كلنا بابا عمرو والأب باولو

بدر الدين حسن قربيhttp://www.metransparent.com/squelettes/images/icones/dot_transparent.gif

 

كلنا بابا عمرو، كانت نداء الأب باولو دالوليو في اللحظة التي اقترب منه الطبيب محمد المحمد، يقدم إليه أغلى ماعنده، منظارًا لفحص الأذن وسماعة طبية من بقية متبقية، كان قد أخذها معه إلى بلدة القصير بعد تدمير عيادته ومشفاه الميداني مع ما دُمِّر من حي بابا عمر، وهو يخاطبه: لن أجد خيرًا منك لمثل هذه الهدية، ولعلَّ الله يعوضني عنهما الشهادة أو النصر. يتقبل الأب باولو الهدية قائلاً: أنت بطل هذا الحي. ولكن الطبيب لم يفوِّتها له منوِّهًا أن أبطاله هم أطفاله، وأنه ليس إلا خادمًا لبابا عمرو، وجنديًا من جنود ثورة الحرية والكرامة، مبينًا أن زيارته له ولمن معه من العاملين من المسعفين والممرضين، رسالةٌ سلمية إنسانية لكلِّ الصامتين من كل الأقليات، يقابلها بأنه ليس بيننا من يعاديكم لأننا أخوة الوطن.

إن في زيارة الشاب الإيطالي المولد، والسوري الهوى والعشق، الأب باولو المهاجر من ثمانينات القرن الماضي، والذي أقام في دير مار موسى الحبشي راهبًا في أحد جبال القلمون قرب مدينة النبك الذي رممه بمعاونة مَنْ حولَه من ناسٍ أحبَّهم وأحبُّوه، لبلدة القصير/حمص في الرابع من الشهر الجاري بعد كل القصف والتدمير والمجازر التي كانت فيها، ولقائه طبيبها والعاملين معه في الإسعاف والمعالجة، وتبرُّعه بدمه وهو صائم لأرواح الشهداء وتضامنًا مع المعتقلين، وجلوسه معهم على مائدة طعامهم، وبكائه الأطفالَ والشهداء وكأنه أب حقيقي لكل شهيد، أبكى ببكائه الجميع. إن في كل ماكان في الزيارة من الفعل الإنساني البحت، وردة فعل النظام عليها بالطلب إليه مغادرة سوريا، يؤكد حقيقة هذا النظام المحتضِر مهما قيل عنها مذهبًا وطائفة وإعلامًا، بإنها لا تخرج عن الطبيعة المافياوية التي لا تمتلك ممنوعات ولا مقدَّسات، ولا قيمًا ولا محرمات، بل هي علاقة الآلهة التي تفرض طاعتها على عبيدها وشبيحتها دون تردد، وترفض تقبل أي عمل إغاثي إنساني أو أي شكل من أشكال التعاطف أيًّا كان مع ضحايا جرائمه ومجازره.

وللانصاف أيضًا، نذكِّر بأن هذه ليست المرة الأولى من الفعل الإنساني للأب باولو بشأن الثورة السورية، بل أظهر موقفًا ناضجًا ومتفهمًا لها، عندما لفت عناية من يهمه الأمر في نداء الميلاد الذي نشره في كانون الأول/ديسمبر الماضي مقترحًا على النظام صورة خروج له من أزمته مع شعبه، تتبدَّى اعترافًا بالتعددية وإقرارًا للحريات، ومحافظةً على سلامة كلِّ المواطنين وكرامتهم، ومحذرًا في الوقت نفسه بأنه مالم يحصل السورييون على ديمقراطية تعددية مدنية وتوافقية تحترم الجميع على تباين صفاتهم وهوِّيَّاتهم، فإن سوريا مأخوذة إلى أيام أليمة للجميع وقد تتهدد وحدتها. وإنما كان الرد في حينها على هذه المقترحات الإنقاذية بالطلب إليه مغادرةَ سوريا بحجة خروجه عن نطاق مهمته الكنسية والرعوية، وهو أمر عُولج في وقته على ما يبدو بخيار الصمت.

النظام السوري لا يريد صنفًا من أمثال الراهب باولو، بل يريد أصنافًا تقف في صفه ضد شعبٍ خلقه ربي حرًا، يريد مقاومته خالية من الذل والعبودية، ويريد ممانعته خلوًا من النهب واللصوصية. ويأبى النظام إلا أن يسقينا إياها مغموسة بكل أصناف القمع والاستبداد والفساد، وبكل معاني التوحش ترويعًا وتعذيبًا وقتلاً وتنكيلاً، ومعه كل كهنة الاستبداد والقمع، من إعلاميين وسياسيين وإعلاميين ورجال دين ومحازيب، يبرِّرون ويرقِّعون ويخوِّفون ويشطِّفون، ويشعلون المباخر تغطيةً على روائح فسادٍ، ونتنِ استبدادٍ وعفونات نظام، استوجب الدفن والرحيل منذ أمد بعيد.

الأب باولو..!! أنت في بلدك سوريا وبين أهلك ورعيتك، وأنت في قلوب جميع السوريين الأحرار، لأنك الإنسان الذي رفض بما أنعم الله عليه من نعمة العقل والفكر وروح الحوار والتفاهم أن يكون ظهيرًا للمجرمين.

*** *** ***

الأحد 10 حزيران (يونيو) 2012

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود