في صومعة فيصل قرقطي

 

طارق الكرمي

 

الصومعة 1

ابنتُكَ "سماءُ" المُسمّاةُ أتتْ لافحةَ السّمرةِ حتى الثلجِ
ناعمةً كقطنِ سماءِ الثلجِ
بشعرٍ يَهْدرُ خرّوبًا حتى منتصفِ سِلسِلَةِ الظّهرِ وبخطى المليكةِ في مساءٍ من قَرَنفِلِها حتى تلمحَ في عينيها أنفاسَ سماءٍ ثامنةٍ أيمّا سماءٍ لسدرتها والقَرَنفِلِ.
حتى أنكَ إنْ جاءتْ ابنتكَ "سماءُ" سوفَ تنسى سماءً تحتَكَ تعلو وسماءً فوقَكَ تدنو وسماءً لا تشبهُ السّمواتِ وسماءً لا تُدرِكُها السّمواتُ و و و و و و و و و
حتى أنكَ لَتَنسى كيفَ غدوتَ بلحظَتِها الطيرَ ولَتَنسى أيةَ سماءٍ تدورُ بكَ و
في أيةِ سماءٍ أنتَ تدورْ.

* * *

الصومعة 2

بعد غدٍ أحدُ الشعانينِ
هذا يعني أنّ غدًا سبتَ النّورِ سوفَ يتهلّلُ في أجراسهِ إذًا فلنشربْ نخبنا صَفِيًّا من نبيذِ
"اللّطرونِ"٭ أيُّ ليلٍ هذا في ليلِ صومعةٍ
غدتْ بيتَ المُتعبّدِ الجالا وسدرةَ ليلٍ يخفُ بنا في دُخانِ مَباخِرهِ وأجنحةِ الملائكِ... وأيضًا يحلُّ علينا هذا الليلُ مَغسولاً بأجنحةِ الملائكِ ونبيذِ "اللّطرونِ"
ستدُقُّ الأجراسُ غدًا فِ الصّبحِ
السّاعةُ تدخلُ بنا في خامِسَتِها فجرًا إلى النورِ الذي يُسْبِتُ عندَ مَصبِّ الفجرِ وهذي الصّومعةُ بِلَيْلِها ستدورُ بنا فِ الليلِ مُبارَكَةً بمباخرِها مضوّعةً بسجائرِ سكارى الصّومعةِ
ستدقُّ الأجراسُ بعدَ ساعاتٍ ثلاثٍ وسيحلُّ سبتُ النّورِ الذي يُريقُنا نبيذَ الأجراسِ كي يَنخبَ معنا قدحًا مُباركًا كي ينخبَ هذا السّبتُ نورَهُ مُسْكِرًا فِ العينينِ
منْ يصغي إلى قلوبِنا تبدأُ الآنَ...

* * *

الصومعةُ 3

كنتَ قلتَ: أشعرُ أنَّ قلبي كمأةُ الغرباءِ في ترابٍ غريبٍ أشعرُ أنَّ قلبي الدُمّلةُ مُتفخّخًا بهِ أشعرُ بهِ بيضةَ الدّيكِ الخداجَ وأشعرُ (هلْ أشعرُ) بهِ كيفَ مَدَدتُ يدي غائرةً مُغلْغِلةَ الأصابعِ لمْ أعثر عَ هذا الطيرِ الضّاري (حيثُ ما عادَ طيرٌ في غلائلِ الأفقِ)
أعرفُ أنكَ قلتَ أيضًا: قلبكَ يشربُ فِ الليلِ الرّصاصِ كلَّ رَصاصِ الليلِ ويتمطّقُ نَبضَهُ مخنوقًا وكأنَّ نبضهُ مساميرُ واهنةٌ في عظمِ الليلِ
لكأني أعرفُ أنكَ تشعرُ بهذا القلبِ سَيخذلكُ في أولِ أغنيةِ المساءِ كما كنتَ تقولُ لي: أترى نافذتي... أنظُرْ إلى نافذتي المُقوِّضةِ أضلعي مفتوحةً عَ مصاريعِ أضلعي هذي النّافذةُ التي أطلُّ منها (تطلُّ مني) كلَّ ليلةٍ لأرى موتي يُكزدِرُ تحتها ضَجِرًا زائغَ العينينِ يطلبُ خبزةً وقطعةَ جبنٍ لاغيرَ مُرتجفًا من صَردِ "بيرزيتَ" ليسَ لهُ أبوانِ ولا حتى إخوَةُ "يوسفَ"... يُدَخِّنُّ لفافتَهُ منْ أوراقِ خريفٍ ذهبيٍّ هذا الزّائرُ ملتفعٌ ببطانيةٍ من لحمِ الفاقةِ والسّعالِ...
أعرفُ أنَّ الأمرَ اختلفَ الليلةَ وأنَّ قلبكَ عاهرةٌ لِتُشفِقَ عَ هذا الموتِ لِتَحتَني عليهِ ولتدخلهُ صومعَتَكَ كي تدفئهُ بشايٍ بالبابونجِ أو لِتَصُبَّ لهُ الفودكا بالطّماطمِ التي تحِبَّ وتحدِّقُ في عينيهِ مرآتيْ ماءٍ لتدركَ المسافةَ التي قطعَ من أجلكَ كثَّ الشعرِ ومُلبّدَ الأهدابِ لتحدّقَ في عينيهِ (عينيْ امرأةٍ تشَهيْتَ) لترى وجهكَ رغيفًا من أسفٍ ستدور ولترى ما يدورُ في عينيهِ اللتينِ تنقلبانِ كعدادٍ فِ اللحظةِ تلكَ هلْ حقًّا أشفقتَ عَ هذا الزّائرِ الحتميِّ لتأويهِ عندكَ السّاعةَ وتدفئهُ بشايكَ بالبابونجِ وتقدّمَ لهُ عشاءً أخيرًا خبزةً وقطعةَ جبنٍ... كمْ كانَ هذا الزّائرُ مثلكَ تمامًا (تعرفُ أنَّ الحياةَ زيارةٌ ولو طالتْ وأنَّ الحياةَ أقصرُ من عادةٍ سرّيةٍ للمراهقِ) كمْ أدركتَ أنَّ هذا الزّائرَ أنتَ تمامًا مُهَلْهَلُ القلبِ وزائرٌ مثلكَ لمرّةٍ واحدةٍ لا غيرَ.
كلاكما الآنَ يعرفُ ما يريدُ... فليسَ لكما من هذي الدّنيا شيئًا... في دقائقَ سبعٍ كيفَ صادقتَ هذا الزّائرَ كأنهُ أخوكَ بالرّضاعةِ وكأنكَ تستعجلُ الأمرَ معهُ ليأخذكَ هناكَ برفقٍ حيثُ لا ضجرَ ولا يَحزنونَ أو تترُكُ المسألةَ مُبرَمَةً لتموتا معًا كما شربةِ ماءٍ والسلامَ.
لينتهي الأمرُ
حيثُ يبدأُ الأمرُ
أحسِدُكَ فإنكَ الحرُّ تمامًا...

* * *

الصّومعةُ 4

لا غيرَ حبوبِ صُداعِ القلبِ
لا غيرَ أدويةِ الشّرايينِ المُعاكِسَةِ دوْرَتَها (الشّرايينُ تكادُ خارجَ دوْرَتِها)
ثمّة بابٌ للصّومعةِ ينسى أنّ لهُ بابًا
ثمّة بابٌ للصّومعةِ يطبقُ عليكَ بابًا
حيثُ السّدى يتركُ أصابعهُ مُتمتمةً عَ البابِ سُدىً
لا أصدقاءَ مُستكلبونَ يجيئونَ في ليلِ الغريبِ
لا جبينةُ تأتيكَ في ليلِ الصّومعةِ
لا سُعاةٌ يأتونَ بالنّبأ العظيمِ
ما أغربَ النّاسَ وما ألعنَ المنأى والناسَ حيثُ بابُ الصّومعةِ لا يفتحُ عليكَ بابًا ولا يُغلقُ عليكَ بابًا كأنكَ صرتَ البابَ لا يفتحُ ولا يَنغَلِقُ.
هلْ كنتَ الواحدَ المُتوحّدَ في ليلِ الصّومعةِ؟
لكأنكَ أتيتَ الغريبَ لتموتَ الأغربَ في سنامةِ هذا الليلِ حيثُ الدّنيا تنأى في بابِ الصّومعةِ والبابُ في بابِ الصّومعةِ ينأى
حتى اللهُ فِ البابِ ينأى.

* * *

الصّومعةُ 5

الليلةَ فِ الصّومعةِ زجاجاتُ البيرةِ لها أعناقُ نساءٍ أحببتَ لها أفواهُ نساءٍ تكرهُ... زجاجاتُ البيرةِ أجراسٌ ترِنُّ فهل تُثمِلُنا الأجراسُ في سبتِ النّورِ نحنُ الذينَ نرغي فِ الأجراسِ طويلاً مُتبرِّكينَ بليلِ الصّومعةِ... كانَ قطارُنا السّجائرَ والبيرةَ يعبرُ بنا ليلَ الصّومعةِ إلى ليلةِ سبتِ النّورِ بعدَ ساعاتٍ قليلةٍ سنبلغُ سدرةَ ليلنا إلى نورِ السّبتِ والآنَ سَكِرنا والسّاعةُ دخلتْ خامِسَتَها بنا فجرًا كي تنتهي بنا في سِدرةِ التنويرِ السّبتِ... صديقي رفيقُ الصّومعةِ المُتنسِّكُ مُثقلٌ عَ أريكتهِ مثلَ غيمةِ كلامٍ يَقْرِظُ لسانَ الطّائرِ مثلَ جثّةِ فراشاتٍ تتفتّحُ لكنّي سأغادرُ هذا الصّباحَ خفيفًا حامِلاً متاعي منْ ضوْعٍ مُسكِرٍ ونورٍ يُرغي...
كيفَ بلغتُ سبتَ النّورِ
كيفَ أدخَلَني السّبتُ المُبارَكُ نورَهُ
حيثُ الأجراسُ التي أنعِمُ بها مَسْمَعي هادئًا مُنوّرًا بالأجنحَةِ السّرّيةِ فِ السّبيلِ المُبارَكِ ومختفيًا أرقى في ضبابِ سبتِ النّورِ سوفَ أتركُ أجراسَ هذا السّبتِ تُعلنُ هذا القلبَ
سأطلِقُ في سبتِ النّورِ قلبي معَ الأجراسِ
لأغيبَ حاضرًا فِ الأجراسْ

* * *

الصّومعةُ 6

الليلُ في أولهِ هنا بعدُ و الليلُ أطولُ من خَطوَتِنا فِ الليلِ وفي رحابِ الصّومعةِ
نخبكَ قالَ وصبَّ لي كأسًا منْ حليبِ الكرمةِ
ها سأُعَرِّفكَ الآنَ عَ عاهرتي المالطيّةِ (امرأةٌ مُكتنزةٌ منْ مالطا)
ستبصِرها قالَ في كاميرا الكومبيوترِ
سترى نهدينِ يَتَدَحرَجانِ (مِنْ عَلٍّ) مكانَهُما كُرَتيْ ثلجٍ ناريٍّ
المرأةُ المالطيّةُ في كاميرا الكومبيوترِ تَدلقُ نهديها حيثُ يَنفطِمُ الطّيرُ وحيثُ يصيرُ الماءُ رائبًا في موجتهِ
الشّاشةُ ذو لونٍ حليبٍ تتناهى والمرأةُ المالطيّةُ نهدانِ يَضّطَرِمانِ بياضًا ناريًّا ويلهفانِ بياضَ الثّلجٍِ كنا نكرعُ الفودكا ونُمَصْمِصُ سجائِرَنا عَسَلاً ونتملّى منْ هذي المرأةِ العجلةِ القدّوسِ مُضّطَرِمَةً بمِدفعيْ حليبٍ هذي المرأةُ المالطيّةُ جِدًّا أصابَتنا بضربةِ ما نتشَهّى
لا تسَلْ: كيفَ ناعمَةً افتَضَّتْنا الحُمّى
مالطيّةَ الحُمّى.

*** *** ***

نيسان - طور كرم


 

horizontal rule

٭ اللّطرون: هو ديرُ اللّطرونِ يقطنهُ رهبانٌ وهو موجودٌ في نواحي القدس.

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 إضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود