القسم الأول

إشكاليَّة تأويل القرآن

قديمًا وحديثًا 2

نصر حامد أبو زيد

 

القَصَص القرآني كله ليس تاريخًا، "وإنما المراد بها الاعتبار والعظة من السياق"[29]. وليس المهم في القصة ما تحكيه من وقائع وأحداث، بل المهم هو أسلوب السرد ذاته الذي تُستنبَط منه العظة.

وعلى ذلك، فإن "الإعجاز" في القصص القرآني "في اللفظ، لا في القصص نفسها"[30]، أي في بنائها اللغوي السردي، وليس في مماثلة وقائعها المرويَّة للتاريخ أو في تَطابُقها مع وقائع التاريخ.[31] بالإضافة إلى ذلك، يقرِّر محمد عبده أن ترتيب السرد في القرآن لا يتطابق مع الترتيب المنطقي الطبيعي للوقائع، بل هو ترتيب لتأدية وظائف الوعظ والاعتبار.[32] ومن البديهي فيما يؤكد عبده أن

ذكر القصة في القرآن لا يقتضي أن يكون كلُّ ما يُحكى فيها عن الناس صحيحًا. فذكر السحر في هذه الآيات [البقرة 102] لا يستلزم إثبات ما يعتقد الناس منه... إن القصص جاءت في القرآن لأجل الموعظة والاعتبار، لا لبيان التاريخ ولا للحَمْل على الاعتقاد بجزئيات الأخبار عند الغابرين. وإنه ليحكي من عقائدهم الحقَّ والباطل، ومن تقاليدهم الصادق والكاذب، ومن عاداتهم النافع والضار، لأجل الموعظة والاعتبار. فحكاية القرآن لا تعدو موضع العِبرة، ولا تتجاوز موطن الهداية، ولا بدَّ أن يأتي في العبارة أو السياق وأسلوب النظم ما يدل على استحسان الحَسَن واستهجان القبيح. وقد يأتي في الحكاية بالتعبيرات المستعمَلة عند المخاطَبين أو المحكيِّ عنهم، وإن لم تكن صحيحةً في نفسها، كقوله: "كما يقوم الذي يتخبَّطه الشيطانُ من المس" [البقرة 275]، وكقوله: "بلغ مطلع الشمس" [الكهف 90]. وهذا الأسلوب مألوف. فإننا نرى كثيرًا من كتَّاب العربية وكتَّاب الإفرنج يذكرون آلهة الخير والشرِّ في خطبهم ومقالاتهم، ولاسيما في سياق كلامهم عن اليونان والمصريين القدماء، ولا يعتقد واحدٌ منهم شيئًا من تلك الخرافات الوثنية.[33]

إذا تأملنا ما يحاوله عبده هنا، فمن السهل أن نقرر أنه يحاول حماية القرآن من هجوم بعض المستشرقين، خاصة فيما يتصل بمسألة القصص القرآني والدقة التاريخية. ليس القرآن كتابًا في التاريخ – هكذا يكرر عبده هذه العبارة – بل هو كتاب هداية وموعظة وعِبْرة، يورِد ما يُروى وما يُحكى عن الأمم السابقة مورد الحكاية لتحقيق هذه الغاية، التي قد تتطلب تحويرًا أو اختصارًا أو ترتيبًا سرديًّا مخالفًا للوقائع. بالإضافة إلى هذا، يؤكد عبده أن ما يُحكى من اعتقادات وما يَرِدُ من عبارات، إنما يُحكى مطابِقًا لوعي المخاطَبين أو المحكي عنهم؛ ومن ثَمَّ لا مجال لاعتقاد صحته أو صوابه لمجرد أنه ذُكِرَ في القرآن. وهنا يتمكن عبده من تأويل كلِّ ما ورد عن السحر والحسد ومسِّ الشيطان للإنسان تأويلاً عقلانيًّا.

وإذا كان عبده ينطلق في كثير مما سبق من حقيقةٍ متفَقٍ عليها، هي أن الله يخاطب البشر على قدر عقولهم وأفهامهم، فإنه يطوِّر هذا المفهوم تطويرًا شاملاً، بحيث يجعل منه مرجعيةَ تأويلٍ أساسية. ولا شك أن عبده قد أفاد من علم النفس كثيرًا في عملية التطوير تلك؛ لكنه أفاد بالمثل من مفاهيم التمثيل والمجاز والكناية والاستعارة في التراث البلاغي العربي. في عبارة أخرى، يمكن القول إن عبده قد جمع بين الاستمداد من التراث وبين العلوم العصرية في محاولته الاستجابة للتحدي المطروح على العقل المسلم الذي يعتبر القرآن مرجعَه الأساسي. لذلك استند فعل التأويل عنده إلى مرجعية اللغة، كما استند إلى مرجعية المعرفة العصرية في تركيب منهجيٍّ دقيق يتطابق، إلى حدٍّ كبير، مع خطوات المنهج التي سبق تحليلُها.

هكذا تصبح قصة آدم وحواء، بما تضمَّنتْه من تفاصيل خَلْقِه وأمر الملائكة بالسجود له، ومخالفة إبليس، وتعليمه الأسماء، ثم إغراء إبليس، فالمعصية، فالخروج من الجنة – يصبح ذلك كله من قبيل "التمثيل" و"التصوير"[34]. وبالمثل، فإن "آدم" – فيما يرى عبده في تفسيره لكلمة "خليفة" – "ليس أول الأحياء التي سكنت الأرض"[35]. وهكذا يستجيب العقل المسلم لنظرية "النشوء والارتقاء" التي مثَّلت آنذاك تهديدًا مباشرًا لانسجام العقل المتدين عامة والعقل المسلم خاصة. لكن استجابة عبده هنا ليست قفزًا في الفراغ بتأويلٍ لا سند له من اللغة أو التراث؛ ذلك أن كلمة "خليفة" – كما فهمها بعض المفسِّرين القدماء – يمكن أن تعني "خلفًا" لقبيل سابق من الأحياء كان يسكن الأرض، "يفسد فيها ويسفك الدماء".

وبتطبيق المنهج نفسه، تصبح قصة ابنَي آدم – قابيل وهابيل – تمثيلاً لنوازع الخير والشر، وتصبح قصة إبراهيم مع الطير، الواردة في القرآن إثباتًا لقدرة الله على إحياء الموتى، تمثيلاً كذلك، لأن معنى "فصرهن إليك" ليس قطِّعهن أجزاء، بل "مرِّنهن على طاعتك". وهكذا، إذا كان الطير بالتمرين يستجيب للإنسان ويطيعه، أليس كلُّ ما في الوجود رهن مشيئة الله بما هو الخالق؟[36] بل يذهب محمد عبده – في جرأة غير مسبوقة إلا في أقوال بعض المعتزلة – إلى أن نزول الملائكة وقتالهم مع المسلمين في موقعة بدر الكبرى لم يكن حقيقة حرفية، بل كان من قبيل البُشرى والتأييد المعنوي.[37] وهو في هذا التأويل يستند إلى نفس القاعدتين اللتين أشرنا إليهما: اللغة، من جهة، والخبرة الإنسانية والمعرفة التراثية، من جهة أخرى – وكلاهما ينفي النزول الحرفي للملائكة. أما الدليل اللغوي فموجود في السرد القرآني: "وما جعله الله إلا بُشرى ولتطمئن به قلوبكم"؛ بينما يستند عبده في مرجعيته التراثية إلى تفسير محمد بن جرير الطبري – الذي أنكر نزول الملائكة في أُحُد[38]، وسكت عن مرويات قتالهم في بدر لأنها، فيما يرى عبده، "لم تكن حَرِيَّة بأن تُنقَل"[39]. ويستند كذلك إلى المعتزلي أبي بكر بن الأصم، الذي أنكر قتال الملائكة في بدر، وقال – فيما يروي عنه عبده – إن "المَلَك الواحد يكفي في إهلاك أهل الأرض، كما فعل جبريل بمدائن قوم لوط؛ فإذا حضر هو يوم أحد، فأي حاجة إلى مقاتلة الناس مع الكفار؟"[40]

هكذا يجمع عبده بين النقل والعقل. وينتهي عبده إلى رفض النقل الذي يتعارض مع العقل، قائلاً:

كفانا الله شرَّ هذه الروايات الباطلة التي شوَّهت التفسير وقلبت الحقائق، حتى إنها خالفت نصَّ القرآن نفسه. فالله تعالى يقول في إمداد الملائكة: "وما جعله الله إلا بُشرى ولتطمئنَّ به قلوبُكم". وهذه الروايات تقول بل جعلها مقاتلة، وإن هؤلاء السبعين الذين قتلوا من المشركين لم يمكن قتلهم إلا باجتماع ألف أو ألوف من الملائكة عليهم مع المسلمين الذين خصَّهم الله بما ذكر من أسباب النصر المتعددة. إلا أن في هذا من شأن تعظيم المشركين ورفع شأنهم وتكبير شجاعتهم وتصغير شأن أفضل أصحاب الرسول وأشجعهم، ما لا يصدر عن عاقل إلا وقد سُلِبَ عقلَه لتصحيح روايات باطلة لا يصح لها سند.[41]

هكذا يمكن القول إن مرجعية التأويل عند محمد عبده مرجعية مركبة تركيبًا أعقد من تركيب مرجعية التأويل عند المعتزلة؛ بل الأحرى القول إن مرجعية عبده هي مرجعية معتزلي يعيش في نهاية القرن التاسع عشر، محاولاً الإفادة من ثمار الفكر الإنساني والتوافق مع النصِّ المركزي في حضارته وثقافته. لذلك نراه يضع "القصص القرآني" في إطار "المتشابهات" التي تحتاج للتأويل وفق مقتضيات العقل، دون التسليم بدلالاتها الحرفية.[42] لكنه، على الرغم من ذلك، لا يدخل في عراك ضد "طريقة السلف" – أهل السنَّة والجماعة – كما فعل أسلافُه من المعتزلة، بل يحاول أن يميِّز بين "تفويض" أهل السلف وبين "تأويل" المعتزلة أو الخلف، ويرى أن التفويض واجب ضروري على مستوى "الاعتقاد" القلبي الداخلي، لكن "التأويل" كذلك واجب ضروري للكلام الإلهي "لأنه لا بدَّ للكلام من فائدة يحمل عليها، لأن الله – عزَّ وجلَّ – لم يخاطبنا بما لا نستفيد منه معنى"[43].

على أساس هذا التمييز، يمكن لنا أن نفهم ما يقوله عبده عن نفسه من أنه يجمع بين طريقة السلف وطريقة الخلف، وذلك على عكس تلميذه ومُكمِّل تفسيره محمد رشيد رضا، الذي يطمئن تمامًا إلى طريقة أهل السلف، ويؤكد أن هذا الاطمئنان الكامل لم يتحقق له تفصيلاً إلا بممارسة كتب كلٍّ من ابن تيمية وابن القيم[44]، حامِلَي لواء السلفية الحنبلية المناهِضة لأية مرجعية في التأويل سوى مرجعية اللغة، المعزولة حتى عن صيرورتها التاريخية وأفُقها الاجتماعي.

لكن جَمْعَ عبده بين طريقتي السلف والخلف (مع التمييز بينهما في الوقت ذاته) تحوَّل في أتباعه إلى تيارين ما يزالان حتى الآن يشكلان قطبَي صراع – يهدأ حينًا ويشتد أحيانًا – في تاريخ الفكر الإسلامي حتى يومنا هذا، خاصة في مجال تأويل القرآن وتفسيره – وهو المجال الذي نركز عليه هنا: من طريقة السلف نهل رشيد رضا، ومنه نقل حسن البنا، فتأسَّستْ جماعة "الإخوان المسلمين"؛ ومن طريقة الخلف نهل علي عبد الرازق وطه حسين وأمين الخولي ومحمد أحمد خلف الله – ولكلٍّ منهم قصة دامية مع تيار أهل السلف معروفة.[45]

لن نتوقف هنا عند كتاب الإسلام وأصول الحكم لعلي عبد الرازق، لأن اتصاله بعلم التأويل اتصال غير مباشر، من جهة، ولأننا تناولناه تفصيلاً في دراسة سابقة من جهة أخرى.[46] لكن لماذا ذُكِرَ اسم طه حسين من بين أتباع منهج الخلف، وليس لطه حسين اتصالٌ بعلم التأويل كذلك؟ تتضح العلاقة بين طه حسين ومحمد عبده – من زاوية تأويل القرآن – حين نتأمل سياق الفقرة التي وردت في كتاب طه حسن في الشعر الجاهلي والتي أثارت ما أثارت من احتجاج وردود ومناقشات ومطالبة بفصل طه حسين من الجامعة – حتى حسم وكيل النائب العام محمد نور الدين المشكلة من الناحية الإدارية، وإنْ ظلت لها، حتى الآن، امتداداتها وتفاعلاتها، سلبًا وإيجابًا، – هذا على الرغم من أن المؤلِّف نفسه – طه حسين – قام بسحب الكتاب، وحذف منه الفقرة التي أثارت كلَّ هذا الضجيج، ثم أعاد نشره باسم في الأدب الجاهلي الذي يماثل من حيث الحجم ثلاثة أضعاف الكتاب الأول.

طه حسين (1889-1973)

إن السياق الأساسي للكتاب هو مناقشة مدى انتساب هذا الشعر الذي يسمى "جاهليًّا" إلى عصر ما قبل الإسلام فعلاً. ومن خلال بعض الأدلة والأسانيد التاريخية واللغوية، يرى طه حسين أن "الصلة بين أصل اللغة العربية الفصحى التي كانت تتكلمها العدنانية (في الحجاز وشمال الجزيرة) واللغة التي كانت تتكلمها القحطانية (في اليمن)، إنما هي كالصلة بين اللغة العربية وأية لغة أخرى من اللغات السامية المعروفة". وبصرف النظر عن صحة هذه القضية أو خطئها، فإن المؤلِّف يستند إليها في الشك في صحة نسبة هذا الشعر المنسوب إلى شعراء أصلهم يمني والمصوغ بلغة عربية فصحى هي لغة الشمال. ويرى طه حسين أن هذا الشعر لا يمكن له أن يكون قد ظهر قبل القرآن، لأنه مكتوب بلغة قريبة جدًّا من عربية القرآن، التي لم تصبح لغة الجزيرة كلِّها إلا مع انتشار الإسلام. وتأسيسًا على ذلك، يرى طه حسين أن القرآن يجب أن يكون هو المرجع في فهم حياة الجاهلية، لا هذا الشعر الذي يُنسَب إلى الجاهليين وهو لا ينتسب لذاك العصر:

إن هذا الشعر الذي يُنسَب إلى امرئ القيس أو إلى الأعشى أو إلى غيرهما من الشعراء الجاهليين لا يمكن، من الوجهة اللغوية والفنية، أن يكون لهؤلاء الشعراء ولا أن يكون قد قيل وأذيع قبل أن يظهر القرآن... ولا ينبغي أن يُستشهَد بهذا الشعر على تفسير القرآن وتأويل الحديث، وإنما ينبغي أن يُستشهَد بالقرآن والحديث على تفسير هذا الشعر وتأويله... هذه الأشعار لا تثبت شيئًا ولا تدل على شيء، ولا ينبغي أن تُتَّخذ وسيلةً إلى ما اتخذت إليه من علم بالقرآن والحديث؛ فهي إنما تُكُلِّفت واختُرِعَتْ اختراعًا ليستشهد بها العلماءُ على ما كانوا يريدون أن يستشهدوا عليه.[47]

في مقابل هذا الشك في الشعر الجاهلي والتقليل من شأنه في مسائل التفسير والتأويل، نجد ثقةً مطلقة في صحة النصِّ القرآني، حتى ليغدو في نظر طه حسين المرآةَ الأصدق للحياة الجاهلية؛ وهو يرى أن هذه القضية بدهية، على الرغم مما تبدو عليه من غرابة في نظر مَن يسمعها لأول مرة. إنها قضية بدهية لأن "نص القرآن ثابت لا سبيل إلى الشك فيه". لكن هذا النفي الحاسم لصحة كثير من الشعر الجاهلي، من حيث نسبتُه إلى ذلك العصر، مع التأكيد الحاسم كذلك على صحة النص القرآني وكونه هو المرآة الصادقة للعصر الجاهلي، يفضي إلى مشكل لا بدَّ من حلِّه. ذلك أن الذين يقولون بوجود لغة موحدة يتكلمها العدنانيون والقحطانيون (أهل الشمال والجنوب) يستندون إلى بعض المرويات في التفرقة بين "العرب العاربة" – أي العرب الأقحاح الأصليون (وهم أهل الشمال) – وبين "العرب المستعربة"، وهم أهل الجنوب الذين تعلَّموا العربية وأتقنوها وتخلوا عن لغتهم الحميرية منذ عصور بعيدة، وهي لغة يربطها هؤلاء البعض تاريخيًّا بهجرة إبراهيم بكلٍّ من إسماعيل وهاجر إلى أرض الحجاز، وهي القصة الواردة في القرآن الكريم.

كان تأويل القصة القرآنية على أساس "التمثيل" بوصفها من "المتشابهات"، وفقًا لمنهج الإمام محمد عبده، هو الحل الذي قدَّمه طه حسين لفضِّ الإشكالية؛ ولم يكن هذا الحل يتضمن بأية حال ما توهَّمه البعضُ من أتباع منهج السلف التشكيكَ في صحة القرآن: فالقرآن ليس كتابًا في التاريخ، من جهة، وهو يخاطب الناس على قدر عقولهم وأفهامهم، من جهة أخرى. وخلاصة ذلك أن ما يُروى في القرآن من قصص يجب ألا نبحث عن صدقه – أو عدم صدقه – في التاريخ العلمي الموثَّق، لأنه قصص كان معروفًا عند الناس وكان متداولاً. وهنا لا بدَّ أن نشير إلى أن طه حسين يؤكد – بالإضافة إلى تأكيده صحة النص وكونه أصدق مرآة للعصر – أن إعجاب الناس بالقرآن – من أسلم منهم ومن أصرَّ على وثنيته – نابعٌ من وجود نوع من الصلة، "هي هذه الصلة بين الأثر الفني البديع وبين الذين يعجبون به حين يسمعونه أو ينظرون إليه"[48]. ومن شروط الأثر الفني البديع أن يكون جديدًا، لا بمعنى الغرابة التامة التي تجعله عصيًّا على الفهم وفوق مستوى الإدراك والتذوق، بل بمعنى الجدة اللافتة والمتضمنة لعناصر مألوفة في نفس الوقت. إذ لو كان القرآن جديدًا تمامًا بالنسبة للعرب

لما فهموه ولا وعوه ولا آمن به بعضُهم ولا ناهَضَه وجادل فيه بعضُهم الآخر. إنما كان القرآن جديدًا في أسلوبه، جديدًا فيما يدعو إليه، جديدًا فيما شرَّع للناس من دين وقانون. ولكنه كان كتابًا عربيًّا، لغته هي اللغة العربية الأدبية التي كان يصطنعها الناس في عصره، أي في العصر الجاهلي.[49]

ليس من الغريب في ظلِّ هذا التصور – المستند إلى أطروحة عبده عن القصص القرآني – أن تكون هجرة إبراهيم بإسماعيل وهاجر للكعبة معروفة عند العرب قبل نزول القرآن. وليس ورودها في القرآن دليل على صحتها التاريخية بقدر ما هو دليل على وجودها في وعي المخاطَبين بالقرآن وفي ضمائرهم. ويرى طه حسين أن أقدم عصر يمكن أن تكون قد انتشرت فيه هذه القصة

إنما هو هذا العصر الذي أخذ اليهود يستوطنون فيه شمال البلاد العربية ويبثون فيه المستعمرات. فنحن نعلم أن حروبًا عنيفة شبَّت بين هؤلاء اليهود المستعمرين وبين العرب الذين كانوا يقيمون في هذه البلاد، وانتهت بشيء من المسالمة والملاينة ونوع من المحالفة والمهادنة. فليس يبعد أن يكون هذا الصلح الذي استقر بين المُغِيرين وأصحاب البلاد منشأ هذه القصة التي تجعل العرب واليهود أبناء أعمام، لاسيما وقد رأى أولئك وهؤلاء أن بين الفريقين شيئًا من التشابه غير قليل: فأولئك وهؤلاء ساميون... وقد كانت قريش مستعدة كلَّ الاستعداد لقبول مثل هذه الأسطورة في القرن السابع للمسيح. فقد كانت في أول هذه القرن قد انتهت إلى حظٍّ من النهضة السياسية والاقتصادية ضَمِنَ لها السيادة في مكة وما حولها وبَسْطَ سلطانها المعنوي على جزء غير قليل من البلاد العربية الوثنية. وكان مصدر هذه النهضة وهذا السلطان أمرين: التجارة من جهة، والدين من جهة أخرى.[50]

وينتهي طه حسين من ذلك إلى أن قصة "العاربة والمستعربة" وتعلُّم إسماعيل العربية من جُرْهم – ذلك كله "حديث أساطير لا خطر له ولا عناء"[51]. لكن ظهورها في القرآن – الذي لا يعني صحتَها التاريخية – كانت وراءه أهدافٌ دينية يمكن أن تكون القصة ناجزة في تحقيقها. ذلك

إن ظهور الإسلام وما كان من الخصومة العنيفة بينه وبين وثنية العرب من غير أهل الكتاب قد اقتضى أن تثبت الصلةُ الوثيقة بين الدين الجديد وبين الديانتين القديمتين: ديانة النصارى واليهود. فأما الصلة الدينية فثابتة واضحة: فبين القرآن والتوراة والإنجيل اشتراك في الموضوع والصورة والغرض – كلها ترمي إلى التوحيد، وتعتمد على أساس واحد، هو هذا الذي تشترك فيه الديانات السماوية السامية. ولكن هذه الصلة الدينية معنوية عقلية، يحسن أن تؤيدها صلةٌ أخرى مادية ملموسة – أو كالملموسة – بين العرب وأهل الكتاب. فما الذي يمنع أن تُستغَل هذه القصة، قصة القرابة المادية بين العرب العدنانية واليهود؟[52]

هذا التأويل التاريخي/السياسي/الاجتماعي لورود القصة في القرآن لكي تؤدي غرضًا دينيًّا، تتعمَّق من خلاله الصلةُ الدينية المعنوية بين القرآن والنصوص الدينية السابقة عليه، – وهي صلة لا مجال للتشكيك فيها، – ليس إلا امتدادًا لأطروحة محمد عبده، معمَّقًا بإطار ثقافي وأفُق معرفي أوسع من ذلك الذي كان متاحًا لمحمد عبده. ولعل هذا هو الذي يفسِّر مفارقة لغة طه حسين لِلُغة محمد عبده، من جهة، ويفسِّر ردَّ الفعل العنيف والعُصابي ضد كتاب في الشعر الجاهلي وضد طه حسين، من جهة أخرى. إنها لغة جديدة، وغير مهادِنة في الوقت نفسه، لأنها تستخدم مفردات مثل "أسطورة" لوصف القصة ومثل "استغلال" وصفًا لتوظيف القرآن للقصة. وتبلغ لغة طه حسين أقصى درجاتها تحديًا للعقل النقلي – اللغة التي تعني عدم المهادنة مع لغة الوعظ والخطابة – حين يقول:

للتوراة أن تحدِّثنا عن إبراهيم وإسماعيل، وللقرآن أن يحدِّثنا عنهما أيضًا. ولكن ورود هذين الاسمين في التوراة والقرآن لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي، فضلاً عن إثبات هذه القصة التي تحدِّثنا بهجرة إسماعيل بن إبراهيم إلى مكة ونشأة العرب المستعربة فيها.[53]

قد يختلف الباحثون أو يتفقون مع ما يطرحه طه حسين في مشكلة "الشعر الجاهلي"، وقد يختلفون معه أو يتفقون في الدلائل والبراهين التي استند إليها لإثبات اختلاف لغة أهل الشمال عن لغة أهل الجنوب؛ لكن الرجل لم يكن يشكِّك في صدق القرآن بأية حال من الأحوال، بل تعرَّض لتأويل قصة من القصص القرآني تأويلاً اجتماعيًّا تاريخيًّا، منطلقًا دون شك من إنجاز محمد عبده بشأن عدم التطابق بين القصص القرآني والتاريخ. لكن أتباع منهج السلف قرءوا الكتاب على طريقة "ولا تقربوا الصلاة..."، كما فعلوا ذلك مع كتاب الإسلام وأصول الحكم لعلي عبد الرازق.[54]

لكن ما أضافه طه حسين إلى إنجاز محمد عبده، واصَلَه الشيخُ أمين الخولي في مجال الدراسات القرآنية، وذلك على الرغم من أن طه حسين نفسه – كما سلفت الإشارة – سحب الكتاب وأزال منه لغتَه غير المهادِنة، تمامًا كما فعل علي عبد الرازق الذي ظل مصرًّا على عدم طبع كتابه، – على الرغم من تغيُّر المناخ العام، – حتى طُبِعَ مرة ثانية في منتصف السبعينات بعد وفاته. أما كتاب طه حسين فلم يُطبَع طبعته الثانية إلا في سياق المأساة الرابعة في بداية العام 1995.[55]

إن حديث محمد عبده عن أسلوب السرد في قصص القرآن، وكيف أنه أسلوب يتحدد من خلال الغَرَض الديني الوعظي للقص، ولا علاقة له بالتتابع الطبيعي المنطقي أو التاريخي للوقائع خارج القرآن، كان مقدمة أساسية مكَّنتْ طه حسين من أن يبني عليها مقدمة أخرى معروفة تمامًا ومتفقًا عليها، هي "جدَّة القرآن من حيث الأسلوب". واستنبط طه حسين من المقدمتين نتيجة فحواها أن القرآن "أثر فني بالغ"، وأنه مارس تأثيره في معاصريه من خلال كونه كذلك. وهذا بالتحديد هو المفهوم الذي ينطلق منه الشيخ أمين الخولي عن النصِّ القرآني: إنه كتاب العربية الأكبر، وأثرُها الفني الأقدس: "فالقرآن كتاب الفنِّ العربي الأقدس، سواء نظر إليه الناظرُ على أنه كذلك في الدين أم لا"[56].

من هنا يؤسِّس أمين الخولي اختلافَه الذي أشرنا إليه مع محمد عبده على غاية التفسير، ويرى أن المقصد الأسبق والغرض الأول لعملية التفسير هو "البيان"؛ إذ هو الهدف الذي

تنشعب منه الأغراضُ المختلفة وتقوم عليه المقاصدُ المتعددة [ومنها قصد الهداية عند محمد عبده]، ولا بدَّ من الوفاء به قبل تحقيق أيِّ مقصد آخر، سواء كان ذلك المقصد الآخر علميًّا أم عمليًّا، دينيًّا أم دنيويًّا.[57]

وإذا كان محمد عبده – كما سلفت الإشارة – يشير إلى علمَي البلاغة التقليديين (المعاني والبيان) باسم "علم الأسلوب"، فليس منطقيًّا أن تُفهَم كلمة "البيان" – التي هي المقصد الأساسي والجوهري من عملية التأويل والتفسير – بدلالتها البلاغية عند القدماء.[58]

وإذا كان أمين الخولي لم يترك تفسيرًا – مثل محمد عبده – فقد كان انشغاله بقضية "المنهج" هو الحافز وراء القيام بدراسات وبحوث استكشافية عديدة، خلَّفتْ لنا تسعة كتب في اللغة والأدب والبلاغة والفكر والأديان المقارنة. واحد من هذه الكتب هو كتاب مناهج التجديد، – الذي نعتمد عليه هنا أساسًا، – ويضم بين دفَّتيه عشر دراسات من تلك المجالات المُشار إليها، وكلها يركِّز على مشكلة المنهج. وانشغال الخولي هكذا بقضية المنهج في أكثر من مجال من المجالات المشار إليها كان من شأنه، دون شك، أن يعمِّق إلى حدٍّ كبير مفهومَه لمنهج التفسير والتأويل.

قلنا إن المنهج ينطلق من مفهوم محدَّد للقرآن، بوصفه أثر العربية الخالد الأقدس، هو كذلك للعربي، مسلمًا كان أم مسيحيًّا أم يهوديًّا أم ملحدًا. وليس المقصود بـ"العروبة" عند الخولي عروبة العرق والجنس والعصب والدم، بل العروبة هي عروبة اللسان والثقافة والعقل. وليس معنى أن القرآن أثر فني عربي أنه ليس كتابًا دينيًّا مقدسًا منزَلاً من عند الله على نبيِّه محمد، بل المعنى أنه نص يمارس تأثيره وفعاليته، على المسلم وعلى غير المسلم كذلك، من خلال خصائصه الأدبية والفنية، المميِّزة له والفارقة له عما سواه من النصوص؛ وهو التمييز والتفريق الذي أطلق عليه القدماء اسم "الإعجاز" – هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، فليس معنى القول بأنه "عربي" أنه لا يخاطب غير العرب في مراميه وأهدافه؛ كما أن هذا الوصف لا يعني انحسار دلالته في المدى القصير لزمن نزوله أو بعده بقليل. لا شيء من هذا يتضمنه مفهوم أن القرآن "أثر فني عربي" أو أنه "كتاب العربية الأكبر"، لأن للقرآن، بما هو أثر فني،

معاني ومرامي إنسانية اجتماعية بعيدة الهدف، أبدية العمر، لكن ذلك كلَّه إنما جاء الإنسانية في ثوبه العربي وبذلك التعبير العربي؛ والتمثيل التام لهذه العروبة هو السبيل المتعيِّنة لفهم ذلك كلِّه والوصول إليه.[59]

من هنا لا بدَّ أن نفهم أن "البيان" الذي يعنيه الخولي، بوصفه مقصد المقاصد وغرض الأغراض من عملية التفسير والتأويل، هو منهج التحليل الأدبي القادر على التعامل مع الأثر الفني الخالد. ولا بدَّ أن تتحدد خطواتُ هذا المنهج انطلاقًا من خصائص النصِّ ذاته – من حيث البنية والتركيب العام – لأنه ليس هناك منهج واحد ذو خطوات محددة سلفًا للتعامل مع أنماط النصوص كلِّها، وليس هناك منهج مصمت، ثابت القالب، يُفرَض على هذا النص أو ذاك، لأن وحدة المنهج الأدبي لا تنفي تنوع الإجراءات – ومن ثَمَّ اختلاف خطوات التطبيق – المستخدَمة مع كلِّ نصٍّ انطلاقًا من طبيعته الخاصة. لهذا يبدأ أمين الخولي بوصف بنية النص القرآني وتحديد خصائصها:

إن ترتيب القرآن في المصحف قد ترك وحدة الموضوع، لم يلتزمها مطلقًا. وقد ترك الترتيب الزمني لظهور الآيات، لم يحتفظ به أبدًا. وقد فرَّق الحديث عن الشيء الواحد والموضوع الواحد في سياقات متعددة، ومقامات مختلفة، ظهرت في ظروف مختلفة. وذلك كله يقتضي في وضوح بأن يُفَسَّر القرآن موضوعًا موضوعًا، وأن تُجمَع آيُه الخاصة بالموضوع الواحد جمعًا إحصائيًّا مستقصيًّا، ويُعرَف ترتيبُها الزمني ومناسباتها وملابساتها الحافة بها، ثم يُنظَر فيها بعد ذلك لتُفسَّر وتُفهَم، فيكون ذلك التفسير أهدى إلى المعنى، وأوثق في تحديده.[60]

من الضروري الانتباه هنا إلى أن هذا الوصف لبنية النص القرآني المحدِّدة لخصائصه وصفٌ صحيح وصائب من الوجهة التاريخية، أي من وجهة الكيفية التي تركَّب فيها النص وتحدَّدتْ بنيتُه من خلال عمليتي الجمع الأولى والثانية في عصر الخلافة الأول. لكن هذه البنية، بخصائصها تلك، هي التي تمارس فاعليتَها وتأثيرها منذ ذلك العصر وحتى الآن في قلوب المسلمين وغير المسلمين وعقولهم. في عبارة أخرى، كان المتوقَّع من الشيخ الخولي، وقد انطلق من مفهوم أن القرآن هو "نص العربية الأكبر" و"أثرها الفني الأقدس"، أن يطرح منهجًا لدراسة النص دراسةً فنية أدبية في بنيته الراهنة، بصرف النظر عن كيفية تركُّبها من الوجهة التاريخية.

لكن مطلبًا مثل هذا يُعَد مستحيلاً بالنسبة للشيخ أمين الخولي، فضلاً عن أن يكون متوقعًا. فالشيخ خرِّيج مدرسة "القضاء الشرعي"، وتأثُّره بعلماء أصول الفقه واضح في المنهج الذي يطرحه: جمع الآيات ذات الموضوع الواحد جمعًا إحصائيًّا، ثم ترتيبها ترتيبًا تاريخيًّا، قبل القيام بعملية التفسير. لقد كان على علماء الأصول أن يقوموا بذلك في دراسة الأحكام الفقهية، وذلك من أجل فَرْزِ ناسخ الأحكام من منسوخها، وبيان "المجمَل" من "المفصل" و"العام" من "الخاص" – وذلك كله لا يتأتَّى إلا بالجمع الموضوعي للآيات والترتيب التاريخي لها كذلك. لكن الشيخ يحوِّل منهج علماء الأصول هذا – الخاص بدراسة الأحكام والضروري لها – إلى منهج صالح للتعامل مع القرآن كلِّه. ولا يمكن التقليل من شأن هذا المنهج حين تتعلق الدراسة بموضوعات القرآن وقضاياه الفكرية والعقيدية والأخلاقية؛ لكنه ليس المنهج الأجدى في الدراسة الأدبية للقرآن. وليس ذلك كله من قبيل تناقُض في منهج الشيخ أمين الخولي، لأن مفاهيمه للدراسة الأدبية – التي تحتاج إلى دراسة مستقلة ليس هاهنا مجالها – هي مفاهيم أقرب إلى المفاهيم الرومانسية المشبعة بمفاهيم الكلاسيكية الجديدة؛ وهي مفاهيم تتناول النصَّ الأدبي من حيث الموضوعات والمضامين أكثر من تناوُلها له من حيث الشكل والبنية.

وهذا هو الذي حدا بالشيخ إلى تقسيم الدراسات القرآنية إلى فرعين هما: دراسة "ما حول القرآن"، التي تنقسم إلى "عامة" و"خاصة": أما الخاصة فهي تلك الدراسات التي تُسمَّى "علوم القرآن"، كأسباب النزول، والمكي والمدني، والجمع والترتيب والقراءة، إلخ؛ والدراسات العامة حول القرآن هي تلك الدراسات التي تتجاوز "علوم القرآن" التقليدية إلى ذلك النمط من الدراسة التاريخية والاجتماعية الذي سبق أن تناوله محمد عبده. هذه الدراسة العامة تتناول عند الخولي

ما يتصل بالبيئة المادية والمعنوية التي ظهر فيها القرآن وعاش، وفيها جُمِعَ وكُتِبَ وقُرِئ وحُفِظَ وخاطب أهلها أول مَن خاطب، وإليهم ألقى رسالتَه لينهضوا بأدائها وإبلاغها شعوب الدنيا. فروح القرآن عربية، ومزاجه عربي، وأسلوبه عربي... والنفاذ إلى مقاصده إنما يقوم على التمثيل الكامل والاستشفاف التام لهذه الروح العربية، ولذلك المزاج العربي والذوق العربي. والتمثُّل التام لهذه العروبة هو السبيل المتعيِّنة لفهم ذلك كلِّه والوصول إليه. ومن هنا لزمت المعرفةُ الكاملة لهذه البيئة العربية المادية... فكل ما يتصل بتلك الحياة المادية العربية وسائل ضرورية لفهم القرآن العربي المبين – هذا مع ما يتصل بالبيئة المعنوية، بكلِّ ما تتسع له هذه الكلمة من ماضٍ سحيق وتاريخ معروف، ونظام أسرة أو قبيلة، وحكومة، في أيِّ درجة كانت، وعقيدة، بأيِّ لون تلوَّنتْ، وفنون، مهما تنوعت، وأعمال، مهما تختلف وتتشعَّب. فكل ما تقوم به الحياة الإنسانية لهذه العروبة وسائل ضرورية كذلك لفهم هذا القرآن العربي المبين.[61]

إن تلك الدراسات "حول القرآن"، الخاص منها والعام، تُعد بمثابة الدراسات الضرورية الممهِّدة لدراسة النص ذاته، أي للتأويل والتفسير. وليست هذه الدراسات، في التحليل الأخير، إلا دراسة لسياق النصِّ بالمعنى الشامل التاريخي والاجتماعي والثقافي والديني. وهنا يتجاوب فكر أمين الخولي في الدراسات القرآنية تجاوبًا تامًّا مع فكره الأدبي، خاصة في المنهج الذي طرحه في كتابه عن الأدب المصري (1943)، مركِّزًا على أهمية "البيئة" بالمعنى الواسع الشامل لدرس الأدب.

بعد هذه الدراسة الأساسية الجوهرية، تترتب خطوات عملية التأويل والتفسير ترتيبًا لا يختلف كثيرًا عن ترتيب تلك الخطوات عند محمد عبده، مع إضافات تفصيلية شديدة الأهمية. الخطوة الأولى تبدأ بالنظر في "المفردات". ويؤكد الخولي، مثل عبده، أنه

من الخطأ البيِّن أن يعمد متأدِّب إلى فهم ألفاظ هذا النصِّ القرآني الأدبي الجليل فهمًا لا يقوم على تقدير تامٍّ لهذا التدرج والتغير الذي مسَّ حياة الألفاظ ودلالتَها، ولا على التنبُّه إلى أنه إنما يريد ذلك ليفهم هذه الألفاظ في الوقت الذي ظهرت فيه وتُلِيَتْ أول ما تُلِيَتْ على مَن حول تاليها الأول عليه السلام.[62]

لكن هذه المرحلة الأولى من الخطوة الأولى – خطوة النظر في المفردات – لا تعني أن دلالة تلك المفردات مرهونة فقط بالاستخدام اللغوي خارج النص. لذلك يضيف الخولي إلى هذه المرحلة الأولى مرحلةً ثانية في التحليل، لا بدَّ للمفسِّر من أن ينتقل إليها في تحليل المفردات: تلك هي الانتقال من المعنى اللغوي إلى المعنى التداولي في القرآن. وعلى الباحث في هذه المرحلة الثانية أن

يتتبَّع ورودَها [اللفظة المفردة] لينظر في ذلك، فيخرج منه برأي عن استعمالها: هل كانت له وحدة اطَّردت في عصور القرآن المختلفة ومناسباته المتغيرة؟ وإن لم يكن الأمر كذلك، فما معانيها المتعددة التي استعملها فيها في عصر نزول القرآن؟[63]

وكما يؤكد الخولي أن عروبة القرآن – من حيث الأسلوب والطابع والروح – لا تتعارض مع إنسانية مراميه وأهدافه وعالمية رسالته، فإنه بالمثل يؤكد أن دلالة الألفاظ المفردة، إنْ في استعمالها اللغوي أو القرآني، ليست دلالة ساكنة، بل هي دلالة متحركة نامية. لكنه يحذر من عمليات القفز والإسقاط الدلاليين، التي يمكن أن يقع فيها المفسِّر، لأن النمو أو التطور الدلالي للألفاظ مرهون دائمًا في حركته بالدلالة الأصلية الأولى ولا يصح ولا ينبغي أن يفارقها:

لا ينكََر أن خلود هذا الكتاب ورياضته الدائمة للحياة، مع صلته الوثقى بها – كل ذلك يهيئ لفهم معاني متجددة أو نامية. لكنَّا، مع عدم إنكار هذا القدر، نرى أنه لا ينبغي أن تُنسَب إلى القرآن من هذه المعاني إلا ما كان طريق فهمه الحس اللغوي للعربية، وسبيل الانتقال إليه هو دلالة اللفظة الأولى في عصر نزول القرآن.[64]

وإذ تتحقق الخطوة الأولى، بمرحلتيها السالفتين،

يكون نظر المفسِّر الأدبي في المركبات؛ وهو في ذلك - ولا مرية- مستعين بالعلوم الأدبية، من نحو وبلاغة... والنظر في اتفاق معاني القراءات المختلفة للآية الواحدة، والتقاء الاستعمالات المتماثلة في القرآن كلِّه... على أن النظرة البلاغية هي النظرة الأدبية الفنية التي تتمثل الجمال القولي في الأسلوب القرآني، وتتبين معارف هذا الجمال وتستجلي قَسَماته، في ذوق بارع قد استشف خصائص التراكيب العربية، مُنضَمًّا إلى ذلك التأملات العميقة في التراكيب والأساليب القرآنية لمعرفة مزاياها الخاصة بها بين آثار العربية.[65]

نلاحظ هنا أن "علم الأساليب" عند محمد عبده يتحول عند الخولي إلى أداة للكشف عن أسرار جمال الأسلوب القرآني. إن علوم البلاغة التقليدية التي حاول الخولي تطويرها في كتابة الهام فن القول (1947)، وفي دراسات أخرى سابقة ضمَّها كتابُه مناهج التجديد، هي أدوات المفسِّر للكشف عن هذا الجمال – هذا بالإضافة إلى أن الغاية من تحليل أساليب القرآن والكشف عن جمالياتها هي الوصول إلى سرِّ "الإعجاز" الذي يرى الخولي أنه "نفسي"، أي أنه قائم على "التأثير" في المتلقي تأثيرًا نفسيًّا.[66]

وهنا كان لا بدَّ للخولي من أن يدرك أن ما يمارسه القرآن من تأثير نفسي مُعجِز ليس مردودًا، ولا يمكن أن يُرَدَّ، إلى القراءة الموضوعية بحسب ترتيب النزول، بل هو تأثير ناتج عن البنية الحالية للنصِّ التي يطلق عليها القدماء "ترتيب التلاوة"، في مقابل "ترتيب النزول" الذي يشير إلى ما قبل هذه البنية الحالية. لكن هذا الإدراك لم يكن ممكنًا له أن يتحقق للخولي، لأن الوعي به لم يبدأ إلا في الخمس والعشرين سنة الأخيرة.[67] ذلك أن تلاميذ الخولي، بدءًا من بنت الشاطئ ومحمد أحمد خلف الله وشكري عياد، ظلوا متمسكين، بدرجات متفاوتة بالطبع، بمنهج وحدة الموضوع وترتيب النزول.

يبقى، لكشف بعض الجوانب الهامة المتصلة بتصور الخولي للإعجاز النفسي، أن نتناول بالتحليل ردَّه على أصحاب نظرية "الإعجاز العلمي" للقرآن، وهي نظرية تحظى بقبول وانتشار واسعين جدًّا في السنوات الأخيرة في بعض الدوائر الأكاديمية، فضلاً عن سريانها سريان النار في الهشيم في وعي العوام وأشباه المثقفين من المسلمين. إن الخولي في هذا الردِّ (الذي نُحِسُّ بأهمية إيراده كاملاً هنا) يشدِّد على ثلاث نقاط جوهرية كاشفة عن مفهوم "الإعجاز النفسي" عنده، أو عن بعض جوانبه على الأقل.

-       النقطة الأولى: إن القرآن، حين يتناول بعض حقائق الكون ومشاهده، إنما يتناولها تناولاً فنيًّا، ولا يتناولها من ناحية قوانين العلم الدقيقة أو نواميس الكون المنضبطة.

-       النقطة الثانية: إن هذا التناول لحقائق الكون إنما يعتمد على المشهود والمدرَك للناس جميعًا، العامة والخاصة، والعلماء وأنصاف العلماء، بل والجهلاء أيضًا.

-       النقطة الثالثة: إن القرآن يتناول هذه الحقائق المشاهَدة والملموسة للناس جميعًا من ناحية وَقْعِها على الحواس، وانفعال الناس بها، وما تثيره من روعة في نفوسهم.

ويمكن صوغ هذه النقاط الثلاث بعبارة أخرى، هي أن القرآن، حين يتناول بعض حقائق الكون المشاهَدة والمدرَكة، إنما يتناولها ليثير مخيلة القارئ، معتمدًا على ما هو قارٍّ في تصوراتهم، محرِّكًا لانفعالاتهم التي قد تكون خمدت بحكم الألفة، وذلك كله في أسلوب أدبي مؤثر. وهكذا يمكن القول إن هذا التناول لظواهر الكون والطبيعة هو نفسه أسلوب تناوُل القصص في القرآن لأهداف دينية وعظية، وليس لرواية التاريخ. وهذا هو نص الشيخ أمين الخولي:

إن كان لا بدَّ لأصحاب هذه النوايا ومن لفَّ لفَّهم من أن يتجهوا إليه، ليدفعوا مناقضةَ الدين للعلم، فلعله يكفي في هذا ويفي ألا يكون في كتاب الدين نصٌّ صريح يصادم حقيقةً علميةً يكشف البحثُ أنها من نواميس الكون ونُظُم وجوده – وحسبُ كتاب الدين بهذا القدر صلاحيةً للحياة، ومسايرةً للعلم، وخلاصًا من النقد. على أني، حين أتسامح بهذا القدر في سبيل إرضاء رغبات هؤلاء الطيِّبي النية، لا أنسى أن أذكِّرهم بأن التناول الفني لحقائق الكون ومَشاهده هو التناول الذي يقصد به الدين رياضةَ وجدانات الناس، ويُوَجَّه لعامتهم وخاصتهم، وعلمائهم وأنصاف علمائهم، بل لجهلائهم أيضًا، كما هي مهمة الدين والغاية من تلاوة كتابه بينهم جميعًا. وهذا التناول إنما يقوم على المشهود البادي من ناحية روعته في النَّفس، ووقعه على الحواس، وانفعال الناس به، لا من ناحية دقائق قوانينه ومنضبِط نواميسه في معادلات جبرية أو أرقام حسابية أو بيان جافٍّ لخصائصه وحقائقه. وبقيام هذا التناول على المشاهد والمدرك بادئ الرأي، والمؤثر في النَّفس المثير للانفعال، لا يجب الوفاء به بحماية الحقائق العلمية والخصائص المجرَّبة لهذه العوالم الموصوفة والمناظر التي لا يُراد من تناوُلها إلا إثارة الشعور بجلالها وجمالها ودلالتها على عظمة القوة المدبِّرة لها، المحقِّقة لنظامها. ولو التزم المفسِّر في شيء من هذا لتصحيح المقرَّرات العلمية لأخلَّ هذا الالتزامُ كثيرًا بالأهداف الفنية الوجدانية التي يريد الدين تحقيقَها ونفعَ الحياة بها عن طريق التأمل المتدين والاعتبار النفسي العاطفي المريح، قبل كلِّ شيء آخر.[68]

الآن، وقد صار واضحًا أن الشيخ أمين الخولي هو الامتداد المعرفي التركيبي لكلٍّ من محمد عبده وطه حسين على مستوى المنهج، فمن اللازم بيان طبيعة التحدي الذي يُعَدُّ منهج الخولي استجابةً له: لم يعد التحدي، في نظر الخولي، هو التحدي الخارجي المتمثل في الوجود الأوروبي – ماديًّا وعقليًّا – في قلب العالم العربي والإسلامي، وما يطرحه هذا الوجود من قضايا ومشكلات، بل أضيفَ إليه التحدي الداخلي المتمثل في نموِّ التيار السلفي، الذي بلغ أوْجَه منذ إنشاء "جماعة الإخوان المسلمين"، والذي كان استطاع قبل ذلك كبح جماح مدرسة "التأويل" على مذهب الخلف في معركتَي الإسلام وأصول الحكم وفي الشعر الجاهلي.

يحاول منهج الخولي أن يستعيد لهذا التيار حيويته على مستوى قضايا التجديد، بصفة عامة، وعلى مستوى تأويل القرآن، بصفة خاصة. من هنا يضيف إلى وعي محمد عبده بالتراث المعتزلي والرشدي إنجازاتِ علماء أصول الفقه في مجال التحليل اللغوي، لاستثمار الأحكام من النصوص عن طريق وحدة الموضوع وترتيب النزول؛ ويضيف إلى منهج طه حسين "اللغوي الفني" أبعادًا من نظرية الأدب عن تأثير البيئة وعن التأثير النفسي للأدب في القارئ. وفي ذلك كلِّه، لم تُفارق محنةُ تيار "التأويل" وعيَ أمين الخولي أبدًا، وإنْ دفعتْ بها إلى السطح محنةُ الفن القصصي في القرآن، الرسالة التي أُنجِزَتْ تحت إشراف الخولي.

في مقدمته للطبعة الأولى لكتاب الفن القصصي، الذي رفضتْ الجامعة منح صاحبه درجة الدكتوراه، – بل وفصلتْه من السلك الجامعي، – يكشف الخولي لنا عن أهمية منهجه في القضاء على "الازدواج" في شخصية المثقف المسلم، الذي يؤمن بالقرآن وصحته من ناحية عواطفه ومشاعره الدينية، وهو كذلك يثق في العلم وإنجازاته من ناحية الفكر والعقل. وفي إشارة واضحة صريحة إلى كتاب في الشعر الجاهلي، ومن ثَمَّ إلى طه حسين، يقرِّر الخولي أن

الدراسة الفنية المتجددة للقرآن، كتاب العربية الأكبر، والمستفيدة من التقدم الفني والعقلي والاجتماعي، تنتهي إلى أن يتقدَّم التفسيرُ الأدبي للقرآن خطوة للأمام بعيدة الأثر، خطوة حَسْبُها أن تمنع ازدواجَ الشخصية في المتدين – ذلك الازدواج الذي يتجلَّى حين يتدين مثقفٌ بالإسلام، واثقًا مؤمنًا، ثم يدرك ويقرِّر: إن الإسلام وكتابه القرآن يحدِّث عن الأشياء والواقعات بما يشاء، ويستغلها في ترويج الدعوة الإسلامية كما يشاء، دون أن يكون حقًّا مُلزِمًا للمؤمنين. وهو ما أذيع وتقرَّر ودُفِعَ به في مصر منذ ثلث قرن في أزمة الشعر الجاهلي.[69]

هذا الوصف المشبَّع بالنقد، أو النقد المحمَّل بالتفسير لا التبرير، لطه حسين ولأطروحته عن القرآن في كتاب في الشعر الجاهلي، يكشف عن وجه هامٍّ من وجوه التحدي الذي يرى الخولي أن منهج "التفسير الأدبي" قادر على مواجهته وعلى حلِّ مشكل "الازدواج" في المثقف المتدين. وهنا تتقدم أطروحة محمد عبده عن "القصص القرآني" والتاريخ، مدعَّمةً بأدوات منهج التحليل الأدبي وإجراءاته، لكي تكون دواء ناجعًا لمرض "الازدواج". يقول الخولي – مشيرًا بالطبع إلى الفن القصصي ومدافعًا عنه حتى الاستعداد للإلقاء في النار، على حدِّ تعبيره في المقدمة نفسها:

وعلى هذا الأساس، يستطيع المثقف الراقي، حين يتدين، أن يعتقد في تسليم مطمئن بحديث القرآن الفني في قصصه، ومع ذلك، يحقِّق ويحلِّل في عمق ووضوح تاريخ هاتيك الأحداث، وأشخاصَ أصحابها، وينفي في ذلك ويثبت، مطمئنًا إلى أن هذا لن يصادم بحال ذلكم العرض الفني الآخر، وأن هذا العرض الفني، مهما يقل التاريخ في أحداثه، لن يمسَّ سلامةَ القرآن وصدقَه. وهكذا لا يضطر العالم المؤمن إلى أن يعالن العالم وأهله بأن للقرآن أن يقول ما يشاء، وأن يستغل الأحداث كما يشاء، دون أن يُلزِمنا ذلك بشيء، لأننا مؤمنون بوجداننا، – ثم باحثون بعقلنا، – وفي أنفسنا هذان التياران المتخالفان والمتجاوران معًا. لن يقول المستنير ذلك، بل سيقول، بعد أن يفهم خطة الدرس الفني لقصص القرآن الكريم: إن للقرآن أن يسلك من السبُل الفنية في عرضه لقصص السابقين ما يشاء، دون أن يقصد إلى مساس التاريخ بشيء، لأنه إنما يعرضها العرض الفني الذي لا يقوم على التفاصيل أو الروايات والتحديات، بل يقصد ما قرَّر أن يقصده بصراحة، ألا وهو العِبْرة: لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب.[70]

5. خاتمة

ألسنا حقًّا بإزاء "إشكالية" يحكمها دائمًا قانون "التحدي والاستجابة" في سياق التطور الاجتماعي والثقافي والفكري للعقل الإسلامي؟ ثم أليست تلك إشكالية "تأويل"، لا مجرد مشكل شرح مفردات بالترجمة والتفسير؟ وأخيرًا، أليست الإشكالية تزداد تعقيدًا، والصراع بين طرفي "السلف" و"الخلف" يزداد حدة وضراوة، ويرحل كثيرًا عن تاريخه الطويل بوصفه صراعًا فكريًّا ثقافيًّا، ليتحول إلى صراع دموي؟!

لعل هذا العرض أن يكون محاولة لفتح باب الفكر وإغلاق أبواب القتل. ولعل تطوير منهج الخولي، وفقًا لإنجازات المعرفة المتنامية في مجال العلوم الإنسانية (خاصة الألسنية والتأويلية)، أن يمثل تجاوُزًا لحالة الركود في مجال الدراسات القرآنية – ذلك الركود الذي لم تستطع جهود مدرسة الخولي – لأسباب كثيرة – أن تتخطَّاه، فأسلم المجالُ قيادَه تمامًا لأهل السلف المعاصرين – والبون بينهم وبين أسلافهم شاسع، كما هو البون بين الإبداع والتكرار، بين الأصالة والنقل، وبين الإفادة والإعادة.

*** *** ***

تنضيد: نسرين الأحمد


 

horizontal rule

[29] السابق، المجلد الأول، ص 271.

[30] السابق، المجلد الرابع، ص 42.

[31] السابق، المجلد الرابع، ص 7.

[32] السابق، المجلد الأول، ص 271.

[33] السابق، المجلد الأول، ص 329-330.

[34] السابق، المجلد الأول، ص 233-234.

[35] السابق، المجلد الأول، ص 215.

[36] السابق، المجلد الثالث، ص 47-48.

[37] السابق، المجلد الرابع، ص 92-93؛ وانظر كذلك: المجلد التاسع، ص 506-511.

[38] السابق، المجلد الرابع، ص 93.

[39] السابق، المجلد التاسع، ص 511.

[40] السابق، المجلد الرابع، ص 93.

[41] السابق، المجلد التاسع، ص 511.

[42] السابق، المجلد، الأول، ص 210.

[43] السابق، المجلد الأول، ص 211.

[44] السابق نفسه.

[45] إذا كانت قصة أمين الخولي لا تبدو لبعضهم داميةً، فالحقيقة أنها كذلك: لقد كان الأستاذ المشرف على رسالة الدكتوراه الفن القصصي في القرآن للطالب محمد أحمد خلف الله، وهي رسالة أثارت نزاعًا خرج من الجامعة إلى الحياة العامة، فتدخَّل الأزهر والحكومة، حتى أُلغِيَتِ الرسالةُ وفُصِلَ الطالبُ من الجامعة سنة 1949. وبعد خمس سنوات، تم فصل الأستاذ الشيخ أمين الخولي من الجامعة أيضًا، فيما عُرِفَ باسم "حركة التطهير"، بعد أن كان قد حُرِمَ من حقِّ الإشراف على الرسائل الجامعية المتصلة بالدراسات القرآنية بقرار من إدارة الجامعة. ومن الجدير بالذكر أن واحدًا من طلاب الخولي النابهين – هو شكري عياد – قد اضطر في دراسته للدكتوراه إلى تغيير التخصص من "الدراسات القرآنية" إلى "الدراسات البلاغية" لكي يحظى بشرف الاستمرار تحت إشراف أمين الخولي وتوجيهه.

[46] انظر مقدمة المؤلِّف لكتاب الخلافة وسلطة الأمة، المترجم عن التركية، طب 2، دار نهر، القاهرة، 1995.

[47] في الشعر الجاهلي، طب 2، دار نهر، القاهرة، 1995، ص 20.

[48] السابق، ص 26.

[49] السابق نفسه.

[50] السابق. ص 33.

[51] السابق، ص 35.

[52] السابق، ص 33.

[53] السابق نفسه.

[54] وكما سيفعلون ذلك مرة ثالثة – ولكن بعد عشرين عامًا – مع رسالة محمد أحمد خلف الله الفن القصصي في القرآن. ثم تتكرر المأساة مرة رابعة بعد حوالى خمسة وأربعين عامًا على المأساة الثالثة!

[55] طُبِعَ طبعةً مستقلة في دار نهر بالقاهرة، ثم طبعتْه مجلة القاهرة في أحد أعدادها (مايو 1995).

[56] مناهج التجديد، ص 304.

[57] مناهج التجديد، ص 302-303.

[58] هذا ما حدث مع التلميذة الأولى من تلاميذ الخولي (وزوجته بعد ذلك)، د. بنت الشاطئ، في التفسير البياني للقرآن، الذي يكاد من الناحية المنهجية ألا يتجاوز حدود علم البلاغة الكلاسيكي.

[59] مناهج التجديد، ص 310 (الحاشية).

[60] السابق، ص 306.

[61] السابق، ص 310.

[62] السابق، ص 310.

[63] السابق، ص 313-314.

[64] السابق، ص 312 (الحاشية).

[65] السابق، ص 314-315.

[66] انظر: ص 203 من المصدر السابق.

[67] لعل دراسات محمد أركون خير تعبير عن هذا الإدراك الآن.

[68] انظر: ص 294-295 من المصدر السابق.

[69] الفن القصصي في القرآن الكريم، مكتبة الأنجلو المصرية، طب 4، 1972 (المقدمة بقلم أمين الخولي)، ص د.

[70] السابق، ص هـ.

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

Editorial

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود