الحرِّية

 

يوسف الخال

 

أنا حرٌّ، يا ربُّ، حرٌّ: لِيَ العتمةُ

مسرًى، وملعبُ الشَّمسِ مغنى.

أتملَّى وَجْهَ الحقيقة، أيَّانَ

تراءى، وأيَّ فعلٍ تبنَّى؛

فأحيكُ الرؤى – رؤى العقلِ – فكرًا

يتجلَّى مع الزمان، ويغنى.

أيَّ فكرٍ يؤرِّخُ الناسُ أجيالاً

ويبني لغايةِ الكونِ معنى،

ويردُّ الفناءَ وهمًا، وطيفَ الحقِّ

دنيا، وقوَّةَ الشرِّ وَهْنا.

 

أنا حرٌّ، يا ربُّ! ما أنتَ حرٌّ؟

ما وجودي، تُرى، إذا كنتَ عبدا؟!

شيمةُ الحرِّ أن يروِّضَ أحرارًا

ويأبى إلا التحرُّرَ مَبْدَا.

"كنْ كما شئتَ" – سنَّةُ الله في الكون

تناهتْ إلى الخليقةِ عهدا.

"كنْ كما شئتَ" – هكذا أنتَ إنسانٌ؛

وكُنهُ الإنسانِ أنْ لا يُحدَّا.

حدُّه – إنْ يُحَدُّ – حريةٌ تسمو

وتقتادُه إلى الخيرِ عَمْدَا.

 

أنا حرٌّ، يا ربُّ: حرِّيتي كُنهي.

أَرودُ الجمالَ فجرًا وفَجْرَا.

كلَّ فجرٍ أرودُه، أفرشُ الأرضَ

ضحايا، وأفجِّرُ الدمعَ بَحْرَا.

فكأني وُجِدْتُ كي أجتليَ كُنهي

وأجنيَ حقِّي رويدًا وقَسْرَا.

وكأنَّ التاريخَ ساحةُ حربٍ

بين حرٍّ وبين مَن كان حرَّا.

أَتُرى جوهرُ الخليقةِ حرِّيةٌ أوْلى

بِمَنْ فازَ في النِّضالِ وأحرى؟

 

أنا حرٌّ، يا ربُّ، حرٌّ: لِيَ العقلُ

جناحٌ وذروةُ الحقِّ مرمى.

يا إلهي، شدِّدْ جناحي، وزِدْهُ

قوةً منكَ؛ فهوَ غضٌّ – ومهما

همَّ في نفسِه وحلَّقَ أجواءً

وطَوَى من العلاءِ وضمَّا،

لا تزالُ الرياحُ تلوي خَوافيهِ

وتهوي بهِ إلى ما تعمَّى،

فيصيرُ الوجودُ غَمْرَ ظلامٍ،

وتصيرُ الحياةُ طيفًا ووَهْمَا.

 

يا إلهي، شدِّدْ جناحي: فما يكفيه

علمٌ – مهما تساميتُ عِلْمَا.

أنتَ أدرى بهِ! فلو ينفعُ العلمُ

لَما زادتِ الخليقةُ إثما،

ولَما جئتَ ههنا، تفتدي العقلَ

وتروي أنَّ المحبَةَ أسمى.

هَبْهُ من عندكَ المحبةَ، يا ربُّ،

وزوِّدْهُ بالمحبَّة فَهْمَا.

فإذا بالرياحِ غيرُ رياحٍ

كلَّما قاربَ الوصولَ ولمَّا.

 

ربِّ، هبني محبةً: فبِها أُدركُ

حريَّتي وأعرفُ نفسي.

أنا، إنْ لا أحبُّ، ما نفعُ عقلي

لخلاصي؟! وباطلٌ كلُّ بأسي.

فخلاصي، أنا المسيَّرُ بالغيبِ،

ومَن يومُهُ منوطٌ بأمسِ،

إنَّما تمَّ بالمحبَّة والعقلِ –

فلولاهما أغوصُ بِرِجْسي.

نعمةٌ أستحقُّها، إن أنا آمنتُ

وطوَّعتُ للحقيقةِ حسِّي.

 

أنا حرٌّ، يا ربُّ: في أضلعي شوقٌ

إلى رؤيةِ الحقيقةِ حرَّا.

شاهدٌ، إن رأيتُها، معلنٌ عنها

صراحًا لدى الخليقةِ طرَّا،

مُفتديها بالروحِ، إنْ رامَ عبدٌ

طَمْسَها خيفةً وجهلاً وغَدْرَا.

ويحَ نفسي، ما أتعَسَ الحقَّ في الدنيا!

فكم مرةٍ يُباع ويُشرى!

كلُّ شيءٍ لدى العبيدِ حلالٌ –

غير شيءٍ: قولُ الحقيقةِ جَهْرَا.

*** *** ***

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

Editorial

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال يوسف وديمة عبّود