<LINK href="favicon.ico" rel="SHORTCUT ICON">

 ميثاق العبرمناهجية - Charter of Transdisciplinarity

هذا الشعار مستوحى من شعار المركز الدولي للأبحاث و الدراسات العبرمناهجية، عن رسم أصلي للفنان البرتغالي الراحل ليماده فريتاس

 إصدارات خاصّة

Special Issues

  المكتبة - The Book Shop

The Golden Register - السجل الذهبي

 مواقع هامّة

Useful Sites

أسئلة مكررة

F.A.Q.

الدليل

Index

 معابرنا

 Maaberuna

والدا "خوان مياس" اللذان في العلبة

 

مؤمن سمير

 

ظلَّ الإسباني "خوان مياس" يحس بالبرد طول حياته رغم أن والديه كانا يتجولان داخله باستمرار، حتى أنه كان يحتفظ بالعلبة التي تضم الرماد المتبقي بعد حرق جثمانهما بالقرب منه، على أمل أن يأتي اليوم الذي يتمكن فيه من الذهاب إلى البحر، فينفذ الرغبة التي ألمحت إليها الأم ذات مرة بمزج الرمادان معًا قبل أن يطيِّرهما في الماء فيواصلان صيغتهما الجديدة للحياة معًا. إلا أنه لم يحظى بفرصة فراغ طول السنوات، أو بالأحرى أقنع نفسه بذلك. هل كان يود أن يظلا إلى جواره حتى لو كان لا يراهما، يعني بصور متكررة يصنعها خياله كل يوم، أم أنه كان يستمد اطمئنانه من الإحساس الأكيد بأنهما مدفونان بيده في العلبة، بما يتيح له أن يربي يقينًا يزداد سمنة كل لحظة بأنهما ذهبا إلى الأبد، وأنهما حاليًا في صورة مريحة هي الهباء والغبار. المهم أن الأمر لم يستمر هكذا، حيث تصادف أن دُعي إلى إلقاء محاضرة في مدينة البحر فقال جاءت الفرصة لضرب عصفورين بحجر واحد، المحاضرة وتنفيذ الوصية. قام "خوان" بفتح العلبة فلاحظ أن الكيسين اقتربا من البَلِى، وعندما كان يقوم بتغييرهما طار جزء من الرماد وتسرب إلى لوحة مفاتيح الكمبيوتر فرأى الأمر على أن الوالدين نجحا في لعبة التسلل إلى أخص وأعقد وأهم خصوصياته وهي الكتابة. وفي النهاية حمل العلبة التي تحوي الكيسين وذهب إلى المطار. شكَّ الضباط بالرماد الذي يشبه البارود، وعندما سألوه وأجاب بأن ما في الكيسين هو "رماد والديَّ وسألقي به في البحر" لم يصدقوه وطلبوا منه أن يعود إلى بيته على أن يرجع ليعلم نتيجة الفحص بعد ذلك. ثم مرت ثلاثة أيام كانت مرعبة ومملة بالنسبة له لكن رجال المطار الذين كانوا مندهشين لأنه لم يسأل اتصلوا به ليستلم العلبة التي عادت للاستقرار أمامه إلى الأبد.

هل تمت هذه الحادثة أساسًا أم أن وعيه كلَّف خياله بأن يضفي الدراما الكفيلة بضمان الإيمان والتصديق على ما يجري، وكل هذا ليرسم بقاء المقبرة التي صنعها لهما في متناول يديه. ورغم أنه لا يقرب الرماد ولا الأكياس ولا العلبة ولا تقع عليهم عيونه إلا أنه يلمسهم دائمًا دائمًا، في داخله وفي خياله.

كان "خوان مياس" يحب أمه حبًا مركبًا ولا ينسى كيف دخل عليها وهي ترضع أخاه الصغير فأخرجت الحلمة وقالت: "أتود أن ترضع؟" فتزلزلت مراهقته واجتمع الجنس مع الخوف مع الهالة القدسية التي تقبع فيها الأم. ما حدا به أن يظل لفترة طويلة وهو يأمل بأن تكون كل النساء بلا حلمات. كانت أمه تفضله حقًا عن إخوته وكان لا يملك إلا أن يحبها مهما قاوم أو تمنى العكس. لكنه لم ينجح أبدًا في محبة الأب، صاحب ورشة الأجهزة الطبية الكهربائية الذي كان لا يصلح الأجهزة فقط بل يخترعها أيضًا. الوالد الفخور دائمًا بأنه أول من صنع مشرطًا كهربائيًا في إسبانيا والذي كان دائمًا يفضل أن يجلس على كرسي عالٍ وبعيد عن قلوب أبناءه ونظرهم المرهق من طول التحديق إلى أعلى. كان يفرض عليه هو وإخوته أن يقرؤوا دون كيخوته كل صيف. هذا الكتاب الذي لا تملك أبدًا أبدًا إلا أن تحبه، لكن الخوف جعل المشاعر تلتبس إزاءه وإزاء أشياء كثيرة بعد ذلك وطول العمر. ليس من ضمنها هذا الأب الذي لم يستطع سوى أن ينحيه بعيدًا عن أمان المحبة، الأب الذي قد لا يكون هكذا بالضبط ويكون الأمر لا يظهر إلا في نظرة "خوان" المنحازة للأم أو حتى يرجع ذلك إلى حساسية مفرطة يعاني منها كل المضروبين بإعادة تشكيل العالم على هيئة كتابة. كان "خوان" يحب "بابا" وليس "الرجل" الذي يمثله. هل كان يغار من والده بلا مواربة، ولم يغفر لأمه رغبتها في الامتزاج الأبدي بهذا الأب فتقاعس عن تنفيذ الوصية معزيًا الأمر للانشغال ثم للارتياب الأمني والمصادفات السيئة؟ أم أنه يستدعي ما كانت تزرعه فيه أمه التطهرية من صور لمفهوم "اللمس الآثم"، لمس الأجساد وتحسسها بما يثير اللذة المحرمة، سواء كانت لذة قتل الأب أو لذة الجنس، والتي إن اعترف بها داخله فالأمر كارثي دائمًا؟ لهذا لم يلمس الرماد أبدًا لسنوات طويلة، ولما حاول كادت الأقدار أن ترتب له مصيبة في المطار!

والآن يكتب "خوان مياس" رواياته وقصصه ومقالاته ومحاضراته على لوحة المفاتيح التي كانت بوابة تسلل الرماد-الماضي إلى الكتابة-الحياة. إذًا الوالدان حيَّان ولكن في فضاء الكتابة، في الخلفية. ما يعني في العمق أيضًا. ولكن عمق تحققه هو وتميزه هو كخالق مصائر وحيوات. أما إن حاولا أن يكون وجودهما أكثر فداحة، فالعلبة ليس أمامها إلا أن تغيب كل يوم قليلاً قليلاً عن ناظريه لتستقبل التراب والزمن وترسم كرنفالات للشيخوخة وللدفن المعلِن عن نفسه بجلاء في خريطة القرصان القادر على إلقاء المزعجين في بحر الظلمات.

*** *** ***

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 إضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود