<LINK href="favicon.ico" rel="SHORTCUT ICON">

 ميثاق العبرمناهجية - Charter of Transdisciplinarity

هذا الشعار مستوحى من شعار المركز الدولي للأبحاث و الدراسات العبرمناهجية، عن رسم أصلي للفنان البرتغالي الراحل ليماده فريتاس

 إصدارات خاصّة

Special Issues

  المكتبة - The Book Shop

The Golden Register - السجل الذهبي

 مواقع هامّة

Useful Sites

أسئلة مكررة

F.A.Q.

الدليل

Index

 معابرنا

 Maaberuna

حب ربيعة ريحان لا يخلو من الارتياب

محمد برادة

 

بعد تجربة طويلة ومتميزة في كتابة القصة القصيرة، تنزح الكاتبة المغربية ربيعة ريحان إلى أروقةِ الرواية مستوحية موضوعًا لا يخلو من خصوصية وتشويق. وعلى رغم أن طريق الغرام (دار توبقال 2013) هي روايتها الأولى، فإن بناء النص يسترعي الاهتمام لأن الكاتبة اختارت شكلاً مُتوازيًا للسرد يتقاطع أحيانًا، ليتيح للشخصية الأساس «فوزية» أن تنتقل بسهولة من الحاضر إلى الماضي، وهي تسرد قصتها مع الحب والزواج المتعثر، ثم تجربة الحب الجديد المحفوف بالشكِّ والارتياب.

على امتداد أربعة وعشرين فصلاً تحمل عناوين موحية، نتابع مع فوزية، الشخصية الأساس، سَرْدَها تجربةً مزدوجة ينتمي جزؤها الأول إلى ماضٍ قريب، ويندرج شقها الثاني ضمْنَ حاضر تعيشه الساردة ونتابعه معها متطلعين إلى تطوُّر الأحداث وانفراجها... والعنصر اللافت المُميز بين ماضي التجربة وحاضرها، هو لغة السرد التي تكتسي طابعًا نثْريًا يهتمّ بالوصف ونقل تفاصيل علاقة فوزية بسمير في الجامعة، ثم خلال فترة زواجهما، وتتدثَّر بغلائل الشعر والتدفق العاطفي حين تُتابع علاقة الساردة بالشاعر العراقي يوسف المقيم في لندن والذي أخذ يُراسلها عبْر البريد الإلكتروني بعدما قرأ أحد نصوصها القصصية المنشورة على الإنترنت. على هذا النحو، يأخذ بناء النص طابعَ التوازي والتداخل والتمايُز، وينطوي في الآن نفسه على عقدتيْن، الأولى تُفضي بها الساردة في الصفحات الأولى لأنها متصلة بفشل زواجها وطلاقها من سمير، والعقدة الثانية للرواية مُعلقة لأنها متصلة بالعلاقة المُثيرة التي تعيشها فوزية تحت أنظارنا والتي تجهل هي أيضًا طريقة انفراجها. وعندما نقرأ هذا البناء مُقترنًا بالأحداث وكلام الساردة، سنتبيَّن أنَّ المسألة تتعلق، في نهاية التحليل، بما يُصطلَح عليه برواية التعلُّم أو التكوين، لأنَّ فوزية هي في موقع مَنْ يكتشف الحياة بخاصة في جوانبها العاطفية، ويتعلم من التجارب المُكوِّنة للشخصية. بعبارة ثانية، نحن أمام فتاة مغربية تنتمي إلى عائلة ومدينة مُحافظتيْن، تعرفت في الجامعة إلى سمير الذي جذبها بشخصيته المقتحمة وفصاحته الجاهزة، لكنها اكتشفت بعد زواجهما أنَّ سلوكه تغيَّر معها، وأن مُيوله المِثْلية أخذته بعيدًا من فراشها. لم يكن هناك من حلٍّ سوى الطلاق والاستسلام للكآبة. إلا أنَّ اهتمامات فوزية الأدبية ونشرها قصصًا ونصوصًا على «النَّتْ»، لفتتْ نظر الشاعر يوسف الذي يعيش في المنفى، ويتابع ما ينشره الشباب. وجاءت رسائله معبرة عن عطش عاطفي يبحث عن روح صنو تشفي غليله. هذه اللحظة الجديدة في مسار كلٍّ من فوزية وَيوسف، هي التي ستؤشر إلى طريق آخر للغرام:

كنتُ أجنح إلى فتح الإيميل وأتطلع إلى صفِّ الرسائل الكثيرة الواردة، وأرى الأسماء والعناوين الإلكترونية، وأنقُر فاتحة بريد يوسف وكُلِّي شوق، أتخيَّل ما يعدُني من معانٍ جديدة وأفكار موحية. كتابات غيَّرتْ واقع حياتي وجعلتني أفتح نوافذي لأستقبل تلك الإشارات التي يرسلها إليَّ، والمشاعر الحنون التي تمتلئ بها روحي. «أنا بانتظارك»، موحية وجذابة هذه الكلمة لامرأة رومانسية مثلي، كانت عاشقة بامتياز وانصدمتْ، لكنها لم تستطع أن تتخلص من تحليقها الحالم وستظلُّ إلى الأبد تهزها بعمق تعابير شفافة كأنما هي ضوء باهر. (ص 111)

ثمَّة ما يدفعني إلى اعتبار رسائل يوسف الرقيقة إلى فوزية واستجابة هذه الأخيرة لفسحة العواطف التي تشيدها الكلمات الشعرية، نقطة تحوُّل في مسار تجربة فوزية وأيضًا في طبيعة النصِّ الروائي، لأنَّ تحوُّل اللغة وتبلوُر الحبِّ عبْر هذه الواسطة الافتراضية، ينقل النص من مستوى الواقعية إلى مستوى يقترب من العجائبية والفانتستيك.

اكتشاف الهوية

لم يكن فشل فوزية في زواجها حدثًا عابرًا، لأنها بذلتْ جهدًا كبيرًا لتقنع عائلتها الموسرة بزواجها بسمير الذي ينتمي إلى عائلة فقيرة، ولأنها كانت تعتبر علاقتها بسمير تجسيدًا لحبٍّ كبير أسعدها طوال أيام دراستها الجامعية. ومن ثمَّ شعرت بأنها ضحية خداع حفر ندوبًا عميقة في وجدانها. وهذا الخداع مزدوج، لأنها انخدعت هي في سمير فلم تتفَطَّنْ إلى الجانب الملتبس والغامض في شخصيته، وهناك خدعة سمير الذي لم يُصارحها بمثليته الجنسية لسبب قد يعود إلى رغبته في الاستفادة من غنى عائلة الزوجة، أو لأنه خجل من تحمل مسؤولية ميوله الجنسية التي اكتشفها متأخرًا... أمَّا ما يبدو غير مقنع في خطاب فوزية، فهو لجوءها إلى تحقير سمير بسبب مثليته وكأنها سلوك يمكن التحكم به أو تغييره إراديًا. وفي الآن نفسه، نجد أنَّ الكاتبة لم تفسح المجال لإسماع صوت سمير في ما يتصل بهذه المسألة واكتفت بعبارات محدودة يعبِّر فيها سمير عن كراهيته لفوزية وإصراره على تناول الحشيش والسهر خارج البيت. لذلك، قد يبدو خطاب التحقير على لسان فوزية إدانة للاختلاف الجنسي الذي أصبح العالم يعترف به، بعدما عاش أمدًا طويلاً في السرية والكتمان. ومهما تكن حقيقة تغيُّر سمير، فإنَّ الطلاق زعزع شخصية فوزية وجعلها في مهب الرياح، ودفعها إلى مواجهة سؤال الحبِّ والهوية واستئناف الحياة من منظور مُغاير، لا يحتمي بالأسرة ووصايتها ولا بالمواضعات السائدة. وجاء المخرج من مجال الكلمات التي تلجأ إليها للتعبير عن نفسها. رسائل يوسف هي التي نسجت طريق الخلاص، لأنها خاطبتْ الجانب الحسَّاس لدى فوزية ونبَّهتها إلى قوى كامنة تستطيع أن تتحدَّى:

عندما تتداعى الأحلام تطلعي حولك، تقول كلمات يوسف، اقتطعي لنفسك مساحة أخرى بأقلِّ قدر من التحسر، انصتي إلى صوت مخلوقات الليل. انصتي إلى رسائلها الخفية في هذا الفضاء الكوني العظيم، سيُرمم ذلك الكثير من الشروخ لديك... (ص 93).

تتوالى رسائل يوسف الزاخرة بالحنان والعاطفة والشوق إلى اللقاء. وعلى رغم ارتياب فوزية، أحيانًا، في صدق هذه العواطف، فإنَّ إصرار يوسف على مكاتبتها والتحدث إليها عبر الهاتف، وتعليقه على ما تنشره، أقنعها بأنَّ عاطفة ما انتسجتْ خيوطها الأولى، وأنَّ عليها أن تتخلَّى عن ارتيابها وانكماشها لتلقي بنفسها في بحر الغرام، مزوَّدة بتجربتها الأولى ومُراهِنة على صدقية الشعر ومفاجآت المغامرة. وبمعنى آخر، يقوم مشروع الحبِّ الجديد على اشتراك يوسف وفوزية في سعيهما إلى إضفاء دلالة على حياتهما ممَّا رسمته كلمات الرسائل المتبادلة. والحبُّ سيستمدُّ وجوده وقوته من المعنى المشترك الذي يُضفيه المحبان على الحياة. وهذا جانب أساس، لأنَّ علاقة فوزية بزوجها قامتْ على انبهارها بشخصيته المرحة وجاذبيته الفيزيقية من دون أن يُعير هو اهتمامًا لموهبتها الإبداعية. ومن ثمَّ يمكن القول إنَّ الحب في تجربة فوزية أصبح عنصرًا جوهريًا في إعادة بناء هُويتها على نحو ما يتضح من تحليلها لوضعيتها:

كنتُ كأنني لا أحبُّني ولا أتقبلني كما صرتُ، وأوافق بأن لا أتخذ هذه السيدة الحالمة رفيقة لي، ضاجَّة بالحياة الافتراضية الجديدة. كأنني عدوة نفسي اللدودة.

هل يُعقل هذا يا فوز؟ فوز؟ نعم فوز. يوسف من أسماني كذلك، وإنه لمن الأمور الطيبة في حياتي، لذلك لن أخذله ولن أخذل نفسي، وسأستجيب لنبوءته المبشرة. (ص 148)

وهذه الهوية التي بدأت تتبلور داخل فوزية إنما نشأت من خلال الرسائل وكلماتها الدافئة التي أكَّدتْ أنَّ الحب هو في حاجة إلى كلمات تُجلِّي عمقه وتلويناته. ولعلَّ المرأة أكثر حساسية تجاه التعبير عن العواطف. وهو ما يفسر كوْن فوزية تخلَّتْ عن شكوكها أمام دفق الرسائل الناضحة بالإحساسات المتأججة. فاقتنعت بصدق عاطفة يوسف ووافقتْ على مجيئه إلى مدينة مراكش، بعيدًا من مدينة أسفي، حيث تسكن العائلة، ليكون اللقاء الغرامي الذي أملَتْه الرغبة والحلم بوصفهما «قيمة حيوية» داخل ذات فوزية، وبوصف هذه التجربة التي أقدمت عليها «حالة تمردية» ضدَّ ارتيابها وتقوقعها. لا شك في أنَّ ربيعة ريحان حقَّقتْ، في روايتها الأولى هذه، إنجازًا نصيًا يستدعي الاهتمام، لأنها وجدت شكلاً ملائمًا يولي الاعتبار لوسائط التواصل الحديثة، ووظفتْ لغة ذات مستويات تستجيب لتنوع مقامات السرد والحوار، والتقطتْ مظاهر دالَّة من مدينة أسفي المحافظة وأجواء النفاق العائلي، ولامَستْ عاطفة الحب في علائقها بالكلمات الرومنطيقية والرغبة التي تتغذى بأحلام الجسد والروح.

*** *** ***

الحياة

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 إضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود