في ذكرى ميلاد نيكوس كازنتزاكيس

"لا آمُل في شيء، لا أخاف من شيء، أنا حر"

 

علا العمر*

 

يُعتبَر الكاتب اليوناني الكبير نيكوس كازنتزاكيس من أبرز الكتَّاب والشعراء والفلاسفة في القرن العشرين. فقد ألَّف العديد من الأعمال الهامة والخالدة في مكتبة الأدب العالمي، تضمَّنت المقالات والروايات والأشعار وكتب الأسفار والتراجيديات، بالإضافة إلى بعض الترجمات. وقد تُرجِمَتْ كتبُه إلى أكثر من 40 لغة، من بينها العربية.

لمحة عن حياة كازنتزاكيس

ولد نيكوس كازنتزاكيس في 18 شباط من العام 1883 في جزيرة كريت، أكبر الجزر اليونانية، وأمضى طفولته في هذه الجزيرة التي خاضت حربًا شرسة ضد الأتراك لنيل حريتها واستقلالها. وكان والده (الكابتن ميخائيل) أحد وجوه هذا النضال. وعلى الرغم من أن الوالد لم يكن متعلمًا أو مثقفًا، فقد أراد لابنه أن يكمل تعليمه لأنه كان يؤمن بأن النضال لا يقتصر على السيف أو البندقية، بل يكون أيضًا من خلال العلم والفكر والإقناع. لذلك فقد أرسل ولده لدراسة الحقوق في مدرسة القانون في أثينا.

حصل كازنتزاكيس على شهادة الدكتوراه في الحقوق في العام 1906، ثم سافر لدراسة الفلسفة في باريس، حيث تابع دروس هنري برغسون حتى العام 1909.

أمضى كازنتزاكيس معظم فترة شبابه في رحلاته التأملية، حيث اعتكف زمنًا طويلاً في جبل آثوس، وزار العديد من أديرة اليونان وكنائسها، كما زار القدس وسيناء مصر.

تطوع في العام 1912 في الجيش اليوناني في حرب البلقان، ثم عُيِّنَ في العام 1919 مديرًا عامًّا في وزارة الشؤون الاجتماعية في اليونان، وكان مسؤولاً عن تأمين الغذاء لحوالى 15 ألف يوناني وعن إعادتهم من القوقاز إلى اليونان. وقد نجح في المهمة الموكَلة إليه، لكنه استقال بُعيد ذلك من منصبه.

سافر إلى العديد من دول العالم، الأوروبية منها والآسيوية، مثل إسبانيا، الصين، اليابان، روسيا، فرنسا، الهند، إيطاليا، وبريطانيا، وعمل إبان ذلك في الصحافة والترجمة وكتابة المناهج المدرسية، وكَتَبَ الكثير من المقالات والمسرحيات وكُتُب الأسفار التي سجَّل فيها انطباعاته عن البلدان التي زارها.

عمل في السياسة لفترة قصيرة، ثم عُيِّن وزيرًا في الحكومة اليونانية في العام 1945، ثم مديرًا في اليونسكو في العام 1946. وكانت وظيفته العمل على ترجمة كلاسيكيات العالم لتعزيز جسور التواصل بين الحضارات، خاصة بين الشرق والغرب. استقال بعد ذلك ليتفرغ للكتابة.

كتب الأوديسة في ملحمة مؤلَّفة من 33.333 بيتًا. وقد بدأها من حيث انتهت أوديسة هوميروس. وقد اعتُبِرَ هذا العملُ ثورةً في مجال المفردات اللغوية والأسلوب، كما أظهر مدى عمق معرفة كازنتزاكيس بعلم الآثار والأنثروبولوجيا.

كما كتب وترجم العديد من الأعمال الأدبية الهامة، نذكر منها: رياضات روحية: مخلِّصو الله، الثعبان والزنبقة، الحرية أو الموت، فقير أسيزي، الأخوة الأعداء، زوربا اليوناني، الإغواء الأخير للمسيح، الأوديسة: التكملة الحديثة (1929-1938)، الكوميديا الإلهية لدانتي (ترجمة)، دون كيخوتي ديلامانشا لثربانتس (ترجمة)، هكذا تكلم زاردشت لنيتشه (ترجمة)، الإسكندر الأكبر (كتاب للأطفال)، الهوى اليوناني (أو المسيح يصلب من جديدتقرير إلى غريكو. وقد نشرتْ زوجتُه هذا الكتاب بعد وفاته في العام 1961 من خلال جمع رسائل كازنتزاكيس ومذكراته (إلغريكو هو رسام إسباني من أصل كريتي).

تعرضتْ بعضُ أعمال كازنتزاكيس للرقابة، ومُنعَ نشرُها في بعض دول العالم. إلا أن كتاب الإغواء الأخير للمسيح الذي نُشِرَ في العام 1951 اعتُبِرَ الأكثر إثارة للجدل، إلى درجة أن الكنيسة الكاثوليكية الرومانية منعت الكتاب؛ وسَعَتِ الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية إلى إلقاء الحرم على كازنتزاكيس، لكنْ دون جدوى؛ كما عمد البابا آنذاك إلى إدراج كتابه ضمن لائحة الكتب الممنوعة في الفاتيكان سنة 1954.

مُنِحَ كازنتزاكيس في 28 حزيران من العام 1957 جائزة لينين للسلام في مدينة فيينا. وكان قد ترشح في العام 1956 لجائزة نوبل، لكنه خسرها بفارق صوت واحد في التصويت، وحصل عليها ألبير كامو.

تزوج في عمر متأخر من صحفية وكاتبة يونانية تدعى إيليني. ولأنه كان يفضل العزلة، لم تكن زوجته تلتقي به إلا عشرة أيام فقط في السنة، وذلك في عقد عائلي سُمِّيَ عقد "الأيام العشرة"؛ إلا أن هذه العزلة كانت السبب من وراء إنتاجه لكلِّ تلك الروائع الخالدة.

كان في آخر أيامه يطلب من ربِّه أن يمدَّ في عمره عشر سنوات أُخَر ليكمل أعماله و"يفرغ نفسه"، كما كان يقول. وكان يتمنى لو كان في إمكانه أن يتسول من كلِّ عابر سبيل ربع ساعة بما يكفي لإنهاء عمله.

توفي في 26 تشرين الأول سنة 1957 في ألمانيا عن عمر 74 عامًا، ونُقِلَ جثمانُه إلى أثينا. ولكن الكنيسة الأرثوذكسية منعت تشييعه هناك، فنُقِلَ إلى كريت، وكُتِبَتْ على شاهدة ضريحه، بناءً على طلبه، هذه العبارة المنسوبة إلى البوذا: "لا آمُل في شيء، لا أخشى شيئًا، أنا حر".

 

ضريح كازانتزاكيس، تتكئ عليه الكمنجة الكريتية، وعلى شاهدته عبارة:

"لا آمُل في شيء، لا أخشى شيئًا، أنا حر."

خُصِّصَ له متحفٌ صغير في جزيرته كريت (فارفاري ميرتيا)، واحتوى هذا المتحف على أشيائه الشخصية ومجموعة قيِّمة من المخطوطات والرسائل، بالإضافة إلى النسخ الأولية لكتبه، وصور ومقالات كُتِبَتْ عن حياته وأعماله.

تمَّ إخراج أربعة أفلام أُخِذَتْ عن رواياته، وهي: الهوى اليوناني، وزوربا، والإغواء الأخير للمسيح، ومؤخرًا، فيلم مأخوذ عن كتاب الإسكندر الأكبر.

تقول عنه زوجته إنه كان نقيًّا وبريئًا وعذبًا بلا حدود مع الآخرين؛ أما مع نفسه فقد كان شديد القسوة، ربما لإحساسه بثقل المسؤولية الملقاة على عاتقه وحجم العمل المطلوب منه، ولأن ساعاته في الحياة محدودة.

 

نيكوس وإيليني كازانتزاكي

وسنعرض فيما يلي للمحطات الهامة في حياة كازنتزاكيس.

الصراع بين كريت وتركيا

تأثر كازنتزاكيس تأثرًا كبيرًا بطبيعة بلاده وعراقتها، وبالحضارة الإغريقية العظيمة والأساطير اليونانية وميثولوجياها الخالدة. إلا أن أكثر ما أثَّر فيه إبان طفولته هو الصراع بين كريت وتركيا. وقد حمل معه طوال حياته هذا الولاء لموطنه وقضية شعبه، وكان يحتفظ بحفنة من التراب الكريتي يأخذها معه أينما رحل، لأنه كان يستمد منها القوة والإيمان، كما كان يقول.

وإذا كان كازنتزاكيس يكره الأتراك فليس بدافع قومي أو لأنهم مسلمون، بل لأنهم كانوا معتدين وظالمين. فمن خلال وعيه وعمق تجربته الإنسانية، استطاع أن يفصل ما بين انتماء المرء إلى دين أو فكر أو عقيدة وبين ممارساته وأعماله. وكان يمتلك روحًا مفتوحة على جميع الأديان والعقائد، ويؤمن بأن للإنسان الحقَّ الكامل في الحرية والكرامة، مهما كان دينه أو عرقه أو لونه.

إلا أن مفهوم الصراع عند كازنتزاكيس اتَّسع فيما بعد ليشمل الصراع بين قوى الحق والباطل، بين الخير والشر، والنور والظلمة، وبين الله والشيطان.

رحلة القداسة

وإذ كانت الحرية هي الشعلة الأولى التي أضاءت روحه، وكانت أعظم أهدافه ورغباته، فقد كانت الرغبة التي تليها مباشرة هي الطهارة. فقد تأثر إبان مرحلة نضوجه بأساطير القديسين والأنبياء، وعلى الأخص بيسوع المسيح والقديس فرانسيس، وكان معجبًا بقصص حياتهم وعذاباتهم وكفاحهم المستميت للوصول إلى خلاص بني الإنسان.

وكانت له عدة محاولات ليصبح قديسًا. فحين كان طفلاً، ذهب إلى الميناء وطلب من القبطان أن يأخذه إلى جبل آثوس ليصبح قديسًا؛ لكن القبطان سخر منه وأعاده إلى بيته!

وحين أصبح شابًّا، بدأ رحلته نحو الرهبنة والقداسة، بدءًا من الحج إلى أديرة اليونان وكنائسها، مرورًا بفلسطين، أرض المسيح، وانتهاءً بصحراء سيناء. وهناك، بعد تفكير طويل، اتخذ قراره بالعودة إلى العالم الحقيقي. وقد ساعده على ذلك أحدُ الرهبان الذي نصح له قائلاً:

عُدْ إلى العالم. ففي أيام كهذه، وفي سنٍّ كمثل سنك، العالم هو الدير الحقيقي الذي ستصير فيه قديسًا.

أدرك كازنتزاكيس أن الصلاة الحقيقية هي كلُّ عمل شريف بنَّاء، وأن الكفاح الحقيقي هو الكفاح لإعلاء شأن الإنسان على الأرض وتحريره من الخوف والظلم والجهل والعبودية. لذا كان يعتبر أن النموذج الأفضل للإنسان هو ذاك الذي يجمع بين القديس والبطل معًا: قديسًا من ناحية، مليئًا بالطهارة والحكمة والرحمة، مترفِّعًا عن شهوات الحياة ورغباتها الزائلة، وبطلاً من ناحية أخرى، متصفًا بالقوة والعدل، قادرًا على انتزاع الحقِّ من أعدائه، مُحرِّرًا من الظلم ومستعيدًا لحرية الإنسان وكرامته.

سُئل كازنتزاكيس ذات يوم حين كان صغيرًا:

-       ما الذي تعتزم كتابته؟ فأجاب:

-       حياة القديسين وحياة جدي.

-       وهل كان جدك قديسًا؟ ألم تقل إنه كان يحارب الأتراك؟!

-       أوليس الأمران سواء!

كازنتزاكيس والحضارة العربية

لقد تأثر كازنتزاكيس بالمتصوفة المسلمين، وكان يفتخر بأن أسلافه (من جهة والده) كانوا من أصول عربية. وهذا سبب ميله إلى الشرق وإعجابه بالأخلاق والطباع العربية، كالكرم والشهامة وعزة النفس. كتب عند زيارته لسيناء مصر:

إن لديَّ إعجابًا قلبيًّا عميقًا بأبناء الصحراء هؤلاء. إنهم أفقر أهل الدنيا، لكنهم أكرم أهل الدنيا أيضًا. مهما جاعوا، لا يأكلون حتى الشبع أو التخمة، ويحتفظون ببعض السكر والقهوة والتمر ليقدموه للغريب.

ويقول في مكان آخر:

روحي، مثل روح المسلم عندما يصلِّي، تقتبل الشرق، تشتعل مثل دمشق في منتصف النهار، وتجرني رقصة زنجية في أصابعي بينما أنا جالس بهدوء في مسارحهم. آه، يا لروائع الميناء الشرقي، ببرتقاله وبطيخه المتعفِّن، وزوارق "القايق" المتأرجحة، والأقدام الحافية الملطخة بالوحل. هذا ما أعطتْني إياه أوروبا: الاشمئزاز من كلِّ ما ليس شرقيًّا ينتمي إلى جنسي. لقد وجدت نفسي، أنا المنحدر من سلالة العرب، على جزيرة كريت الأفريقية.

كازنتزاكيس ونيتشه

إبان فترة دراسة كازنتزاكيس في باريس، تأثَّر بالفيلسوف والشاعر الفذِّ نيتشه، الذي غيَّر نظرته إلى الدين والحياة والله، ودعاه إلى التمرد على أفكاره ومعتقداته القديمة كلِّها. حتى نظرته إلى الفنِّ تغيرت، وأدرك أن دور الفن يجب ألا يقتصر على إضفاء صورة جميلة وخيالية على الواقع والحياة، بل إن مهمته الأساسية هي كشف الحقيقة، حتى لو كانت قاسية ومدمِّرة. يقول كازنتزاكيس في نيتشه:

ما الذي قام به هذا النبي؟ وما الذي طلب منَّا أن نفعله بالدرجة الأولى؟ طلب منَّا أن نرفض العزاءات كلَّها: الآلهة والأوطان والأخلاق والحقائق، وأن نظلَّ منعزلين دون أصحاب ورفاق، وأن لا نستعمل إلا قوتنا، وأن نبدأ في صياغة عالم لا يُخجِل قلوبنا.

ووجد كازنتزاكيس أن الدين هو طريق رُسِمَ مسبقًا للإنسان، قيَّده وجَعَلَه في حالة خوف وترقُّب دائمين لرحمة القوى اللامرئية، في الوقت الذي يجب أن يأخذ الإنسان فيه دورَه الحقيقي في إعمار الحياة وتحمُّل مسؤوليته الكاملة، بدلاً من انتظار الرحمة والعدالة القادمة من السماء. لذلك فقد انتقد الرهبنة ورجال الدين قائلاً:

بدت لي كنيسةُ المسيح، في الحالة التي أوصَلَها إليها رجالُ الدين، حظيرةً فيها آلاف الأغنام المذعورة، تثغو ليلاً نهارًا، ويتكئ كلٌّ منها على الآخر.

لكنه لم يكن بذلك ينتقد رجال الدين كأفراد، وإنما ينتقد استخدام الدين كغطاء للتهرب من المسؤولية والعمل الفعَّال. ويتابع قائلاً:

... لكن الإنسان الحقيقي ليس خروفًا، وليس كلب حراسة أو ذئبًا أو راعيًا. إنه ملك يحمل مملكته معه ويتقدم.

كازنتزاكيس وبوذا

بعد مغادرة كازنتزاكيس لباريس، سافر إلى فيينا. وهناك بدأ مرحلة جديدة من حياته من خلال التعرف إلى بوذا، حيث عكف على دراسة المناسك والتعاليم البوذية، ووجد أن دين المسيح كان ينظر إلى الحياة نظرةً مبسَّطة ومتفائلة جدًّا، على عكس بوذا الذي ينظر إلى الكون بعين ثاقبة وعميقة. لقد أحب بوذا بوصفه معلمًا ومرشدًا روحيًّا ومخلِّصًا. يقول كازنتزاكيس في بوذا:

من بين الناس الذين ولدتْهم الأرضُ جميعًا يقف بوذا متألقًا في الذروة، روحًا نقية خالصة، دون خوف أو ألم، مليئًا بالرحمة والحكمة. كان يمدُّ يده ويفتح الطريق إلى الخلاص وهو يبتسم بوقار، والكائنات كلُّها تتبعه دون تفكير، وتخضع بحرية. وعلى خلاف المسيح، لا يخصِّص بوذا البشر وحدهم؛ إنه يشمل برحمته كلَّ شيء ويخلِّص كلَّ شيء.

كانت المبادئ البوذية تحث على السموِّ فوق الرغبات الدنيوية الزائلة، وتدعو إلى الخلاص عِبْر الاتحاد مع الكون، بكلِّ عناصره ومكوناته، من بشر وكائنات وطبيعة، وتعتبر أن الأفكار والآمال والآلام، وحتى البشر أنفسهم، إنْ هي إلا أطياف عابرة في حياة عابرة.

 

كازانتزاكيس وقطته

لقد كان بوذا في نظر كازنتزاكيس المرشد الذي نظَّم فوضى أسئلته، وأعطاه السكينة والسلام الداخليين – ولكن ليس إلى أمد طويل جدًّا!

كازنتزاكيس والشيوعية

غادر كازنتزاكيس فيينا إلى برلين. وهناك فوجئ بالوجه الآخر للعالم، متمثلاً بالظلم والفاقة والخوف. وأخذ يتعرف إلى هذه المدينة، فصار يسير في شوارعها وأزقتها الفقيرة، ويرى عن قرب الفقر والجوع والعطالة. ثم تعرَّف إلى عدد من الأصدقاء اليهود، وتفهَّم سبب كراهيتهم وعدائهم للعالم، ولكنه لم يستطع تسويغ استمرار هذا الشعور بالحقد، مؤمنًا بالمبدأ البوذي الذي يقول بأنك إذا قابلت الكراهية بمثلها فلن يتحرر العالم من الكراهية.

إلا أن كازنتزاكيس في تلك المرحلة أدرك أن العالم ليس، كما يصوِّره بوذا، سلسلة من الأطياف العابرة، وأن العذاب والأفكار والحب والكراهية ليست مجرد أوهام؛ بل إن العالم هو صراع دائم وأزلي يخوضه الإنسان، بدمه ولحمه وعَرَقه، لانتزاع حريته والدفاع عن وجوده. وبدأ شيئًا فشيئًا يعي أهمية التجربة الثورية ونضال الإنسان لتحقيق الحرية والعدالة.

وسافر كازنتزاكيس إلى روسيا. وهناك أُعجِبَ بلينين وبالتجربة الاشتراكية العظيمة التي جعلت الشعب الروسي، بكلِّ فئاته، يلتف حول لينين، القائد والرمز والأسطورة. يقول كازنتزاكيس عن لينين:

لقد كان هذا الرجل مسيحًا أيضًا، مسيحًا أحمر... كنت أفكر، وأنا ممتلئ إعجابًا، كم كافح هذا الرجل، وكم تحمَّل في منفاه... لقد كانت روسيا، بِقُراها ومدنها وسهولها الفسيحة التي لا تُحَدُّ، تصرخ وتطالب بالحرية. ولأنه كان روح روسيا الأقوى، وبالتالي الأكثر مسؤولية، آمن بأنها كانت تناديه وتلقي عليه مسؤولية تخليصها.

لقد أثَّرت التجربةُ الشيوعية كثيرًا في حياة كازنتزاكيس وفكره، ودفعتْه إلى إعادة النظر في صراعه الطويل مع اللامرئي وانكبابه على النظريات والأفكار الفلسفية والوجودية حول الله والإنسان والخلود، والبحث عن إجابات شافية لكلِّ تساؤلاته، ودفعتْه إلى الاهتمام بقضايا عصره الهامة والمصيرية، وإدراك مدى أهمية فهم كلِّ إنسان لأزمات عصره واحتياجاته. لقد وجد كازنتزاكيس أن التجربة الروسية كانت نموذجًا وضَّاءً في تاريخ البشرية، وأن على جميع شعوب الأرض أن تقتدي بها، لأنها حرَّرت الإنسان من الخوف والظلم وجعلتْه يشارك في بناء مستقبله. هو ذا يقول:

سعيدٌ هو الإنسان الذي يسمع صرخة عصره. فلكلِّ حقبة صرختُها الخاصة بها، وعليه أن يعمل بالتعاون معها ليجد الخلاص... إن على كلِّ شعب وكلِّ فرد مسؤوليةً جسيمةً في عصرنا هذا غير المبتوت في أمره وغير المتبلور... وإن واجبنا هو أن نميِّز بدقة اللحظةَ التاريخية التي نعيشها وأن نزجَّ بقدراتنا الصغيرة في معركة محددة. وكلما كنَّا على هيئة التيار الذي يدل على الطريق استطعنا أن نُعين الإنسان في ارتقائه العسير، غير المؤكد والمحفوف بالأخطار، نحو الخلاص.

خاتمة

لقد كانت لكازنتزاكيس روحٌ مؤمنة، مبدعة وخلاَّقة، منفتحة وفياضة، غنية ببذور كلِّ الأفكار الكبيرة التي آمن بها، وبالرجال العظماء الذين كانوا منارات أنارت طريقه: المسيح، بوذا، لينين، وحتى زوربا، بروحه المدهشة والمتمردة والعاشقة للحياة.

كان يؤمن بأن الأنبياء ليسوا فقط أولئك المبعوثين من قبل الآلهة برسالات سماوية، لأن الأرض أيضًا قد تنجب أنبياء يحملون رسالاتها لبني البشر. وكان كازنتزاكيس أشبه بنبيٍّ حَمَلَ رسالتَه الإنسانية على كتفيه وجاب العالم بها، بحثًا عن الحقيقة وعن أجوبة لتساؤلاته الكبيرة والأزلية، ممتشقًا قلمه سلاحًا وبرهانًا، مؤمنًا بالإنسان ومنتميًا إليه، هدفه هو شقُّ طريق محفوفة بالألم والأمل يرتقي بها الإنسان نحو القيم والمثل العليا ويسير فيها صاعدًا نحو الله.

أقوال لكازنتزاكيس

-       الإبداع مثل الحب، متابعة إغوائية مليئة بعدم الثقة وبالخفقات المرتبكة.

-       أنت لا تستطيع أن تقهر الموت، ولكنك تستطيع أن تقهر خوفك منه.

-       إن روحي كلَّها صرخة، وأعمالي كلَّها تعقيب على هذه الصرخة.

-       الجمال ابن الله. يمكن لنا التنبؤ بسيماء وجه الله من خلال النظر إلى الأشياء الجميلة.

-       لو كنتُ إلهًا لوزَّعتُ الخلودَ بلا حساب، دون أن أسمح، ولو لمرة واحدة، لجسد جميل أو لروح شجاعة أن تموت.

-       أينما ذهبتُ، وحيثما حللتُ، فإنني أمسك باليونان بين أسناني كورقة غار.

-       تحياتي، أيها الإنسان، أيها الديك الصغير المنتوف ذو الساقين! إنه صحيح فعلاً – ولا تستمع لما يقوله الآخرون – أنك إنْ لم تَصِحْ في الصباح فإن الشمس لا تشرق.

-       أجمع أدواتي: النظر والشم واللمس والذوق والسمع والعقل. خيَّم الظلام وقد انتهى عمل النهار. أعود كالخلد إلى بيتي الأرض. ليس لأنني عجزت وتعبت من العمل، بل لأن الشمس قد غربت.

*** *** ***

 

ببليوغرافيا نيكوس كازانتزاكي بالعربية

-       إيليني كازنتزاكي، نيكوس كازنتزاكي: سيرة حياة ["المنشق"]، ت. محمد علي اليوسفي، دار الآداب، بيروت، 1995.

-       نيكوس كازانتزاكي، الأخوة الأعداء، ت. محمد أسد الله، المكتبة الأهلية، بيروت، بلا تاريخ.

-       نيكوس كازانتزاكي، القديس فرانسيس، ت. عباس عباس، دار الرأي، دمشق، 2004.

-       نيكوس كازانتزاكيس، الأخوة الأعداء، ت. إسماعيل المهدوي، طب 2: دار ابن رشد، بيروت، 1979 (طب 1: القاهرة، 1967).

-       نيكوس كازانتزاكيس، الإغواء الأخير للمسيح، ت. أسامة منزلجي، دار المدى، دمشق، 1995.

-       نيكوس كازانتزاكيس، الثعبان والزنبقة، ت. سهيل نجم، دار الكنوز الأدبية، بيروت، 1993.

-       نيكوس كازانتزاكيس، الحديقة الصخرية، ت. أسامة إسبر، دار الطليعة الجديدة، دمشق، 1999.

-       نيكوس كازانتزاكيس، الحرية أو الموت، ت. سعد زغلول نصار، دار الهلال، القاهرة، 1992.

-       نيكوس كازانتزاكيس، الفقير لله فرانسوا الأسيزي، ت. نسيم واكيم يازجي، مطبعة اليازجي، دمشق، 1996.

-       نيكوس كازانتزاكيس، المسيح يُصلَب من جديد، ت. شوقي جلال، طب في مجلدين: دار طلاس، دمشق، 1984.

-       نيكوس كازانتزاكيس، تصوف: تمارين روحية، ت. سيد أحمد علي بلال، دار المدى، دمشق، 1998.

-       نيكوس كازانتزاكيس، تقرير إلى غريكو، ت. ممدوح عدوان، طب 2 في مجلد واحد: مؤسسة الجندي للطباعة، دمشق، 2000 (طب 1 في مجلدين: 1986).

-       نيكوس كازانتزاكيس، زوربا، ت. جورج طرابيشي، طب 7: دار الآداب، بيروت، 1989 (طب 1: 1965).

-       نيكوس كازانتزاكيس، زوربا، ت. عمر عبد العزيز أمين، التجارية المتحدة، بيروت، بلا تاريخ.

-       نيكوس كازانتزاكيس، عطيل يعود (مسرحية)، ت. وتقديم نعيم عطية، وزارة الإرشاد والأنباء، الكويت، 1970.

-       نيكوس كازانتزاكيس، فقير الله القديس فرانسيس الصقلي، ت. سهيل نجم، دار الكنوز الأدبية، بيروت، 1996.

 

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

Editorial

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال يوسف وديمة عبّود