حين سرقوا سوق الخضار أخذوا الأوراق النقدية من فئة المائة ليرة أو الخمسين، وكانت بكميات كبيرة، أما الأوراق النقدية ذات الليرة الواحدة فكانوا يقذفونها على الأرض، ويدوسونها بأحذيتهم، لأن جيوبهم لم تعد تتسع.

ويقول شهود العيان من مدينة حمص: إن الجنود كانوا يقايضون المائة وعشرين ورقة نقدية من فئة الليرة الواحدة بورقة نقدية واحدة من فئة المائة، ويجبرون التجار في حمص على هذه المقايضة، حتى يسهل عليهم حمل النقود إلى بيوتهم أو قراهم.

وهكذا فإن يوم الخميس كان يوم النهب. وكان جيش السلطة الطائفية مشغولاً بحصر الغنائم وتوزيعها.

لكن الأمر لم ينته في الأسواق عند هذا الحد. لا بد بعد ذلك من تغطية السرقات. ولتحقيق هذا الغرض أمر الضباط المكلفون جميع الجنود بحرق الحوانيت بالقنابل الحارقة. وفعلاً وخلال ساعات تحولت جميع الأسواق إلى فوَّهات سوداء.

أما البضائع فكانت مرمية على الأرصفة، يدوسها الجنود بأرجلهم، يحملون منها ما استطاعوا، ويتركون الباقي لجولات قادمة.

يقول شهود العيان: كان الجنود هذا اليوم مشغولين جدًا. وكانت البضائع تتكدس في الشوارع، ثم تأتي السيارات العسكرية فتحمل ما استطاعت منها، أما ما تبقى، فيُحمل غالبًا إلى عيادات الأطباء الفارغة، أو الدوائر الحكومية المستباحة، لتتحول هذه وتلك إلى مخازن لتجميع المسروقات.

الجمعة: الخامس من شباط: يلاحظ سكان المدينة أن أعدادًا إضافية من الجنود أخذت تفد على المدينة من فجر هذا اليوم. كانت الدبابات تهدر فوق الشوارع الإسفلتية، ترافقها أصوات الطائرات المروحية التي لم ينقطع صعودها أو هبوطها. ومظهر الجيش على هذه الكثافة أخذ يطرح أمامنا ألف سؤال عن طبيعة مهمته القادمة. كان معظم الجنود يرتدون الدروع الواقية، وبعض الجنود ارتدوا أقنعة بيضاء على وجوههم.

كما لفتت الأنظار كتائب مميزة تعتلي سيارات مصفحة سريعة وصغيرة الحجم، وكانت تضع هي الأخرى الدروع والأقنعة البيضاء. وعرفنا فيما بعد أن هذه تسمى (كتائب الشطب) وأنها تتلقى الأوامر مباشرة من القيادة العليا لسرايا الدفاع.

وهكذا تدخل المدينة حمام الدم. وفي تلك اللحظات الرهيبة من صباح ذلك اليوم، كانت السكاكين فوق أعناق الجميع ودون استثناء.

ظهر الجمعة: ينهمر وابل الصواريخ بجنون على منطقة السوق. إنه الإنذار ببدء عمليات الذبح. أدى إطلاق الصواريخ إلى تهديم عدد جديد من البيوت، مما دفع بعض الناس إلى الهرب والتجمع في بعض الأقبية القديمة.

تجمعات الأهالي المذعورين سهَّلت على كتائب الشطب المهمة. فكانوا يدخلون الأقبية ويعدمون الجميع على الفور.

في هذا اليوم بدأت عمليات الإعدام الجماعي بصورة فعلية.

مجزرة حي حماة الجديدة: أقدمت قوات سرايا الدفاع التابعة للنظام السوري في اليوم الثالث من اجتياح مدينة حماة (4 شباط 1982) على جمع سكان حي "حماة الجديدة" في الملعب البلدي وأطلقت نيران الرشاشات عليهم ثم تمت مداهمة البيوت وقتل من فيها دون تمييز وتم سلب ونهب الممتلكات، وتقدر بعض المصادر ضحايا مجزرة الحي بحوالي 1500.

مجزرة حي سوق الشجرة: شهد اليوم الخامس من المجزرة قصف حي "سوق الشجرة" بشدة واجتاحت قوات النظام السوري الحي وأطلقت النيران على الشباب والشيوخ في الشوارع ولاحقت من لجؤوا إلى المساجد فأجهزت عليهم وقُدر عدد الضحايا بحوالي 160 قتيلاً. كما قتلت عناصر الأمن والجيش السوري أفراد أسر آل علوان وحمود كوجان وآل أبو سن رجالهم ونساءهم وأطفالهم، بعضهم رميًا بالرصاص وبعضهم طعنًا بالسكاكين وتوفي بعضهم تحت الأنقاض جراء القصف وتفجير البيوت بالديناميت. كما أقدمت قوات النظام في اليوم ذاته على قتل ما يزيد عن 70 مواطنًا بينهم نساء وأطفال بعد حشرهم في دكان الحلبية لبيع الحبوب وأضرمت النيران في الدكان لتقضي على من بقي منهم على قيد الحياة حرقًا.

مجزرة حي البياض: وفي "حي البياض" وأمام مسجد الشيخ محمد الحامد ونظرًا لعدم اتساع ناقلات المعتقلين لعدد إضافي منهم قتلت قوات النظام 50 منهم وألقت بجثثهم في حوض تتجمع فيه مخلفات مصنع بلاط تعود ملكيته للمواطن عبد الكريم الصغير.

مجزرة سوق الطويل: وقعت مجزرة "سوق الطويل" في اليوم السابع من الاجتياح حيث قتلت قوات الأمن 30 شابًا على سطح السوق، كما قتلت السلطة الشيخ عبد الله الحلاق البالغ من العمر 72 عامًا أمام بيته ونهبت ممتلكاته. وأيضًا أطلقت قوات الأمن النار على 35 مواطنًا، بعد أن نهبت نقودهم وساعات الأيدي، وتم حشرهم في دكان عبد الرازق الريس للمواد المنزلية فقتلوا جميعًا إلا حدثين يبلغان من العمر 13 عامًا تمكنا من الفرار من خلال سقيفة الدكان.

مجزرة حي الدباغة: قامت مجموعة من سرايا الدفاع في نفس اليوم بقتل 25 مواطنًا من "حي الدباغة" بعد أن وضعتهم في قبو فيه منشرة للأخشاب ثم قاموا بإحراق المنشرة. وقُتل ضمن أحداث هذا اليوم خمسة أفراد من آل بدر، وقتل المواطن زياد عبد الرازق وزوجته وابنه البالغ من العمر عامين. كما قتل من آل عدي الأب وثلاثة أبناء، وقتل آل دبور في حي "الدباغة"، وقتل المواطن محمد مغيزيل وأولاده مع أنه من الكتائب الحزبية (البعثية) المسلحة.

مجزرة حي الباشورة: في "حي الباشورة" قضت السلطات على آل محمد فهمي الدباغ وقد بلغوا 11 شخصًا تتراوح أعمارهم بين 58 عامًا (الأب) وست سنوات (أصغر الأبناء). ولقيت السيدة حياة جميل الأمين وأولادها الثلاثة الذي لم يتجاوز أكبرهم الحادي عشر ربيعًا نفس المصير، وقد قام عناصر الأمن بقطع يدي السيدة حياة وسلب حليها. ثم توجهت عناصر قوت النظام إلى حيث يسكن آل موسى في نفس الحي والبالغ عددهم واحد وعشرون قتلوا جميعًا بما في ذلك رضيع لم يبلغ السنة ونصف. كما لقي آل القاسية وآل صبحي العظم من نفس الحي المصير ذاته حيث قتلت عناصر النظام زوجة المرحوم صبحي العظم البالغة من العمر ثمانون عامًا وابنه البالغ من العمر 60 عامًا. كما أطلقوا الرصاص على تسعة وثلاثين سيدة وأطفالهن مع ثلاثة رجال من آل مشنوق في نفس الحي ولم ينج منهم إلا السيدة انتصار الصابوني.

ووقعت في نفس اليوم مجزرة آل الصمام في "حي الباشورة" والتي راح ضحيتها سبعة عشر شخصًا بينهم أطفال ونساء ونجا منهم أربعة. ومن المجازر التي ارتكبت في حي "الباشورة" مجزرة عائلة الكيلاني وراح ضحيتها أربعة، ومجزرة مسجد الخانكان ومجزرة أبو علي طنيش وآل تركماني ومجزرة الثانوية الشرعية وراح ضحية هذه المجازر ما يزيد عن ستين شخصًا بينهم أطفال ونساء.

في اليوم التاسع من المجزرة دهست دبابات النظام مواطنين فروا من النيران عرف منهم صالح عبد القادر الكيلاني (52 عامًا) وفواز صالح الكيلاني (21 عاما).

مجزرة حي الشمالية: تفيد المعلومات أن مئات المواطنين العزَّل قتلوا في حي "الشمالية" في اليوم الرابع عشر من المجزرة بعد أن لجؤوا إلى أقبية البيوت للاحتماء من بطش قوات النظام. ومن أبرز المجازر التي وقعت في هذا الحي مجزرة آل الزكار ومجزرة زقاق آل كامل ومجزرة آل عصفور.

مجزرة حي الشرقية: في اليوم السابع عشر جمعت قوات السلطة من بقي من أهل حي "الشرقية" وجردوا الرجال من ملابسهم في البرد الشديد ثم حشروا الجميع في مسجد وفجَّروه بهم فقتلوا جميعًا.

مجزرة حي البارودية: في اليوم الثاني والعشرين جمعت السلطات ما يزيد عن 25 من آل شيخ عثمان وذلك في حي "البارودية" وقتلتهم، وذهب ضمن هذه المجزرة أسرة محمد الشيخ عثمان حيث تشير المعلومات أن عناصر السلطة بقروا بطن زوجته الحامل وقتلوا الأطفال السبعة وأضرموا النار في البيت.

مجزرة الجامع الجديد: أما مجزرة الجامع الجديد فقد وقعت في اليوم الخامس والعشرين حيث ساقت قوات النظام 16 مواطنًا من حي "القراية" لغرض نقل أمتعة منهوبة من البيوت والمحال وبعد أن قاموا بذلك نقلوا إلى المسجد الجديد بحي "المرابط" وأطلقوا عليهم الرصاص.

مجزرة مقبرة سريحين: تعتبر مجزرة "مقبرة سريحين" أبشع المجازر الجماعية التي وقعت في حماة خلال أحداث شباط (1982) حيث ذهب ضحيتها أعداد كبيرة من المدنيين من الرجال والنساء والأطفال، لم تعرف أعدادهم بالتحديد ولا أسماؤهم جميعًا. فقد قامت قوات النظام بإحضار المئات من سكان المدينة على دفعات وأطلقت النار عليهم وألقت بجثثهم في خندق كبير. وبحسب شهادة أحد الناجين كان ضمن فوج ضم المئات وعند وصولهم إلى المكان وجدوا مئات الأحذية على الأرض وأكوامًا من الجثث في الخندق. ويروي الناجي أن قسمًا منهم أُنزلوا إلى الخندق وآخرون تُرِكوا على حافته وأطلقت قوات النظام النار على الجميع فلم ينج منهم إلا بضعة أشخاص.

مجزرة معمل البورسلان: في معمل البورسلان وتحت إمرة الجيش مباشرة اقتاد الجنود الآلاف من الرجال. تركوهم في العراء وتحت المطر والبرد بلا طعام. وكانت التحقيقات تنتهي بجثث جديدة تتلقفها الأفران ذات الحرارة المرتفعة جدًا في داخل المعمل.

مجزرة العميان: داهم جنود سرايا الدفاع مدرسة للمكفوفين في منطقة المحطة. ويقوم على التدريس فيها شيوخ عميان مقيمون. لم يجد الجنود في داخلها سواهم، ومعظمهم ناهز الستين من العمر، وبعضهم متزوج وعنده عدد من الأولاد. كان الجنود يضربون الشيوخ بالجنازير، فتسيل الدماء من رؤوسهم وأيديهم حتى يتوسل المكفوفون. لكن الجنود لم يتوقفوا عن الضرب إلا بعد أن يؤدي هؤلاء المساكين رقصات لإمتاع الجنود، وبعدها كانوا يشعلون النار في لحاهم، ويهدد الجنود من جديد – إما الرقص وإما الموت حرقًا، فيرقص الشيوخ العميان، والجنود يضحكون. وحين تنتهي المسرحية، يتقدم الجنود بكل بساطة، ويشعلون النار في ثياب المكفوفين، ثم يطلقون الرصاص، ويخر العميان صرعى، وتتابع جثثهم الاحتراق. من الذين قضوا في هذه المجزرة الشيخ شكيب وهو كفيف ناهز الستين من عمره، والشيخ أديب كيزاوي وعنده تسعة من الأطفال، والشيخ أحمد الشامية مقرئ القرآن الضرير.

مجزرة العلماء: أما علماء الدين فقد أخرجوهم من منازلهم، وقتلوهم الواحد تلو الآخر. بدؤوا أولاً بمفتي حماة الشيخ بشير المراد، ويقع بيته في منطقة باب البلد. ذهب الجنود إليه، وأخرجوه من داره مع مجموعة من أقربائه. وأخذوا يضربونه، ويعفرون لحيته بالتراب. وقاموا بسحبه على الأرض، ثم أحرقوه وهو حي. قتل من هذه العائلة تسعة كلهم من علماء الدين.

وقتلوا الشيخ منير حوراني مع ولديه. وكانوا قد أعدموا ابنه الشهيد رائد الحوراني قبل سنوات.

واعتقلوا الشيخ عبد الله الحلاق حيث اقتادوه من أحد الملاجئ وكان مع مجموعة من أهل الحي إلى سوق الحدادين وأحرقوه مع أنه كان يجاوز الثمانين.

ولم يوفروا الشيخ عبد الرحمن الخليل، وهو عالم ضرير ناهز الثمانين من العمر. وكان يسكن في حي الحاضر، وقد احترق منزله أثناء القصف الصاروخي. وعندما استنجد بالجنود الذين حوله ليساعدوه على الخروج، ألقوا على المنزل قنبلة حارقة، فتهاوى البيت كليًا، واحترق الشيخ داخله.

مجزرة الأطفال: في نهاية شارع الثامن من آذار، حيث يتقاطع مع سوق الطويل، يقع (الجامع الجديد) في داخله وقعت مجزرة رهيبة بعد أربعة عشر يومًا على بداية المجزرة. كان الناس قد بدؤوا يخرجون قليلاً إلى الشوارع. طلب الجنود من الأهالي التوجه نحو سيارات الخبز في طرف الشارع. أسرع عدد كبير من الأطفال، وكانوا بالعشرات، حملوا الخبز وقفلوا عائدين، اعترضهم الجنود، وطلبوا إليهم الدخول إلى الجامع الجديد، وهناك فتحوا عليهم النار، وسقطت الأجساد الطرية، وسالت دماء الأطفال على الخبز الذي كان لا يزال في الأيدي الصغيرة.

مجزرة الفتيات: كان الجنود يدخلون إلى الملاجئ، وينتقون الفتيات الصغيرات، ولا يعرف الأهل بعد ذلك عنهن شيئًا. في حمام الأسعدية الكائن في منتصف سوق الطويل، وجدت جثث كثيرة لفتيات معتدى عليهن ومقتولات.

مجازر المستشفى الوطني: وهذه المجازر فاقت الوصف والتصور. داخل المستشفى الوطني تمركزت واحدة من فرق الموت التابعة لسرايا الدفاع بصورة دائمة طوال الأحداث، وكان عملها أن تجهز على الجرحى من الأهالي. كان الوضع في داخل المستشفى رهيبًا فظيعًا، القتلى بالعشرات يملأون الممرات والحديقة الخارجية، وفي بعض الأماكن تكدست الجثث فوق بعضها، وبدأت تفوح منها روائح الأجساد المتفسخة. معظم هؤلاء القتلى كانوا من الذين يرسلهم المعتقل الملاصق للمستشفى في المدرسة الصناعية حيث يموت كل يوم العشرات.

أكثر الجثث كانت مشوهة أو مقطعة أو مهروسة أحيانًا، وكان من الصعب التعرف على أي واحدة منها. تجمع كل يوم أكوام الجثث في سيارات النفايات، وتنقلها الشاحنات إلى الحفر الجماعية.

أحيانًا كان يفد إلى المستشفى بعض الجرحى. هؤلاء كانوا لا ينتظرون طويلاً. فإن فرقة الموت تباشر عملها بهمة ونشاط. وبالسكاكين والسواطير تعمد إلى تقطيع الجسد الجريح.

في إحدى المرات، قتلوا جريحًا من حي الحاضر يدعى (سمير قنوت)، وأخرج أحد الجنود قلبه!

خامسًا: في أعداد الضحايا:

اختلفت أعداد ضحايا المجزرة باختلاف المصادر:

1.    يقول روبرت فيسك (الذي كان في حماة بعد المجزرة بفترة قصيرة) أن عدد الضحايا كان 10 آلاف تقريبًا.

2.    جريدة الإندبندنت قالت بأن عدد الضحايا يصل إلى 20 ألفًا.

3.    وفقًا لتوماس فريدمان: قام رفعت الأسد بالتباهي بأنه قتل 38 ألفًا في حماة.

4.    اللجنة السورية لحقوق الإنسان قالت بأن عدد القتلى بين 30 و40 ألف، غالبيتهم العظمى من المدنيين. وقضى معظمهم رميًا بالرصاص بشكل جماعي، ثم تم دفن الضحايا في مقابر جماعية.

5.    تشير بعض التقارير إلى صعوبة التعرف على جميع الضحايا لأن هناك ما بين 10 آلاف و15 ألف مدني اختفوا منذ وقوع الأحداث، ولا يُعرف أهم أحياء في السجون العسكرية أم أموات.

خلاصة عدد الضحايا والخسائر:

-       عدد الضحايا الذين سقطوا ما بين 10-40 ألفًا من بينهم نساء وأطفال ومسنين.

-       إضافة إلى 15 ألف مفقود لم يتم العثور على أثارهم منذ ذلك الحين.

-       اضطر نحو 100 ألف نسمة إلى الهجرة عن المدينة بعد أن تم تدمير ثلث أحيائها تدميرًا كاملاً.

-       تعرضت عدة أحياء وخاصة قلب المدينة الأثري إلى تدمير واسع.

-       إلى جانب إزالة 88 مسجدًا وثلاث كنائس ومناطق أثرية وتاريخية نتيجة القصف المدفعي.

سادسًا: في حجم الدمار:

لم توفر عملية الإبادة الجماعية التي شهدتها حماة شيئًا، إذ لم تسلم البيئة والأبنية والعمران الذي يغلب عليه الطابع الأثري المميز وكذلك المنشآت الحيوية من التدمير المتعمد. وبحسب بعض الإحصاءات فإن التدمير شمل معظم الأحياء والمباني القديمة حيث هدمت أحياء "العصيدة" و"الشمالية" و"الزنبقي" و"الكيلانية" كليًا. أما حي "بن الحيرين" وحي "السخانة" فقد بلغ الهدم فيها قرابة 80%، وتصل النسبة في الأحياء الواقعة على أطراف المدينة مثل حي "طريق حلب" إلى 30%.

ولقد مرت عمليات التدمير بمراحل ثلاث: القصف العشوائي ثم القصف المركز ضد أهداف محددة، ثم التدمير بالتفجير أو بجرف الأبنية. وقد استخدمت السلطة في عمليات التدمير المنظم المدافع والدبابات وراجمات الصواريخ والبلدوزرات والمتفجرات.

تدمير دور العبادة:

-       المساجد:

لم تراع السلطات السورية حرمة دُور العبادة فشملت عمليات التدمير والهدم المتعمد المساجد والكنائس، حيث بلغ عدد المساجد التي كانت هدفا لعمليات الهدم والتدمير 63 مسجدًا، دمر 76% منها بشكل كلي. بعض هذه المساجد دمرت جزئيًا أو كليًا بفعل القصف المدفعي، إلا أن معظمها تم تدميرها كليًا من خلال التفجير منها: مسجد الشرقي، زاوية الشراباتي، جامع الشيخ الكيلاني، جامع الأفندي، جامع الشريعة، جامع السلطان، جامع المدفن، جامع الشيخ داخل، جامع الشيخ زين، جامع الحميدية، مسجد بلال بن رباح، جامع الشيخ علوان، جامع عمر بن الخطاب، جامع المناخ، جامع السرجاوي، مسجد سعد بن معاذ، مسجد ترسم بك، جامع الشيخ مروان حديد، جامع الهدى، الجامع الكبير. وتشير المعلومات أن عملية تفجير المسجد الكبير بالمدينة باستخدام الديناميت أدت إلى تهدم عدد من البيوت المحيطة مثل قبو ودار لآل الحافظ، بيت لآل القوشجي، بيت لآل أوضه باشي، بيت طاهر مصطفى ومحل لصناعة الأواني الفخارية كما تهدم جزء من مدرسة الراهبات المسيحية.

-       الكنائس:

وقد طال التدمير الكنائس أيضًا، إذ كان يوجد في حماة أربع كنائس قديمة زمن الاجتياح نسفت قوات النظام اثنتين منها وهدمت جزءًا من الثالثة ونهبت محتويات الرابعة. ووقعت الأحداث متزامنة مع استعداد نصارى حماة لتدشين الكنيسة الجديدة التي استغرق بناؤها 17 عامًا وبذل الأهالي الكثير من أجل أن تكون الكنيسة تحفة معمارية فريدة، فنهبتها قوات السلطة ونسفوها بالديناميت كليًا.

تدمير الأبنية الأثرية:

قضت عمليات التدمير والهدم لأهم معالم مدينة حماة الأثرية وأحيائها القديمة ذات الطراز المعماري المميز والقديم. وكان حي "الكيلانية" القديم ضمن المناطق التي دمرت كليًا بفعل عمليات القصف والتفجير والجرف. وتعتبر الكيلانية أحد معالم سورية السياحية لما تحوي من الفنون ومظاهر الإبداع في العهد الأيوبي والمماليك والعثمانيين، وتمثل كذلك مركزًا ثقافيًا معترف به دوليًا. وتعود بعض أبنية الحي إلى (690هـ، 1290م). ويضم الحي عدة قصور قديمة كقصر الحمراء الذي شيد في العهد العثماني (1128هـ، 1716م) وقد كان معلمًا من معالم السياحة في حماة. وشمل التدمير الزوايا مثل الزاوية القادرية وزاوية الشيخ حسين الكيلاني وجامع الشيخ إبراهيم الكيلاني. كما شمل التدمير "ناعورة" الباز عبد القادر الكيلاني و"حمام" الشيخ الأثري. وشمل "مقامات ومقابر" منها مقام الباز للشيخ عبد القادر الكيلاني ومرقد الشيخ ياسين الكيلاني ومقبرة سيف الدين يحيى ومقبرة الشيخ حسين الكيلاني ومقبرة الشيخ إبراهيم الكيلاني. وشمل التدمير أيضا "قصورًا" منها قصر الحمراء وقصر بيت فايز العلي الكيلاني وقصر بيت محمد رضا الكيلاني وقصر سعيد العبد الله الكيلاني وقصر بيت فارس الكيلاني وقصر الحاج قدري الكيلاني وقصر احمد سرور الكيلاني وقصر محمد نوري الكيلاني وقصر نقيب الأشراف محمد مرتضى الكيلاني وقصر سليم البديع الكيلاني وقصر عبدالحميد العبدلله الكيلاني وقصر منير عبدالحليم الكيلاني وقصر ضياء الكيلاني. وكان من أبرز المعالم الأثرية التي دمرت في الحي "المضافات" ومنها مضافة قطب الدين كيلاني ومضافة بديع عبد الرزاق الكيلاني ومضافة ظافر كيلاني ومضافة واصل كيلاني ومضافة رفيق كيلاني ومضافة مصطفى برهان كيلاني ومضافة راغب كيلاني ومضافة فايز برهان كيلاني. وقد شمل التدمير كذلك "أقبية أثرية" كقبو الكيلانية وقبو الطيارة وقبو الزاوية القادرية وقبو حمام الشيخ وقبو باب الخوجة، وشمل التدمير مرابض الخيول العربية الأثرية ومحلات ودكاكين تقليدية لصنع بيوت الشعر.

تدمير المنازل والمتاجر والمرافق العامة:

لقد خلفت العمليات العسكرية وعمليات التدمير المتعمد خرابًا كبيرًا في المنازل والمنشآت العامة وتركت عشرات الآلاف من سكان المدينة دون مأوى ويفتقرون إلى الخدمات الأساسية. وكما أشرنا سالفا فإن هناك أحياء قد دمرت عن بكرة أبيها وبعضها وصلت نسبة التدمير إلى 80%، ولم ينج حي من أحياء المدينة من آثار التدمير كليًا أو جزئيًا بحيث أصبحت معظم أحياء المدينة غير صالحة للسكنى.

وبحسب بعض المصادر فإن عدد البيوت المدمرة التي تم توثيق أسماء أصحابها في حي "الشمالية" تعدى 225، وفي حي "الكيلانية" ما يزيد عن 120 بيتًا. وتتراوح الأرقام بين العشرين والمائة في مختلف الأحياء الأخرى، هذا علاوة عن البيوت التي لم توثق أسماء ساكنيها. ووثقت المصادر ذاتها أسماء ملاَّك عيادات وصيدليات ومتاجر نهبت وحرقت ودمرت كليًا أو جزئيًا، منها حوالي 40 عيادة وما يزيد عن 500 ما بين متجر ووكالة ومؤسسة ومعمل ومحل حرفي لإنتاج السلع وتقديم الخدمات.

وتشير الإحصاءات إلى تدمير وتضرر معظم المدارس في المدينة منها مدارس قد تم تدميرها كليًا بفعل التفجير (مدرسة العفاف، المدرسة الزينية، الثانوية الشرعية، مدرسة الروضة الهدائية، مدرسة زنوبيا، مدرسة النصارى، مدرسة البنات الشرعية، مدرسة المحمدية الشرعية، عدد من المدارس بالكيلانية)، وبعضها لحقها التدمير جزئيًا بفعل القصف (مدرسة عمر بن الخطاب، مدرسة مصطفى عاشور، مدرسة سعيد العاص، مدرسة شجرة الدر، ثانوية غرناطة للبنات، روضة بدر الفتوى، روضة العنادل، مدرسة البحتري، إعدادية بسام حمشو، كلية الطب البيطري، ثانوية عثمان الحوراني).

نهب الممتلكات الخاصة والعامة:

رافقت العلميات العسكرية وعمليات الإبادة الجماعية وتدمير الأحياء والمعالم الأثرية عمليات نهب واسعة لممتلكات الأفراد ومحتويات البيوت والمحال التجارية وحتى المرافق العامة. فقد شملت عمليات النهب سرقة موجودات متحف حماة الوطني والتي تقدر آنذاك بملايين الليرات السورية، هذا علاوة عن معلومات تفيد بتورط عناصر النظام في نهب مؤسسات الدولة الاستهلاكية وما حوته من سلع تموينية تم بيعها بأسعار مخفضة بحسب بعض المصادر. كما تعدت عناصر النظام على الأموال المودعة لدى المصرف التجاري السوري، ونهبوا مصرف التسليف الشعبي الواقع بجانب القلعة. وتذكر المصادر أن قوات السلطة نقلت ما حِمله 60 سيارة عسكرية من نوع "زيل" وذلك من سوق الطويل الذي يحوي على 380 محلاً تجاريًا. وقد أفادت شهادات الكثير من الأهالي أن قوات السلطة نهبت البيوت وما في حوزة أصحابها من مجوهرات وأشياء ثمينة أثناء عمليات الاجتياح لأحياء المدينة.

سابعًا: شهادات وتقارير صحفية نشرت حول المجزرة في الصحافة الأجنبية:

ذكرت صحيفة النوفيل أوبزرفاتوار الفرنسية بتاريخ 30 نيسان 1982:

في حماة، منذ عدة أسابيع، تم قمع الانتفاضة الشعبية بقساوة نادرة في التاريخ الحديث... لقد غزا (حافظ ورفعت أسد) مدينة حماة، بمثل ما استعاد السوفيات والأمريكان برلين، ثم أجبروا من بقي من الأحياء على السير في مظاهرة تأييد للنظام، صحفي سوري مندهش قال موجهًا كلامه لأحد الضباط: رغم ما حدث، فإن هناك عددًا لا بأس به في هذه المظاهرة. أجاب الضابط وهو يضحك: نعم، ولكن الذي بقي أقل من الذين قتلناهم.

وتحت عنوان: في سورية، الإرهابي رقم واحد هو الدولة ذكرت صحيفة لوماتان الفرنسية في عددها رقم 1606 تاريخ 24 نيسان 1982:

هنالك على الأقل 20.000 (عشرون ألف) سجين سياسي، وربما وصل العدد إلى 80.000 (ثمانين ألفًا) في سوريا، حيث العنف والإرهاب السياسي هما اليوم عملة رائجة. إن جهاز القمع التابع للنظام مدهش للغاية: سرايا الدفاع بقيادة رفعت أسد، سرايا الصراع بقيادة عدنان أسد، الوحدات الخاصة بقيادة علي حيدر، المخابرات العامة... وقد اشترت وزارة الداخلية مؤخرًا من شركة فرنسية عقلاً إلكترونيًا يمكن له أن "يفيِّش" (أي يضع على اللوائح السوداء) 500.000 (نصف مليون) شخص دفعة واحدة.

وذكرت مجلة الفيزد الفرنسية في عددها الصادر في أيار 1982:

وكان القمع مميتًا أكثر من يوم حرب الكيبور (يوم الغفران).

وتقول أيضًا:

... المدفعية الثقيلة تطلق قذائفها على الآمنين. وطوال أربع وعشرين ساعة تساقطت آلاف القذائف والصواريخ على حماة. كل مجمَّع سكني وكل منزل كان مستهدفًا.

يذكر دبلوماسي غربي في شهادته عن الأحداث:

إنه أعنف قصف حدث منذ حرب سوريا عام 1941 بين أنصار حكومة فيشي من جهة وأنصار فرنسا الحرة والبريطانيين من جهة أخرى.

ويكمل شاهدته الحية:

وأخيرًا وحوالي منتصف الأسبوع الماضي، استطاعت الدبابات اختراق المدينة وطوال أيام كاملة، كانت المعركة مستمرة وبشدة. من بيت إلى بيت، أو بالأحرى من أنقاض إلى أنقاض. هذا وتتكتم الدولة على عدد القتلى والجرحى من الجانبين.

ويضيف الدبلوماسي الغربي قائلاً:

ولكن الطلب على الدم في المراكز الطبية كان كثيرًا وكثيرًا مثل أيام "حرب الكيبور" التي سببت في سوريا آلافًا من القتلى والجرحى.

ويختم الدبلوماسي حديثه قائلاً:

يمكن القول إن ما جرى في الأسبوع الماضي في حماة هو "فرصوفيا أخرى" أي مثلما حدث لفرصوفيا أثناء الحرب العالمية الثانية... إنه فعلاً، موت مدينة.

كما ذكرت مجلة الإيكونومست في عددها الصادر في شهر أيار 1982 تحت عنوان أهوال حماة:

إن القصة الحقيقية لما جرى في شهر شباط في مدينة حماة الواقعة على بعد 120 ميلاً شمال دمشق العاصمة لم تعرف بعد وربما لن تعرف أبدًا. لقد مرَّ شهران قبل أن تسمح الحكومة السورية للصحفيين بزيارة خرائب المدينة التي استمرت تحت قصف الدبابات والمدفعية والطيران ثلاثة أسابيع كاملة. ونتيجة لذلك فإن قسمًا كبيرًا من المدينة القديمة القائمة في وسط البلد قد مُحي تمامًا، وسوِّي مؤخرًا بواسطة الجرافات.

جريدة ليبراسيون الفرنسية ذكرت على لسان محررها الصحفي سورج شالاندون الذي استطاع، تحت اسم مستعار وهو (شارل بوبت)، أن يدخل إلى قلب مدينة حماة أثناء الأحداث. إنه الصحفي الوحيد من بين كل الصحفيين العرب والأجانب الذي تمكن من الدخول إلى هذه المدينة... وبحيلة ذكية: فقد كان في دمشق. وحينما سمع بالأحداث استقل الباص باتجاه حلب. وفي حمص وأثناء استراحة قصيرة اختفى وترك الباص يتابع سيره ثم بحث عن تكسي لكي تنقله إلى مداخل حماة أو ضواحيها بحجة أنه سائح يبحث عن الآثار. قضى في المدينة وقتًا لا بأس به، ثم سلَّم نفسه للسلطات السورية تمويهًا. وبعدما عاد إلى فرنسا نشر تحقيقًا مطولاً يعتبر أخطر ما كتب في الصحافة العالمية عن هذه المذبحة.

إنه يقدم لنا شهادة حية ثمينة، وقيمتها مزدوجة الطابع، لأن صاحبها محايد في الصراع، وموضوعي في الحكم، ولأنه ثانيًا، لم ينقل أخبارًا سمعها عن روايات وصلته بالتواتر، وإنما يحكي لنا هنا ما شاهده بنفسه، ورآه من ماسي وأهوال.

لا يتسع المقام هنا لنشر كل "الريبورتاج" فهو طويل للغاية (أكثر من ثلاثين صفحة) سنكتفي فقط بترجمة أهم فقراته.

فلنترك له الكلام الذي نشرته الصحيفة المذكورة يوم الاثنين في الأول من آذار 1982:

الساعة السابعة صباحًا. تبدو حماة مدينة غريبة، حركة عمران! كل شيء في طور الإعمار، أو كان كذلك، وفجأة توقف كل شيء. وبمحاذاة البيوت التقليدية القديمة، كانت الأبنية الحديثة تبدو كأنها حيوانات ضخمة جريحة واقفة على ظهرها. الطوابق الأرضية ظاهرة، والأعمدة التي تستخدم عادة لحمل الطوابق الأخرى كانت عارية، ومتجهة نحو السماء بشكل مستقيم، وعلى قمتها قضبان حديدية ملتوية وصدئة. [...] إنني أمشي الآن وسط بيوت متهدمة، وأشجار مكسرة، وأعمدة ملوية أو منزوعة من مكانها. هناك قليل من السكان. ومثلهم فإنني أتنقل بحذر أثناء المسير. إنه هنا حدث القتال وما يزال مستمرًا من صباح هذا اليوم من شهر شباط. إنها ليست الحرب، ولكن بالأحرى، نهاية معركة كانت على ما يبدو رهيبة.

ننتقل من بيت إلى بيت. ومن فوقنا تمر طائرة هيلوكوبتر. وأمامنا عائلات بأكملها تبكي، جثث تجر من أرجلها أو محمولة على الأكتاف، أجساد تتفسخ وتنبعث منها رائحة قاتلة، وأطفال تسيل منهم الدماء وهم يركضون لاجتياز الشارع. امرأة ترفض أن تفتح لنا منزلها. إنها ليست زيارة متفقًا عليها. إنني غير مرغوب في مثل هذه الساعات. ونهيم على وجوهنا أنا ومرافقي – أحد أبناء المدينة الذي تطوع بهذا العمل – ولكن كنا محتاجين لأن نبقى ضمن الأحياء التي ما تزال في أيدي الثوار التي تضيق رقعتها شيئًا فشيئًا. وأخيرًا تستجيب المرأة لتوسلات مرافقي وتفتح لنا. إنها تخبئ زوجها. ها هو ذا أمامنا مسجَّى على الأرض، دونما رأس، ميتًا منذ 5 شباط!!! وهكذا فإن كثيرًا من الناس يخبئون جرحاهم، خشية أن تجهز عليهم القوات الحكومية. أما الأموات فإن أهاليهم يدفنوهم بسرعة. إذا أمكن، فيما أصبح يطلق عليه اليوم مقبرة الشهداء في الزاوية الكيلانية. (التي تم نسفها كليًا فيما بعد).

بضع طلقات نارية صوب الجنوب تتبعها رشقات قوية. وخلال عشر دقائق كانت القذائف تتساقط كالمطر أينما كان، وحيثما تسقط كنت تسمع صرخات الرعب ونداءات التوسل إلى الله على بضعة أمتار منا، شاهدنا رجلاً يتمزق تمامًا ويسقط فوق جدار، كما لو أنه هيكل عظمي. ولم أصدق عيني، ولكن عندما ظهرت الطائرات من جديد فوقنا، دفعني مرافقي لتحت منزل، صارخًا "ها هم يعودون".

في الطريق يصادفنا رجل يقدمه مرافقي لي. إنه طبيب... وبكل سرعة يناولني الطبيب هذا بضع أوراق، ويكتب لي أسماء ضحايا: "كم قتيلاً" سألته... أجاب: "لا أعرف. ليس أقل من 8.000 أو 10.000 لقد رأينا ضحايا في كل مكان... امسك. حتى يعرف العالم كله الحقيقة. سجِّل: مصطفى شامية، طارق عبد النور، أديب السبع، أحمد الشلبي". وبإشارة أُفهمه أنه لا فائدة من الاستمرار لأنني لا أستطيع أن أسجلهم كلهم ولكنه يستمر وبكل عصبية ويطلب مني بطريقة الأمر أن أسجل: "إبراهيم الطرقجي، فؤاد جودت، غسان جلوسي دهيمش".

أترك حماة بمزيج من الرعب والفزع... الفزع حين أتذكر أنه ولا مرة واحدة خلال هذه الأيام والليالي التي قضيتها هناك سمعت صوت المؤذن يدعو المؤمنين إلى الصلاة، كما لو أن المآذن نفسها قد انكمشت على نفسها تلقائيًا.

نشرت صحيفة دي تسايت الألمانية بتاريخ 2/4/1982 تقريرًا عن مجازر حماة تحت عنوان: مذبحة كما في العصور الوسطى - كيف ابتلى أسد مدينة حماة بالموت والدمار. جاء فيه:

دمشق - نهاية آذار: (إن ما حدث في مدينة حماة قد انتهى) كان هذا تعليق الرئيس أسد على أخطر أزمة داخلية هزت سورية منذ توليه السلطة عام 1970، فقرابة أربعة أسابيع في شباط أُغرقت حماة بالدماء والآلام من قبل قوات بلغت 11 ألف رجل (مدرعات ومدفعية وطائرات مروحية ومظليين وقوات حماية النظام الخاصة وقوات حماية أمن الدولة) لقد انتهت فترة القتل والنهب والحرق التي تذكر بالقرون الوسطى، وسكتت المدافع وغدت المدينة أنقاضًا ورمادًا.

إن مدينة حماة التي ذكرت في الإنجيل (في الوصايا القديمة) تقع على نهر العاصي. هي واحدة من أقدم مدن العالم (يقال إن الرب قد خلقها وهي الوحيدة التي تعرف عليها بعد عودته إلى الأرض، نظرًا لأنها لم تتغير) لم تعد الآن موجودة. لقد توقفت النواعير الأسطورية التي كانت منذ قرون تملأ القناطر ومستودعات المياه، ولم يبق من المدينة ومن متاحفها ذات الماضي البابلي والآشوري والسليماني إلا بقايا تعيسة. ويلجأ الملحقون العسكريون الغربيون إلى انطباعات وأسماء من الحرب العالمية الثانية لتصور أبعاد الدمار الذي حل بالمدينة، أسماء وانطباعات عن مثل برلين عام 1945 وستالينغراد.

وفي الخرائب التي استحالت إليها أحياء الكيلانية والحميدية والزنبقية يبحث ناس حائرون صامتون وكأنهم مشلولون، وحولهم لا تتوقف الجرافات عن العمل حتى يوم الجمعة، فهي تزيل بقايا ممتلكاتهم التي يحملونها في أكياس نايلون وهي أكوام أنقاض، وتهدم الخرائب وتردم القبور الجماعية.

ولقد وعدت الحكومة بأن تعيد بناء المدينة إلا أن الأهالي يعتقدون أن هناك مخططًا يهدف إلى أن لا يبقى في مركز المدينة القديم حاليًا إلا العشب الأخضر، كما يقال إن المخطط يهدف إلى تغييرات أساسية مثل إبعاد الأحياء السكنية عن بعضها من أجل السيطرة عليها، وقهرها وكذلك تخفيف الكثافة السكانية، بإسكان علويين من القرى المحيطة.

ويتنبأ مهندس درس في أوروبا أن مدينة حماة الجديدة ستكون بشوارعها العريضة قابلة تمامًا للسيطرة عليها بسهولة ويقول جامعي آخر: لقد كانوا دائمًا يريدون إنهاء حماة وقتلها، والآن تم لهم ذلك. ويسمي سفير عربي إعادة البناء "استئصال دمل المعارضة في حماة إلى الأبد" على كل فإن حماة قد انتهت الآن، مخربة مهجورة ومنهوبة كليًا (كما لو أن جنكيز خان مر بها) على حد تعليق تاجر مسيحي منكوب.

إن ما يحكم حماة الآن هو الذعر وسوء الظن المقيت والحرس ووحدات رفعت أسد التي تشيع الإرهاب، وكل حديث يزيل بعض الستار عن صور المأساة في ليلتي الثاني والثالث من شباط عندما اندلعت (حرب حماة): إعدام جماعي لرجال حي بكامله أمروا من الجيش بتوزيع الخبز وإعدام 70 رجلاً أمام المستشفى البلدي في 19 شباط، وجثتان عرضتا هناك أيضًا وبُشِّع بهما إلى حد رهيب لطبيب عيون مشهور وطبيب داخلي، وأمٌّ لم يسمح لها طيلة أسبوع بدفن جثة ابنها الذي قتل أمام المدينة، كلهم لم يسألوا عن أسمائهم وهوياتهم أو عن الذنب الذي اقترفوه. (قطعات) مما يسمى جنودًا تقاتل وتتقاتل على غنائم الذهب والمجوهرات، وتلطخ بصورة بذيئة جدران البيوت بأسماء البنات والنساء المغتصبات التي يكتبونها من البقايا المتفحمة لأثاث مستشفى خاص، حيث أقاموا فوق سطحه نارًا يشوون عليها ستة خراف (ومنذ الآن فصاعدًا يوجد لمن بقي على قيد الحياة من سكان حماة ناحية من جهنم اسمها حماة).

ثامنًا: في تقارير منظمات حقوق الإنسان:

المجازر المتعمدة التي أوردنا ذكر طرف منها آنفًا، والتدمير المتعمد للعمران والبيئة، وممارسة التعذيب قبل التصفية الجسدية، وإبادة أحياء بأكملها وعائلات بأسرها، كل ذلك دليل جلي لا يقبل النقاش بأن مجزرة حماة كانت جريمة إبادة جماعية للمدينة ولسكانها ولآثارها وعمرانها وبيئتها، بل إن مضمون الاتفاقية الدولية لمنع جريمة الإبادة الجماعية ليبدو قاصرًا أمام توصيف ما حدث في مدينة حماة في شهر شباط (فبراير) 1982، والتي تنص المادة الثانية منها على التالي:

تعني الإبادة الجماعية أيًّا من الأفعال التالية، المرتكبة على قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، بصفتها هذه:

أ‌.        قتل أعضاء من الجماعة،

ب‌.     إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة،

ت‌.     إخضاع الجماعة، عمدًا، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليًا أو جزئيًا،

ث‌.     فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة،

ج‌.     نقل أطفال من الجماعة، عنوة، إلى جماعة أخرى.

فأيٌّ من هذه الأفعال بل وأكثر منها بكثير لم يحصل في المجزرة التي ارتكبتها السلطات السورية في مدينة حماة؟  فلقد طالت الإبادة أحياء بأكملها وأبيدت أسر عن بكرة أبيها وقتلت فئات من الشيوخ والنساء والفتيات والأطفال والعميان والعلماء، ودمرت دور العبادة للمسلمين والمسيحيين ورابطت فرق الموت في المشافي للإجهاز على الجرحى والمصابين.

أما المادة الثالثة فتنص أنه يعاقب على أفعال:

أ‌.       الإبادة الجماعية،

ب‌.  التآمر على ارتكاب الإبادة الجماعية،

ت‌.  التحريض المباشر والعلني علي ارتكاب الإبادة الجماعية،

ث‌.  محاولة ارتكاب الإبادة الجماعية،

ج‌.    الاشتراك في الإبادة الجماعية.

وتنص المادة الرابعة بأنه يعاقب مرتكبو الإبادة الجماعية أو أي فعل من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة، سواء كانوا حكامًا دستوريين أو موظفين عامين أو أفرادًا. فلا حصانة لأي إنسان ارتكب جريمة الإبادة الجماعية.

ويمكن محاكمة الأشخاص المتهمين بارتكاب الإبادة الجماعية حسب المادة السادسة أمام محكمة مختصة من محاكم الدولة التي ارتكب الفعل على أرضها، أو أمام محكمة جزائية دولية تكون ذات اختصاص إزاء من يكون من الأطراف المتعاقدة قد اعترف بولايتها. كما أنه لا تعتبر الإبادة الجماعية حسب المادة السابعة من الاتفاقية جرائم سياسية على صعيد تسليم المجرمين. وتتعهد الأطراف المتعاقدة في مثل هذه الحالات بتلبية طلب التسليم وفقًا لقوانينها ومعاهداتها النافذة المفعول.

لذلك فإن اللجنة السورية لحقوق الإنسان تدعو السلطات السورية المستمرة في تجاهلها لهذه الجريمة التي استهدفت تدمير حماة وإبادة أكبر قدر ممكن من قاطنيها، إلى اتخاذ الإجراءات التالية بغية تجنيب البلد في المستقبل سوء عواقب ما فعلته السلطات في الماضي:

1.      تشكيل لجنة حقوقية محايدة ومستقلة لدراسة الأسباب التي قادت إلى هذه المجزرة المدمرة والجريمة المرفوضة، على أن تحتوي هذه اللجنة أعضاء من الطيف الوطني الواسع.

2.      دراسة الأفعال التي قامت بها وحدات الجيش والمخابرات وسرايا الدفاع وتقويمها.

3.      تقديم المسئولين الذين أمروا أو شاركوا في جريمة إبادة سكان حماة وتدميرها إلى القضاء المستقل المحايد ليبت في الأفعال التي اقترفوها.

4.      تشكيل لجنة مستقلة ومحايدة للمصارحة حول ما جرى في تلك المجزرة لتأسيس عملية مصالحة وطنية حقيقية.

5.      في حال عدم استجابة السلطات السورية لهذه الطلبات خلال فترة ثلاثة شهور من بداية شباط (فبراير) 2006 سترفع اللجنة السورية لحقوق الإنسان مذكرة إلى الأمم المتحدة تطالبها بتحمُّل مسؤولياتها الإنسانية وإنصاف سكان حماه والشعب السوري من مجازر الإبادة الجماعية التي تعرضوا لها في الأعوام ما بين 1980 و1982 وتشكيل محكمة خاصة لهذا الغرض ومحاكمة المسؤولين عن هذه المجازر والاقتصاص منهم.

(اللجنة السورية لحقوق الإنسان، 2-2-2006)

تاسعًا: رواية العقيد رفعت الأسد عن أحداث حماه:

"ماذا ستفعل السلطات الفرنسية إذا قام حزب واحد باحتلال مدينة من مدن فرنسا احتلالاً عسكريًا؟" سيادة القائد رفعت الأسد يكشف حقيقة ما جرى في حماه عام 1982، ويكشف لأول مرة أسماء القادة الميدانيين الذين أداروا تلك الأزمة التي مرت فيها سوريا.

مؤتمر باريس: على هامش مؤتمر باريس الذي أنعقد مؤخرًا بهدف البحث في مستقبل سوريا والذي شارك فيه سيادة القائد الدكتور رفعت الأسد وضم العديد من الأحزاب والشخصيات الوطنية السورية المعارضة، تحدث سيادته عن الأحداث التي جرت في حماه عام 1982.

بدأ سيادته بالحديث عن قيام "ثورة إيمانية" في حماه كما سماها سيادته، بهدف إجهاض الحركة الوطنية الاشتراكية التي بدأت مع تقلد حزب البعث السوري لمقاليد السلطة عام 1963.

وقال سيادته إن هذه الثورة الإيمانية اعتقدت أن لديها الحل للقضاء على الإحباط الذي كان يعاني منه الشعب السوري آنذاك، ولكن هذه الثورة بدأت بقتل رئيس فرع المخابرات في حماه العقيد محمد رضا عام 1963، وذلك بعد أشهر قليلة من تولي حزب البعث للسلطة في سوريا. وفي عام 1964 أصدر الشيخ مروان حديد فتاويه التي قضت بتكفير العلويين وتكفير الدروز وتكفير الإسماعيليين وتكفير الشيعة وتكفير المسيحيين ولم يسلم أحد من تكفيره، فقد كفَّر وقاتل وقتل الكثيرين، وبقي باب القتل والاغتيالات التي كانت تتم في الظلام مفتوحًا على مصراعيه من عام 1963 حتى عام 1982.

وأكد سيادته أن أخبار الموت، وأخبار الاغتيالات بالظلام، هي التي كانت طاغية في سوريا على كل الأخبار الأخرى من دون أن يسمع السوريون بقيام مظاهرة واحدة ولا بمقال واحد يتحدث عن أهداف هذا القتل، ودون أن يعرفوا الجهات التي ترتكب هذا القتل، إلى أن أتت المفاجأة الكبرى، والتي كشفت عن وجود جيش في حماه قد جاء للقتال، فقتل هذا الجيش أعضاء قيادة حزب البعث والبعثيين في حماه، كما قتل الشيوعيون والعلمانيون، وبدأ السوريون يستصرخون الدولة ويصرخون في وجهها، متسائلين عن غياب هذه الدولة. فاستجابت الدولة وأرسلت بعض الوحدات العسكرية إلى حماه ولكن الدولة تعرضت للهزيمة، إذ تمكن هؤلاء المرابطون في مدينة حماه، والذين كان بحوزتهم أسلحة أكثر تقدمًا من تلك التي يمتلكها الجيش السوري، من القضاء على الوحدات العسكرية التي أرسلتها الدولة. وعلى الأثر قامت الدولة بوضع كامل ثقلها بهدف تحرير مدينة حماه من جيش الثوار الذي كان يتحصن بداخلها.

وقال سيادته إنه لهذا الغرض شكَّل الرئيس الراحل حافظ الأسد لجنتين، واحدة في دمشق للدفاع عن العاصمة، والثانية في حماه حسب التالي:

اللجنة الأولى ترأسها الرئيس الراحل وضمت:

1.    وزير الخارجية آنذاك الأستاذ عبد الحليم خدام (عضوًا)

2.    وزير الدفاع العماد مصطفى طلاس (عضوًا)

3.    عبد الغني قنوت (عضوًا)

اللجنة الثانية في حماه ضمت كل من:

1.    العماد حكمت الشهابي رئيس أركان الجيش (قائدًا)

2.    وليد حمدون عضو القيادة القطرية (عضوًا)

3.    علي أصلان نائب رئيس الأركان (عضوًا)

وبيَّن سيادة القائد أن هذه اللجنة هي التي قادت العلميات العسكرية في حماه، وأكد أنه لم يكن لأي من أعضاء هذه اللجنة أي اتصال مع سيادته، بل كان يعلم بما يجري عن طريق البلاغات الدورية التي كانت ترسلها هذه اللجنة إلى قيادة الجيش والتي كانت بدورها تعمم هذه البلاغات على كافة وحدات الجيش الأخرى، ومنها قيادة الوحدة 569 التي كان يقودها سيادة القائد.

كما أشار سيادته إلى أنه لا علم له بأمر المفقودين وأنه لم يتحدث إليه أي سوري عن أي شخص مفقود له، وحيث أكد سيادته وقوع الكثير من الضحايا فقد أكد أيضًا إلى أن الحدود السورية التي كانت مفتوحة أمام كل العرب، وأنهم كانوا يستطيعون دخول سوريا دون الحصول على تأشيرات دخول، في إشارة من سيادته إلى أنه كان يوجد ضمن جيش الثوار الذي رابط في حماه جماعات أخرى ينتمون إلى دولة العراق وبعضهم كان بحوزته جوازات سفر مزورة، وأكد سيادته أن هؤلاء كانوا يتلقون تدريبات القتال على الحدود السورية العراقية وأنهم هم من كانوا يغتالون السوريين من عام 1963 إلى عام 1982 وأن الذي كان يشرف على تدريبهم كل من نزار حمدون وأمين الحافظ وميشيل عفلق وشبلي العيثمي بالاتفاق مع الشيخ عدنان سعد الدين.

وتحدث سيادته عن تفاصيل اعتقال الشيخ مروان حديد حيث تم القبض عليه في شقة في حي الأزبكية بدمشق وكان معه ستة أشخاص منهم نائب الشيخ مروان المدعو فريد قداح، وكان فريد مسلمًا علويًا وليس مسلمًا سنيًا.

وشجع سيادة القائد كل من هو مهتم لمعرفة الحقيقة أن يسأل وأن يتحرى الحقائق قبل الشروع بتبني أي معلومة، واصفًا الجيل الحالي بالتسرع والطيبة والإيمان.

وأيضًا تحدث سيادة القائد عما انتشر من شائعات حول ما جرى في سجن تدمر عام 1980 وعن الأضاليل الكبيرة التي عمل بعض الغارقين في أحقادهم على ترويجها والسعي الدؤوب لإضفاء المصداقية عليها، من أن أوامر إعدام سجناء الإخوان المسلمين قد صدرت بشكل شخصي من قبل سيادة القائد دون الرجوع إلى قانون الدولة والسلطات العليا، وهذا ما فنده سيادة القائد ورده على أصحابه، كاشفًا للجميع مدى جهلهم إن كانوا جاهلين، وحجم حقدهم إن كانوا حاقدين، فأكد سيادته أن قرار إعدام السجناء إنما صدر على أثر محاولة جهات من جماعة الإخوان المسلمين اغتيال الرئيس حافظ الأسد أثناء مراسم استقباله لرئيس دولة أخرى، والتي أصيب فيها الرئيس ونُقل على أثرها للمشفى. وأكد سيادة القائد أن القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة رئيس الجمهورية حافظ الأسد هو الذي أصدر، أثناء وجوده في المشفى، القانون الذي ينص على إعدام كل من ينتسب إلى حزب الإخوان المسلمين المحظور، وذلك بناءً على صلاحياته الدستورية التي تمكنه من إصدار هكذا قانون، حيث يسمح الدستور السوري لرئيس الجمهورية أن يصدر قرارات ميدانية كونه هو نفسه القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة دون الرجوع إلى السلطة التشريعية. كما أكد سيادته أنه قد تم تنفيذ هذا القانون في كافة السجون السورية وليس في سجن تدمر فقط، وأكد أنه لم يكن موجودًا في دمشق عندما تم تنفيذ هذا القانون، بل كان في الساحل السوري، تماشيًا مع مشيئة الرئيس الراحل آنذاك كما أوضح سيادته وننقله أدناه، وأكد أنه علم بصدور هذا القانون، وبتنفيذ السلطات السورية له، أثناء وجوده في الساحل.

وعن خلفيات وجود سيادته باللاذقية على الساحل السوري أثناء تنفيذ حكم الإعدام بسجناء الإخوان المسلمين في كافة السجون السورية فقد أوضح سيادته إلى أن هذا يعود إلى قيام الرئيس حافظ الأسد بترشيحه لإدارة شؤون التعليم العالي في سوريا على أثر قيام سيادته بإسقاط رئيس الوزراء محمود الأيوبي وعبد الكريم علي وناجي جميل وغيرهم من القيادات كإجراء تصحيحي في حزب البعث، وهو الأمر الذي اعتبره الرئيس الراحل انقلابًا على نظامه فقام على أثر هذا بإعفاء سيادة القائد من قيادة الوحدة 569 ليتفرغ للقيادة القطرية وأسند لسيادته مهمة إدارة التعليم العالي. وأوضح سيادة القائد أنه هو الذي قام ببناء صرح جامعة تشرين في اللاذقية وهو الذي قام بناء جامعة حمص وهو الذي قام بتوسيع جامعة حلب وهو الذي قام ببناء العديد من الصروح العلمية في سوريا.

كما أوضح سيادته أنه كان رئيسًا منتخبًا من قبل القيادة القومية التي ينتخبها المؤتمر القومي العام للحزب، للمحكمة القومية الدستورية العليا، والتي هي أعلى سلطة في الدولة والحزب. وذكر سيادته أنه كان يحق للقيادة القومية تعليق المحكمة القومية الدستورية العليا للحزب في حالات الحرب والانقلاب، ولكن مع ذلك، فقد قام المؤتمر القطري للحزب، وليس القومي، عام 1980 بتعليق عمل هذه المحكمة دون حدوث حرب أو انقلاب وهو الأمر الذي اعتبرته العديد من القيادات الحزبية آنذاك مخالفًا لنظام الحزب ويشكل انقلابًا على دستوره وعلى دستور المحكمة القومية الدستورية العليا.

إعدام سجناء الإخوان المسلمين تم تنفيذه في كافة السجون السورية بموجب القانون.

يُذكر أن الرئيس حافظ الأسد رحمه الله كان قد زار الشيخ مروان حديد في السجن وطلب منه التخلي عن العمل المسلح وفتح صفحة جديد فأجابه مروان أنه مستعد لأن يترك السلاح في حال واحدة وهي أن يبايعه الرئيس الأسد لإقامة إمارة إسلامية في سوريا.

عاشرًا: في التحقيق بالأحداث:

بدلاً من أن تتخذ السلطات السورية الإجراءات الكفيلة بالحد من آثار المجزرة وتداعياتها على سكان المدينة المنكوبة والمجتمع السوري بشكل عام، والتحقيق في أعمال التنكيل والعنف التي وقعت ضد الأهالي وأبيدت خلالها أسر بكاملها، فقد عمدت إلى مكافأة العسكريين المشتبه في تورطهم فيها أو الذين كان لهم ضلع مباشر في أعمال القمع، ومن بين هؤلاء العقيد رفعت الأسد الذي عين نائبًا لرئيس الجمهورية لشؤون الأمن القومي، وضباط كبار في الجيش والمخابرات جرى منحهم رتبًا أعلى، كما تم تعيين محافظ حماة آنذاك محمد حربة في منصب وزير الداخلية، وكانت تلك الإجراءات بمثابة استهتار غير مسوغ من قبل الحكومة بالمشاعر العامة، وتأكيدًا واضحًا على استمرار منهجية القوة بدلاً من الحوار في التعاطي مع الشؤون الداخلية.

هذا بالإضافة إلى السجناء السياسيين الذين أودعوا في السجون العسكرية عشرات السنين، وإنزال عقوبة الإعدام بكل مواطن ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين، عدا عن المفقودين الذين لا يعرف أهلهم هل هم أحياء أم أموات.

للوقوف على مطالبات هيئات حقوق الإنسان والمنظمات الدولية بإجراء تحقيقات محايدة وشفافة في أحداث مجزرة حماه، راجع (ثامنًا) أعلاه.

حادي عشر: ذكرى الأحداث لدى أهالي مدينة حماه:

لا تزال ذكرى مجزرة حماة المروعة ماثلة في أذهان أهالي المدينة حتى الآن، والصور المرعبة والفظائع التي ارتكبت أثناء تلك المجزرة جعلت أهالي المدينة يعيشون في خوف دائم من النظام حتى اليوم. ولا تكاد تخلو عائلة في حماة إلا وفيها قتيل أو مفقود أو مهاجر جراء تلك المجزرة.

هذا بالإضافة إلى غضب النظام على هذه المدينة وأهاليها حتى يومنا هذا، فقد قام النظام بعد تلك المجزرة بتهميش مدينة حماة والتشديد على أهاليها ومعاملتهم كالخونة والمنبوذين.

ويكفي لتصور هول تلك المجزرة أن نعرف أن أهالي حماة عندما يروون قصةً ما سواء كانت ولادة أو وفاة أو زفاف أو أيًّا كانت القصة فإنهم يقولون أنها وقعت قبل الأحداث أو بعدها بفترة كذا.

ثاني عشر: في النتائج:

عكست اضطرابات حماة تحولاً واضحًا في السياسة التي اتبعها النظام السوري في حينه تمثل في الاستعانة بالجيش والقوات المسلحة على نطاق واسع لإخماد العنف السياسي الذي اندلع بين عامي 1979 و1982، والزج بالمدنيين في معترك الصراع مع المعارضة، وقد كان هؤلاء المدنيون هم الضحية الأبرز في هذه المجزرة المروعة، حتى أن سوريا بعد تلك الوحشية التي استخدمها النظام لم تشهد أي احتجاجات شعبية على السياسات التي ينتهجها النظام حتى عام 2011 عندما اندلعت الاحتجاجات السورية.

ثالث عشر: بعض الصور التي توثق للأحداث:

  

    

    

رابع عشر: خاتمة:

كانت هذه محاولة متواضعة لتوثيق واحدة من أكثر المجازر دموية في تاريخ سوريا وأكثرها تأثيرًا على مجريات الأحداث السياسية والاجتماعية والنفسية، تلك التأثيرات التي ما زالت قائمة إلى يومنا هذا.

ونظرًا لعدم توفر أية تصريحات أو معلومات أو وثائق حول هذه المجزرة من قبل السلطات السورية بحكم التكتم الشديد الذي اتبعته، ولا زالت، لم يكن ممكنًا الحصول على "وجهة النظر الأخرى" فيها، ما عدا ما صرح به العقيد رفعت الأسد بعد سنوات عديدة على عزله وإبعاده عن سوريا.

لذلك كانت معظم مصادر المعلومات التي استندت إليها هذه الورقة، عدا شهادات المراسلين الأجانب وما وثَّقته الصحافة العالمية، وتصريحات رفعت الأسد بالطبع، ذات خلفية أحادية اللون تستند بشكل أساسي على رواية "الضحية"، والتي جرى تجميعها من معلومات شفوية ومذكرات ومن مصادر ومواقع الكترونية نذكر منها:

-        مذكرات أكرم الحوراني

-        أحداث حماة 1982، مجلة البيان.

-        مجزرة حماة: شباط (فبراير) 1982 جريمة إبادة جماعية... وجريمة ضد الإنسانية، اللجنة السورية لحقوق الإنسان.

-        مجزرة حماة الكبرى 1982، مركز الشرق العربي.

-        مجزرة حماة، ويكيبيديا.

-        يوتوب.

-        مجزرة حماة الكبرى 1982، الموسوعة الإخوانية.

-        حقائق حول مأساة حماة والمجازر والتدمير عام 1982، ويكيبيديا الإخوان المسلمون.

لذلك يمكن اعتبار هذه الورقة بمثابة دعوة مفتوحة لبدء حوار صريح وشفاف حول مجمل خلفيات وأسباب ومجريات الأحداث ونتائج ما اصطلح على تسميته بـ "مجزرة حماه الكبرى"، فيرجى ممن لديه أية وثائق أو معلومات أو بيانات أو إفادات، سواء تؤيد ما جرى ذكره هنا أو تدحضه أن يخرج عن صمته ويساهم في التوثيق الصحيح والموضوعي/التاريخي لتلك الأحداث، خاصة وأن سوريا تمر حاليًا بأحداث قد تكون مشابهة، بل مطابقة، لتلك التي جرت في العام 1982، وإن على نطاق أشمل يغطي كل الجغرافيا السورية.

*** *** ***

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 إضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود