"زرياب العراقي"

أبكى السفيرة الأمريكية في عمان

عاشق العود يهاب المرأة ويخشى على الحبِّ من الفتور

تجديد التراث يعني تشويهه وأنا أفضِّل الابتكار!

 

لقاء مع نصير شمَّة

 

يعتبر نصير شمَّة أن "خصوصية الأغنية وخلودها ينبعان من عبقرية اللحن وغنى الموسيقى، لا من الكلمة أو اللهجة"، ويحذِّر من "حالة التراخي والخدر والكسل التي تصاحب الاستماع إلى أنواع معينة من الموسيقى". فـ"اللعب على المشاعر، من دون محاكاة العقل، يُعَدُّ تراجعًا". وهذا الفنان العراقي الشاب الذي ينتمي إلى تقاليد عريقة، ويُعتبَر امتدادًا لمدرسة فريدة، خرَّجتْ بعض أكبر معلِّمي العود العرب، يخوض اليوم مغامرات مختلفة، منها إدخال آلة العود إلى الأركسترا الغربية. وسيشارك في احتفالين مختلفين في العاصمة البريطانية، خلال شهر آذار من العام 2000؛ كما يستعد لإصدار أسطوانة جديدة بعنوان مَن أمسك بيد الحب؟، وأخرى بعنوان قبل أن أُصْلَب، من وحي الحلاج.

***

نصير شمَّة عاشق العود والعازف من طراز فريد متميز. تفتحتْ مواهبُه الموسيقية مبكرًا، وتتلمذ على يد أساتذة كبار، ولُقِّبَ في بغداد بـ"زرياب الجديد"، قبل أن يغادر مدينته ويعيش بين المنافي العربية. ألَّف عددًا لافتًا من المقطوعات الموسيقية، مُراهِنًا على التجديد والإضافة من ضمن التقاليد العربية العريقة. ويعيش هذا الفنان العراقي متنقِّلاً بين تونس، حيث لعب دورًا بارزًا في السنوات الأخيرة، والقاهرة حيث يشرف على مشروع "بيت العود العربي" الذي يتولَّى، بالاشتراك مع "دار الأوبرا" المصرية، تخريج عازفي السولو. وتلك المؤسَّسة التي انطلقت في تشرين الأول 1998، تخرِّج دفعتها الأولى خلال هذه الأيام في العاصمة المصرية.

 

وفي الفترة الأخيرة، انصبَّتْ جهودُ نصير شمَّة – الذي يسير على خطى معلِّم العود جميل بشير، وقد استفاد من تجاربه في الستينات – على مزاوجة آلة العود مع الأركسترا، بطريقة مدروسة هارمونيًّا وذوقيًّا، انطلاقًا من خصوصية موسيقانا. ومن هذا المنطلق، شارك في القاهرة مع أركسترا "أخناتون"، وعزف منفردًا على العود في كونشرتو من تأليف المعلِّم العراقي الشريف محيي الدين حيدر. وبعد أن حقَّق حضوره عربيًّا من بغداد إلى القاهرة، مرورًا بتونس وبيروت، يستعد شمَّة لحمل العود إلى الساحة العالمية؛ إذ يشترك بآلته ضمن أوركسترا بريطانية على خشبة Royal Albert Hall في الرابع من آذار 2000، ثم يقدِّم حفلة خاصة بالغناء الغرناطي مع أمينة علوي (انطلاقًا من نصوص قديمة)، في العاصمة البريطانية أيضًا، في الثامن والعشرين من آذار المقبل [2000]، على مسرح Queen Elisabeth في الـRoyal Festival Hall. وقد وقَّع أخيرًا موسيقى تصويرية لمسلسل تلفزيوني مصري بعنوان عفوًا حبيبتي (من إخراج نادية حمزة)، كما يستعد لإصدار أسطوانة جديدة بعنوان مَن أمسك بيد الحب؟ في باريس، يقدِّم فيها أصواتًا عربية مهمة وغير معروفة من خمس دول عربية (4 رجال و4 نساء)، تؤدي قصائد لشعراء صوفيين، إضافة إلى أمل دنقل ولميعة عباس عمارة وآخرين. ويعمل على أسطوانته الرابعة قبل أن أُصلَب التي ستصدر من الولايات المتحدة وبريطانيا، وهي من وحي الحلاج.

التقينا نصير شمَّة في القاهرة، فتحدَّث عن تجربته ونظرته إلى الموسيقى، وتناول رموزًا، مثل محمد عبد الوهاب ومحمد فوزي وعبد الحليم حافظ وفريد الأطرش، وأبدى تحفُّظه على تجديد التراث، وقال رأيه الصريح في كاظم الساهر، وتحدث عن حفلاته في أمريكا وبريطانيا، كما تطرَّق إلى المرأة، وحبِّه لها، وخوفه من الارتباط بها!

بسنت حسن

***

 

لا يعرف الجمهور العربي شيئًا عن طفولتك؟

ولدت في مدينة الكوت في جنوب بغداد، وكانت تضج باليساريين – وعندما يوجد اليسار توجد الثقافة. كان أبي يمتلك محلاً في منطقة "المشروع" بالكوت يبيع فيه مستلزمات الأسر. وكان يردد آيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول طوال الوقت، فكان لذلك أثرٌ كبير في شخصيتي. وقد شارك أبي في بناء سدِّ الكوت مع شباب المدينة خلال فترة ما بعد الاحتلال. وقد ترك لنا بعد وفاته العديد من القيم التي تكاد تندثر في مجتمعنا اليوم.

ما كانت مشاغلك في تلك السنوات الأولى؟

لم أعشْ طفولة مترفة. كنت أذهب في السادسة صباحًا لأبيع الخبز؛ ثم تحولت إلى بيع الصحف، فصرت أقرأ الصحف والمجلات قبل بيعها. بعد ذلك عملت مساعد حلاق.

كيف تفتحتْ موهبتُك الموسيقية؟

في الخامسة من عمري، كنت أحمل راديو وأستمع وأبكي على أنغام رياض السنباطي. أذكر أن أغنية "القلب يعشق كلِّ جميل" كانت أول ما تعلَّمتُ وحفظت وعزفت. درست الموسيقى كبقية تلاميذ المرحلة الابتدائية. كانت مجرد هواية، لكنها أهَّلتْني لدخول معهد الموسيقى العربية في بغداد، حيث درست لمدة ست سنوات، وتخصصت في آلة العود.

كيف تصنِّف نفسك كعازف عود؟

يلازمني منذ زمن بعيد شعور غريب بأنني لا أنتمي إلى الزمن الحالي، بل أعيش تحديدًا في زمن السومريين! ولهذا اتجهتُ إلى العود، مع العلم أنني أكنُّ حبًّا لكلِّ الآلات الموسيقية.

ألا ترى أن العود مهدَّد بفعل طغيان الآلات الأخرى؟

العود يشكل هوية الموسيقى العربية، مثلما يُعَدُّ البيانو دستور الموسيقى الغربية، إذا جاز التعبير. أنا، في كلِّ الأحوال، أرفض تصنيف الموسيقى من خلال التمييز بين شرقي وغربي. وأعتقد أن العود استطاع الحفاظ على مقوِّمات وجوده منذ العام 2350 ق م وحتى الآن. وفي العراق تَواصَل هذا التاريخ الطويل حتى العصر الحديث. وبعد ظهور مدرسة الشريف محيي الدين حيدر، مؤسِّس أهم مدرسة للعود في بداية القرن العشرين، ومؤسِّس معهد الموسيقى والفنون الجميلة في بغداد، نشأتْ مدارس حديثة للعود، رموزها: جميل بشير وسلمان شكر وغانم حداد... وهؤلاء هم الجيلان الثاني والثالث، ونحن الجيل الرابع.

من هم أساتذتك؟

أساتذتي كثر، ومعظمهم لم ألتقِ به، مثل الشريف محيي الدين حيدر وجميل بشير. أما أستاذي المباشر فهو علي الإمام الذي منحني الكثير؛ كذلك رومي الخماش – وهو فلسطيني عاش في العراق، له إسهاماته البارزة في الموسيقى. وفي العام 1985 قدَّمتُ أول عرض منفرد على العود، شكَّل بداية انطلاقة جديدة للتعامل مع العود، بشكل يعكس توجُّهًا جديدًا للتفكير من خلال الموسيقى، بعد تخليصها من حالة ترهُّل الطرب الذي ساد موسيقانا.

ماذا تعني بـ"ترهُّل الطرب"؟

الطرب سمة امتازت بها موسيقانا. وأعني بـ"ترهُّل الطرب" حالة التراخي والخدر والكسل التي تصاحب الاستماع لأنواع معينة من الموسيقى توفِّر الإحساس باللذة. فلهذا مضارُّه بالطبع؛ إذ إن اللعب على المشاعر، من دون محاكاة العقل، يُعَدُّ تراجعًا. فالإنسان بحاجة إلى إشباع حواسه كلِّها.

كيف تستوحي أعمالك؟

كنت أدرس في معهد الموسيقى في بغداد، حين شاهدت حركة عصفورين – ذكر وأنثى – يطيران بانسيابية جميلة في خطٍّ واحد ليلتقيا في النهاية... فتخيلت أن بينهما حوارًا ولغة راقية، وحاولت تجسيد تلك اللغة في لحن موسيقي... وكانت مقطوعتي "حب العصافير"، المستوحاة من سرمدية الطبيعة الغنَّاء التي عشتُها في العراق. مقطوعة "غارثيا لوركا" لها قصة أخرى: دعاني أدونيس للمشاركة في تظاهرة ثقافية مهمة أقيمت في قصر الحمراء في غرناطة، بحضور 400 شخصية عربية من مبدعي الثقافة والفن. وذهبنا لمشاهدة المكان الذي قُتِل فيه الشاعر الإسباني العظيم فيديريكو غارثيا لوركا. وعندما وقفت في المكان راوَدَني شعور أنني أتحاور مع هذا الشاعر حول تجربته الشعرية والإنسانية حتى لحظة اغتياله. واستعنتُ بالطبع بالمخزون الثقافي، أي بكلِّ ما قرأته لهذا الشاعر وعرفتُه عنه، من حكايات ودراسات وأبحاث... وكانت ولادة المعزوفة. الشاعر المصري فاروق شوشة كتب قصيدة من وحي مقطوعتي الموسيقية، وقام بإهدائها لي في ديوانه الذي صدر أخيرًا.

"قصة حب شرقية" لها أيضًا حكاية...

هذا صحيح. في إحدى الحفلات في بغداد (1986) لاحظت غياب صديق، كان حريصًا على حضور جميع حفلاتي. ثم رأيته جالسًا بعد ذلك في الصف الأول من دون أن يرتدي سترته كاملة؛ وعندما هممتُ بمصافحته اكتشفت أن ذراعه بُتِرَتْ في الحرب! ومن شدة التأثر قررت أن أبتكر طريقة جديدة للعزف على العود بيد واحدة من أجل ذلك الصديق الذي رغب في تعلُّم العزف على العود، فعكفت 3 أشهر كاملة، حتى توصَّلت إلى طريقة، وقدَّمتُ أول تجربة للعزف على العود بيد واحدة في مقطوعة "قصة حبٍّ شرقية".

ومقطوعة "حدث في العامرية" تتناول المجزرة التي ارتكبتْها الطائرة الأمريكية في حقِّ الإنسانية والحضارة جمعاء عندما قصفتْ ملجأ يضمُّ مئات النساء والأطفال. وهي تجسِّد، في رأيي، كلَّ معاناة العالم، لا معاناة شعب معين: هيروشيما والبوسنة وكوسوفو وصبرا وشاتيلا والحرم الإبراهيمي وأسرى 1967 في مصر... بعد مجزرة العامرية، لم أعد أرتدي سوى الملابس ذات اللون الأسود!

بغداد الأرضية الحقيقية

حدِّثنا عن المحطات العربية والعالمية التي حدَّدتْ مسيرتك حتى الآن...

إطلالتي العالمية الأولى كانت في جنيف، بدعوة من مهرجان شباب المعاهد الموسيقية. ثم ذهبت إلى فرنسا للمشاركة في ملتقى الموسيقى العربية. بعده مكثت عامًا كاملاً في الأردن، لحَّنتُ خلاله للمسرح وبعض المسلسلات التلفزيونية. غير أن الأرضية الحقيقية تبقى في بغداد، حيث قدمت أول كونشرتو في قاعة "الأورفلي"؛ ومن هناك كانت انطلاقتي نحو العالم. أما الاستقرار النفسي والفني فعرفتهما في تونس التي استضافتني طوال خمس سنوات أستاذًا في العهد العالي للموسيقى. وأنا، كالسمكة، أحبُّ العيش في المياه العربية!

 

غلاف ألبوم رحيل القمر لنصير شمَّة

جئت مصر عن سابق تصور وتصميم، أم أن الأمور تمَّتْ عن طريق المصادفة؟

مجيئي إلى مصر كان قدريًّا مئة في المئة. وافقتُ على المجيء بعد إنشاء "بيت العود العربي" في الأوبرا – وكان مقررًا إقامته في لندن. يهدف البيت إلى تخريج عازفين على درجة عالية من الموهبة، يتخصَّصون في العزف المنفرد (سولو). وبالفعل قدم علي الحمزاوي، من مصر، ويسري الذهبي، من تونس، كونشرتو بأسماء دولهم العربية في ملتقى العود الذي أقيم في الدار البيضاء.

كيف ومتى اكتشفت رموز الطرب المصري العريق؟

أم كلثوم التقيت بها مباشرة بعد حادث السيارة التي صدمتني طفلاً، من خلال أغنيتها "القلب يعشق كلِّ جميل" – وكنت أشعر أنها تواسيني. وعندما سمعت "رق الحبيب" للقصبجي شعرت بمدى حداثته وتجديده في الموسيقى. وحتى اليوم أعتبر أن القصبجي أحدث مؤلِّف موسيقي عربي. أما الموسيقار محمد عبد الوهاب فلديه قدرة على التلحين والأخذ من مقطوعات أخرى، بعد إعادة تشكيلها وإخراجها بطريقة جديدة وعبقرية تعجب الجميع، في حين يفشل مَن يحاول الاقتباس عن لحن الغير ويصبح عمله مسروقًا ومشوَّهًا.

هل تأثرتَ بعبد الحليم حافظ؟

بالتأكيد! فأنا، كغيري من الشباب، أحببتُ أغاني عبد الحليم وصدَّقتُه: كانت له قدرة هائلة على إيصال مشاعر صادقة من خلال فنِّه. فالكلمة التي يقولها يعيشها بحق، فتخرج وكأنها جزء منه. وبهذا استطاع كسب حبِّ الناس بشكل لا يضاهى.

هل ينطبق هذا الكلام على فريد الأطرش أيضًا؟

الأمر مختلف مع فريد الأطرش: فألحانه، على الرغم من بساطتها، لم يعش منها حتى اليوم، ولم يخلِّد اسمَه منها، إلا القليل. لكن يصعب على غيره تقديم ما قدَّمه. فمشكلة فريد في ضحالة ثقافته، لا في موهبته – مما أثَّر بالطبع على اختياراته للنصوص التي يغنِّيها. وفي اعتقادي أن اجتماع فريد وعبد الحليم في عمل مشترك كان ضرورة، آسف لعدم حدوثها؛ فلو أن فريد لحَّنَ لعبد الحليم لـ"سوَّيا معًا الهوايل"!

ومحمد فوزي؟

أعشقه، بسبب بساطته التي استطاع بها أن يقترب من وجدان الناس، وحقَّق ما فشل فريد الأطرش في تحقيقه. بفضل وعيه وذكائه عرف كيف يشق طريقه إلى قلوب المستمعين، وعاشت أغانيه وألحانه إلى الآن.

تجديد التراث

هل يمكن اعتبارك من الفنانين الذين يجدِّدون التراث؟

لدي اعتراض في المبدأ على التسمية والمصطلح. أنا أرفض مصطلح "تجديد التراث"، وأرى أن التراث لا يُجدَّد، بل يُعاد تقديمه بشكل جديد، شرط المحافظة على ملامحه وعدم المساس بجوهره، لأنه إرث عريق يجب المحافظة عليه. والأجدر بأبناء الجيل الحالي تقديم الجديد والابتكار، بدلاً من استعادة أشكال قديمة وتهجينها أو تشويهها باسم التجديد!

هل هذا الموقف جعلك تمسك عن تلحين الأغاني؟

من قال إني ممسك عن تلحين الأغاني؟! أنا فنان متطلِّب، ولا أرضى عن الأشياء بسهولة، وأتجنب مطبَّات الفن الاستهلاكي. تعود أولى تجاربي اللحنية إلى العام 1986، حيث قدَّمتُ في العراق مغنيًا يدعى محمد يحيى، في أغنية بعنوان "لا يا روحي" التي عرفت نجاحًا واسع النطاق. ثم تركت التلحين جانبًا، بعض الوقت، وانصرفت إلى تأليف الموسيقى التصويرية؛ وكانت لي تجارب عدة، منها تجربتي مع المخرج التونسي نوري بوزيد في فيلم بنت فاميليا. ومع هذا، أنا مواظب على تلحين القصائد. لحنت أخيرًا قصيدة "الدم العربي" لفاروق شوشة التي غنَّاها إبراهيم الحفناوي.

القصائد التي لحَّنتَها جميعها بالفصحى. فهل للُّغة دورٌ في موقفك المتحفِّظ من التلحين، في ظلِّ طغيان العامية على الفصحى؟

لا أخفي انحيازي إلى الفصحى. فلغتنا ثرية، تخترق الحواجز والحدود التي وضعها الاستعمار في حياتنا وثقافتنا. والفصحى يفهمها المستمع العربي؛ وخصوصية الأغنية وخلودها ينبعان من عبقرية اللحن وغنى الموسيقى، لا من الكلمة أو اللهجة.

مُواطِنك الملحِّن والمطرب كاظم الساهر قدَّم أغنيات بالفصحى وأخرى بالعامية، وعرف نجاحًا في الحالتين؟

إنه فنان مجتهد، ويظهر ذلك في ألحانه. وغناؤه يمتاز بلهجة خاصة تختلف عن السائد. فكاظم الساهر لا يشبه أحدًا سواه حاليًّا على الساحة الفنية؛ وأعماله لا تشبه الغناء العراقي. ففي العراق كان مختلفًا ومميزًا عن أقرانه وأبناء جيله.

ألا تعتقد أن غناءه قصائد نزار قباني كان له دور فاعل في نجاحه وتميُّزه؟

لقد نجح كاظم الساهر قبل غنائه أشعار نزار قباني. لا أقول ذلك للتقليل من أهمية قصائد الشاعر الكبير، بل للتذكير بحقيقة تاريخية معينة. لَمَعَ هذا الفنان مع كلمات مؤلِّفين وشعراء آخرين، من أمثال كريم العراقي وأسعد العريري وعزيز الرسام. لكنه أراد تعزيز دوره واكتماله، فجاء ارتباطه برموز الشعر العربي الحديث – وعلى رأسهم نزار قباني – لمصلحته من دون شك. والقاهرة عزَّزتْ موقع كاظم وأعطتْه الاعتراف العربي، لكنها لم تعطِه النجاح ولم تكن شهادة ميلاد له. بالطبع، لا يسعنا إنكار دورها في احتضان الفنِّ والفنانين، بدليل أن أول حفلة قدمها كاظم في مصر كانت ناجحة بكلِّ المقاييس. وقدَّم كاظم حفلات أخرى ناجحة في مهرجاني جرش وقرطاج تجاوز عدد الحضور فيها الـ15 ألف مستمع – وكل ذلك قبل مجيئه إلى القاهرة، تلك العاصمة المرعبة!

سمعنا عن تجربة رائدة وجديدة لك تدور حول الشعر الصوفي...

هذه التجربة هي حصيلة قراءات متأنِّية وطويلة لمسيرة الصوفيين الكبار وأشعارهم، والوقوف على منطقهم وطريقتهم في العيش... في داخلي نزعة تقترب من التصوف. ثم جاء الحزن وأنضج تلك التجربة. وأذكر أعمالاً مجيدة قدَّمَها من قَبلي طاهر أبو فاشا في هذا المضمار. لكني رغبت في أن أدخل عالم الصوفية من خلال الموسيقى؛ ولم أُقدِم على تلك التجربة إلا بعد توفر رصيد معرفي وتراكمي يسمح لي بذلك.

 

غلاف ألبوم مقامات زرياب لنصير شمَّة

لديك مشاريع أخرى حاليًّا؟

هناك مقطوعة موسيقية جديدة، سأقدِّمها مع أركسترا القاهرة السيمفوني، وتحمل اسم "مَن أمسك بيد الحب". وأعمل على موسيقى تصويرية لمسلسل جديد للمخرجة نادية حمزة يحمل اسم عفوًا حبيبي. وهناك أعمال أخرى، لكنها لازالت في طور التكوين. وربما أخوض، في المستقبل القريب، تجربة الموسيقى التصويرية للسينما المصرية الروائية مع الفنان نور الشريف.

أقمتَ حفلات في الولايات المتحدة وبريطانيا بعد قصف العراق. ما كانت غايتك؟

عزفت في بوسطن مقطوعات، منها "العامرية" و"حلم مريم" – وهي تلميذتي الصغيرة التي ماتت خلال الحصار في بغداد – فكتبتْ الصحف الرئيسية في بوسطن تقول: "إن الكونسرت الذي قدَّمه العراقي نصير شمَّة نجح أكثر من الدبلوماسية العراقية طوال فترة الحرب." وبثَّتْ إذاعة بوسطن الحفلة على الهواء مباشرة. وقد تشكَّلتْ وقتئذٍ جمعية من مناصري الشعب العراقي من الأمريكان أنفسهم. الإبداع الفني يُصلِح ما يُفسِده السياسيون، ويواجه حملات التشويه التي تلحق بالعرب والمسلمين في الإعلام الغربي. ولعلِّي استطعت أن أفتح بموسيقاي نافذة مشرقة على الحضارة والثقافة العربية الضاربة بجذورها في الأرض والتاريخ. وقبل وقف إطلاق النار بأربعين يومًا تقريبًا، قدمتُ مقطوعة بعنوان "الحياة – الحرب – السلام" في إحدى كنائس عمان، فوقفتْ سفيرة الولايات المتحدة في الأردن تصفِّق بحرارة، وقالت، وعيناها تدمعان: "أحتقر نفسي لكوني أمريكية، ولأن بلادي مسؤولة جزئيًّا عن المأساة التي تصوِّرها ألحانُك." وهذا يكفيني.

 

ثلاثة أرباع العالم!

دعنا نتحدث عن المرأة في حياتك وفنِّك...

المرأة ليست موضوعًا للنقاش، ولا يمكن أن تكون شيئًا خلافيًّا يحتاج لإبداء الرأي [...]. مَن أكون أنا لأعطي رأيًا في نصف الحياة؟ بل إن المرأة هي ثلاثة أرباع العالم! أنا مسلوب العقل والقلب والوجدان في مواجهة المرأة! ولا يمكن لأيِّ إنسان أن يختزل المرأة في كلمة أو عبارات إنشائية. والحياة بلا امرأة كأرض بلا سماء وغذاء. ولا أقصد بالمرأة هنا الزوجة أو الحبيبة فقط، بل الأنوثة كحالة عامة.

حين تقول ذلك، تبدو كأنك تنظر إلى المرأة بعين الذَّكَر الشرقي؟

ما المقصود بـ"الذَّكَر الشرقي"؟ هذه تسميات فضفاضة. أنا أحترم المرأة وأجلُّها، وأستكين إلى الأنوثة. نعم، أعتقد أن على المرأة أن تحافظ على أنوثتها؛ وقد يرى بعض النساء اللواتي اقتربن من الرجولة في ذلك الكلام "ذكورة" أو رجعية وتخلفًا؛ بينما تحظى الأنثى، في نظري، بميزات تنزِّهها عن كلِّ ما عداها.

هل عشت قصص حبٍّ كثيرة؟

أحببت فتاة في العراق في العام 1981؛ وألهمني ذلك الحبُّ أول جملة موسيقية خاصة ميَّزتْ عزفي بالعود، وجعلت موسيقاي لا تشبه أحدًا. كنت آنذاك في السنة الأولى في المعهد الموسيقي. وهذا الحب هو الذي ترك الأثر الأكبر في وجداني حتى الآن، على الرغم من انقضاء السنوات. وأذكر أنني كتبت لها مقطوعة موسيقية سَبَقَ لي عزفُها منذ افترقنا، فصارت إرثًا وملكًا لها وحدها. وأتابع ما يحدث لها دومًا، لكننا لا نلتقي؛ وكلٌّ منا شقَّ لنفسه طريقًا في الحياة. ثم عشت تجارب أقل أو أكثر إيلامًا... ولم تتعدَّ قصصُ الحبِّ في حياتي أصابع اليد الواحدة.

هل يخشى نصير شمَّة المرأة ويهاب الارتباط بها؟

نعم... وهذا له صلة وثيقة بالهجر الذي أهابه لدرجة كبيرة. أخاف ركوب البحر؛ وأهاب، بالدرجة نفسها، دخول عالم المرأة. وأتذكر أنني كثيرًا ما جلست أمام البحر متأملاً، متلذذًا بصخبه وموجاته، من دون أن أجرؤ على الخوض فيه. وقد حدث أن فضَّلتُ الفراق على الارتباط، وتحمُّل العذابات المرتبطة به، كي أحافظ على الحبِّ من الفتور.

 

*** *** ***

أجرتْ الحوار: بسنت حسن

عن الوسط، العدد 404، 25/10/1999

تنضيد: نبيل سلامة

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود