الحق في تغيير الدين بين الشريعة الإسلامية والمواثيق الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان

 

نادية أبو زاهر

 

المقدمة

الحق في تغيير الدين من الحقوق التي كفلتها المواثيق الدولية، والتي اعتبره بعضها يدخل في الحق في حرية الاعتقاد، إلا أنها لم تشر إليه بنفس الوضوح والصراحة. فإن كانت بعض المواثيق الدولية قد اعتبرته مشمولاً في الحق في حرية الاعتقاد، وأكدت عليه بشكل صريح ومباشر، فإن بعضها الآخر لم يشر إليه على الإطلاق كما كان الحال بالنسبة للمواثيق الإقليمية العربية. وربما يعود ذلك لخصوصية الشريعة الإسلامية في المنطقة العربية وغيرها من دول العالم الإسلامي التي تعتبر أن الحق في تغيير الدين قد يتعارض معها على اعتبار أنه يدخل ضمن ما يطلق عليه في الإسلام الردة، وعقوبة المرتد حسب جمهور الفقهاء هي القتل.

عدم إشارة بعض المواثيق الإقليمية العربية للحق في تغيير الدين واكتفائها بالتأكيد على الحق في حرية الاعتقاد، يشبه الكيفية التي تناول بها غالبية الكتّاب العرب للحق في حرية الاعتقاد، من حيث تأكيدهم على أن حرية الاعتقاد يكفلها الإسلام لكن دون أن يشيروا إلى أنه يتضمن الحق في تغيير الدين أو الإشارة إلى موقف الإسلام منه. إلا أن هذا لا يعني عدم وجود أصناف أخرى من الكتّاب اللذين أشاروا إلى الحق في تغيير الدين، سواء بشكل صريح أو ضمني، إلا أن الإشارة الصريحة لرؤية الكتّاب لموقف الإسلام من الحق في تغيير الدين، سواء تلك التي تعتبر أن الإسلام يتعارض مع الحق في تغيير الدين أو التي تعتبر أنه لا يتعارض، برزت بشكل كبير بعد دراستي جمال البنا ومحمد سليم العوا اللتان نشرتا في العام 2002 في موقع إسلام أون لاين، لاسيما بعد أن اعتبرتا أن عقوبة الردة لا توجب القتل، مخالفة بذلك جمهور الفقهاء.

أثارت الدراستان جدلاً واسعًا وردودًا كثيرة من الفقهاء المحتجين على نتيجة الدراستين لأن نتيجتيهما خالفت جمهور الفقهاء فيما يعتبروه حدًا من حدود الله. وبدأ جدل كبير حول الردة. وبتنا نشهد دعوات جديدة تنادي بإعادة فتح باب الاجتهاد بالنسبة لعقوبة الردة. وتزايدت هذه الأصوات خصوصًا بعد تبين العديد من الإشكاليات المحيطة فيها، لاسيما مع ما أثارته بعض منظمات حقوق الإنسان في بعض الدول العربية، وتحديدًا في مصر، على بعض حوادث الردة فيها، وصدور فتاوى بذلك، حيث اعتبرت تلك المنظمات أن هذه الفتاوى تتعارض مع الحق في حرية الاعتقاد والحرية الدينية التي كفلتها المواثيق الدولية.

وقد كانت نتيجة الدراستين هي ظهور أصناف جديدة للكيفية التي يرى بها الكتّاب حق تغيير الدين وموقف الإسلام من هذا الحق، سواء تلك الآراء المدافعة عن أن الإسلام لا يتعارض مع الحق في تغيير الدين مستندة بالأساس لنتائج الدراستين، أو تلك التي ترى أن الإسلام يتعارض مع هذا الحق. لن نعمل هنا على تبني أي من النتيجتين التي توصلت لهما الدراستين أو تبني رد الفقهاء على هاتين النتيجتين، وذلك لعدة أسباب:

-       أولاً، لأن هذا ليس المقصود من دراستنا، فدراستنا تسعى لتوضيح الكيفية التي تناولت بها المواثيق الدولية والإقليمية الحق في تغيير الدين من حيث ارتباطه بحرية الاعتقاد، وكذلك توضيح الكيفية التي تناول بها الكتّاب العرب هذا الحق بشكل موضوعي وغير منحاز لموقف معين أو رأي معين.

-       ثانيًا، لأننا نرى أن تبني رأي ما، سواء كان معارضًا أو مؤيدًا لفكرة أن الإسلام يكفل حق تغيير الدين، سيعني التدخل في النقاش الدائر بين مفكرين إسلاميين حداثيين وبين فقهاء المسلمين في قضايا فقهية بحتة، تحتاج إلى علم في الشريعة الإسلامية، ولن يستطيع أي شخص تناول مثل هكذا قضايا شرعية إن لم يكن ملمًا بعلم أصول الفقه والتأصيل وعلم الحديث وغير ذلك من علوم الشريعة الإسلامية. فما نحن بصدده عرض الآراء المختلفة حول هذا الموضوع الجدلي.

هدف الدراسة:

تهدف هذه الدراسة إلى تبيان الكيفية التي تناولت بها المواثيق الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان "الحق في تغيير الدين" من حيث ارتباطه بالحق في حرية الاعتقاد، ومعرفة آراء الكتّاب العرب في رؤيتهم لموقف الإسلام من الحق في تغيير الدين من حيث ارتباطه بالحق في حرية الاعتقاد، كما تهدف إلى معرفة ما هي أبرز النقاط الخلافية التي أثارتها دراستي كل من العوا والبنا حول الردة بمعنى الحق في تغيير الدين ورد الفقهاء على هذه النقاط.

إشكالية الدراسة:

الحق في تغيير الدين يدخل ضمن ما يسمى في الإسلام "الردة"، وهو من الحقوق التي كفلتها المواثيق الدولية التي اعتبره بعضها يدخل في الحق في حرية الاعتقاد. وقد أثارت دراستان لكل من محمد سليم العوا وجمال البنا اعتبرتا أن عقوبة الردة ليست حدًا يوجب القتل، مخالفةً بذلك رأي جمهور الفقهاء، جدلاً واسعًا وردودًا كثيرة من الفقهاء المحتجين على نتيجة الدراستين. وأدت هاتان الدراستان اللتان نشرتا في العام 2002 في موقع إسلام أون لاين إلى ظهور آراء جديدة من الكتّاب المدافعين عن أن الإسلام لا يتعارض مع حقوق الإنسان، حيث بدأت هذه الآراء الجديدة تدافع وبشكل صريح عن أن الإسلام لا يتعارض مع الحق في تغيير الدين. فالحق في تغيير الدين من حيث ارتباطه بالحق في حرية الاعتقاد من منظور حقوق الإنسان وكما تناولتها المواثيق الدولية والإقليمية، كذلك من منظور الكتّاب وموقف الشريعة الإسلامية منه، هي الإشكالية التي تبحث فيها هذه الدراسة، إضافة إلى الإشكالية التي أثارتها دراستي كل من العوا والبنا حول عقوبة الردة.

تساؤلات الدراسة:

تسعى الدراسة إلى الإجابة على التساؤلات التالية:

1.    كيف تناولت المواثيق الدولية والإقليمية الحق في تغيير الدين من حيث ارتباطه بالحق في حرية الاعتقاد؟

2.    كيف تراوحت آراء الكتّاب العرب في رؤيتهم لموقف الإسلام من الحق في تغيير الدين من حيث ارتباطه بالحق في حرية الاعتقاد؟

3.    ما هي أبرز القضايا التي أثارتها دراستي العوا والبنا حول الردة بمعنى الحق في تغيير الدين وما هي ردود الفقهاء على ما أثارته الدراستين؟

تقسيم الدراسة:

تماشيًا مع الأسئلة التي ستحاول الدراسة الإجابة عليها، سنعمل على تقسيم الدراسة إلى ثلاثة فصول، يتناول الأول علاقة "الحق بتغيير الدين" بـ"الحق في حرية الاعتقاد" في المواثيق الدولية والإقليمية. والفصل الثاني، يبحث في حرية الاعتقاد من حيث ارتباطها بالحق في تغيير الدين كما تناولها بعض الكتّاب العرب، أما الثالث فسيتناول رد الفقهاء على دراستي البنا والعوا حول عقوبة "الردة".

أهمية الدراسة:

تنبع أهمية الدراسة من محاولتها إلقاء نظرة على الجدل الذي يحيط بـ"الحق في تغيير الدين"، وتفحص آراء الكتّاب العرب منه للخروج بتنصيف جديد لها يبين رؤيتهم من موقف الإسلام منه من حيث ارتباطه بالحق في حرية الاعتقاد، إضافة إلى وضع تصنيف جديد لكيفية تناول المواثيق الدولية والإقليمية لهذا الحق؛ وفي أنها تحاول معرفة ردود الفقهاء على أبرز النقاط التي أثارتها دراستي العوا والبنا المتعلقة بعقوبة الردة، في وقت يشتد فيه الجدل الذي أثارته هاتين الدراستين وظهور دعوات جديدة لإعادة النظر من ناحية فقهية بالنسبة للجدل الحاصل حول عقوبة الردة بعد تبين العديد من الإشكاليات المحيطة بها، لا سيما مع ما أثارته بعض منظمات حقوق الإنسان في بعض الدول العربية، وتحديدًا في مصر، على بعض حوادث ردة فيها، وصدور فتاوى بذلك، حيث اعتبرت تلك المنظمات أن هذه الفتاوى تتعارض مع الحق في حرية الاعتقاد والحرية الدينية التي كفلتها المواثيق الدولية.

منهجية الدراسة:

تعتمد هذه الدراسة على مراجعة بعض الأدبيات والمقالات المتوفرة حول الحق في تغيير الدين والردة، وذلك لمعرفة وجهة نظر كل من الكتّاب والفقهاء وكيفية رؤيتهم لموقف الشريعة الإسلامية للحق في تغيير الدين وعقوبة الردة. ولن نستطيع القيام بذلك دون اعتمادنا على المنهج التحليلي، الذي سيساعدنا على تحليل آراء الكتّاب وتحليل رؤيتهم لموقف الإسلام من الحق في تغيير الدين من حيث ارتباطه بالحق في حرية الاعتقاد وكيفية تصنيفها. كما سنستعين بالمنهج المقارن الذي سيساعدنا على المقارنة بين المواثيق الدولية والإقليمية والكتّاب لكيفية تناولهم للحق في تغير الدين من حيث ارتباطه بالحق في حرية الاعتقاد.

حدود الدراسة:

ستقتصر حدود الدراسة على تناول الحق في تغيير الدين من حيث ارتباطه بحرية الاعتقاد كما تناولها عدد من المواثيق الدولية والإقليمية، وإن كنا تطرقنا إلى بعض المواثيق الدولية والإقليمية التي تحدثت عن هذا الحق فإن هذا لا يعني بأننا سنحيط بجميع المواثيق والإعلانات الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان. كما ستقتصر على توضيح أصناف آراء الكتّاب العرب في رؤيتهم لموقف الإسلام من الحق في تغيير الدين من حيث ارتباطه بالحق في حرية الاعتقاد، من خلال عدد من الأمثلة، ولا يعني تناول بعض الأمثلة أننا سنتناول جميع الكتّاب الذين تحدثوا حول الموضوع أو الأسباب التي يقدمونها للدلالة على صحة موقفهم. إضافة إلى أن الدراسة ستتناول أبرز القضايا التي أثارتها دراستي العوا والبنا حول الردة بمعنى الحق في تغيير الدين وما هي ردود الفقهاء على ما أثارته الدراستين، دون محاولة الخوض في الكثير من القضايا الخلافية والجدلية المثارة في الدراستين أو في ردود الفقهاء عليهما، خصوصًا أن الردة موضوع متشعب يشمل الكثير من القضايا الخلافية الفقهية يبدأ من الخلاف في عقوبة المرتد - وإن كان جمهور الفقهاء ينادي بوجوب قتل المرتد - ثم الخلاف في كيفية بناء الحكم على الأدلة الشرعية الواردة في الأحاديث وفي القرآن التي يحيط بها اختلاف واسع في كيفية فهمها، وصولاً إلى تخصيص الحنفية للمرتد بالرجل، وذهاب الجمهور إلى كونه للرجل والمرأة، وانتهاء بالخلاف حول الاستتابة ومدتها وقبولها.

مراجعة بعض الأدبيات:

قلة من الدراسات تعرضت إلى الحق في تغيير الدين بشكل يوضح رؤية الكتّاب المختلفة من موقف الإسلام منه، فغالبية الكتّاب يتعرضون إلى الحق في حرية الاعتقاد دون الإشارة إلى أن أن الحق في تغيير الدين مشمول به، كما فعلت دراسة عبد الستار قاسم الإسلام والديمقراطية: رؤية اجتهادية في مسألة الحريات، أو كما كان الحال بالنسبة لصبحى عبده سعيد في كتابه الإسلام وحقوق الإنسان. كما أن الدراسات التي تناولت الحق بتغيير الدين بأنه مشمول في حرية الاعتقاد لم تشر إلى موقف الإسلام منه كما كان الحال بالنسبة لعبد الهادي عباس في كتابه حقوق الإنسان في الجزء الثالث منه. أما الكتّاب الذين أشاروا إلى أن الحق في تغيير الدين مشمول في الحق في حرية الاعتقاد، وبينوا موقف الإسلام منها، واعتبروا أن الإسلام لا يتعارض مع الحق في تغيير الدين، فمنهم سمير الجراح في دراسته الإسلام والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والتي كانت منصبة على محاولة إثبات أن الإسلام يكفل الحق في تغيير الدين وبالتالي ينسجم مع حقوق الإنسان، إلا أن دراسته لم تشر إلى تصنيفات آراء الكتّاب المختلفة في رؤيتهم لموقف الإسلام من الحق في تغيير الدين. وكذا الحال بالنسبة للدراسات التي أرادت إثبات أن الإسلام يتعارض مع حقوق الإنسان كما كان الحال بالنسبة لدراسة سليم نجيب حرية العقيدة في الإسلام وفي مصر.

أما بالنسبة للدراسات والكتب التي تناولت الردة وإشكاليتها فهي كثيرة ومتعددة إلا أنها فقهية بالدرجة الأولى ولا تشر بحال من الأحوال إلى علاقة الردة بالحق في تغيير الدين من منظور حقوق الإنسان، حتى بالنسبة لدراستي العوا والبنا فإنهما لم تربطان بين الحق في تغيير الدين وبين موضوع الردة.

الفصل الأول
علاقة "الحق بتغيير الدين" بـ"الحق في حرية الاعتقاد" في المواثيق الدولية والإقليمية

يصعب الحديث عن الحق في تغيير الدين دون توضيح علاقته بالحق في حرية الاعتقاد والدين، ورغم أن الحق في حرية الاعتقاد من الحقوق الراسخة في جميع المواثيق الإقليمية والدولية التي تناولته وأقرته بشكل مباشر، إلا أن الحق في تغيير الدين لم تشر إليه جميع تلك المواثيق بنفس الوضوح والصراحة. وإذا ما تفحصنا جيدًا المواثيق الدولية والإقليمية سنجد أن بعضها قد اعتبرته مشمولاً في الحق في حرية الاعتقاد وأكدت عليه بشكل صريح ومباشر، في حين نجد أن بعض المواثيق الدولية وإن كانت قد أكدت على الحق في حرية الاعتقاد فإنها لم تشر بشكل مباشر إلى الحق في تغيير الدين وإنما كانت الإشارة إليه تُفهم بشكل ضمني. في حين سنجد أن هناك من المواثيق الإقليمية التي وإن كانت قد أكدت على حرية الاعتقاد بشكل مباشر فإنها لم تشر إلى الحق في تغيير الدين بشكل مباشر أو غير مباشر، وهو ما سنوضحه من خلال بعض الأمثلة من المواثيق الإقليمية والدولية:

المبحث الأول: مواثيق دولية وإقليمية أشارت إلى الحق في تغيير الدين بشكل مباشر واعتبرته مشمولاً في الحق في حرية الاعتقاد والدين.

اعتبرت بعض المواثيق والإعلانات الدولية الحق في تغيير الدين مشمولاً في الحق في حرية الاعتقاد والدين والذي أقرته وبشكل مباشر من خلال ما ورد في المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، حيث جاء فيها أن:

لكل شخص حق في حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل هذا الحق حريته في تغيير دينه أو معتقده، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حده[1].

أيضًا يمكن أن نلمس العلاقة بين الحق في تغيير الدين مع الحق في حرية العقيدة مما ورد في الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان في المادة 12 منها، حيث نصت على أن:

لكل إنسان الحق في حرية الاعتقاد والدين. وهذا الحق يشمل حرية المرء في المحافظة على دينه أو معتقداته أو تغييرهما، وكذلك حرية المرء في المجاهرة بدينه أو معتقداته ونشرهما سواء بمفرده أو مع الآخرين، سرًا وعلانية.

لا يجوز أن يتعرض أحد لقيود قد تعيق حريته في المحافظة على دينه أو معتقداته أو في تغييرهما[2].

كما يمكننا لمس التأكيد على الحق في تغيير الدين وأنه مشمول بالحق في حرية الاعتقاد وبشكل مباشر في البند الأول من المادة 9 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، والتي تنص على أن:

لكل إنسان الحق في حرية التفكير والضمير والعقيدة. هذا الحق يشمل حرية تغيير الدين أو العقيدة، وحرية إعلان الدين أو العقيدة بإقامة الشعائر والتعليم والممارسة والرعاية، سواء على انفراد أو بالاجتماع مع آخرين، بصفة علنية أو في نطاق خاص[3].

إضافة إلى ما أكدته الاتفاقية الأوروبية على الحق بتغيير الدين وأنه مشمول بالحق في حرية الاعتقاد نجد هذا التأكيد في ميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوروبي في البند الأول من المادة 10، حيث نص على أن:

لكل شخص الحق في حرية الفكر والضمير والديانة، ويشمل هذا الحق الحرية في تغيير الديانة، أو العقيدة، وحرية إعلان الديانة أو العقيدة والتعبد والتعليم والممارسة وإقامة الشعائر، إما بمفرده، أو بالاجتماع مع الآخرين، وإما بشكل علني أو بشكل سري[4].

وفي الميثاق الآسيوي لحقوق الإنسان نص صراحة على الحق في تغيير الدين، ونلمس ذلك من البند 3 من المادة 6 من الميثاق، والتي جاء فيها:

حرية الدين والضمير لها أهمية خاصة في آسيا حيث معظم الناس متدينين. الدين هو مصدر الراحة والعزاء في خضم الفقر والقهر. يعثر العديد على هويتهم الرئيسية من الدين. على أية حال الأصولية الدينية هي أيضًا سبب الانقسامات والصراعات. التسامح الديني أمر أساسي للتمتع بحق ضمير الآخرين، وهو ما يشمل حق المرء في تغيير المعتقد[5].

المبحث الثاني: مواثيق دولية وإقليمية أكدت على الحق في حرية الاعتقاد وأشارت إلى الحق في تغيير الدين بشكل ضمني

كما كانت هناك بعض المواثيق التي أشارت إلى الحق في تغيير الدين بشكل صريح ومباشر فهناك مواثيق دولية وإقليمية أشارت إلى ذلك بشكل ضمني. وإذا تفحصنا المادة 18 من العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية نجد أنها لم تشر بشكل صريح إلى الحق في تغيير الدين كما جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أو الاتفاقيتين الأميريكة والأوروبية لحقوق الإنسان أو ميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوروبي، حيث نصت على أن:

لكل إنسان حق في حرية الفكر والوجدان والدين. ويشمل ذلك حريته في أن يدين بدين ما، وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة.

لا يجوز تعريض أحد لإكراه من شأنه أن يخل بحريته في أن يدين بدين ما، أو بحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره[6].

أيضًا الإعلان بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد لم يشر إلى الحق في تغيير الدين بشكل مباشر، حيث أكدت المادة الأولى منه على أن:

لكل إنسان الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية أن يكون له دينًا أو أي معتقد يختاره وحرية إظهار دينه أو معتقده عن طريق العبادة وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، سواء بمفرده أو مع جماعة، جهرًا أو سرًا.

لا يتعرض أحد لقسر يؤثر على حريته في أن يكون له دين أو معتقد يختاره هو.

لا تخضع حرية المرء في إظهار دينه أو معتقده إلا للقيود التي يفرضها القانون والتي تكون ضرورية لحماية الأمن العام أو النظام العام أو الصحة العامة أو الأخلاق العامة أو الحقوق والحريات الأساسية للآخرين[7].

رغم أن الإعلان بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد لم يشر بشكل مباشر إلى الحق في تغيير الدين إلا أنه يمكن أن يُفهم تأكيده على هذا الحق بشكل ضمني، حيث أكد على ما جاء في الحقوق الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ونلمس ذلك مما نصت عليه المادة 8 منه:

ليس في أي من أحكام هذا الإعلان ما يجوز تأويله على أنه يقيد أو ينتقص من أي حق محدد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان.

إذا كانت بعض المواثيق الدولية والإقليمة قد أشارت إلى الحق في تغيير الدين بشكل مباشر وصريح، وبعضها الآخر أشار إليه بشكل ضمني، فإن بعض المواثيق الإقليمية لم تشر إلى هذا الحق لا بشكل مباشر ولا بشكل ضمني، واكتفت بالتأكيد على الحق في حرية العقيدة دون أن تشير إلى أن الحق بتغيير الدين مشمول فيها، ومن ذلك ما ورد في الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب في المادة 8 منه:

حرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية مكفولة، ولا يجوز تعريض أحد لإجراءات تقيد ممارسة هذه الحريات، مع مراعاة القانون والنظام العام[8].

المبحث الثالث: مواثيق إقليمية أكدت على الحق في حرية الاعتقاد دون أن تشر إلى الحق في تغيير الدين بشكل مباشر أو غير مباشر

إن كانت هناك بعض المواثيق الإقليمية التي أشارت إلى الحق في تغيير الدين بشكل غير مباشر فهناك من المواثيق لم تشر إليه لا بشكل مباشر ولا غير مباشر، كما هو الحال بالنسبة للإعلان الامريكي لحقوق وواجبات الإنسان، حيث نصت المادة 3 منه:

لكل شخص الحق في اعتناق ديانة ما بحرية وإظهارها وممارستها علنًا وفي السر[9].

كذلك ما ورد في الميثاق العربي لحقوق الإنسان المعدل الصادر سنة 2004 في المادة 30 منه، والتي تنص:

لكل شخص الحق في حرية الفكر والعقيدة والدين ولا يجوز فرض أية قيود عليها إلا بما ينص عليه التشريع النافذ.

لا يجوز إخضاع حرية الإنسان في إظهار دينه أو معتقده أو ممارسة شعائره الدينية بمفرده أو مع غيره إلا للقيود التي ينص عليها القانون والتي تكون ضرورية في مجتمع متسامح يحترم الحريات وحقوق الإنسان لحماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو لحماية حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية.

للآباء أو الأوصياء حرية تأمين تربية أولادهم دينيًا وخلقيًا[10].

أما النسخة من الميثاق العربي لحقوق الإنسان الصادرة عام 1997 فنصت في المادة 26 على أن:

حرية العقيدة والفكر والرأي مكفولة لكل فرد[11].

كذلك لم يُشر مشروع ميثاق حقوق الإنسان والشعب في الوطن العربي "معهد سيراكوزا" إلى الحق في تغيير الدين لا بشكل صريح ولا ضمني، وإن كان نص البند الأول من المادة 9 منه يعلن أن:

حرية العقيدة والفكر مكفولة للجميع[12].

نلاحظ من هذا العرض السريع أن هناك إجماع بين المواثيق الدولية والإقليمية على أن حرية الاعتقاد حرية مكفولة لكل فرد، وتم النص على هذه الحرية بشكل صريح ومباشر ولا مجال للبس فيه. ولم تختلف عن ذلك حتى المواثيق العربية. إلا أننا نلاحظ أيضًا أنه، وإن كانت المواثيق الدولية قد أشارت إلى أن الحق في تغيير الدين مشمول في الحق في حرية الاعتقاد سواء بشكل صريح أم بشكل ضمني، إلا أننا نجد أن هناك بعض المواثيق الإقليمية اكتفت بالتأكيد على الحق في حرية الاعتقاد دون أن تشير إلى أن الحق في تغيير الدين مشمولاً فيه، لاسيما بالنسبة للمواثيق العربية.

ربما لعدم إشارة المواثيق العربية إلى الحق في تغيير الدين، وبأنه غير مشمول في حرية الاعتقاد بشكل صريح أو ضمني، علاقة بخصوصية الشريعة الإسلامية في المنطقة العربية وغيرها من دول العالم الإسلامي التي تعتبر أن الحق في تغيير الدين قد يتعارض مع الشريعة الإسلامية، والذي ظهر بشكل واضح عندما استقبل صدور الإعلان العالمي بردود فعل مختلفة وبشكل خاص في العالم الإسلامي. الأمر الذي دعا بعض حكومات الدول العربية أن تتحفظ على بعض ما جاء في الإعلان، كما فعلت المملكة العربية السعودية عندما أشارت في مذكرة سنة 1970 إلى أن الخلاف هو في الاجتهاد في بعض تطبيقات الإعلان والميثاق، لا في مبادئها الأساسية حول كرامة الإنسان وحرية الإنسان والتعايش السلمي بين جميع بني الإنسان. الأمر الذي دعا بالإعلان العالمي إلى تشجيع بعض المناطق الإقليمية إلى إصدار مواثيق إقليمية لحقوق الإنسان تعبر عن ثقافاتها وقيمها، فصدرت مواثيق إقليمة وعربية مثل الميثاق العربي لحقوق الإنسان. ويوجد من اعتبر، كما كان الحال بالنسبة لسمير الجراح، بعدم وجود فوارق حقيقية بين الإعلان العالمي والإعلانات الإقليمية سوى في أسلوب الصياغة، أو الإضافة أو الإغفال أحيانًا، حيث يعتقد أن الميثاق العربي لحقوق الإنسان 2004 هو أكثر المواثيق تحفظًا. ويقول إن القضايا التي شكلت نوعًا من التباين في الاجتهاد والمفاهيم، وأدت إلى إعلان التحفظ على بعض ما جاء في الإعلان العالمي، هي ثلاث قضايا رئيسية: حرية العقيدة، المساواة، والديمقراطية[13]. وإغفال المواثيق العربية للإشارة إلى الحق في تغيير الدين إنما يعبر عن الخصوصية للمنطقة العربية وقيمها الدينية.

بعد أن أوضحنا أن هناك خلافات في الطريقة التي نصت عليها مواد المواثيق الدولية والإقليمية حول الحق في تغيير الدين، سواء بالإشارة إليه بشكل مباشر أو الإشارة إليه ضمنًا أو حتى عدم الإشارة إليه والاكتفاء بالتأكيد على الحق في حرية الاعتقاد، وبعد أن أوضحنا أن بعض المواثيق الدولية والإقليمة اعتبرت الحق في تغيير الدين مشمولاً في الحق في حرية الاعتقاد، فإنه يجدر التنبه إلى أن حرية الاعتقاد من الحريات التي لا يجوز تقييدها قط وهو ما يؤكد عليه ما جاء في دليل المحاكمات العادلة الصادر عن منظمة العفو الدولية، والذي جاء فيه:

من الحقائق المقررة في معاهدات حقوق الإنسان والعرف الدولي أنه لا يجوز قط تعليق بعض الحقوق تحت أي ظرف. وبعض هذه الحقوق متصل بوجه خاص بالمحاكمة العادلة، مثل الحق في الحياة والحق في عدم التعرض للتعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، والحق في عدم التقديم للمحاكمة على تهمة لم تكن تشكل جريمة في وقت ارتكابها. ولا يجوز، بموجب "العهد الدولي"، تعليق الحقوق التالية قط: الحق في الحياة (المادة 6)، وحظر التعذيب (المادة 7)، وحظر العبودية والرق (المادة 8 (1) و8 (2))، وحظر الاحتجاز بسبب عدم الوفاء بدين (المادة 11)، وحظر تطبيق القوانين الجنائية بأثر رجعي (المادة 15)، والاعتراف بالشخصية القانونية (المادة 16)، وحرية الفكر والضمير والدين والعقيدة (المادة 18). ويجب ألا ينطوي أي تعليق للحقوق على تمييز بناءً على العنصر أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الأصل الاجتماعي[14].

الفصل الثاني
حرية الاعتقاد من حيث ارتباطها بالحق في تغيير الدين كما تناولها بعض الكتّاب العرب

كما سبق وأوضحنا فإن الحق في تغيير الدين من الحقوق التي أقرتها مواثيق دولية وإقليمية، وقد اعتبرت بعض المواثيق هذا الحق مشمولاً في الحق في حرية الاعتقاد سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، في حين اكتفت مواثيق إقليمية أخرى بالتأكيد على الحق في حرية الاعتقاد والحرية الدينية دون أن تعتبر إلى أن الحق في تغيير الدين مشمولاً في الحق في حرية الاعتقاد والحرية الدينية سواء أكان ذلك صراحة أو ضمنًا. والمتابع للكيفية التي يتناول بها الكتّاب العرب للحق في حرية الاعتقاد والحرية الدينية سيلحظ وجود تصنيفات خمسة للكيفية التي تناول بها هؤلاء الحق في الاعتقاد من حيث ارتباطه بالحق في تغيير الدين: الأول يرى بأن الإسلام يكفل الحق في حرية الاعتقاد لكن دون أن يشير إلى أن حرية الاعتقاد تتضمن الحق بتغيير الدين بشكل صريح أو حتى بشكل ضمني؛ وآخر رغم دفاعه عن أن الإسلام يكفل حق الاعتقاد إلا أنه مع ذلك يرى أن حق الاعتقاد في الإسلام مشروط، وهي إشارة ضمنية على أن حرية الاعتقاد لا تتضمن الحق في تغيير الدين بالنسبة للمسلم؛ أما الصنف الثالث فيرى أن الحق في حرية الاعتقاد تشمل الحق في تغيير الدين لكن دون أن يشير إلى موقف الإسلام من الحق في تغيير الدين؛ وصنف آخر يرى بأن حرية الاعتقاد تشمل الحق في تغيير الدين ويعتقد بأن الإسلام لا يكفل الحق في تغيير الدين الذي هو مشمول بالحق في حرية الاعتقاد وذلك لأن تغيير الدين يعني عند المسلمين الردة والمرتد عن الإسلام عقابه القتل، وبالتالي فإن هذا النوع من الكتّاب يرى بأن حرية الاعتقاد غير مكفولة في الإسلام؛ أما التصنيف الآخير فهو يعي أن حرية تغيير الدين مشمولة في حرية الاعتقاد، ومع ذلك فهو يدافع عن أن الإسلام يكفل حرية الاعتقاد بما تتضمنه بالحق في تغيير الدين، لكن هذا النوع من الكتّاب أثار جدلاً كبيرًا، لاسيما وأنه حاول تقديم تفسيرات جديدة بالاستناد إلى القرآن والسنة لمعنى الردة والمرتد وحكم المرتد بهدف إثبات صحة رؤيتهم بأن الإسلام يكفل حرية الاعتقاد الذي يشمل الحق بتغيير الدين. وسنعمل على توضيح هذه التصنيفات الخمسة من خلال تناول بعض الأمثلة.

المبحث الأول: الكتّاب الذين يرون أن الإسلام يكفل حرية الاعتقاد دون الإشارة بشكل صريح إلى الحق بتغيير الدين

يمكن القول إن الغالبية العظمى من الكتّاب المدافعين عن فكرة أن الإسلام يكفل حقوق الإنسان، يعتقدون بأن الإسلام يكفل حرية الاعتقاد. لكنهم ورغم هذا الاعتقاد والتفسيرات والتبريرات التي يقدمونها غالبًا بالاستناد إلى الآيات القرآنية التي تثبت صحة رأيهم، إلا أنهم لا يشيرون بشكل صريح إلى أن حرية الاعتقاد تتضمن الحق في تغيير الدين. وغالبًا ما يجيء دفاعهم عن صحة رؤيتهم هذه بأن حرية الاعتقاد تستند إلى حرية الاختيار، إن لم تكن تقتصر عليها حسب وجهة نظرهم. وحرية العقيدة، كما يناقشون، كفلها الإسلام في الآية 29 من سورة الكهف: "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر". فاللحرية، كما يناقش الكاتب فيصل الشنطاوي، مستويات وهي تقع على مستويين تتفرع منهما مستويات ثانوية عدة: المستوى الفلسفي أو حرية التصميم والاختيار، والمستوى الاجتماعي أو القانوني أي حرية التنفيذ[15]. ويتحدد الاختيار، كما يناقش الكاتب جميل قاسم، بالحرية. والاختيار يقوم على الوجدان ومناطه حرية الاعتقاد. وهو يقوم على العقل والبصيرة والوجدان. وهو اختيار كيفي، داخلي، لأن التقرير فعل حر وهو ليس اختيارًا بين اختيارات شتى. وهو إذًا فعل شخصي لأنه نتاج الإرادة الشخصية النابعة من سريرة الشخص ودخيلته الوجدانية[16].

وفي دفاعه عن أن الإسلام يكفل حرية الاعتقاد يناقش عبد الستار قاسم:

لا يوجد دليل واحد في القرآن الكريم يجبر الناس على اتباع دين معين أو يرغمهم على تطبيق شريعة بعينها. من الناحية المنطقية، لو كان الاعتقاد جبريًا لانتفى الحساب والعقاب، ولما كان هناك مؤمنون وغير مؤمنين بالاختيار. لكن الله لم يرد جعل الناس كلهم أمة واحدة، وترك كل شخص يقرر من الأمة التي يريد الانتساب إليها، وذلك حسب قوله تعالى: "وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقًا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنًا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعًا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون" (المائدة، 48)، وحسب قوله تعالى: "ولو شاء الله ما أشركوا وما جعلناك عليهم حفيظا" (الأنعام، 107)، وحسب قوله تعالى: "فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظًا إن عليك إلا البلاغ...." (الشورى، 48). هذه الآيات وغيرها تؤكد حرية الإنسان في اختيار العقيدة التي تروق له دون ملاحقة أو مضايقة أو اضطهاد. على المسلمين، أسوة بالأمر الموجه إلى الرسول الكريم، أن يبلغوا الدعوة ويشرحوا معتقدهم دون ذيول قمعية[17].

فيما يرى مالك بن نبي أن حرية الاعتقاد تبرز في الآية: "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي"[18]. وأيضًا يعتقد صبحي عبده سعيد أن الإسلام يكفل حرية الاعتقاد لكنه كذلك يقصرها على حرية الاختيار ولا يشير إلى أن حرية الاعتقاد تشمل الحق في تغيير الدين، حيث يناقش:

الإنسان خالق فعله والمسئول عن عمله، وليس ذلك إلا لأنه حر التفكير، حر الاختيار، فإن شاء فليؤمن وإن شاء فليكفر، فالإسلام يعيب على الإنسان الذي تقوم عقيدته تقليدًا لغيره دون وعي أو تفكير[19].

من خلال هذه الأمثلة يمكن أن نتبين أن هذا النوع من الكتّاب يريد التأكيد على أن الحق في حرية الاعتقاد يكفلها الإسلام، وهو على ما يبدو يقصرها على حرية الاختيار، وبالتالي يرى هذا الرأي أن حرية الاختيار كفلها الإسلام بما استدل إليه من آيات. لكن وكما لاحظنا فإنهم يناقشون بأن حرية الاعتقاد تعني الحرية في اختيار العقيدة لأن الإسلام لا يجبر أحدًا على اختيار عقيدة معينة، لكن هذا الرأي لم يشر إلى إمكانية تغيير الدين لاسيما بالنسبة للمسلم. لذلك لا نجد أية إشارة إلى الحق في تغيير الدين أو أنه مشمول في حرية الاعتقاد لا بصورة صريحة ولا بصورة ضمنية.

المبحث الثاني: الكتّاب الذين يشيرون بشكل ضمني إلى أن الحق بتغيير الدين مشمول في حرية الاعتقاد وأنها مكفولة في الإسلام لكن بشكل مشروط

إن كان الصنف الأول من الكتّاب أشار إلى أن الإسلام يكفل حرية الاعتقاد دون أن يشير بشكل صريح ولا حتى ضمني إلى أن حرية الاعتقاد تتضمن الحق في تغيير الدين، أو حتى بأن حرية الاعتقاد في الإسلام مشروطة، فهناك نوع آخر من الكتّاب يشير بشكل ضمني إلى أن الحق بتغيير الدين مشمول بحرية الاعتقاد، لذلك فإن هذا النوع من الكتّاب، ورغم دفاعه عن أن الإسلام يكفل حرية الاعتقاد، إلا أنه مع ذلك يرى أن حق الاعتقاد في الإسلام مشروط ومقيد. ومن هؤلاء المفكر الإسلامي يوسف القرضاوي، الذي يرى أن:

مبدأ الحرية قد جاء نتيجة تطور في المجتمع، أو ثورة طالبت به، أو نضوج وصل إليه الناس، وإنما مبدأ أعلى من المجتمع في ذلك الحين... جاء مبدأ من السماء؛ ليرتفع به أهل الأرض، جاء الإسلام ليرقى بالبشرية بتقرير هذا المبدأ، مبدأ حرية الاعتقاد، وحرية التدين. ولكن هذا المبدأ الذي أقره الإسلام مشروط ومقيد أيضًا، بألا يصبح الدين ألعوبة في أيدي الناس. كما قال اليهود: (آمنوا بِالذي أُنْزِل على الذين آمنوا وجْه النّهارِ واكْفُرُوْا آخرهُ لعلّهم يرجِعون) (آل عمران: 72) آمنوا الصبح وفي آخر النهار تولوا: لقد وجدنا دين محمد صفته كذا وكذا فتركناه. أو آمنوا اليوم واكفروا غدًا... أو بعد أسبوع... شنعوا على هذا الدين الجديد... أراد الله سبحانه ألا يكون هذا الدين ألعوبة، فمن دخل في الإسلام بعد اقتناع وبعد وعي وبصيرة فليلزمه، وإلا تعرض لعقوبة الردة[20].

من خلال ما أورده القرضاوي يمكن أن نتبين أنه، وإن كان يؤكد على أن الإسلام أقر حرية الاعتقاد والتدين، إلا أنه يرى بأن حرية الاعتقاد مقيدة ومشروطة. وذلك، وحسبما يرى، أن من سيرتد عن دينه من المسلمين أو يغير الدين الإسلامي من بعد ما اعتنقه عن اقتناع سيواجه عقوبة الردة. ويمكن أن نستدل من خلال كلامه على أنه يدرك بأن حرية الاعتقاد تشمل الحق بتغيير الدين فكانت إشارته للحق بتغيير الدين بأنه مشمول بحرية الاعتقاد بشكل ضمني وليس بشكل صريح، لذلك جعل حرية الاعتقاد مشروطة ومقيدة.

المبحث الثالث: الكتّاب الذين يعتقدون أن الحق بتغيير الدين مشمول في حرية الاعتقاد لكن دون الإشارة لموقف الإسلام منها

إن كان هناك نوع من الكتّاب يشيرون إلى أن الحق بتغيير الدين مشمول في حرية الاعتقاد لكن بشكل ضمني ويوضحون موقف الإسلام منها، إلا أن هناك نوع من الكتّاب يشيرون إلى أن الحق في تغيير الدين مشمول في حرية الاعتقاد، لكنهم مع ذلك لا يتناولون موقف الإسلام منها. ومن هؤلاء الكاتب عبد الهادي عباس الذي يرى أن حرية الاعتقاد هي شعبة من حرية الفكر، ويناقش بأن الفكر تعبير واسع عن حق الإنسان وجدانيًا وعقليًا أن يتجه الجهة التي يرتضيها اقتناعًا منه، وقد يشمل الفكر عقيدة أو دين أو أية أفكار بعيدة عن ذلك. ويرى أن الفكر لا يقتصر على النواحي الدينية فحسب، إنما يتعداه ليشمل الحريات في المعتقدات والآراء السياسية والفلسفية والاجتماعية والتعبير عنها، وحرية المرء في أن يسلك السلوك المتفق مع آرائه، وحريته في اختياره لطريقه في الحياة. ويعرِّف حرية الاعتقاد بأنها:

حق كل فرد في أن يؤمن أو لا يؤمن، في أن يعتقد في شيء أو لا يعتقد، في أن يعتنق عقيدة مغايرة للعقيدة السائدة، أو معارضة لها. وبأنها حق الفرد في التفكير وإعلان رأيه في المسائل الدينية وغيرها[21].

ومن هذا المنطلق كما يقول:

تكون "حرية الاعتقاد" حرية مطلقة فلا سبيل لشخص أو لسلطة على الضمائر ولا مصلحة لها في حمل شخص على التمسك بدين يعتقد بطلانه أو التخلي عن دين يعتقد صحته أو ممارسة تصرف ضد ضميره أو وجدانه[22].

مما أورده عباس يتبين لنا أنه يشير إلى أن من حق الإنسان في أن يعتقد بالدين الذي يريد، كما من حقه أن يغير أو يتخلى عن الدين، لكنه لم يتطرق إلى موقف الإسلام من حرية الاعتقاد أو الحق في تغيير الدين.

المبحث الرابع: الكتّاب الذين يرون أن الحق في تغيير الدين مشمول في حرية الاعتقاد وأن الإسلام يتعارض مع هذا الحق.

هناك نوع آخر من الكتّاب الذين، وإن كانوا يرون أن الحق في تغيير الدين مشمول في حرية الاعتقاد، فإنهم يرون أن الإسلام لا يكفل الحق في تغيير الدين. ومن هؤلاء كمال مغيث الذي يرى أن الذين ينادون بأن الإسلام يكفل حرية الاعتقاد فهمهم مجتزأ لما تعنيه، لأنها لا تقتصر فقط على حرية اختيار الدين فقط. ويقول إن سبب عدم إشارة بعض الكتّاب المسلمين إلى الحق في تغيير الدين بأنها مشمولة في الحق في حرية الاعتقاد هو أنهم يعرفون أن الحق في تغيير الدين يعني إمكانية تغيير الدين بعد اعتناق الدين الإسلامي، وهو ما اصطلح على تسميته "الردة" أي الكفر بعد الإسلام. وهو ما لا يكفله الإسلام لأن عقوبة المرتد في الإسلام هي القتل.

يرى مغيث كذلك أن الإسلام يكفل الحق في تغيير الدين للمسيحي أو اليهودي أو غيرهم إذا أرادوا الدخول في الإسلام، لكن ماذا إذا أراد هؤلاء الخروج من الإسلام؟ هذا الحق بالنسبة إليهم لن يعد قائمًا من وجهة نظر إسلامية، لأن حرية الاعتقاد التي كفلها الإسلام لغير المسلم لن تبقى له بعد دخوله في الإسلام. فالإسلام يكفل الدخول فيه لكن لا يكفل حق الخروج منه. وحرية الاعتقاد لا تشمل فقط حق الدخول في دين معين وإنما تشمل إمكانية الخروج منه. وفي تعليقه على حرية الاختيار في الآية "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" تساءل إن كانت، كما يقول بعض الفقهاء، تشمل الحرية في الاختيار قبل دخول الإسلام، فماذا بالنسبة للذي وجد نفسه مسلمًا بدون اختيار أي ولد لأب وأم مسلمين، وكان هو بالتبعية مسلمًا، فأين الاختيار؟[23]

كذلك يرى سليم نجيب أن حق تغيير الدين مشمول في حرية الاعتقاد استنادًا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لكنه مع ذلك يرى أن الإسلام لا يشمل الحق في تغيير الدين. ويمكن أن نستدل على ذلك من خلال ما أورده:

ما زالت أكثرية المسلمين وأنظمتهم تعتبر المسلم الذي يترك دينه مقترفًا لجريمة الردة مع أن الردة ليست جريمة. فليس لأحد أن يجبر في عبادة الله بخلاف ما يقتنع به ضميره. وان كانت قوانين الدول العربية لا تنص جميعها على قتل المرتد عملاً بالحديث النبوي "من بدل دينه فاقتلوه"، فإنها تمنع المرتد من الزواج، وتعتبر الردة بعد الزواج سببًا لفصله عن زوجته (حالة الدكتور نصر حامد أبو زيد وزوجته). كما أنه يحرم من وظيفته ويضطر الهروب من بلده (إن استطاع) للنجاة من الموت. إن الحرية الدينية في الإسلام وفي كل البلاد العربية الإسلامية هي طريق في اتجاه واحد فقط لا رجوع فيه (تطبيق حد الردة)[24].

ويضيف: "إن التسامح الذي يتصف به الفقه الإسلامي لا أساس له بتاتًا". مستدلاً على رأيه هذا بما قاله الكاتب الفرنسي بيرونسال هوجوز "إن حرية الدخول في الاسلام مطلقة أما حرية الخروج من الاسلام فمنعدمة ومستحيلة تمامًا"[25].

المبحث الخامس: الكتّاب الذين يرون أن الحق في تغيير الدين مشمول في حرية الاعتقاد وأن الإسلام لا يتعارض مع هذا الحق

النوع الأخير من الكتّاب يقر بشكل صريح بأن الحق في تغيير الدين مشمول في حرية الاعتقاد، وأن الإسلام لا يتعارض مع الحق في تغيير الدين، فعلى سبيل المثال يقرُّ سمير الجراح بأن حرية الاعتقاد يكفلها الإسلام. ونستدل على ذلك مما أورده:

يمكن القول بكل ثقة إن الإسلام قد سبق الإعلان العالمي في ضمان حرية الإنسان في حقه في معتقده[26].

كما يمكننا الاستدلال على أنه يدرك حقيقة المشكلة المتعلقة بالحق في تغيير الدين من وجهة نظر إسلامية من خلال ما قاله:

نأتي على القضية الخلافية الكبرى وهي "تغيير الدين" أو ما اصطلح على تسميته "بالردة"، أي الكفر بعد الإسلام. والسؤال المطروح هو: هل حرية الاعتقاد التي كفلها الإسلام لغير المسلم تبقى له بعد دخوله في الإسلام فلا يؤخذ بارتداده كما لم يؤخذ بعدم إيمانه قبل دخوله؟[27]

يتوصل الجراح إلى أن الإسلام لا يتعارض مع الحق في تغيير الدين بعد أن يسوق العديد من الأدلة التي استند عليها من آراء بعض المفكرين الذين دعوا إلى إعادة النظر في قضية الردة وعقوبة المرتد مستندين إلى تفسير آيات قرآنية وأحاديث نبوية من منطلق جديد،، وهي ما سنأتي على تفصيلها لاحقًا. ويقتبس الجراح من مفكري الإسلام وعلمائه الذين يقفون مع حرية الاعتقاد أمثال عبد المتعال الصعيدي الذي يقول:

الحرية الدينية حق عام لكل شخص في الإسلام، فلكل شخص في دولته، من مسلم وغيره، أن يعتمد ما يشاء وأن ينتقل من دينه إلى دين آخر في كل وقت وفي كل مكان ولا فرق في هذا بين دين ودين. ويجب أن يدخل في هذا الحكم دين الإسلام نفسه حتى لا يؤخذ عليه أنه يستعمل سلطاته ويميز في هذا نفسه على غيره[28].

كذلك يرى علاء الأسواني أن الحق في تغيير الدين مشمول في حرية الاعتقاد، وأن الإسلام لا يتعارض مع هذا الحق. ونتبين ذلك من خلال قوله:

لم يحدث أن أمر الإسلام بقتل من يتحول عنه إلى دين آخر. القرآن قد أرسى مبدأ عظيمًا عندما قال "لا إكراه فى الدين"، وهكذا كفل الإسلام حرية العقيدة، ولا يمكن تصور حرية العقيدة بغير أن يكون للإنسان الحق فى تغيير دينه. أما قتل المتحولين عن الإسلام فهو وجهة نظر لبعض رجال الدين تقابلها وجهة نظر آخرى قوية تؤكد أنه لا عقوبة على من يتحول عن الإسلام[29].

الفصل الثالث
رد الفقهاء على دراستي البنا والعوا حول عقوبة "الردة"

يدخل الحق في تغيير الدين ضمن ما يمكن أن يُطلق عليه في الإسلام "الردة". فكما يشير الدكتور جبر الفضيلات فإن الردة في اللغة وردت بمعاني كثيرة منها: الردة مصدر رده يرده من الارتداد، وفي حديث القيامة والحوض "إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم". والردة عن الإسلام: أي الرجوع عنه. ومنها عدم القبول: رد الشيء عليه إذا لم يقبله[30]. واختلفت تعريفات الردة الاصطلاحية لكنها تشير إلى أن الردة تحمل في معناها كفر المسلم بقول أو فعل يخرجه عن الإسلام[31].

تعتبر الردة من القضايا الحساسة جدًا، لأن جمهور الفقهاء يعتبرها حدًا من حدود الإسلام، وعقوبة المرتد القتل. وإن كنا سنتطرق إلى موضوع "الردة" فإننا لن ندخل في تفصيلاته الكثيرة جدًا، والتي لن تخدم أهداف دراستنا، لكننا سنركز فقط على إبرز القضايا الجدلية التي أثارها بعض المفكرين أمثال محمد سليم العوا[32] وجمال البنا[33]، إذ ظهرت دعوة من هؤلاء المفكرين إلى إعادة النظر في حد الردة مستندين إلى أدلة من القرآن والحديث، والتي أصبح يستند إليها عدد من الكتّاب مثل سمير الجراح وغيره للدلالة على أن الحق في تغيير الدين لا يتعارض مع الإسلام. هؤلاء المفكرون الذين أطلق عليهم الحداثيين أو التنويريين يدعون إلى عدم إغلاق الباب أمام الاجتهاد، كما كان الحال بالنسبة للعوا الذي يعتقد أن الذين أغلقوا الباب أمام الاجتهاد إما مقلدون أو لا يفهمون شيئًا. والمشكلة تكمن، من وجهة نظره، في أن "صوت المقلدين أعلى دائمًا من صوت المجتهدين"[34]. فكان اجتهاده واجتهاد غيره من المفكرين في قضية عليها اتفاق بين جمهور الفقهاء وهي الردة، فأثار هذا الاجتهاد ردودًا واسعة.

يمكن القول إن قضية عقوبة المرتد أثارت الكثير من الجدل بشكل واسع جدًا بعد أن فتح موقع إسلام أون لاين قضية للنقاش بعنوان: الردة هل تجاوزتها المتغيرات؟ قدم خلالها كلٌّ من العوا والبنا والقرضاوي دراسات حول الردة نشرت في الموقع بتاريخ 28-2-2002، وتراوحت آراء الثلاثة بين من اعتبر بأن عقوبة الردة هي حد من حدود الإسلام كما فعل القرضاوي[35]، وبين من اعتبرها ليست حدًا وإنما تعزيرًا كما جاء في رأي العوا[36]، وبين من وجد أنه لا عقوبة على المرتد كما كان الحال بالنسبة للبنا[37]. والقرضاوي، وإن كان يقر بحد الردة، إلا أنه يفرق بين الردة الغليظة والخفيفة، كما فرق الدكتور عبد الستار فتح الله بين الردة الكبرى والردة الصغرى، وكما فرق كمال المصري محرر صفحة استشارات دعوية بموقع إسلام أون لاين بين "الخروج من" الجماعة و"الخروج على" الجماعة. ويعتقد القرضاوي في دراسته أن الإجماع بين الفقهاء كان على عقوبة المرتد لكنهم اختلفوا في تحديدها، أما عقوبة القتل فاتفق عليها جمورها وهو رأي المذاهب الأربعة بل الثمانية كما قال. بينما نجد أن العوا يقر في نهاية دراسته أنه عندما اعتبر عقوبة المرتد تعزيرًا وليست حدًا[38] كان رأيه مخالفًا لما ذهب إليه جمهور الفقهاء، إذ رأى جواز قتل المرتد عقابًا على الردة ورأوا وجوب كون العقوبة قتله.

وحيث أن مجادلة كل من البنا والعوا هي التي أثارت جدلاً وردودًا مختلفة من الفقهاء، سنعمل على التركيز بشكل أساسي على أهم النقاط التي وردت في كل من دراستهما للدلالة على رأي كل منهما:

المبحث الأول: الآيات القرآنية التي تناولت الردة لم تشر إلى عقاب دنيوي

يتفق كل من العوا والبنا على أن الآيات القرآنية التي تناولت الردة لم تشر إلى عقاب دنيوي، باستثناء آية واحدة، أشار إليها العوا ولم يشر إليها البنا، والتي تشير إلى عقاب دنيوي وآخروي، ونستطيع أن نتبين ذلك من خلال ما قاله البنا:

أشار القرآن في عدد من الآيات[39] إلى الارتداد عن الإسلام، وهذه الآيات صريحة في إشارتها إلى الردة بعد الإسلام، ومع هذا فلم تُشِر أقل إشارة إلى عذاب دنيوي أو حدٍّ يوقع على المرتد، كما يوقع على السارق أو القاتل. وإنما كان العقاب المروع المخوف هو غضب الله.

وخلص البنا من ذلك إلى أن:

القرآن الكريم ذكر الردة ذكرًا صريحًا في أكثر من موضع، ولم يرتب عليها عقوبة دنيوية، ولو أراد لذكر[40].

وكذلك من خلال ما قاله العوا:

ورد ذكر الكفر بعد الإيمان - أي الردة - في القرآن الكريم في بضع عشرة آية. عبّر القرآن الكريم في بعضها بلفظ "الردة"، وفي بعضها بتعبير "الكفر بعد الإسلام". وعلى الرغم من ذلك فإن الآيات الكريمة[41] التي قدمنا نصوصها لا تشير من قريب أو من بعيد إلى أن ثمة عقوبة دنيوية يأمر بها القرآن لتُوقّع على المرتد عن الإسلام، وإنما يتواتر في تلك الآيات التهديد المستمر بعذاب شديد في الآخرة، ويُستثنى من ذلك ما أشارت إليه آية سورة التوبة رقم: 74، التي يتضمن نصها الوعيد بعذاب أليم في الدنيا والآخرة[42].

رأي كل من هذين المفكرين بأنه لم تكن هناك آيات قرآنية تشير إلى عقوبة دنية في القرآن لحد الردة، لم يرض بعض الفقهاء الذين يعتقدون أن هناك أدلة شرعية من القرآن يمكن استنباطها على أنها تشير إلى حد القتل للمرتد، ومن هؤلاء د. محمد المسير أستاذ العقيدة بكلية أصول الدين في جامعة الأزهر الذي وجه خطابه إلى من ينكرون حد الردة واصفًا إياهم بأنهم يطعنون في العلماء والفقهاء على مر التاريخ الإسلامي كله، معتبرًا أن هناك حدًا للردة يمكن الاستدلال عليه من آيات القرآن الواضحة على ثبوت حد الردة، منها قوله تعالى: "ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتِّلوا تقتيلاً" (الأحزاب: 61) وهؤلاء هم المرتدون الذين وصفتهم الآية بالمرجفين، فهذه الآية صريحة في حكم قتل المرتدين؛ وقوله تعالى: "لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلاً. ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقُتِّلوا تقتيلا". وقال:

إن هذه الآية صريحة في بيان حكم المرتدين، فضلاً عن قوله تعالى: "يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير"، والمنافقين هنا كما فسرها هم المرتدين والغلظ هو القتل، والآية: "وإنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا أن يُقتّلوا أو يُصلّبوا أو تُقطّع أيديهم وأرجلُهم من خلاف أو يُنفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم"، يدخل تحتها المرتدون؛ لأنهم مُعتدون على الدين، وخارجون عن الإسلام[43].

إضافة إلى ذلك فقد وجّه الدكتور المسير نقده للذين لا يرون أن هناك إشارة بالقرآن لوجود عقوبة دنيوية للمرتد بالقول إن الأحكام المتعلقة بالمرتد لا تقتصر فقط على عقوبة القتل، والتي تُوقع على المرتد كفرًا لا حدًا، بمعنى أنها ليست كفارة له، كما في الحدود الأخرى، إلى جانب أنه لا يُغسل، ولا يُصلى عليه، ولا يُدفن في مقابر المسلمين، ويُفرق بينه وبين زوجته، وتسقط ولايته عن أبنائه، ولا تؤكل ذبيحته، ولا يتزوج امرأة مطلقًا، سواء مسلمة أم غير مسلمة، ولا يرث، ولا يورث.

المبحث الثاني: حرية الاختيار في الآيتين "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" و"لا إكراه في الدين"

غالبية الكتّاب عندما يريدون الاستدلال على أن الإسلام يكفل حرية الاعتقاد فإنهم يشيرون إلى أن الإسلام يكفل حرية الاختيار ويستدلون بآيات كثيرة من بينها الآية: "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، والآية: "لا إكراه في الدين". وأكد العوا أن آية "لا إكراه في الدين" ليست منسوخة كما تشير بعض الأقوال، مستدلاً على صحة رأيه بالعديد من الأحاديث. فيما رفض البنا أي تدخُّل للسلطة تحت أي اسم كان، وبأي صفة اتصفت، بين الفرد وضميره، حيث قال إن الاعتقاد يجب أن يقوم على حرية الفرد واطمئنان قلبه التي أكدتها مئات الآيات، وبالنسبة لكل أبعاد قضية الإيمان، وأن المعول والأساس هو القلب والإرادة، وصرح القرآن بأنه ليس للأنبياء من دخل في هذا بضغط أو قسر، وأنه لا إكراه في الدين، وأن من شاء فله أن يؤمن ومن شاء فله أن يكفر.

وتأتي ردود الفقهاء على ما جاء به كل من العوا والبنا مختلفة. نجد مثلاً أن الشيخ محمد حسن عبد الغفار يرد في محاضرة له على الأقوال التي جاء بها كل منهما فيما يتعلق بالآية "لا إكراه في الدين" بأن هذه الآية، كما جاء في أحد الأقوال، منسوخة، لكن هناك أقوال أخرى، فمنهم من قال إنها غير منسوخة لكنها خاصة بأهل الكتاب، أي لا تكرهوا أهل الكتاب على الدين لكن خذوا منهم الجزية. القول الثالث هو أنها خاصة في بعض الأنصار، فكانت امرأة أنصارية كلما أنجبت مات ابنها فلما جاء الإسلام أرادت أن تكرهه، أن تنصره، فنزلت الآية لا إكراه في الدين. والقول الآخر الذي ورد فيها أنها إرشادية أي أنه لا إكراه في الدين؛ فالدين، كما يقول، واضح جلي كله براهين والعقل الجلي السديد يرى براهين الدين فيدخل فيه. ويضيف فيما يتعلق بالآية: "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"، بأنها آية خاصة، أمرٌ من الله لمحمد أمره أن يقول للكفار من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، وليس المقصود منها مخاطبة المرتدين[44].

أما بالنسبة للدكتور محمد المسير فيرى أن قوله تعالى: "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" هو أسلوب تهديد وليس اختيار، وإلا فُهم من قوله تعالى: "اعملوا ما شئتم" بأنها دعوى للفوضى. فيما فسر الدكتور نصر فريد واصل، مفتي مصر السابق، نصوص حرية الاختيار في القرآن قائلاً:

الاختيار المقصود في النصوص اختيار البداية، فالدخول في الإسلام يكون برغبة واختيار، ولكن الخروج منه يختلف ولا يقر عليه، وليس له الحق في ذلك؛ لأنه دخل غير مكره، فيستتاب ثم يعاقب بالحد الذي اتفق عليه الفقهاء؛ حماية للجماعة المسلمة.

ورد واصل على من يفسرون قوله تعالى: "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" بأنه يعني أن الإسلام أباح للإنسان - حتى لو كان مسلمًا - حرية الارتداد على دينه، قائلاً: إن هذا ليس المقصود من الآية الكريمة، وإنما الصحيح هو: فمن شاء فليؤمن بالإسلام الحقيقي الكامل، الذي هو دين لكل الأنبياء والرسل، ومن شاء فليكفر، أي يبقى على دينه وعقيدته، ولا يدخل في الإسلام من الأساس. وأوضح أن هناك كثيرًا من الأدلة من النصوص القرآنية التي تؤكد أن من يخرج عن هذا الدين بعد أن دخله باختياره يعد خارجًا عن هذه الجماعة، منها قوله تعالى: "إن الدين عند الله الإسلام"، وقوله تعالى: "ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين".

فيما اعتبر الدكتور محمد كمال إمام، أستاذ ورئيس قسم الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية، أنه لا يوجد أي نوع من التناقض بين قول الله تعالى: "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليفكر"، وقوله تعالى: "لا إكراه في الدين"، وبين تطبيق حد الردة في الإسلام[45].

المبحث الثالث: الأحاديث النبوية في شأن عقوبة الردة

يرى العوا أنه لا يكاد يخلو كتاب من كتب الفقه الإسلامي من الإشارة إلى بعض آيات الكتاب العزيز التي تتحدث عن الردة، وما توعد الله عز وجل به المرتد في الآخرة. غير أن الأساس الذي يستند إليه الفقهاء في شأن عقوبة المرتد وكونها من عقوبات الحدود هو بعض أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم. وأكثر هذه الأحاديث تداولاً على أقلام الفقهاء وفي كتبهم ثلاثة أحاديث هي: حديث المحاربين من عكل وعرينة، وقد رواه البخاري ومسلم وغيرهما وغيرهما عن أنس رضي الله عنه:

أن نفرًا من عكل ثمانية قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبايعوه على الإسلام، فاستوخموا، فسقمت أجسامهم، فشكوا ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: أفلا تخرجون مع راعينا في إبله فتصيبون من ألبانها وأبوالها؟ قالوا: بلى. فخرجوا فشربوا من ألبانها وأبوالها فصحوا، فقتلوا راعي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأطردوا النعم، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل في آثارهم، فأُدركوا فجِيء بهم، فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم، ثم نبذهم في الشمس حتى ماتوا.

وفي بعض الروايات أنه كان للإبل "رعاة" وأن العرنيين قتلوهم ومثّلوا بهم. ويرى العوا أن بعض العلماء قد فهموا من هذا الحديث أن العقوبة التي وقّعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هي العقوبة المقررة للمرتد؛ أما الرأي السائد بين جمهور العلماء - وهو الصحيح من وجهة نظرنا - فهو أن النفر من عكل وعرينة لم يُقتلوا لمجرد الردة، وإنما قتلوا لكونهم محاربين. وفي ذلك يقول ابن تيمية: "هؤلاء قتلوا مع الردة، وأخذوا الأموال، فصاروا قطاع طريق، ومحاربين لله ورسوله".

الحديث الذي أشار إليه العوا هو الحديث الذي رواه البخاري وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما: "من بدل دينه فاقتلوه". وكذلك الحديث الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمارق من الدين التارك للجماعة". حيث يرى العوا أن هذا الحديث لا يقرِّرُ حكم الردة المجردة، وإنما يقرر حكم المحارب. والمحارب يُقتل سواءً أكان مسلمًا أو غير مسلم. فلا يسوغ الاستناد إلى قوله صلى الله عليه وسلم: "المارق من الدين المفارق للجماعة" في إثبات عقوبة القتل حدًا للمرتد.

أما بالنسبة لحديث "من بدل دينه فاقتلوه" فكان رأي العوا حول هذا الحديث فيما لو صح سنده، كما قال، فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - إنما أراد بهذا الحديث أن يبيح لأمته قتل المرتد تعزيرًا. فيما كان رأى البنا حول هذا الحديث مختلفًا عن العوا حيث يجده مشكلاً، حيث يخلص البنا أن العقاب الدنيوي لهذه الجناية يثبته الفقهاء بحديث يُروى عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من بدل دينه فاقتلوه" (رواه الجماعة إلا مسلمًا). وتساءل: هل كان المراد من بدّل دينه من المسلمين فقط، أو هو يشمل من تنصر بعد أن كان يهوديًا مثلاً؟ وهل يشمل هذا العموم الرجل والمرأة؛ فتقتل المرأة أيضًا إذا ارتدت أم هو خاص بالرجل، وعليه فلا تُقتل المرأة بالردة؟ ويخلص إلى أنه من أحاديث الآحاد، ولا تثبت الحدود بحديث الآحاد. يتماشى العوا مع رأي البنا بخصوص عدم قتل المرأة بالردة، حيث نلمس ذلك مما استدل به العوا على رأي الأحناف عندما قال:

يُورِد الأحناف على الحديث (المقصود هنا حديث "من بدل دينه") قيدًا آخر يخصصون به عموم لفظه، حيث يرون أن المرتدة لا تقتل.

وبالنسبة لاعتبار حديث "من بدل دينه فاقتلوه" أحاديًا ولا تثبت الحدود من أحاديث الآحاد، يقول الشيخ محمود المراكبي في رده على البنا:

إن هذا الحديث حديث مشهور قارب حد التواتر، رواه ثمانية من الصحابة: أبو هريرة، وعلي بن أبي طالب، وابن عباس، ومعاذ بن جبل، ومعاوية بن حيدة الأنصاري، وعبد الله بن عمر، والحسن بن علي بن أبي طالب، وزيد بن أسلم، وأرسله الحسن البصري، وورد 104 مرة في مصادر الحديث الشريف وفق استقصاء برنامج جوامع الكلم، وهو أول جمع حقيقي للسنة المطهرة. يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من بدّل دينهُ فاقتلوه»، وفي رواية: «من رجع عن دينه فاقتلوه»، وفي لفظ: «من ارتد عن دينه فاقتلوه»، وفي لفظ: «من بدل دينه فاقتلوه»، هكذا جاءت النصوص بلا أي قيد أو شرط، وليس كما أوردتم أن حد المرتد قيدته روايات أخرى اشترطت محاربة المرتد للمسلمين، فخصصتم الحد ولا يوجد في نصوص الأحاديث هذا التخصيص الذي دار حوله النقاش في حلقة الوسطية.

ويضيف المراكبي إن قومًا من أتباع عبد الله بن سبأ زعموا أن عليّ بن أبي طالب هو الله، فلما بلغه ذلك جمعهم واستتابهم ثلاثًا ثم حفر لهم وأوقد في الحفرة نارًا ليخوفهم حتى يرجعوا عن كفرهم، فلما أبوا حرقهم وألقاهم فيها، والقصة يرويها البخاري في صحيحه: فلما بلغ ابن عبّاس ذلك، فقال: لو كنتُ أنا لم أحرِّقهم لأنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: لا تعذِّبوا بعذاب اللّه، ولقتلتهمْ»، كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «من بدّل دينهُ فاقتلوه».إن ابن عباس أقر عليًا على قتلهم ولكنه توقف في حرقهم بالنار لأن النار لا يعذب بها إلا الله. ولما عرف علي تعليق ابن عباس قال: ويح ابن أمِّ الفضل، إنّهُ لغوّاصٌ على الهنات، وأقر بأنه أخطأ بحرقهم[46].

أما القرضاوي، ففي رده على أن العقوبة لا تثبت بأحاديث الآحاد، فقد قال:

جمهور الفقهاء المذاهب الأربعة أو المذاهب الثمانية تقول بعقوبة القتل. ويقال إن بعض الناس تشكك في العقوبة وتشير إلى أن القرآن لم يأت بالعقوبة وإنما السُنة جاءت به. وبعضهم يقول، حتى شيخنا الشيخ شلتوت رحمه الله في كتابه الإسلام عقيدة وشريعة قال هذا، ثبت هذا بحديث أحاد. وبعض العلماء يقولون إن أحاديث الأحاد لا تثبت بها الحدود. وأنا أقول: أولاً القرآن أشار إلى عقوبة الردة في آية سورة المائدة "إنّما جزاءُ الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا أن يقتّلوا أو يصلّبوا" إلى آخره. بعض السلف، مثل أبي قلابة وغيره، قالوا هذه في المرتدين، يعني جعلوا هذه الآية. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية المحاربة بإشاعة الكفر أشد من المحاربة بإشاعة الاضطراب في الأمن، يعني إفساد الدين على الناس أهم من إفساد الدنيا، فاعتبر هؤلاء يحاربون الله، واعتبر الآية نزلت في هذا. هناك أيضا آية "يا أيُّها الذين آمنوا من يرتدُّ منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقومٍ يحبُّهمْ ويحبُّونهُ أذلةٍ على المؤمنين أعزةٍ على الكافرين يجاهدون في سبيل الله". وهذه الآية تعني وجود أناس سيقاموا الردة بالقوة، فهذه إشارات قرآنية مهمة. ثم أن الردة لم تثبت بحديث أحاد، وحديث واحد، وإنما ثبتت بأحاديث مستفيضة. على الأقل عندي عشرة أحاديث من عشرة من الصحابة، عشر أحاديث صحاح من عشرة من الصحابة عن عثمان وعلي وعائشة وابن مسعود وابن عباس وأبي موسى الأشعري ومعاذ ابن جبل وأنس وأبي هريرة ومعاوية[47].

ويرد المراكبي على البنا بشأن عقوبة المرتد إن كانت خاصة بالرجل وليس بالمرأة بالقول:

أبو بكر الصديق أقام حد الردة على امرأة: فقد قتل أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - امرأة ارتدت بعد إسلامها يقال لها أم قرفة، وعند البيهقي أن أبا بكر استتابها فلم تتب فقتلها[48].

أما في رد الشيخ محمد عبد الغفار على العوا بالنسبة لحديث التارك لدينه المفارق للجماعة فيقول:

قالوا: إن المفارق للجماعة معناه: أنه يفارق الجماعة بعدما كان في وطن المسلمين وهو مسلم بينهم وارتد وبدل وذهب وناصر أهل الكفر على أهل الإسلام، فهذا هو الوحيد الذي عليه حد؛ لأنه فارق الجماعة إلى جماعة الكافرين، وحتى في هذه الحالة لم يقولوا: هذا حد ردة، بل قالوا: هو محارب، والمحارب يقتل. أي: لا يوجد ردة أيضًا. ونقول، أولاً أما قول النبي صلى الله عليه وسلم: "المفارق للجماعة"، فهو صفة كاشفة، أي: إنَّ التارك لدينه هو الذي فارق الجماعة. ثانيًا: إنَّ التارك لدينه فارق الجماعة؛ لأن التارك لدينه قد فارق جماعة المسلمين عن دينهم الإسلام إلى دين الكفر. ثالثًا: إنَّ التارك لدينه المفارق للجماعة هو أغلظ من التارك لدينه فقط دون المفارق للجماعة. رابعًا: قد جاءنا الدليل الذي لا احتمال فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من بدل دينه فاقتلوه"، يعني: من ارتد عن دين الله، والتارك لدينه، حكمه القتل. وأغلظ منه وأعتى منه وأشد وأنكى من ترك دينه ثم ذهب إلى الكفار يحارب معهم ضد المسلمين، فيكون أغلظ من ذلك، فيقتل في كل الأحوال، ولا يقبل منه توبة ولا يقبل منه شيء[49].

المبحث الرابع: النبي عليه السلام ما أقام حدًا بحال من الأحوال وعفا عمن ارتد

من الأدلة التي يسوقها كلٌّ من البنا والعوا للدلالة على صحة رأي كل منهما أن النبي عليه السلام لم يطبق حد الردة، ونستدل على ذلك من قول العوا:

الأحاديث التي ورد فيها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتل مرتدًّا أو مرتدة أو أمر بأيهما أن يُقتل، كلها لا تصحُّ من حيث السند. ومن ثم فإنه لا يثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عاقب على الردة بالقتل.

وأيضا من قول البنا:

لم يرِد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قتل مرتدًا لمجرد ارتداده، على كثرة المنافقين الذين كفروا بعد إيمانهم.

كما يسوق كل منهما العديد من الأمثلة التي تظهر من وجهة نظرهما أن الرسول لم يثبت أنه عاقب من ارتد، وعفا عمن ارتد.

يأتي رد الشيخ عبد الغفار على كل من العوا وجمال فيما ذهبا إليه بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقم الحد، بقوله:

الرد على هذا القول من وجوه، الوجه الأول: قد أقام النبي صلى الله عليه وسلم الحد، فقد نقل الحافظ ابن حجر في السير أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام حد الردة على امرأة بعدما أمهلها ثلاثًا. الوجه الثاني: أن رواية لم يقم النبي صلى الله عليه وسلم الحد، رواية ضعيفة، ولو قلنا: لم يفعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فقد قال ذلك، وقول النبي صلى الله عليه وسلم يقدم على فعله، بل قول النبي تشريع، كما أن فعل النبي تشريع، وقول النبي أقوى في التشريع، وقد قال: "من بدل دينه فاقتلوه". فإن قالوا: لا نقبل هذا الحديث، قلنا: معاذ رضي الله عنه وأرضاه قتل رجلاً ارتد، ولم يفعل ذلك معاذ إلا بدليل، وهذه تسمى سنة تقريرية. فإن قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم ذلك، قلنا: قد علم رب محمد ذلك، فلو كان هذا من الخطأ بمكان لأعلمه النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن رب السماوات والأرض هو الذي يشرع، وقد اطلع على ما فعل معاذ، فقد أقر رب معاذ فعل معاذ قبل أن يقر رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل معاذ، فكانت سنة تقريرية[50].

الخلاصة:

توصلت الدراسة إلى أن الحق في تغيير الدين ملتبس، رغم أنه من الحقوق التي كفلتها المواثيق الدولية؛ فحرية الاعتقاد، كما جاء في دليل المحاكمات العادلة الصادر عن منظمة العفو الدولية، من الحريات التي لا يجوز تقييدها قط. ورغم أن هناك إجماع بين المواثيق الدولية والإقليمية على أن حرية الاعتقاد حرية مكفولة لكل فرد، وتم النص على هذه الحرية بشكل صريح ومباشر ولا مجال للبس فيه، ولم تختلف عن ذلك حتى المواثيق العربية، إلا أنه لم يشر، بنفس الوضوح والصراحة، إلى أن الحق في تغيير الدين مشمول في الحق في حرية الاعتقاد في جميع المواثيق الإقليمية والدولية، وتراوحت هذه المواثيق الدولية والإقليمية بين أن يكون هذا الحق مشمولاً في الحق في حرية الاعتقاد، وأكدت عليه بشكل صريح ومباشر، وبين أن يكون مشمولاً في الحق في حرية الاعتقاد بشكل ضمني، أو لم يشر إليه على الإطلاق كما هو الحال بالنسبة للمواثيق الإقليمية العربية، وربما يعود ذلك إلى خصوصية الشريعة الإسلامية في المنطقة العربية وغيرها من دول العالم الإسلامي التي تعتبر أن الحق في تغيير الدين قد يتعارض معها بسبب تعارضه مع ما يطلق عليه في الإسلام الردة، وعقوبة المرتد حسب جمهور الفقهاء هي القتل. وإغفال المواثيق العربية للإشارة إلى الحق في تغيير الدين إنما يعبر عن خصوصية المنطقة العربية وقيمها الدينية.

كما توصلت الدراسة إلى وجود خمسة أنواع من الكتَّاب في كيفية تناولهم الحق في تغيير الدين من حيث ارتباطه بالحق في حرية الاعتقاد ورؤيتهم لموقف الإسلام منه. الصنف الأول يشمل الكتَّاب الذين يرون أن الإسلام يكفل حرية الاعتقاد دون الإشارة بشكل صريح إلى الحق بتغيير الدين. والثاني يشمل الكتَّاب الذين يشيرون بشكل ضمني إلى أن الحق بتغيير الدين مشمول في حرية الاعتقاد وأنها مكفولة في الإسلام لكن بشكل مشروط ومقيد. والنوع الثالث من الكتَّاب الذين يعتقدون أن الحق بتغيير الدين مشمول في حرية الاعتقاد لكن دون الإشارة لموقف الإسلام منه. والنوع الرابع من الكتَّاب الذين يرون أن الحق في تغيير الدين مشمول في حرية الاعتقاد وأن الإسلام يتعارض مع هذا الحق. أما النوع الأخير فيتضمن الكتَّاب الذين يرون أن الحق في تغيير الدين مشمول في حرية الاعتقاد وأن الإسلام لا يتعارض مع هذا الحق.

توصلت الدراسة أيضًا إلى أن الإشارة الصريحة لرؤية الكتَّاب لموقف الإسلام من الحق في تغيير الدين، سواء تلك التي تعتبر أن الإسلام يتعارض مع الحق في تغيير الدين أو التي تعتبر أنه لا يتعارض، برزت بشكل كبير بعد دراستي جمال البنا ومحمد سليم العوا اللتان نشرتا في العام 2002 في موقع إسلام أون لاين، فبينما توصل البنا في دراسته إلى أن الردة عقوبتها آخروية وليست دنيوية، ولا عقوبة على المرتد، توصلت دراسة العوا إلى أن عقوبة الردة تعزيرًا وليست حدًا، وبذلك خالفت نتيجة الدراستين، عندما اعتبرت أن عقوبة الردة لا توجب القتل، جمهور الفقهاء. فكانت نتيجة هاتين الدراستين سببًا في ظهور نوع من الكتَّاب الذين يدافعون عن أن الإسلام لا يتعارض مع الحق في تغيير الدين، مستندين إلى هاتين الدراستين للدلالة على صحة رأيهم.

وأثارت نتيجة الدراستين الكثير من الجدل بين الفقهاء المحتجين على تلك النتيجة، فكان ردهم في استنادهم إلى أن الآيات القرآنية التي تناولت الردة لم تشر إلى عقاب دنيوي هو وجود آيات قرآنية أخرى تشير عقوبة دنيوية للمرتد. وفيما استدل به على أن الإسلام يكفل حرية الاختيار آية "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" وآية "لا إكراه في الدين". وقد كانت ردود الفقهاء على تفسير هاتين الآيتين مختلفة، فمنهم من اعتبر أن هاتين الآيتين لم يكن المقصود منهما مخاطبة المرتدين، ومنهم من رد بأن هاتين الآيتين المقصود منهما تحديد اختيار الدخول للإسلام وليس الخروج منه. وفي استناد العوا والبنا إلى الأحاديث النبوية التي تشير إلى عقوبة الردة بأنها إما إحادية ولا تثبت الحدود بالأحاديث الأحادية، أو أن الأحاديث لم يكن المقصود منها حكم الردة وإنما حكم المحارب. فمنهم من جاء رده بأن حديث "من بدل دينه فاقتلوه" الذي قالوا عنه أحادي، إنما هو حديث مشهور جاء بروايات عدة بلغت حد التواتر، ومنهم من جاء رده بأن هناك إشارات إلى عقوبة الردة، ليست فقط في هذا الحديث وإنما من القرآن وأفعال السلف من الصحابة والتابعين. وكان الرد على ما جاء بخصوص أن بعض الأحاديث المقصود منها حكم المحارب وليس حكم الردة بأن التارك لدينه الواردة في الحديث هي صفة كاشفة، أي: إن التارك لدينه هو الذي فارق الجماعة وليس المقصود المحارب. وفي استناد كل من العوا والبنا إلى أن النبي عليه السلام ما أقام حدًا بحال من الأحوال وعفا عمن ارتد، فكان الرد بأن معاذ رضي الله عنه قتل رجلاً ارتد وكان ذلك في عهد النبي وسكت عن هذا الفعل النبي وهذا يسمى بالسنة التقريرية.

*** *** ***

المراجع:

الوثائق الدولية والإقليمية

1.    الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان، (سان خوسيه: 22/11/1969)، http://www.wfrt.net/doc/amrdoc.htm

2.    الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، (روما: 4/11/1950)، http://www1.umn.edu/humanrts/arab/euhrcom.html

3.    الإعلان الأمريكي لحقوق وواجبات الإنسان، قرار رقم 30 الذي اتخذه المؤتمر الدولي التاسع للدول الأمريكية، (منظمة الدول الأمريكية: 1948)، http://www1.umn.edu/humanrts/arab/am15.html

4.    الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، (النسخة العربية) اعتمد ونشر على الملأ بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 217 ألف (د-3) 10/12/1948، http://www1.umn.edu/humanrts/arab/b001.html

5.    إعلان بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد، اعتمد ونشر على الملأ بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 36/55، 25/11/1981، http://www1.umn.edu/humanrts/arab/b017.html

6.    العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية، اعتمد وعرض للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2200 ألف (د-21)، 16/12/1966، تاريخ بدء النفاذ: 23/3/1976، http://www1.umn.edu/humanrts/arab/b003.html

7.    مشروع ميثاق حقوق الإنسان والشعب في الوطن العربي، (سيراكوزا: 5-12 كانون الأول/1986)، http://www1.umn.edu/humanrts/arab/arab-draft.html

8.    الميثاق الأسيوي لحقوق الإنسان، (هونك كونج: لجنة أسيا لحقوق الإنسان، 17/5/1998)، ص. 15، تم تحميله من موقع لجنة أسيا لحقوق الإنسان، http://material.ahrchk.net/charter/pdf/charter-final.pdf

9.    الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، (نيروبي (كينيا): يونيو 1981)، http://www1.umn.edu/humanrts/arab/a005.htm

10.                       ميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الاوروبي، ديسمبر 2000، http://www1.umn.edu/humanrts/arab/eu-rights-charter.html

11.                       الميثاق العربي لحقوق الإنسان، (تونس:  23/5/2004)، http://www1.umn.edu/humanrts/arab/a003-2.html

12.                       الميثاق العربي لحقوق الإنسان، اعتمد ونشر على الملأ بموجب قرار مجلس جامعة الدول العربية 5427، 15/9/1997، http://www1.umn.edu/humanrts/arab/a003.html

الكتب:

1.    دليل المحاكمات العادلة، (منظمة العفو الدولية، 2003)، تم تحميل الكتاب من موقع العروبة، http://www.arablaw.org/Download/Justice_Trial_Guide.doc

2.    جبر محمود الفضيلات، أحكام الردة والمرتدين، عمان، الدار العربية، 1987.

3.    سمير الجراح، الإسلام والإعلان العالمي لحقوق الإنسان في سمير الجراح وآخرون، قراءات في الإسلام والديمقراطية، واشنطن، مركز دراسات الإسلام والديمقراطية، 2007.

4.    صبحى عبده سعيد، الإسلام وحقوق الإنسان، دار النهضة، القاهرة، 1994.

5.    عبد الهادي عباس، حقوق الإنسان: الجزء الثالث، دار الفاضل، دمشق، 1995.

6.    فيصل شطناوي، حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، دار الحامد، عمان، 1997.

7.    مالك بن نبي، مشكلات الحضارة: تأملات، دار الفكر المعاصر، بيروت، 1960.

8.    نعمان عبد الرزاق، أحكام المرتد في الشريعة الإسلامية، الدار العربية للطباعة والنشر، بيروت.

دراسات ومقالات:

1.    جمال البنا، قضية الردة هل تجاوزتها المتغيرات؟ لا عقوبة للردة وحرية الاعتقاد عماد الإسلام، موقع إسلام أون لاين، 28-2-2002. http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1175008662205&pagename=Zone-Arabic-Shariah%2FSRALayout

2.    جميل قاسم، ما الحرية؟، الموسوعة الإسلامية، 2000. http://www.balagh.com/mosoa/mabade/rj0zgev7.htm

  1. سليم نجيب، حرية العقيدة في الإسلام وفي مصر، موقع إيلاف، 11-12-2004. http://www.elaph.com/AsdaElaph/2004/12/28501.htm?sectionarchive=AsdaElaph
  2. سميرة سليم، إشكاليات الردة وحالات الالتباس الديني، موقع شبكة الإعلام العربية محيط، 24-9-2007. http://www.moheet.com/show_files.aspx?fid=34562
  3. عبد الستار قاسم، الإسلام والديمقراطية: رؤية اجتهادية في مسألة الحريات، إسلام أون لاين، 2006. http://www.antomlife.net/Arabic/contemporary/politic/2001/article4-3.shtml
  4. علاء الأسواني، لماذا يكره الغربيون الإسلام، الدستور، 3-12-2008. http://www.ebnmasr.net/forum/t75383.html
  5. محمد سليم العوا، قضية الردة هل تجاوزتها المتغيرات؟ عقوبة الردة تعزيرًا لا حدًا، موقع إسلام أون لاين، 28-2-2002. http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1175008661609&pagename=Zone-Arabic-Shariah%2FSRALayout
  6. محمود المراكبي، حكم الردة في الإسلام، موقع مجلة التوحيد، 1-1-2008. http://www.altawhed.com/Detail.asp?InNewsItemID=249828
  7. يوسف القرضاوي، الإسلام والحرية والإبداع: حرية الحقوق لا حرية الفسوق، موقع إسلام أون لاين، 4-11-2000. http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1181062680165&pagename=Zone-Arabic-ArtCulture%2FACALayout
  8. يوسف القرضاوي، قضية الردة هل تجاوزتها المتغيرات؟ خطورة الردة ومواجهة الفتنة، موقع إسلام أون لاين، 28-2-2002.

http://www.islamonline.net/Arabic/contemporary/2002/02/article2a.shtml

مقابلات ومحاضرات

1.    حسن عبد الموجود، في حوار خاص عن "الأزهر والمستقبل". محمد سليم العوا: الذين أغلقوا الباب أمام الاجتهاد إما مقلدون أو لايفهمون شيئًا، أخبار الأدب، 2-2-2003، العدد 499. http://www.el-awa.com/?section=Article&ArticleID=118

2.    كمال مغيث، خبير بالمركز القومي للبحوث التربوية والتنمية. مقابلة شخصية، 8-11-2008.

3.    محمد حسن عبد الغفار، محاضرة بعنوان: شبهات حول الردة، (دبي: مسجد سلمان الفارسي، 3-4-2006)، تم تحميل المحاضرة من موقع طريق الإسلام، http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=52244

4.    يوسف القرضاوي، مقابلة تلفزيونية بعنوان الحرية الدينية والفكرية، (تلفزيون الجزيرة، 1-2-2005). http://www.aljazeera.net/channel/archive/archive?ArchiveId=113763


 

horizontal rule

[1] المادة 18، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، النسخة العربية. اعتمد ونشر على الملأ بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 217 ألف (د-3) 10/12/1948، http://www1.umn.edu/humanrts/arab/b001.html

[2] المادة 12، الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان، سان خوسيه: 22/11/1969، http://www.wfrt.net/doc/amrdoc.htm

[3] المادة 9، الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، روما: 4/11/1950، http://www1.umn.edu/humanrts/arab/euhrcom.html

[4] المادة 10، ميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الاوروبي، ديسمبر 2000، http://www1.umn.edu/humanrts/arab/eu-rights-charter.html

[5] المادة 6، الميثاق الآسيوي لحقوق الإنسان، هونك كونج: لجنة آسيا لحقوق الإنسان، 17/5/1998، ص 15. تم تحميله من موقع لجنة آسيا لحقوق الإنسان: http://material.ahrchk.net/charter/pdf/charter-final.pdf

[6] المادة 18، العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية، اعتمد وعرض للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2200 ألف (د-21)، 16/12/1966، تاريخ بدء النفاذ: 23/3/1976. http://www1.umn.edu/humanrts/arab/b003.html

[7] المادة 1، إعلان بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد، اعتمد ونشر على الملأ بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 36/55، 25/11/1981. http://www1.umn.edu/humanrts/arab/b017.html

[8] المادة 8، الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، نيروبي (كينيا): يونيو 1981. http://www1.umn.edu/humanrts/arab/a005.html

[9] المادة 3، الإعلان الأمريكي لحقوق وواجبات الإنسان، قرار رقم 30 الذي اتخذه المؤتمر الدولي التاسع للدول الأمريكية، منظمة الدول الأمريكية: 1948. http://www1.umn.edu/humanrts/arab/am15.html

[10] المادة 30، الميثاق العربي لحقوق الإنسان، تونس: 23/5/2004. http://www1.umn.edu/humanrts/arab/a003-2.html

[11] المادة 26، الميثاق العربي لحقوق الإنسان، اعتمد ونشر على الملأ بموجب قرار مجلس جامعة الدول العربية 5427، 15/9/1997. http://www1.umn.edu/humanrts/arab/a003.html

[12] المادة 9، مشروع ميثاق حقوق الإنسان والشعب في الوطن العربي، سيراكوزا: 5-12 كانون الأول 1986. http://www1.umn.edu/humanrts/arab/arab-draft.html

[13] سمير الجراح، الإسلام والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. سمير الجراح وآخرون، قراءات في الإسلام والديمقراطية، واشنطن، مركز دراسات الإسلام والديمقراطية، 2007، ص 6-7.

[14] دليل المحاكمات العادلة، منظمة العفو الدولية، 2003، ص 152. تم تحميل الكتاب من موقع العروبة: http://www.arablaw.org/Download/Justice_Trial_Guide.doc

[15] فيصل شطناوي، حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، عمان، دار الحامد، 1997، ص 22.

[16] جميل قاسم، ما الحرية؟، الموسوعة الإسلامية، 2000. http://www.balagh.com/mosoa/mabade/rj0zgev7.htm

[17] عبد الستار قاسم، الإسلام والديمقراطية: رؤية اجتهادية في مسألة الحريات، إسلام أون لاين، 2006. http://www.antomlife.net/Arabic/contemporary/politic/2001/article4-3.shtml

[18] مالك بن نبي، مشكلات الحضارة: تأملات، بيروت، دار الفكر المعاصر، 1960، ص 84.

[19] صبحى عبده سعيد، الإسلام وحقوق الإنسان، القاهرة، دار النهضة، 1994، ص 102-103.

[20] يوسف القرضاوي، الإسلام والحرية والإبداع: حرية الحقوق لا حرية الفسوق، موقع إسلام أون لاين، 4/11/2000. http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1181062680165&pagename=Zone-Arabic-ArtCulture%2FACALayout

[21] عبد الهادي عباس، حقوق الإنسان: الجزء الثالث، دمشق، دار الفاضل، 1995، ص 100.

[22] المصدر السابق، ص 104.

[23] كمال مغيث، خبير في المركز القومى للبحوث التربوية والتنمية. مقابلة شخصية، 8-11-2008.

[24] سليم نجيب، حرية العقيدة في الإسلام وفي مصر، موقع إيلاف، 11-12-2004. http://www.elaph.com/AsdaElaph/2004/12/28501.htm?sectionarchive=AsdaElaph

[25] المصدر السابق.

[26] سمير الجراح، الإسلام والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، مصدر سابق، ص 8.

[27] سمير الجراح، الإسلام والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، مصدر سابق، ص 9.

[28] سمير الجراح، المصدر السابق، ص 15.

[29] علاء الأسواني، لماذا يكره الغربيون الإسلام، الدستور، 3-12-2008. http://www.ebnmasr.net/forum/t75383.html

[30] جبر محمود الفضيلات، أحكام الردة والمرتدين، عمان، الدار العربية، 1987، ص 15.

[31] نعمان عبد الرزاق، أحكام المرتد في الشريعة الإسلامية، بيروت، الدار العربية للطباعة والنشر، ص 43-46.

[32] مفكر إسلامي مصري، يشغل منصب الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ورئيس جمعية مصر للثقافة والحوار. يتميز فكره بالاعتدال والتركيز على الحوار وليس الصدام بين العالم الإسلامي والغرب. حصل الدكتور العوا على دكتوراه الفلسفة (في القانون المقارن) من جامعة لندن عام 1972. له أكثر من مائة مقال في المجلات العلمية والمجلات الدينية والثقافية والصحف، وله أكثر من 15 كتابًا منشورًا.

[33] جمال البنا: مفكر إسلامي، والشقيق الأصغر لحسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمون. ولجمال البنا العديد من الآراء الفقهية التي تخالف آراء العديد من علماء المسلمين؛ فهو يرى أن للمرأة حق الإمامة من الرجل إذا كانت أعلم بالقرآن، كما يرى أن الحجاب ليس فرضًا على المرأة، وأن القرآن الكريم خص به نساء الرسول محمد، وأن الارتداد عن الإسلام إلى اليهودية أو المسيحية ليس كفرًا، وأن التدخين أثناء الصيام لا يبطل الصوم خصوصًا للغير قادرين على الاقلاع عنه، وأجاز التقبيل بين الشاب والفتاة غير المتزوجين. له ما يزيد عن 40 مؤلفًا. وأسس جمال البنا دار الفكر الإسلامي لنشر مؤلفاته.

[34] حسن عبد الموجود، في حوار خاص عن الأزهر والمستقبل. محمد سليم العوا: "الذين أغلقوا الباب أمام الاجتهاد إما مقلدون أو لا يفهمون شيئًا"، أخبار الأدب، 2-2-2003، العدد 499، http://www.el-awa.com/?section=Article&ArticleID=118

[35] يوسف القرضاوي، قضية الردة هل تجاوزتها المتغيرات؟ خطورة الردة ومواجهة الفتنة، موقع إسلام أون لاين، 28-2-2002. http://www.islamonline.net/Arabic/contemporary/2002/02/article2a.shtml

[36] محمد سليم العوا، قضية الردة هل تجاوزتها المتغيرات؟ عقوبة الردة تعزيرًا لا حدًا، موقع إسلام أون لاين، 28-2-2002. http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1175008661609&pagename=Zone-Arabic-Shariah%2FSRALayout

[37] جمال البنا، قضية الردة هل تجاوزتها المتغيرات؟ لا عقوبة للردة وحرية الاعتقاد عماد الإسلام، موقع إسلام أون لاين، 28-2-2002. http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1175008662205&pagename=Zone-Arabic-Shariah%2FSRALayout

[38] تجدر الملاحظة إلى أن هناك فروقًا بين الحد والتعزير قد ذكرها أهل العلم كما تشير موسوعة الفتوى، وهي على النحو التالي، كما ورد في رد المحتار: الفرق بين الحد والتعزير أنَّ الحد مقدر والتعزير مفوض إلى رأي الإمام، وأن الحد يدرأ بالشبهات والتعزير يجب معها، وأن الحد لا يجب على الصبي والتعزير شرع عليه. والرابع أن الحد يطلق على الذمي والتعزير يسمى عقوبة له لأن التعزير شرع للتطهير. وزاد بعض المتأخرين أن الحد مختص بالإمام والتعزير يفعله الزوج والمولى وكل من رأى أحدًا يباشر المعصية، وأن الرجوع يعمل في الحد لا في التعزير، وأنه يحبس المشهود عليه حتى يسأل عن الشهود في الحد لا في التعزير، وأن الحد لا تجوز الشفاعة فيه وأنه لا يجوز للإمام تركه وأنه قد يسقط بالتقادم بخلاف التعزير. فهي عشرة. وأما الفرق بينهما من حيث العقوبة، فالحد يكون بالقتل والصلب وجلد مائة أو ثمانين جلدة وقطع اليد والسجن والنفي ونحو ذلك، بحسب الذنب الذي اقترفه الشخص، وأما التعزير فليس فيه شيء محدد، وإنما يوكل إلى اجتهاد الإمام فيضرب أو يسجن أو يفعل غير ذلك مما يراه رادعًا عن المعصية، ولكن لا ينبغي له الزيادة في الجلد على عشرة أسواط، لقوله صلى الله عليه وسلم: لا يجلد فوق عشر جلدات، إلا في حد من حدود الله. رواه البخاري ومسلم وغيرهما، واللفظ للبخاري. ومن ذلك يتبن لك أن عقوبة الحد أعلى من عقوبة التعزير. انظر موسوعة الفتوى، http://www.islamweb.net/ver2/Fatwa/ShowFatwa.php?lang=A&Id=95693&Option=FatwaId

[39] الآيات التي ذكرها البنا من القرآن، والتي لا يعتقد أنها تشير إلى عقاب دنيوي، وتشير إلى الردة بشكل صريح، هي: "ومن يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافرٌ فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة" (البقرة: 217)، وقوله تعالى: "يا أيها الذِين آمنوا إن تطِيعوا الذين كفروا يردُّوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين" (آل عمران: 149)، وقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقومٍ يحبهم ويحبونه..." (المائدة: 54)، وقوله تعالى: "إنَّ الذِين ارتدوا على أدبارهم مِّن بعد ما تبيَّن لهم الهدى الشيطان سوَّل لهم وأملى لهم" (محمد: 25). أما الآيات التي رأى البنا أنها لم تستخدم فعل "ارتد"، ولكنها تضمنت المعنى فهي: "من كفر بالله من بعد إيمانه إِلا من أكرِه وقلبه مطمئنٌّ بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرًا فعليهم غضبٌ مِّن الله ولهم عذابٌ عظيم" (النحل: 109) "وعد الله الذِين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنَّهم في الأرض كما استخلف الذِين من قبلهم وليمكِّننَّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدِّلنهم مِّن بعد خوفهم أمنًا يعبدونني لا يشركون بي شيئًا ومن كفر بعد ذلِك فأولئك هم الفاسقون" (النور: 55).

[40] جمال البنا، قضية الردة هل تجاوزتها المتغيرات؟ لا عقوبة للردة وحرية الاعتقاد عماد الإسلام، مرجع سابق.

[41] الآيات التي ذكرها العوا، والتي لا تدل على عقاب دنيوي، ورد فيها ذكر الكفر بعد الإيمان - أي الردة - في القرآن الكريم في بضع عشرة آية. عبَّر القرآن الكريم في بعضها بلفظ "الردة"، وفي بعضها بتعبير "الكفر بعد الإسلام". أما الآيات التي ذكرت فيها الردة، فقد ورد في قوله تعالى: "… ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافرٌ فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فِيها خالدون" (البقرة: 217). وفي قوله تعالى: "إنَّ الذِين ارتدوا على أدبارهم مِّن بعد ما تبيَّن لهم الهدى الشيطان سوَّل لهم وأملى لهم ذلك بأنهم قالوا للذِين كرهوا ما نزَّل الله سنطيعكم في بعض الأمر والله يعلم إسرارهم فكيف إذا توفَّتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم" (محمد: 25 - 27). وأما تعبير الكفر بعد الإيمان، فقد ورد في قوله تعالى: "من كفر بالله مِن بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئنٌّ بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرًا فعليهم غضبٌ مِّن الله ولهم عذابٌ عظيمٌ ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأنَّ الله لا يهدي القوم الكافرين أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلون لا جرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون" (النحل: 106 - 109). وفي قوله تعالى: "أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ومن يتبدَّل الكفر بالإيمان فقد ضلَّ سواء السبيل" (البقرة: 108). وفي قوله تعالى: "كيف يهدي الله قومًا كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أنَّ الرَّسول حقٌّ وجاءهم البيِّنات والله لا يهدي القوم الظالمِين أولئك جزاؤهم أنَّ عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين خالدين فيها لا يخفَّف عنهم العذاب ولا هم ينظرون إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإنَّ الله غفورٌ رحيمٌ إنَّ الذين كفروا بعد إيمانهم ثمَّ ازدادوا كفرًا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون" (آل عمران: 86- 90). وفي السورة نفسها نجد قوله تعالى: "إنَّ الذين اشتروا الكفر بالإيمان لن يضروا الله شيئًا ولهم عذابٌ أليمٌ" (آل عمران: 177). ويرد التعبير بالكفر بعد الإيمان أيضًا في سورة النساء في قوله تعالى: "إنَّ الذين آمنوا ثمَّ كفروا ثمَّ آمنوا ثمَّ كفروا ثمَّ ازدادوا كفرًا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلاً" (النساء: 137). وفي سورة التوبة: "لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانِكم إن نعف عن طائفةٍ مِّنكم نعذِّب طائفةً بأنهم كانوا مجرمين" (التوبة: 66). ويرد التعبير بالكفر بعد الإسلام في سورة التوبة أيضًا في قوله تعالى: "يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله فإن يتوبوا يك خيرًا لهم وإن يتولوا يعذِّبهم الله عذابًا أليمًا في الدنيا والآخرة وما لهم في الأرض من وليٍّ ولا نصيرٍ" (التوبة: 74).

[42] محمد سليم العوا، قضية الردة هل تجاوزتها المتغيرات؟ عقوبة الردة تعزيرًا لا حدًا". مرجع سابق.

[43] سميرة سليم، إشكاليات الردة وحالات الالتباس الديني، موقع شبكة الإعلام العربية محيط، 24-9-2007. http://www.moheet.com/show_files.aspx?fid=34562

[44] محمد حسن عبد الغفار، محاضرة بعنوان: شبهات حول الردة، دبي، مسجد سلمان الفارسي، 3-4-2006. تم تحميل المحاضرة من موقع طريق الإسلام: http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=52244

[45] سميرة سليم، إشكاليات الردة وحالات الالتباس الديني، مرجع سابق.

[46] محمود المراكبي، حكم الردة في الإسلام، موقع مجلة التوحيد، 1-1-2008. http://www.altawhed.com/Detail.asp?InNewsItemID=249828

[47] يوسف القرضاوي، مقابلة تلفزيونية بعنوان الحرية الدينية والفكرية، تلفزيون الجزيرة، 1-2-2005. http://www.aljazeera.net/channel/archive/archive?ArchiveId=113763

[48] محمود المراكبي، حكم الردة في الإسلام، مرجع سابق.

[49] محمد حسن عبد الغفار، محاضرة بعنوان: شبهات حول الردة، مرجع سابق.

[50] محمد حسن عبد الغفار، محاضرة بعنوان: شبهات حول الردة، مرجع سابق.

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود