أثار سخطًا وجدلاً واسعًا
لجنة حكومية أعدت مشروع قانون للأحوال الشخصية السوري

 

المحامي ميشال شماس

 

بتاريخ 7/6/2007 اصدر السيد رئيس مجلس الوزراء القرار رقم 2437 قضى بموجبه تشكيل لجنة مهمتها إعداد مشروع قانون الأحوال الشخصية السوري، وبتاريخ 5/4/2009 انتهت اللجنة المذكورة من إعداد مشروع القانون المذكور، وقد جاء المشروع جامعًا في أحكامه جميع الأديان والطوائف، واحتوى على 665 مادة. وخص المشروع الطائفة الدرزية بالمادة 619، وخص الطوائف المسيحية من المادة 620 وحتى المادة 655، ومن المادة 656 وحتى المادة 665 للطائفة اليهودية.

وعُلم أن رؤساء الكنائس المسيحية في سورية فوجئوا بمشروع القانون، إلا أن المفاجأة الأكبر بالنسبة إليهم كانت في حرمان الكنيسة من الإشراف على عقد الزواج وتنظيمه وجعله من اختصاص موظف يعينه وزير العدل، بينما أبقى المسائل المتعلقة بانحلال الزواج وآثاره من اختصاص المحكمة الروحية لكل طائفة، وأضاف إليها أحكامًا تتناقض كليًا مع الأحكام الخاصة بالطوائف المسيحية. وقد وصف رجل دين مسيحي الأحكام المتعلقة بالطوائف المسيحية الواردة في المشروع بأنها تنسف العقيدة المسيحية، ورأى فيه مشروع فتنة. وقد أجمع جميع من أطلع عليه من المسيحيين على رفض الأحكام الواردة في المشروع باستثناء بعض الأحكام المتعلقة بأسباب بطلان الزواج والتطليق.

فمشروع القانون الجديد نص في المادة 627 من المشروع:

لا يتم انعقاد الزواج إلا بوثيقة رسمية صادرة عن موثق يعينه وزير العدل، بعد إبراز الوثائق المنصوص عليها في المادة 76 والتحقق من أهلية الزوجين.

أي لم يعد للكنسية أي دور بشأن مراسم عقد الزواج.

وخلافًا للأحكام الكنسية التي تحرم الاقتران بأكثر من امرأة في وقت واحد، فقد شرعن مشروع القانون المذكور تعدد الزوجات للمسيحيين حين سمح للزوج المسيحي الزواج بزوجة ثانية، وهذا ما يفهم من نص المادتين 639 و640، فالمادة 639 نصت:

يجوز لكل من الزوجين أن يطلب التطليق بسبب زنى الزوج الآخر، أو زواجه الثاني،

أما المادة 641 فقد نصت:

1- تسقط الدعوى بانقضاء ستة أشهر من تاريخ العلم بوقوع الزنى، أو الزواج الثاني.
2- ولا تقبل الدعوى إذا صفح الزوج عن المخطىء، أو كان الزنى والزواج الثاني برضاه.

وهذا ما يتناقض مع المادة 624 التي نصت في فقرتها الأولى:

1- لا يجوز لأحد الزوجين أن يعقد زواجًا آخر ما دام زواجه قائمًا.

بينما حافظ مشروع القانون على الأحكام الخاصة بطائفة الدروز لجهة عدم تعدد الزوجات كما جاء في المادة 619 بند 2- لا يجوز تعدد الزوجات في آن واحد..؟ وهو أمر لا يمكن أن تقبل به الكنيسة ولا المسيحيين أيضًا، خاصة في ظل مطالبة الكثير من السورين بمختلف انتماءاتهم الدينية بمنع تعدد الزوجات.

والغريب أن مشروع القانون في المادة 625 منه حظر على المسيحيين الزواج أكثر من ثلاث مرات

التزوج في المرة الرابعة بعد التزوج ثلاث مرات وحصول المفارقة باطل.

فماذا يفعل الرجل المسيحي إذا توفيت زوجته في المرة الأولى بحادث سير، وكان زواجه الثاني باطلاً، أو توفيت امرأته لسبب من الأسباب في المرة الثالثة.

كما ألزم مشروع القانون المرأة المسيحية بالعدة الأمر الذي لم يكن معمولاً به عند المسيحيين على ما نصت عليه المادة 626:

لا يجوز العقد على من انتهى زواجها إلا : أ- بوضع الحمل المستبين. ب- بعد سنة لغير الحامل من تاريخ انتهاء التطليق أو وفاة الزوج.

بينما نصت المادة 248 من نفس مشروع القانون أن عدة المرأة المسلمة للمتوفى عنها زوجها إن لم تكن حاملاً بمضي أربعة أشهر قمرية وعشرة أيام من يوم وفاته، وثلاثة أشهر للمرأة المطلقة..! وأبقى مشروع القانون على عدة المرأة فيما يتعلق بطائفة الدروز على حالها وهي أربعة أشهر تبدأ من تاريخ الطلاق أو التفريق أو الوفاة، وتنتهي عدة الزوجة بوضع حملها. مع العلم أن المرأة باستطاعتها أن تعرف إذا كانت حامل أم لا بفضل التحاليل الطبية.

ومشروع القانون ميز بين المسيحيين والمسلمين حين حدد للمسيحيين طريقتان فقط لإثبات الزواج، بينما أجاز للطرف المسلم إثبات الزواج بشتى طرق الإثبات وفقًا لنص المادة 630:

1- لا يجوز إثبات الزوجية إلا بالوثيقة أو بالإقرار القضائي. 2- إذا كان الزوج مسلمًا جاز أثبات الزواج بشتى وسائل الإثبات الشرعية.

وفي المادة 38 منه استخدم معدوا المشروع كلمة ذمي بدلاً من كلمة مسيحي في الفقرة الثالثة:

3- تجوز شهادة الذمي إذا كانت الزوجة كتابية حين الضرورة ... ولكن لا يثبت الزواج إذا جحده الزوج المسلم ويثبت إذا جحدته الكتابية.

وفرضت المادة 620 على المسيحيين بوجوب:

1- إشهار الخطبة . 2- يصدر وزير العدل قرارًا بالتعليمات التنفيذية اللازمة لذلك 3- لا يجوز عقد الزواج إلا بعد خمسة عشر يومًا من تاريخ إشهار الخطبة.

وأبقى مشروع القانون على بطلان زواج المسلمة بغير مسلم، وزواج المرتد عن الإسلام أو المرتدة ولو كان الطرف الآخر غير مسلم. أما زواج المسلم بغير المسلمة باطل ما لم تكن كتابية.

ونصت المادة 325 من المشروع بند 3 - إذا اسلم الزوجان معًا كان القاصر من أولادهما مسلمًا سواء أكان مولودًا بعد الإسلام، أم قبله. وأما البند الرابع منها فنص على أنه إذا أسلم أحد الزوجين كان دين الصغير هو الإسلام على أن يبقى له حق اختيار الدين عند بلوغه سن الرشد خلال شهر من بلوغه، بينما المدة في القانون الحالي هي سنة من تاريخ بلوغه سن الرشد. وذلك خلافًا لأحكام المادة 129 من كتاب قدري باشا المنصوص عليه في قانون الأحوال الشخصية السوري الحالي، التي نصت حرفيًا:

إذا أسلم أحد الزوجين وكان بينهما ولد صغير أو ولد لهما قبل عرض الإسلام على الآخر أو بعده يتبع من أسلم منهما إن كان الولد مقيمًا في دار الإسلام سواء كان من أسلم من أبويه مقيمًا بها أو في غيرها، فإن لم يكن الولد مقيمًا بدار الإسلام فلا يتبع من أسلم من أبويه.

ومعروف أن مفهوم دار الحرب والإسلام قد سقط نهائيًا على يد كمال أتاتورك عندما أنهى الخلافة العثمانية. وأما المادة 293 فنزعت حضانة الأم غير المسلمة من حضانة الطفل عندما يبلغ أربع سنوات من عمره. فهل يعقل نزع هذا الطفل من حضن أمه؟ أية قسوة هذه؟

كما نص المشروع، وخلافًا لما نص عليه القرار 60 ل. ر، بأن إشهار الإسلام يتم في المحكمة الشرعية وليس في دار المحافظة، وبدون حضور رجل الدين الذي يتبع له طالب الإسلام، ويمتنع سؤال طالب الإسلام عن سبب إسلامه أو الباعث إليه.

واللافت في هذا المشروع أن الأحكام المتعلقة بالطائفة الدرزية بقيت كما هي منصوص عليها في المادة 307 من قانون الأحوال الشخصية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 59 لعام 1953.

ونص مشروع القانون في المادة 21 على إنشاء نيابة عامة شرعية لها حق التدخل في بعض قضايا الأحوال الشخصية أو رفع بعضها إذا لم يتقدم أحد من ذوي الشأن وذلك في كل أمر يمس النظام العام. وعبارة النظام العام هنا مطاطة يمكن تحميلها الكثير، كما يجري في مصر في قضايا الحسبة.

وفي سياق آخر أبقى مشروع القانون في المادة 44 منه على زواج الصغيرة والصغير بقولها:

إذا ادعى المراهق البلوغ بعد إكمال الخامسة عشرة، أو المراهقة بعد إكمالها الثالثة عشرة، وطلبا الزواج يأذن به القاضي إذا تبين له صدق دعواهما واحتمال جسميهما.

بينما المادة 82 تمنع توثيق عقد الزواج أو المصادقة عليه ما لم تتم الفتاة الخامسة عشر ويتم الفتى السابعة عشر من العمر وقت التوثيق. مع العلم أن هناك مطالبات كثيرة بمنع زواج الصغيرات وتحديد سن الزواج للفتى والفتاة بسن البلوغ وهو ثمانية عشر.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن بصدد هذا المشروع وما قد ينتج عنه من ردود فعل نحن بغنى عنها هو: هل يتحمل الوطن هكذا مشروع؟ فإذا كان متعذرًا في الوقت الحالي قيام تشريع زواج مدني على أساس قانون مدني واحد فوق الطوائف مع ترك حرية الاختيار لمن يرغب من المواطنين مباركة زواجهم عن طريق المحاكم الشرعية والروحية والمذهبية، فلماذا لا نترك المفاعيل الدينية للزواج كما في شروط عقده وانحلاله وفسخه للمراجع الدينية لكل طائفة؟ ثم نعمل معًا على سن قانون أحوال شخصية موحد لجميع الأديان والطوائف ينظم مسألة الآثار والمفاعيل المدنية المتعلقة بالزواج وما ينتج عنه من آثار تتصل بالحضانة والمسكن ونفقة الزوجة والولد الصغير والكبير ونفقة الأقارب والولاية والوصاية والإرث والوصية والأشياء الجهازية ...الخ وذلك على أساس المساواة التامة بين الرجل والمرأة سواء أكانوا مسلمين أم مسيحيين أم دروز أم يهود وفقًا لما نص عليه الدستور السوري ولاسيما المادة 25 منه فقرة 3:

المواطنوان متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات.

وكذلك المادة 35 فقرة 1:

حرية الاعتقاد مصونة وتحترم الدولة جميع الأديان.

وبما ينسجم مع العهود والمواثيق الدولية ذات الصلة.

نحن لا نطلب الحق في ممارسة الشعائر الدينية فقط، بل نطلب حق التمتع بمبدأ المواطنة الذي يساوي بين المواطنين على اختلاف مشاربهم السياسية والدينية والمذهبية والعرقية...الخ. فنحن السوريين بجميع أطيافنا وانتماءاتنا كنا ومازلنا شركاء في هذا الوطن منذ آلاف السنين، شركاء في الحلوة والمرة، شركاء في الدفاع عنه، وسنستمر كذلك... فما الذي يمنع بعد كل ذلك من أن نشارك في بناء هذا الوطن على أساس الكفاءة وعلى أساس الاعتراف بالآخر وحق الاختلاف معه... وعلى أساس القبول بهذا الآخر وحقه الإنساني دون حدود فقهية وتشريعية؟؟

في اختصار، نطمح إلى بناء وطنٍ يكون لجميع أبنائه، يرتكز أولاً وأخيرًا على مبدأ المواطنة الذي يتيح لجميع المواطنين التمتع على وجه الخصوص بحرية الفكر والعقيدة وسائر الحريات العامة والخاصة بصرف النظر عن الدين أو الجنس أو العرق أو اللون. ونطمح أيضًا إلى نظام يحمي المعتقدات الدينية والفكرية والسياسية، وإن اختلفت. نظام يكون على مسافة واحدة من جميع مكونات الشعب دون تفضيل فريق على آخر...

*** *** ***

كلنا شركاء 24-5-2009

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 إضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود