المساواة – المرأة – الضحية

في الأزمنة الحديثة

 

رفاه ناشد*

 

هل الأزمة الحالية هي أزمة مساواة المرأة مع الرجل؟ أم هي أزمة الرجولة؟ أم هي أزمة هوية؟ إنها، في الواقع، هذه جميعًا.

في إحدى السنوات كان معظم المراجِعين في عملي العيادي من الرجال، مقابل امرأة واحدة فقط – مع العلم أن مراجعة النساء للعيادات النفسية أسهل من مراجعة الرجال لها. إلا أن الواقع هو العكس تمامًا: فالرجل يبحث عن مكان للكلام وللإصغاء، يستطيع، عبره، أن يحدِّد هويته المفقودة. إنه يبحث عن انتصارات جديدة على مخاوفه.

لقد دفع الرجل ثمن حرية المرأة. واليوم يجد نفسه، وجهًا لوجه، أمام إنسانة حرة تعمل، تنجب، تربي، تستمتع. امرأة الاستمتاع هذه تخيف الرجل: هل يمتلك ما يُمتِع امرأة؟ إن إمتاع امرأة، في هُواماته، يعني خوفه من فقدان شيء – أي أنه مهدد بالفقدان. والفقدان يعني أنه سيصير على صورتها، لا يملك ما يميِّزه عنها. فهو في موقع الزائد، وسيصير في موقع الناقص – مثلها÷ وهذا ما يسبب له القلق. إن تساؤلاته تدور حول: هل ما يملكه هو بالحجم المناسب للإرضاء؟

إذا كان لا يستطيع أن يكون الزوج المُرْضي، ماذا سيفعل ليكون الأب الصالح، اللائق؟ – خاصة وأن المرأة هي التي سوف تربي الأولاد في أثناء غيابه؛ وسوف تتآمر مع الصبيان ضده، ليكون الصبي حاميها إلى الأبد ضدَّ قهر الزوج (الأب) وتعسفه؛ وسوف تدرِّب البنات، اللواتي تُمعِن في إذلالهن، من أجل إحكام السيطرة عليهن، مستعينة، تارة، بالأخ الأكبر، الحاضر دائمًا إلى جانبها، وطورًا بالأب الغائب.

هذا المناخ، بالطبع، هو تبسيط لعلاقات أكثر تعقيدًا، تقيِّد كلا الرجل والمرأة.

*

سأورد حالة مريض عمره اثنتان وثلاثون سنة، وترتيبه الرابع بين إخوته التسعة. يعمل والده في الأرض؛ أما والدته فهي لا تعمل، وهي مصابة بأمراض عصبية متعددة، بسبب الضرب المبرِّح الذي يمارسه عليها الزوج، بحسب قول المريض. أتاني يشكو أنه خضع لعمل جراحي تجميلي لأحد أعضائه (لا أجد موجبًا لذكر التفاصيل من أجل سرية الحالة)، وأن هذا العمل الجراحي لم ينجح لأن الطبيب خَدَعَه. وقد طلب مني أن أكون شاهدة على فشل العملية، وذلك بموافقته على قباحة المنظر. لقد تبيَّن، بعد مضي بضعة أشهر على علاجه النفسي، أن مشكلته الأساسية ليست في العضو الذي خضع لعملية التجميل، وإنما في قضيبه. فهو يعتقد أن قضيبه صغير؛ فكيف يصير بإمكانه الزواج، وهو لا يملك إمكانية إمتاع امرأة. لقد حوَّل مشكلته المرضية من عضوه الذكري إلى عضو آخر، فتوهَّم أنه، بإجراء عملية تجميلية له، سيحلُّ المشكلة الأساسية. وقد أصيب بخيبة أمل كبيرة لأنه وجد أن المشكلة لم تُحَل، وأدت به إلى اكتئاب شديد، مما جعله يلجأ للمعالجة النفسية.

***

الرجل اليوم، أكثر من أي وقت مضى، في حاجة إلى امرأة حكيمة، مُطَمْئِنة، ليتمكَّن من السيطرة على قلقه ويتجنب البطش. لقد خلق قلقُه اضطرابًا حضاريًّا، أفْقَدَه الرؤية والعقل، وجعله يدمِّر كلَّ القيم ليسيطر على العالم، خوفًا من الفقدان – كما هي الحال في خوف أمريكا من فقدانها البترولَ في المستقبل، فلجأت إلى السيطرة على منابعه في بلدان أخرى من أجل المزيد منه، عن طريق الحرب التي هي أبشع الأعمال، لأنها تحوِّل القوة إلى تدمير، بدلاً من التسامي والتعمير؛ تحلِّل النهب باسم الاستيلاء.

إن نهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين هي بداية الانزلاق الحضاري والإنساني بكلِّ أبعاده: تعيش الشرعية الدولية اليوم انتهاكًا واغتصابًا بشعًا، يدمر كلَّ قِيَم الحياة التي تنتظم العلاقات الإنسانية، ويطال، بالأخص، قيمة الحياة نفسها، ويضع الإنسان في موقف قَلِق.

***

وهذا يقودنا إلى البداية، حين أطلقت الحركاتُ النسائية شعار "المساواة" مع الرجل. فماذا كانت النتيجة؟ لقد دفعت المرأة ثمن المساواة مزيدًا من حريتها، وأضحت، بطريقة أخرى، ضحية استغلال اجتماعي ورجولي طاغٍ.

إن المساواة بين الرجل والمرأة، من وجهة نظر التحليل النفسي، مفهومٌ فيه التباس لأنه يُلغي التمايز والاختلاف بينهما، ويعطي للرجل القيمة المطلقة. فما عليها إلا أن "تتساوى" معه، وبذلك تبقى سجينته. فهو صاحب القوانين المصاغة من أجل تحريرها، وهي ضحية من جديد باسم المساواة.

المرأة مختلفة عن الرجل بيولوجيًّا ونفسيًّا؛ وهذا الاختلاف لا بدَّ من أخذه بعين الاعتبار، حتى لا تُحوَّل المفاهيم إلى نتائج تضع المرأة في مزالق جديدة، لا تختلف كثيرًا عن ظلم الماضي إلا في الشكل.

المزالق الجديدة للمساواة

أُعطِيَتْ للمرأة صورةٌ جبروتية أكبر في مواجهة الرجل؛ وبالتالي زادت من مخاوفه. فهي أصبحت تؤدي المهام التالية:

-       المرأة تنجب؛

-       المرأة مسؤولة عن المنزل الأسري والأعمال المنزلية؛

-       المرأة مسؤولة عن تربية الأولاد وتدريسهم؛

-       المرأة مسؤولة عن راحة زوجها وأولادها ومسيرة حياتهم: إذا فشل واحد منهم فهي المسؤولة الأولى، وإذا نجح واحد آخر فبجهوده الجبارة هو!

-       المرأة هي مركز العائلة وعصبُها الحي الذي يعطي العائلةَ لونَها الخاص.

بالإضافة إلى كلِّ ما سبق، تترتب عليها واجباتُ العمل خارج المنزل؛ فعليها:

-       أن ترضي ربَّ عملها أو مديرها، وأن تؤدي عملها بالكمال والتمام؛

-       أن تؤمِّن للعائلة دخلاً موازيًا لدخل الزوج؛

-       أن تقبل باستغلال أصحاب المعامل (إن كانت عاملة غير حاصلة على شهادة عليا) وأن تعمل، من السحور حتى الإفطار، مقابل راتب شهري قدره 3000 ليرة سورية، على سبيل المثال.

من نتائج ذلك كلِّه:

-       إرهاق شديد؛

-       فقدان للذات؛

-       عصبية زائدة مقابل طلبات الأولاد والزوج؛

-       فقدان الخصوصية...

وباختصار، تحويلها إلى آلة منتجة، لا روح فيها. فهي مستغَلة في الخارج، ومستغَلة في الداخل.

*

سأورد هنا حالة امرأة، ولنسمِّها زهرة. زهرة أمٌّ بلغت من العمر السابعة والثلاثين؛ تعمل في مكتب من الساعة الثامنة صباحًا حتى الثالثة بعد الظهر. تستيقظ في الساعة السادسة صباحًا؛ تحضِّر أولادها للذهاب إلى المدرسة، ثم تذهب إلى عملها، وتعود في الثالثة لتُطعِم أولادها. ثم تبدأ عملية التعذيب، ألا وهي تدريس ولديها: الابن الأكبر في الصف الخامس، والبنت الصغرى في الصف الأول. وهذه الأم مسكونة بهوس الزمن والتفوق: فهي تريد أن تجمع بين عملها خارج المنزل وداخل المنزل، وبين تدريس الأولاد، ومعاقبة الولد البكر على التقصير بالضرب، والشكوى إلى الوالد الذي يقوم هو الآخر بتعنيفه، إلى جانب لوم الأم على أسلوبها التعنيفي المتوتر في المنزل.

لقد وضعتْ هذه الحالةُ الأسرةَ في حلقة مفرغة: المعاقبة الجسدية للابن؛ تمرُّد الابن ومبالغته في قهر الأم؛ خوف الابنة من سوء العلاقة بين الأم وابنها، الذي أدى إلى انصياعها المطلق للأم، مما جعلها المفضَّلة، وأثار نوازع الغيرة عند الأخ. جَسُمَ الخلافُ والتوتر الدائر حول مشاكل الأولاد بين الزوج والزوجة، مما أزَّم العلاقة بينهما.

حضرتْ هذه المرأة لمراجعتي لأنها مصابة بالدوار. وبعد إجراء الفحوص الطبية اللازمة اتضح عدمُ إصابتها عضويًّا؛ وإنما كان الدوار بسبب التوتر الشديد لديها الذي ولَّدتْه الحالة المأزقية التي وُجِدَتْ فيها. لقد صارت امرأة عدوانية مع الجميع، شديدة العصبية، منفصلة عن ذاتها، فاقدة السيطرة على مقاليد أمورها. لم تَعُدْ لديها إمكانية التعبير عن ألمها إلا من خلال الأعراض الجسمانية.

***

عندما كانت المرأة غير عاملة في الخارج كانت مستغَلة فقط في الداخل. أما الآن فهي خاضعة لاستغلال مزدوج. هذا هو أحد مزالق المساواة. إنها تريد تحقيق ذاتها في عمل منتج، ولكنها في مأزق: كيف ستوفِّق بين الداخل والخارج؟ كيف ستكون، في آنٍ واحد، "مريم العذراء" (الأم المثالية) لأولادها في النهار و"مادونا" في الليل لزوجها؟

ما تحملتْه المرأة نتيجة هذه المساواة هو المزيد من الظلم، بسبب الأعباء والمسؤوليات الملقاة على عاتقها، دون مشاركة من زوجها: فالأعمال المنزلية تعيب صورة الرجولة! وكيف للقانون أن يتدخل في هذه الحالة؟

لقد ناضلتْ من أجل شعارات أعطتْها أوهامًا؛ وكانت هي ضحية هذه الشعارات: المساواة، الحقوق، الوعد باستصدار قوانين، إلخ.

أصبحت المرأة ضحية الظلم الفكري، الذي هو أخبث وأضنى من الظلم الواقعي. فالاضطهاد ليس فقط اضطهادًا قانونيًّا، أو اضطهادًا اجتماعيًّا، أو اضطهادًا جسديًّا، وإنما المشكلة هي تحويل المرأة–الكائن إلى شيء: "تشييء" المرأة.

المشكلة في الفكر – في الداخل وليس فقط في الخارج – في داخل الرجل، في فكر الرجل، في ضعف الرجل، في خوف الرجل – خوف الرجل من الفقدان. فالرجل صار مهدَّدًا في ذكورته، بعد تحرر المرأة الاسمي؛ وأضحت المرأة محكومة بالإذعان، قبل تحررها وبعده. لقد حُوِّلَتْ من جديد إلى عنصر استهلاكي في الخدمات المهنية، في المتع الجنسية (أفلام البورنو). فالرجل اليوم يطالب زوجته أن تكون مثل الصورة التي يشاهدها في أفلام البورنو؛ وإذا لم تستطع أن تكونها فهي امرأة فاشلة. أو أن يحجب عنها كلَّ هذه القضايا، ويضعها في ظلمة دامسة، ويمنع عنها الاستمتاع؛ ولكنه يمتع نفسه بذلك، لأن هناك المرأة العاشقة خارج سور الزوجية.

*

سأذكر حالة امرأة شابة عمرها ستة وعشرون عامًا، تزوجت في الرابعة عشر من عمرها من تاجر يكبرها باثني عشر عامًا اختاره لها والدُها، الذي كانت تقدِّسه ولا تخالفه الرأي (المرحلة الأوديبية التي تؤكِّد أن كلَّ فتاة بأبيها معجبة). انتقلت طاعتُها بعد الزواج من أبيها إلى زوجها؛ وهو رجل تقليدي لا يسمح لها بالخروج من المنزل إلا معه، حتى لزيارة أهلها، ويشتري لها ملابسها وحاجاتها، ويتدخل في إدارة الأعمال المنزلية، ويتحكَّم في مقدار متعتها. وبعد زواج دام اثني عشر عامًا سمح لها بقدر ضئيل من الاستمتاع الجنسي.

جاءت هذه المرأة لمراجعتي لأنها تشكو من ألم فظيع في معدتها، ومن حالة بكاء دائمة نتيجة اكتئاب شديد. فقد قامت بإجراء فحوص طبية أكَّدتْ خلوَّها من الإصابة العضوية، وشُخِّصَ المرض على أنه وجع نفسي. لذلك جاءت إليَّ في صحبة زوجها، المصاب، هو الآخر، بمرض جلدي في رأسه ويديه.

كان جسم هذه المرأة مسرحًا التعبير عن ألمها وعذابها. إلا أن علاجها لم يستمر طويلاً؛ فما إن بدأت بوادر التحسن تظهر عليها حتى قرَّر الزوج وقفَه بحجة السفر إلى ألمانيا ومتابعة العلاج بعد عودتهما. إلا أنها لم تعد لأن الزوج خاف أن تصل زوجته إلى حالة تقول فيها "أنا": أن تصبح امرأة متكلِّمة، ناطقة، لأنه يفضلها امرأة صامتة متألِّمة.

***

فشلتِ الحياةُ الجنسية في أن تكون نابعة من علاقة بين المرأة والرجل، ومن رغبتهما المشتركة، بل أمست نابعة من صور مُسقَطَة، ومن تقليد لصور لا علاقة لها باللياقة الجنسية، وإنما هي صادرة عن مؤسَّسات تجعل من المرأة والرجل موضوعين مُشيَّئين، يخضعان لاستيهامات شاذة تجعل من الاثنين إنسانين فاشلين. فلا هو يستطيع أن يكون "كازانوفا"؛ ولا هي تستطيع أن تكون الدمية المشيَّأة.

ومن هنا ينشأ الإحباط وخيبة الأمل بالفردوس المفقود. وتبدأ العدوانية والبحث في لانهائية العلاقات، أو اللجوء إلى الحبة المعجزة Viagra، أو اللجوء إلى الاستشارات النفسية، لعله أن "يصلح العطار ما أفسده الدهر"!

هكذا شيَّأتِ الأزمنةُ الحديثة المرأة والرجل على حدٍّ سواء. قد يكون العصر الحديث هو من ساوَى بين الكائنين (الرجل والمرأة)، بتشويههما معًا، عوضًا عن ازدهارهما معًا.

***

إن الحاجةَ ماسةٌ اليوم إلى إزالة السور المشيد بين المرأة والرجل على أساس التفوق الجنسي، والاعتراف بها ككائن ثقافي وفكري، أي بحقِّها في التفكير الحر والرأي المعلن وتبوأ المركز الاجتماعي المميَّز، الذي سيساعد على التفاعل الحقيقي بين المرأة والرجل في صنع الحياة.

ليست العلاقة بين الرجل والمرأة علاقة تنافُس قِوى، بل هي علاقة حب، لا امتلاك، كما كانت في السابق: مجرد غرض يمكن امتلاكه، خطفه، حيازته، والاستمتاع به؛ مما أدى إلى ردِّ المرأة على هذا الامتلاك بطعن قانون الرجل من الخلف.

يمكننا القول إن المنعطف التاريخي الذي حصل خلال القرن العشرين هو من فعل ترشيد الرجل: لقد اعترف أخيرًا بالمرأة كذات ناطقة. وكانت نتائجه خيرًا على الطرفين. والمؤتمر الحالي وغيره قد يكون مؤشرًا إلى ذلك.**

ماذا تعكس المرأة الأم لأولادها؟

1.    ضمان قانون الأب: ألا تطعن في قانونه، في غيابه وفي حضوره. إن علاقة الأم بابنها تَلزَمُها إعادةُ نظر ضمن المفهوم التربوي والنفسي. فالأب هو حامي الأسرة، وقانونُه هو الذي يفصل بين الأم وأولادها، وهو الذي يحدِّد المحرَّمات ويمنعها.

2.    عدم إخصاء الأب والهيمنة عليه باسم المساواة، لأن ذلك يؤدي إلى ضياع المعايير والقيم. وهذا منزلق آخر باسم المساواة يفتِّتْ الأسرة والمجتمع. الرجل والمرأة (الأب والأم) يعكسان لأولادهما نظرة واقعية عن العالم الخارجي، بكلِّ تناقضاته وثنائياته. فالعالم اليوم عالم المبادئ المتناقضة؛ وعلى الأهل مساعدة الأولاد في مواجهة هذا العالم المتناقض، وحلِّ رموزه، والدخول بالرمز كعماد للحياة الراشدة المتوازنة.

3.    الرجل والمرأة متساويان في المتع أيضًا، وليس في المهمات فقط.

التناقضات في الأزمنة الحديثة

نحن اليوم أمام عالم اتسع فيه مجال التطور العلمي، ليتسابق في رمي السهام المنطلقة التي تنغرس في عالم القيم والمفاهيم التي أصبحت اليوم "قديمة". إننا اليوم في مواجهة عالم ما بعد الحداثة، حيث

-       تستطيع المرأة أن تقرِّر الإجهاض، وأن تقرِّر إجهاضَ طفلٍ أكدتِ الفحوصُ الطبية أنه معوق؛ أي أنها تستطيع أن لا تلد طفلها، وإنما تطلب إجهاضه.

-       نحن أمام تطور قد يؤدي إلى استنساخ الإنسان.

-       هناك أبحاث تجري من أجل إعطاء الرجال إمكانية الحمل.

-       نحن أمام مطالبة المثليين جنسيًّا بالزواج والسماح لهم بتبنِّي الأطفال.

-       هناك حبوب ضد الشيخوخة.

-         هناك وسائل لتغيير لون البشرة.

-         نحن أمام حالات غير مسبوقة: كأنْ يولد إخوة وأخوات من أب زَرَعَ بذرتَه في بطن أخته التي عمرها اثنتين وستين سنة، وزرع بذرة أخرى في بطن امرأة أخرى غير متزوجة. وقد قررت الأخت ذات الاثنتين والستين سنة تبنِّي البنت المولودة منها والأخ المولود من المرأة الثانية. والفرق بين الطفلين بضعة أسابيع فقط؛ فهما ليسا بتوأمين، وليسا بأخ وأخت شقيقين حقيقيين، والفرق بينهما كبير على كلِّ المستويات؛ ومع ذلك فهما وَلَدان لأب (رجل) واحد. فما مصيرهما؟

قد تقولون إننا بعيدون عن هذا العالم – نحن في قارة وهم في قارة أخرى. نعم، ولكن العالم اليوم أصبح كلَّه قرية صغيرة؛ ونحن في قلب هذه القرية. علينا أن نجد أجوبتنا في تأسيس أسرة ومجتمع ذي قوام سليم، عوضًا عن أن تجتاحنا الأمواج وتحملنا إلى شواطئ أخرى لا نعرف كيف نرسو عليها. لم نعد نستطيع أن نعيش اليوم في عزلة عن العالم. لا بدَّ لنا من التفكير في حلولٍ تتناسب مع إنسانية الإنسان، سواء كان رجلاً أم امرأة أو طفلاً.

المطلوب اليوم المساهمة في خلق عالم للإنسان المزدهر. والإنسان المزدهر لا يوجد إلا في أسرةٍ دعائمها الرمزية قوية، ويمكن لأفرادها الاعتمادُ عليها في مواجهة صراعات الحياة والانطلاق فيها من جديد.

الإنسان اليوم قلقٌ في هذا العالم لفقدانه هويته (امرأة أو رجل). إنه في حاجة لإبداع أجوبة جديدة على إشكاليات هذا العالم. وأول ما يحتاجه الإنسان اليوم هو تحديد هويته، ليس على أساس جنسي فقط، وإنما هويته كإنسان يتكلَّم، ويفكر، ويعيش في الزمن؛ إنسان لديه حرية التأمل، والحلم، والخيال، لأن هذه جميعًا موطن الإبداع ومصدر الثراء. فكما قال ابن عربي: "لولا الخيال لكنَّا عدمًا."

أجل، ليس من السهل على المرء اليوم أن يكون امرأة؛ ولكن أيضًا ليس من السهل على المرء أن يكون رجلاً!

*** *** ***


* محلِّلة نفسية تمارس التحليل النفسي في دمشق في عيادة خاصة.

** ألقِيَ هذا النص محاضرةً في مؤتمر "المرأة والمجتمع" الذي انعقد في جامعة دمشق في 1 و2 كانون الأول 2003، بتنظيم دار إيتانا، بالتعاون مع السفارة الكندية بدمشق وصندوق الأمم المتحدة للسكان. (المحرِّر)

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

Editorial

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال يوسف وديمة عبّود