دور حقوق الإنسان في بناء العدالة الاجتماعية والتنمية

 

جيروم شاهين

 

في 10 كانون الأول من العام 1948 أقرَّت الهيئة العامة للأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المؤلف من ثلاثين بندًا. ومن ثمَّ شكَّلت بنود هذا الإعلان العالمي مادة لصياغة اتفاقيات دولية مختلفة ومتعلقة بمضمون بنود شرعة حقوق الإنسان، سواء على صعيد الحقوق المدنية والسياسية. أو على صعيد الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أو على صعيد حقوق المرأة والطفل.

إن هذه الوثيقة، في الواقع، هي من أكثر الوثائق عالميةً وشموليةً وشهرةً وقيمةً وانتشارًا. فلقد شكَّل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وممارسات الأمم المتحدة، تراثًا ومصدرًا لمجموعة من المعايير والقيم في كل ما يتعلَّق بالحقوق والحريات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للإنسان.

أين نحن اليوم، ولا سيما في عالمنا العربي، من الأخذ بالاعتبار، وبالأخصِّ من الأخذ بالتطبيق، لشرعة حقوق الإنسان وما تفرَّع عنها من اتفاقيات.

في البداية، تحفظتْ بعضُ الدول على القبول ببعض بنود شرعة حقوق الإنسان معتبرة أنها تتعارض مع خصوصيتها الثقافية. ومن ثمَّ حاولت الجامعة العربية في العام 1994 اقرار ميثاق عربي لحقوق الإنسان، إلا أنه، وعند التوقيع على تنفيذه لم توقعه سوى دولة واحدة، فظلَّ حبرًا على ورق. ولكن، ومع الوقت، انضمَّ العديد من الدول العربية إلى الموافقة على العديد من الاتفاقيات الدولية المستلهمة بنود شرعة حقوق الإنسان.

وفيما يختصُّ بالعلاقة ما بين حقوق الإنسان والتنمية والعدالة الاجتماعية نودُّ أن نتطرَّق بإيجاز إلى أمرين:

-       الأمر الأول، هو أن الأمم المتحدة كانت، فيما مضى، تتحدَّث عن حقوق الإنسان وعن التنمية وعن الديمقراطية، كلٌّ على حدة، وذلك بسبب مواقف عدد كبير من الدول النامية ودول الكتلة الشيوعية. إلا أنها أخذت، ولا سيما في التسعينات من القرن العشرين، تقيم الربط بين هذه المفاهيم والعمليات الثلاث: حقوق الإنسان، والتنمية والديمقراطية. فمن حيث المبدأ كلما ارتقت الدول والجماعة الدولية على سلَّم التنمية البشرية، والتحوُّل الديمقراطي، زاد معدَّل احترامها لحقوق الإنسان. ولكن الربط بين المسألتين ليس ميكانيكيًا ولا آليًّا. فتسعينات القرن العشرين وبدايات القرن الواحد والعشرين التي عرفت تقدمًا في مسيرة التحوُّل الديمقراطي والتنمية البشرية شهدت أيضًا عددًا متزايدًا من الصراعات المحلية والحروب الأهلية بل والحروب الدولية. ومن جهة أخرى، فإن التطوُّر الاقتصادي والاجتماعي عرف تقدُّمًا مذهلاً ولكن، في الوقت نفسه، زادت فجوة التفاوت وزاد تهميش فقراء البشر.

-       أما الأمر الثاني، فهو يتعلَّق بحالة حقوق الإنسان في الدول العربية. إن حالة حقوق الإنسان في الدول العربية تتعلق بحالة التطور الدستوري فيها. والواقع أن حالة التطور الدستوري تتفاوت فيما بين البلدان العربية. إن هذه الحالة غير المتقدِّمة من حالات التطور الدستوري لا تمثل مناخًا سياسيًا موآتيًا لاحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية وتعزيزها. ومن غير الطبيعي أن تكون بعض الدول غير مستندة إلى دستور مكتوب بل تستند إلى العرف والتقاليد وأحيانًا إلى مزاج النظام الحاكم.

أما الإطار القانوني لحقوق الإنسان وحرياته في بلدان العالم العربي فإنه يشهد في السنوات الأخيرة حالة من التطورات المتداخلة أو المختلطة. فمن ناحية، وفي إطار حركة الإصلاح السياسي، تقوم في بلدان عربية عملية إصلاح تشريعي تشمل أهمَّ قوانين الحياة السياسية بهدف تفعيل المشاركة السياسية والتعددية الحزبية وتحسين الأنظمة السياسية. ولكن، من ناحية أخرى، لا تزال بلدان عربية عديدة تعيش في ظل حالة الطوارئ العامة بما يعنيه ذلك من إمكان تعطيل تنفيذ القوانين التي تضمن حقوق المواطن وحرياته الأساسية.

اليوم، ومنذ حوالي سنة، تشهد الدول العربية تحولاً كبيرًا في حياتها السياسية والاجتماعية. إنها الثورات والإنتفاضات العربية ضد الأنظمة الحاكمة منذ عقود من الزمن. ونحن نريد أن نشير إلى أن التحولات الجارية في أوطاننا العربية، يجب أن تؤدي إلى ترسيخ حقوق الإنسان، الأمر الذي ينعكس على تغيُّرات جذرية في الدساتير وفي الإصلاحات السياسية. فكلما طبَّقنا على الأرض بنود حقوق الإنسان توصلنا إلى عدالة اجتماعية أكبر وإلى إصلاحات وإلى جعل الإنتماء بالمواطنة الواحدة للجميع ضمانًا للديمقراطية والعدالة والمساواة.

أخيرًا وكهيئات من المجتمع المدني علينا أن ندعم ونقوِّي ونحصِّن المنظمات الأهلية التي تُعنى بحقوق الإنسان، لا سيما أن هذه المنظمات تعاني من مشكلات أهمها:

-       بعضها لا يتمتع بالاعتراف القانوني.

-       غالبًا، ما تقوم هذه المنظمات على الطابع النخبوي ولم تستطع الوصول إلى بناء قاعدة شعبية تستند إليها في حركتها.

-       أخيرًا فقر الثقافة المؤسَّسية وغياب دعم الحكومات لأنشطتها.

*** *** ***

المستقبل

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود