لغة الصمت

 

ثناء درويش

 

هو الله العلي

يا نور كلِّ شيء وهداه ومبدأه ومنتهاه

 

باسم الله

باسم الله تاجَرْنا وقامَرْنا

وعادَيْنا وحارَبْنا

وخطَّأنا وكفَّرْنا

وقلنا ذاك زنديقْ

وهذا ملحدٌ مارقْ

وأفتينا بسَفْكِ دَمِهْ

وخضنا حروبنا

وقدَّمنا ضحايانا

وأضحيةً ذبحناها

في محراب عزَّتِهْ

ليرضى ذلك الربُّ

باسم الدين زيَّنَّا مساجدنا وعلَّينا كنائسنا

وأبدعنا عماماتٍ وتيجانا

وصرنا كلَّنا نوَّابا

للمعبود في أرضِهْ

لِمَن – في الصمت – يرثينا ويبكينا

ويضحك من بلاهتنا

فما كنَّا له ندعو

ولكنَّا لأنفسنا ومذهبنا

وآراء بنيناها وأفكارًا ورثناها

حَسِبْنا سرابَها ماءً

سيروينا.

***

إلهي... هل تسامحهم

وتغفر كبر غفلتهم

فلو عرفوك ما حادوا

عن الحقِّ

ولا ابتدعوا لهم طرقا

فتاهوا في هوى الطرقِ

ولو فهموك – يا الله –

لاتَّحدوا

بقولك: لا إله سواي

وذاك منهج الصدقِ

فاعذر جهلهم، ربِّي

واشرح بالهدى صدرا

ووفِّقهم إلى الحبِّ

وكُنْ معنا لتلهمنا

كيف نحقِّق "الإنسان" –

وهو أول الفكرةْ

وهو آخر الصنعةْ

صلاتي إليك أرفعها

لك الإخلاص من قلبي.

***

 

لغة الصمت

تحدِّثني، تحدِّثني

عن الإخوانِ والصُحبةْ

عن الخلِّ الَّذي خانَ

عن الابن الَّذي عقَّ

عن الطقسِ الَّذي انقلبا

وتنقلني بلمحِ البرقِ

إلى أيامنا الصعبةْ

وآلامٍ تعانيها

ولا تدري لها سببا

وآمالٍ غدتْ كِذْبةْ

وجارٍ يدَّعي علما

وشيخٍ قد هفا هفوةْ

تحدِّثني، وتحكي لي

فيخبو وهجُ قنديلي

أعيشُ مرارة الغربةْ

***

تحدِّثني لساعاتٍ

وتنثرُ في فضا صمتي

ضجيج الحرف والصوتِ

وتمضي عنِّي، تتركني

أُعيدُ صفاءَ ذاكرتي

أحاول رَتْقَ ما انفتقا

أردِّد: ليتَ لم يأتِ

***

أنا أستاذيَ الصمتُ

ومنه كم تعلَّمتُ

دروس الصبرِ والحكمةْ

وكيف الشمسُ تأتينا

من الديجور والعتمةْ

وليس كمثله مَلِكٌ

وليس كعرشه صرْحُ

حَنَتْ هاماتِها ذلاً

كلُّ معاجمِ اللغةِ

أقرَّ بعجزه الصوتُ

ويكفيني إذا صرتُ

برحْبِ فضائه نجمةْ

فدعْني في مَداراتي

وأسرارِ مناجاتي

أرتِّل بعضَ آياتي

وهذا الصمت – لو تدري –

له في نفسنا حُرْمةْ

***

 

مناجاة

لصـبٍّ بالهوى مبرَّحْ

طرقتُ البابَ هلْ تفتحْ

فطولُ الهجرِ أضنـاني

بِوَصْلِكَ سيِّدي اسـْمَحْ

***

وعفتُ الدارَ والأوطانْ

هجرتُ الأهلَ والخلاَّنْ

فأطـفي لَهْبَ نيرانـي

أتيتُ بخافقـي نيرانْ

***

ودمعـي يملأُ الأحداقْ

أتيتُكَ أحـمل الأشـواقْ

فخفِّـفْ بعضَ أشجاني

وجسمي بالعنى قد ضاقْ

***

وما للَّـيل مِـنْ آخِرْ

أنا وحـديَ هنا سـاهرْ

أنـاجـيـه بتحنـانِ

أسـامرُ طيفكَ العـابرْ

***

حنـانيكَ تـرفَّقْ بـي

أنـادي من جَوى قلبي

وحُسْـنُك ماله ثانـي

فلحظُ العيـنِ كم يَسبي

***

وملَّتْ روحي من صبري

أنا قد حِرْتُ في أمـري

تصـدُّ عنِّي تنسـانـي

وأنتَ بحـالتـي تدري

***

أنا العشـقُ بيَ طبـعُ

أنـا الحبُّ ليَ شـرعُ

بعين اللُّطـف ترعاني

أنـا آتيـكَ لو تدعُـو

***

وإنْ ذبـتُ أنـا حبَّـا

إذا مـتُّ أنـا صبَّـا

سقيـمًا بين أكـفـاني

فعذري أنَّ لـي قلبـا

***

 

صوت

في سكون الصمتِ يومًا

جاءني صوتُ المسيحْ

(أم تراه كان صوتًا للحُسَيْن؟!)

قالَ لي قولَ يقينْ:

"إنني متُّ فداكم،

لخلاص النفس فيكم.

وأنتم – يا أحبائي – بجهلٍ

تقتلونني مرَّتين.

كلُّ فعلٍ سيئ هو مسمارٌ بصدري.

كلُّ قولٍ حادَ عن صدق الحقيقة

وأتى ظلمًا وزورا

هو طعنٌ للذبيح.

لا أريد الدمعَ منكمْ،

لا، ولا هذي الشموع.

ارحموني من دموعٍ لا تطهِّرْ،

من شموعٍ لا تنيرُ

ظلمةَ النفسِ ولا تحيي الضميرْ.

كلَّ يومٍ تصلبونني

ثم توفون النذورْ.

كلَّ يومٍ تقتلونني

ثم تبكون لأجلي

وتدقُّون الصدورْ.

إنني حيٌّ، ولكنْ في قلوب العارفينْ،

المتَّقينَ العابدينْ."

قالها قول يقينْ،

ثم في الصمتِ تلاشى

ذلك الصوتُ الحزينْ.

***

 

خضوع

جفنـي ينـامُ ونارُ وجدي تنطفـي

عذِّبْ فـؤادي ما تشــاءُ ولا تـدعْ

فالـذُّل يحلـو للـمحـبِّ المُدنـفِ

واشربْ سعيدًا نخبَ ذلِّـي في الهوى

مهمـا ستفعلُ ذلـك الخـلِّ الوفـي

وافْـتِ بقتلــي إن أردتَ فإنَّـنـي

فيـه فنـائي أو كـان حـقًّا متلفـي

أنا قـد رضيتُ الحكـمَ منك وإن يكن

هتكتْ عذاري بعـدَ طـولِ تعفُّـفي

ولقـد رمتْني سـهـامُ لحـظك نظرةً

وتنسُّـكـي وتبتُّـلـي وتصـوُّفـي

وتمنُّعـي وتجنُّـبي شِـركَ الهـوى

ما ذقتُ يومًـا خمرةً – والمصـحفِ

فسـكرتُ من سحرِ العيونِ – أنا الذي

***

 

الحقيقة

أنا المسيح...

بصمت كلِّ الأنبياء، الأولياء، المرسلين

أمضي، على ظهري الصليب

أنا الذبيح بكربلا

مازال فوق ترابها دفقُ النجيع

أنا مرَّةً سقراط

والحلاَّج أخرى

أنا عليٌّ

اختلفتْ رسومي

غير أنَّي واحدٌ عبر العصورْ

يا مَن بسوق نخاسةٍ

قايضتُمُ النفسَ الشريفةَ والضميرْ

بالمناصبِ والقصورْ

أنا الَّتي أُدْعى الحقيقة

عاديتموني

إذ جهلتم كنهَ ذاتي

جئت أعرِّي خبثكم

وأتيت أفضح جهلكم

فقتلتموني

قد غاب عنكم

أنِّي، حين أموت

في التوِّ أولد من جديد

كالشمس أشرق من جديد

في صدور الأتقياء، الأنقياء، العارفين

أنا الحقيقة

أنا العزيزة، والمنيعة، والبتولْ

اخلعوا الأجساد عنكم كي تروني

أو تفوزوا بالقبولْ

من غير رسم أو هوية

اتبعوا أهل الطريق

القلب للصبِّ دليلْ

القلب للصبِّ دليلْ

*** *** ***

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود