زواج أفلاطوني!

صالح خريسات

 

يتعلم الرجل في بلادنا منذ الصغر، كيف يحكم المرأة، وكيف يلقي بتبعات كسله وقرفه وجنونه على المرأة. فهو يمارس على أخته دور الرقيب الحسيب، ويلزمها أن تؤدي له واجبات الطاعة والاحترام، وإن كان لا يستحقها، وكل ما فيه مرفوض مرفوض. ويتعلم الرجل أن يمارس الدور نفسه مع زوجته، ليكون السيد المطاع، والآمر الناهي، والحاكم المطلق، وهي مسؤولة عن فشله وغضبه وسوء إدارته ومرضه وجوعه ورغبته.

وقد تعوَّد هذا الرجل أن لا يتحمل أيَّة مسؤولية في حياته، فهو لا يخطئ أبدًا، والمرأة لأنها امرأة، يجب أن تتحمل كل الأوزار. فإذا أعسر بعد غنى، اتهمها بالتبذير والإسراف والإهمال، وإذا سنحت له فرصة للزواج من امرأة تقبل به، فإنه يتهم زوجته بالتقصير في واجباتها الزوجية، وإذا كان من رواد المقاهي، اتهمها بأنها لا توفر له أسباب الراحة...، وهكذا.

وقد وجدنا أن الرجل إذا تأخرت زوجته في الحمل، فإنه يحمِّلها السبب دون بحث أو تعليل، ويسارع إلى ذمها والتهديد بالزواج مرة ثانية، إن لم تستجب لرغبته بالحمل والولادة، ولا يخطر بباله أنه قد يكون المسؤول عن مثل هذا العارض.

وقد تجرأت وسألت رجلاً عن سبب تعثر زواجه، وكيف أنه استقام فيما بعد؟! فأخبرني الرجل، أنه مضى على زواجه أكثر من أربع سنوات، ولكن زوجته لم تنجب له أولادًا. فأصرت أمه على تزويجه مرة ثانية، من جارة كانت تتودد إليها، وتساعدها في أعمال المنزل، وترسل إليها بعض ما تصنعه من أصناف الحلويات الشعبية، كالمعمول، والهريسة، وغيرها.

ولكن صاحبنا كان يحب زوجته، ولم يرغب في أن يسبب لها الألم، فاضطر إلى مراجعة طبيب الأمراض الجنسية، لمعرفة سبب تأخر حمل زوجته، والاستماع إلى نصائح الطبيب. ونترك لهذا الرجل، فرصة التحدث بحرية، عن هذا الموقف العجيب. فقال:

خرجت عصر ذات يوم، أتجول في شوارع العاصمة عمان، أقرأ الآرمات المعلقة على الحيطان، وأبحث عن طبيب يساعدني في محنتي. وقد اهتديت أخيرًا إلى طبيب وسط البلد، فدخلت عيادته مترددًا، وليس في ذهني سوى ما سمعته من كلام أمي وتجريحها، واتهامها لي بالخوف من زوجتي.

كنت أشعر وقتها أن أمي ليست من جنس النساء، فهي خشنة وقاسية، ولا أظنها كانت تؤمن بالعواطف والحب. ولطالما طلبت مني أن أشدد على زوجتي، وأضربها إذا لزم الأمر.

قال: ونظرت في العيادة فوجدتها عيادة قديمة، كأنها كانت مهجورة قبل أن يسكنها هذا الطبيب، فأرضيتها مرقعة، وبلاطها يميل في لونه إلى السواد. لم أجد عنده سكرتيرة كغيره من الأطباء، وحين دخلت إلى عيادته، كان هو في المطبخ، يخدم نفسه بنفسه. كأنه كان يصنع القهوة، لكنه لم يشربها أمامي.

قال الرجل: وقفت أمام شهادة تخرج الطبيب، المعلقة على الحائط، أدقق فيها وأقرأ، وكانت من جامعة ألمانية في العام 1937. وحدثتني نفسي في الخروج من العيادة، فما عسى أن يفيدني هذا الطبيب المعتق؟

وفجأة ظهر الطبيب، وكان رجلاً نحيل القوام، محني الظهر، أشيب الرأس. صرخ في وجهي دون أية مقدمات: لا تقل والدي مريض! كل الشباب يحضرون إلى هنا، ويدَّعي كل واحد منهم أن والده هو المريض، ويصف لي معاناة والده وأنا أعرف أنه يكذب... كن صادقًا معي، وقل لي إنك أنت المريض. ما بك؟ من ماذا تشكو؟

قال الرجل: فأخبرته أنني تزوجت من أربع سنوات، وأن زوجتي لم تنجب بعد، وأريد أن أعرف إن كنت أنا السبب في ذلك أم هي؟ فسألني بعصبية بالغة: زوجتك بتلبس شرعي؟ قلت له: نعم. قال: زوجتك تضع الغطاء على رأسها؟ قلت له: نعم؟ قال: ساكن عند أهلك؟ قلت له: نعم. قال: قم يا إبني! لا يوجد عندك مشكلة. وتابع قوله وهو يضحك بصوت عال: جرب نفسك مع وحدة ثانية.

قال الرجل: ونهضت من عنده، وأنا في منتهى الذهول. هل يكون هذا طبيبًا حقًا؟ كانت قدماي ترتطمان بعضهما ببعض. وحين وصلت إلى الشارع الرئيسي، استعدت توازني، وشعرت بالحنق والضيق من زوجتي، لأنها كانت السبب في لجوئي إلى عيادة هذا الطبيب. ووجدت نفسي أتصل بها هاتفيًا، لأخبرها بنزق وعصبية، بأنني ذاهب إلى الشام عند صديقي.

وتوجهت إلى الصراف الآلي، وسحبت ما أحتاج إليه من المال في رحلتي القصيرة، وركبت في سيارات سفريات الشام. يقول الرجل: سكنت في فنادق الدرجة الأولى، وقدمت إلى الفرَّاش بعض المال، وطلبت منه شريكة معي في الغرفة، فاستجاب لطلبي بسهولة، وخصني بفتاة جميلة متعلمة، أسرت لي أنها تشعر باحترامي لها، وأنني لست كأي رجل يبحث عن رغبته. قال: وقضيت معها أجمل أيام عمري، ولعنت حظي في الزواج ألف مرة. قال: إن زوجتي اشترت جملة من الملابس الخاصة بفراش الزوجية، ولكنها لم تستخدمها أبدًا، بل بقيت هذه الملابس في حقيبتها كما اشترتها من البائع، ولطالما تمنيت أن تلبسها، ولكن سكني بالقرب من أهلي، لم يترك لنا حرية التصرف إلا في القليل النادر.

قال الرجل: عدت إلى عمان، وقبل أن أصل البيت، اتصلت بزوجتي، وطلبت منها أن تغلق الباب بيني وبين أهلي، فقد تعودت أن أدخل عليهم قبل أن أصعد إلى بيتي، فأسأل عنهم، وأطعمهم مما معي، بل كنت أخصهم بمثل ما أخص به زوجتي. قال: وطلبت منها أن تتهيأ لزوجها بطريقة لم تسمعها مني قبل ذلك. قال: واشتريت طعام العشاء، والمشروب المفضل عندي. وحين وصلت إلى البيت، كانت زوجتي قد تهيأت بالفعل، فأكلنا... وألزمتها أن تشاركني الشراب، تحت إصرار يمين الطلاق، وإنهاء حياتنا الزوجية إن لم تفعل، فشربت. قال الرجل: وقضيت ليلة مع زوجتي، كانت من أجمل أيام العمر. وجدتها زوجة رقيقة، رائعة، تتجلى في الحب، وأحسب أنها زوجة مختلفة، وإن ما عندها لا يكاد يكون عند النساء. قال الرجل: وفي صباح اليوم التالي، استيقظت على سماع الزغاريد، فحسبت أن أخي المسافر منذ عشر سنوات إلى أمريكا، قد أكمل دراسته وعاد، فنهضت من فراشي فرحًا، وسألت زوجتي: ما الذي جرى؟ فوضعت إصبعها في عيني، وكانت تكلم أمي في الطابق السفلي، وقالت لي وهي تضحك: مبارح كان عرسنا!!

*** *** ***

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود