الإسلام والعالم: نحو علاقات جديدة

 

محمد السمّاك

 

فتح الرئيس الأميركي، باراك أوباما، صفحة جديدة لعلاقات الولايات المتحدة بالعالم الإسلامي. وطوى الصفحة التي سطّر فيها الرئيس السابق، جورج بوش، أسوأ ما مرّت به هذه العلاقات.

أمران يثيران الاهتمام في هذا التحوّل الهام والبنّاء. الأمر الأول من حيث الشكل، وهو اختيار تركيا، بالتحديد، منبرًا لإعلان الموقف الأميركي الجديد. أما الأمر الثاني وهو الأساس، فيتعلق بالمضمون والهدف.

كان أمام الرئيس أوباما ثلاثة منابر إسلامية أساسية ليعلن منها هذا التحوّل:

المنبر الأول هو المملكة العربية السعودية باعتبار أنها خادمة الحرمين الشريفين؛ هناك نزل الوحي ومن هناك انطلق الإسلام، وإلى هناك يتوجه المسلمون في صلاتهم اليومية وفي حجهم وعمرتهم.

المنبر الثاني هو أندونيسيا باعتبارها أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان، وباعتبارها، كذلك، الدولة التي فتح فيها الرئيس أوباما، في مطلع حياته، عينيه على الإسلام، والذي كان والده حسين يؤمن به ويعتنقه.

المنبر الثالث هو تركيا التي لفتت نظر العالم في قدرتها على التوفيق بين الالتزام بالإسلام دينًا وممارسة الديمقراطية في مؤسساتها السياسية التمثيلية؛ وكذلك بين التمسك بتقاليدها الشرقية وبين تطلّعها غربًا لأن تصبح عضوًا في الاتحاد الأوروبي.

لقد تردّد طويلاً أن الرئيس أوباما، فور فوزه بالرئاسة، قرّر أن يزور دولة إسلامية. وتردد أن هذه الدولة قد تكون أندونيسيا حيث قضى فيها طفولته الأولى. وتردد أن تكون السعودية هي الدولة بما تمثله من رمز إسلامي. غير أن اختيار تركيا لتكون المنبر الذي أطلّ منه على العالم الإسلامي أخذ في الاعتبار أمورًا عديدة، منها أن المنبر التركي يطلّ شرقًا على الدول الإسلامية الخمس في آسيا الوسطى، ويطلّ جنوبًا على الشرق الأوسط (إيران والدول العربية)، ويطل غربًا على الإسلام الأوروبي في البلقان، وامتدادًا حتى ألمانيا وفرنسا وبريطانيا حيث تتكاثف الجاليات الإسلامية.

ثم أن تركيا هي عضو في حلف شمال الأطلسي، وسيتولى الأمانة العامة للحلف، ابتداء من شهر أغسطس القادم، الرئيس السابق للحكومة الدانمركية اندريس فوغ راسموسن. وهذه الشخصية السياسية معروفة بمواقفها المتطرفة ضد المهاجرين المسلمين إلى الدانمارك ومعظمهم من الأتراك. وكان رفضَ استقبال وفد من سفراء الدول الإسلامية المعتمدين في بلاده للاحتجاج على الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك بحجة "احترام حق التعبير عن الرأي".

من أجل ذلك عارضت تركيا تسميته أمينًا عامًا لخلفيته السلبية من الإسلام. ولم تكن صدفة أن تتزامن زيارة الرئيس أوباما إلى تركيا مع زيارة راسموسن إليها لتسويق تعيينه في منصبه الجديد، ولحلّ عقدة المعارضة التركية.

من هنا البعد السياسي لإعلان الرئيس الأميركي الموقف الجديد من الإسلام، ومن العالم الإسلامي. ذلك أن هذا الموقف لا يعبّر عن التحوّل في سياسة الولايات المتحدة فقط، ولكنه يعبّر أيضًا عن تحوّل مماثل في سياسة الحلف الأطلسي. فالأمناء العامون للحلف كانوا يرددون، منذ انتهاء الحرب الباردة (أي قبل أحداث 11 أيلول الإجرامية في نيويورك وواشنطن من عام 2001)، أن الإسلام هو العدو الجديد بعد انهيار الشيوعية، وسقوط منظومة حلف وارسو.

فالرئيس أوباما أعلن، في تركيا، باسم الولايات المتحدة، وكذلك نيابة حلف الأطلسي، موقفًا يلزم الأمين العام الجديد للحلف، وهو ما أكده راسموسن نفسه للمسؤولين الأتراك أيضًا، كشرط مسبق حتى يسحبوا معارضتهم ضده.

أما في الأساس، وفيما يخص سياسة الولايات المتحدة ومواقفها من العالم الإسلامي، فإن الرئيس أوباما أعلن "إن الولايات المتحدة ليست، ولن تكون أبدًا، في حرب مع الإسلام. وإن الشراكة الأميركية مع العالم الإسلامي حاسمة وهامة جدًا. ليس فقط في صدّ معتقدات العنف التي يرفضها الناس من جميع الأديان، بل أيضًا لتعزيز الفرص لجميع بني البشر".

وهذا يعني: أولاً: إدانة غير مباشرة لسياسة سلفه الرئيس بوش الذي وصف اجتياح العراق بأنه "صليبية جديدة"، والذي استخدم عبارة "الإرهاب الإسلامي"، ثم تراجع عن استخدام العبارتين تحت تأثير ردّ الفعل الذي جوبه به.

ثانيًا: فك الرئيس الأميركي الارتباط بين الإرهاب والإسلام، بل بين الإرهاب والدين بالمطلق، وذلك عندما أكد على اعتبار أن جميع الأديان ترفض العنف.

ثالثًا: إن الرئيس أوباما يدعو الآن إلى شراكة مع العالم الإسلامي تتعدى مجرد محاربة الإرهاب والعنف، إلى تعزيز الفرص لجميع بني البشر. وهذا النوع من الشراكة يجد فيها العالم الإسلامي دوره الإنساني البنّاء.

وفي الأساس أيضًا، وفيما يلزم حلف شمال الأطلسي، قال الرئيس أوباما "إن العلاقات بالمجتمعات الإسلامية، وبالعالم الإسلامي، لا يمكن أن تكون، ولن تكون، قائمة على مجرد مقاومة الإرهاب، فنحن نسعى إلى المشاركة الواسعة على أساس من المصالح المتبادلة والاحترام المتبادل، وسنستمع باهتمام وعناية، وسنمدّ جسور التفاهم، وسنسعى في سبيل إيجاد أرضية مشتركة. سنبدي الاحترام حتى عندما لا يكون اتفاق بيننا، وسنظهر تقديرنا العميق للدين الإسلامي الذي قدّم الكثير والكثير، على مدى القرون، لتشكيل هذا العالم".

هذا التحول في الموقف الأميركي (وتاليًا في الموقف الأطلسي) يصدر عن أعلى مرجع في الولايات المتحدة (وفي الحلف أيضًا) يحتاج إلى موقف إسلامي مقابل. وهنا لا بد من الاقرار بأن هذا الموقف المقابل لا يفترض أن يكون تركيًا، رغم ما لتركيا من حضور إسلامي، ولكنه يفترض أن يصدر عن مرجعية إسلامية أشمل تكون ممثلة بمنظمة المؤتمر الإسلامي.

لقد بدأ فريق عمل أميركي متخصص في وضع برامج للتعاون مع دول العالم الإسلامي في المجالات الاجتماعية والتنموية والاقتصادية، باعتبار ان التنمية هي ركن أساس لمحاربة التخلّف والعنف. وقد تعهد الرئيس أوباما، في خطابه الذي أطلقه من المنبر التركي، "بتقديم العون للأطفال كي يحصلوا على التعليم الذي يحتاجونه للنجاح في الحياة. وتعزيز الرعاية الصحية في الأماكن التي يتعرض أهلها لأخطار المرض. وتوسيع التجارة والاستثمار اللذين يجلبان الرخاء لكل الشعوب".

لذلك لا بد من تشكيل فريق عمل إسلامي متخصص أيضًا لمقابلة الفريق الأميركي في منتصف الطريق، من أجل الاتفاق على الأولويات وعلى وسائل التنفيذ، والمواقع الأكثر حاجة، وسواها من الأمور الإجرائية.

وإذا سار كل شيء على ما يرام، عندئذٍ يمكن الاطمئنان إلى أن صفحة جديدة قد فتحت في علاقات العالم الإسلامي بالولايات المتحدة، ومع منظومة حلف الأطلسي... ومع العالم.

*** *** ***

المستقبل، الجمعة، 1 أيار، 2009. العدد 3292، رأي وفكر، صفحة 19.

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 إضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود