الأطلنطيد أو القارة المفقودة
الأسطورة، العلم والباراسيكولوجيا

 

محمد شوقي الزين

 

يتناول ألغاز الأطلنطيد المستكشف[1] أشهر وأعقد معضلة في تاريخ البشرية: الأطلنطيد (Atlantide بالفرنسية وAtlantis بالإنجليزية). هل الأطلنطيد أسطورة أم واقع؟ إذا كانت هذه القارة المفقودة مجرد أسطورة، لماذا أدرجها أفلاطون في حواراته كريتياس وطيماوس؟ ولماذا لا زالت تدهش البشرية، حتى اليوم، بسحرها وجاذبيتها، ودفعت المئات من الكتَّاب والفنانين والسينمائيين إلى التطرق إليها في أعمالهم وفنونهم وأفلامهم؟ إذا كان الأطلنطيد واقعًا، فما هي الأدلة التاريخية والحفرية والجيولوجية التي تدعم، بشكل حاسم وقطعي، وجود هذه القارة المفقودة؟ هذا ما يحاول الكتاب الكشف عنه والبرهنة عليه. فضلاً عن المعطيات العلمية التي تتطرق بشكل موضوعي وحيادي إلى مسألة الأطلنطيد.

يقارن الكتاب بين الاكتشافات العلمية والجيولوجية والحفرية في هذا الميدان وبينها في الميدان الباراسيكولوجي المتمثِّل في نبوءات أشهر متنبئ في العصور الحديثة، وهو الأميركي إدغار كايسي (1877 – 1945) الذي لا يزال يُبهر مريديه والمعجبين به بالقراءات والرؤى الكشفية التي قدَّمها لمدة 43 سنة حول تاريخ البشرية وأسرارها وأصولها ومستقبلها في 140.000 قراءة جُمعت في كتب ما تزال محفوظة في "جمعية إدغار كايسي" في فيرجينيا في الولايات المتحدة. لقد تحدَّث بشكل صريح ومثير للانتباه عن حضارة الأطلنطيد في رؤاه الكشفية، وقدَّم وصفًا وتحليلاً دقيقًا عن الشكل الذي كانت عليه هذه الحضارة، والعوامل الجغرافية والنفسية التي أدَّت إلى أفولها وانقراضها هناك قبل ما يقارب 13000 سنة (10900 قبل الميلاد).

نشير إلى أن معظم مؤلفي هذا الكتاب (وسواه من الكتب) لهم قرابة بالمتنبئ الأميركي، وهم: إدغار إيفانس كايسي (الابن الأصغر)، شارل توماس كايسي (الابن الأكبر)، غايل كايسي شفارتزر (حفيدة المتنبئ وابنة إيفانس كايسي). كما أننا اندهشنا من موضوعية الكتاب ودقته وحياده في عرض الأفكار وعدم تحمسه لفكرة أو نظرية أو رأي على حساب الآراء الأخرى المعارضة، حيث لم تُستغل الاكتشافات العلمية الأخيرة لتدعيم رؤى كايسي الكشفية، وإنما ظل الكتاب وفيًا للموضوعية الصادقة والرؤية الوجيهة والتحليل العلمي والتاريخي والباراسيكولوجي الدقيق. طبعًا، الهدف منه هو معرفة إلى أي مدى تصبح نبوءات كايسي صحيحة وصادقة مقارنة مع الاكتشافات العلمية والتاريخية والحفرية الأخيرة حول احتمال أو استحالة وجود قارة مفقودة تسمى "الأطلنطيد"، لكن الأمانة العلمية التي تحلَّى بها المؤلفون في هذا الكتاب الرائع تدعو فعلاً إلى الإعجاب. ولم يظهر الكتاب إلا في سنة 1988 (في طبعته الإنجليزية)، وسنة 1994 (في طبعته المترجمة إلى الفرنسية)، ولم يتطرق إلى حقائق علمية باتت حاسمة بشأن الأطلنطيد سنتطرق إليها في مستهل قراءتنا له وعرضنا لمضمونه وأفكاره.

1. قصة النبوءات:

يعرض الكتاب في مقدمته فقرات موجزة عن حياة إدغار كايسي وكيف أصبح متنبئًا بمستقبل البشرية كاشفًا عن ماضيها العتيد، بينما كان مجرد فوتوغرافي يهوى السفر والصيد والعناية بالبساتين والحقول. يقدِّم ابنه إيفانس ذكريات عن أبيه وعلاقته بأسرته وأصدقائه ومحيطه، وكيف أن الناس انتبهوا إلى ذكائه الخارق وقدراته النفسية المذهلة بما يسمى في الباراسيكولوجيا بظواهر "بساي"، وكانوا يلتمسونه لحل مشكلاتهم اليومية أو معضلاتهم النفسية والصحية والحياتية. ولد إدغار في هوبكنزفيل (كانتوكي) في الولايات المتحدة سنة 1877. بينما كان يشتغل في مكتبة فقد الصوت ولم يستطع أي طبيب أن يعالج علته. يائسًا، قرر أن يلتمس طبيبًا نفسيًا يمارس التنويم المغناطيسي. بمحض إرادته استطاع، بمساعدة هذا الطبيب، أن ينغمس في نومه ويصف بدقة الدواء الملائم لعلته، واستطاع بذلك أن يسترجع صوته. لما اطلع أحد الأطباء على قدرته الهائلة التمسه لأن يصف لمرضاه العلاج الملائم تحت تأثير التنويم المغناطيسي. هكذا استطاع أن يقدم أوصافًا دقيقة لعلاج العلل. وفي حالة نومه العميق لا يتذكَّر ما يقوله لزواره. كان البعض منهم (من رجال الأعمال) يقصدونه لمعرفة البورصات وحالة السوق الاقتصادية، لكنه كان يستيقظ على التو غاضبًا، رافضًا استغلال قراءاته لأغراض شخصية. وغالبًا ما كان يقدِّم وصفاته العلاجية مجانًا دون مقابل. وتحاشيًا لاستغلال قراءاته في أثناء نومه المغناطيسي لأغراض أخرى، جعل كايسي من زوجته الكائن الوحيد الذي يطرح عليه الأسئلة ويسجِّل الأجوبة لزواره. ومعظم قراءاته كانت إذن عبارة عن وصفات لعلاج أمراض طفيفة أو مستعصية. في بداية 1920، قدَّم أول نبوءة دون أن يدري عندما سأله صديق له فضول بالمسائل الميتافيزيقية عن أبراجه ومستقبله، وأجاب كايسي دون أن يعلم معدِّدًا له فتراته الحياتية السابقة. ولما استيقظ وأعلم بما قاله لصديقه، اندهش لما صرَّح به، وهو تصريح واضح عن تناسخ الأرواح Transmigration/Réincarnation يتعارض أساسًا مع معتقداته المسيحية، فضلاً عن كونه مسألة ميتافيزيقية منتشرة في الهندوسية والبوذية (الفلسفات الشرقية). ثم إن كايسي، على حد تعبير ابنه إيفانس، لم تكن لديه اهتمامات فلسفية لإنغماسه في التعاليم المسيحية التي تربى عليها ولكونه إنسانًا متواضعًا في الثقافة والاطلاع. كان يجهل بأن القراءات التي كان يقدِّمها لزواره كانت تدرج في الواقع حاضرهم وماضيهم السحيق، بمعنى أرواحهم المتناسخة من عصر إلى آخر. لم يكن يقدم التاريخ بالضبط، لكنه كان يعدِّد لزائره المناصب التي شغلها في الماضي السحيق. هكذا سمي إدغار كايسي "المتنبئ النائم" لاستغراقه في النوم المغناطيسي قصد تقديم وصفات وقراءات لزوَّاره. وتوفي سنة 1945 في فيرجينيا بيتش.

وتطرق كايسي بإسهاب إلى الأطلنطيد في قراءاته كما سنرى لاحقًا. وإجاباته كانت في سياق وصفات علاجية. ولما كان الزائر يتمادى في طرح الأسئلة بشأن الأطلنطيد كان كايسي يجيب بدون حرج. ومعظم قراءاته جاءت حول: الأطلنطيد، عمر البشرية، التغيرات الجغرافية، تأرجح طرفي الكرة الأرضية، هجرة جماعية لسكان الأطلنطيد قبل انغماره في مياه الأطلسي، ... إلخ. وكانت وليدة قراءات يقدِّمها للزوار حول حياتهم السابقة والحاضرة ليجد نفسه يتحدَّث عن حقائق جيولوجية وتاريخية وأسطورية وميتافيزيقية، وأيضًا سياسية وعلمية (تنبأ بسقوط بورصة نيويورك سنة 1929، وما أعقبها من أزمة اقتصادية، وبالحربين العالميتين وسقوط المعسكر الشيوعي ووصول الإنسان إلى القمر سنة 1969).

2. الأطلنطيد: الأسطورة والواقع

أ. أطلنطيد أفلاطون: لا يزال الأطلنطيد يؤجِّج الذاكرة البشرية كما تجلى في العصور السابقة، وكما يبدو الآن في عدد من الكتب والقصص والأفلام. لا شك في أن أول من تكلَّم عنه بشكل صريح هو الأثيني أفلاطون (428 – 348 ق. م.) في حواراته (خصوصًا كريتياس وطيماوس). ويقول إن المشرِّع الأثيني الشهير صولون طلب من كاهن مصري من معبد سايس أن يحدِّثه عن الحضارات والأمم السابقة. وشرع الكاهن في الكلام عن حضارة فردوسية وخلابة بآثارها الهندسية الجبارة وتكنولوجيتها المتفوقة وعلومها وآدابها الراقية. لكنها تعرَّضت لأبشع ظاهرة طبيعية تمثلت في زلازل وبراكين هائلة قوَّضتها نهائيًا بانغمار القارة تحت الأطلسي. يقدِّم أفلاطون تاريخ 9000 سنة قبل صولون، أي 9600 ق.م. لأفول هذه الحضارة. لكن يرى البعض بأن الأطلنطيد كما صاغه أفلاطون كان مجرد أسطورة تحمل في طيَّاتها تحذيرات غير مباشرة لحضارته اليونانية الراقية. كما أن بعض المؤرخين وعلماء الحفريات كانوا يرون فيه واقعة تاريخية تمثلت في الحضارة المينوسية (الملك مينوس) في شمال جزيرة كريت في البحر المتوسط، وكانت الحضارة راقية متطورة علميًا ورياضيًا واقتصاديًا، استطاعت أن تبسط هيمنتها في البحر المتوسط، لكنها انقرضت بسبب فاجعة طبيعية تجلت في انفجار بركاني هائل وزلازل وأمواج عالية غمرت شواطئ البحر المتوسط بسبب انغمار الجزيرة تحت مياه المتوسط. ربما يكون أفلاطون قد أشار في حديثه عن الأطلنطيد إلى هذه الحضارة الراقية في وسط البحر المتوسط، لكن الأبعاد والتواريخ التي ذكرها في حواراته لا تنسجم مع هذه الحضارة، فهو يتحدث عن الألفية العاشرة قبل الميلاد (9600) وليس 1500 ق. م. كما أنه يقدم وصفًا دقيقًا للقارة المفقودة متحدثًا عن قارة كبيرة تماثل أبعادها إفريقيا وآسيا الصغرى مجتمعتين وليس مجرد جزيرة في المتوسط. ويتحدث عن قارة فيما وراء مضيق هرقل (مضيق جبل طارق الآن بين المغرب وإسبانيا) أي في المحيط الأطلسي. فهل كان يقصد حضارة راقية وواقعية وليس مجرد أسطورة أو خرافة؟ وهل نتصور أن فيلسوفًا كأفلاطون، الذي قال ذات يوم "لا يطرق بابنا من لم يتعلَّم الرياضيات"، يتحدث بسذاجة عن خرافة من صنع خياله وأوهامه؟

ب. الأطلنطيد حسب دونيلي: أشهر كتاب حول الأطلنطيد هو كتاب إنياتيوس دونيلِّي الأطلنطيد أو العالم السابق على الطوفان[2] الذي عرض فيه خلاصة سنوات طويلة من بحوثه النظرية حول الأطلنطيد بعد اطلاعه المتبحِّر والدقيق على المصادر والمراجع الموثوقة في الأساطير والعادات والآداب والجيولوجيا والتاريخ والحفريات. لكن كتاب دونيلِّي كان محل شكوك لطابعه النظري والافتراضي واعتماده على فرضيات علمية غير يقينية وليست محل إجماع كل المتخصصين في العلوم التي استقى منها معارفه. وحاول دونيلِّي تبيان أن الأطلنطيد عبارة عن جزيرة كبيرة تشبه قارة في وسط المحيط الأطلسي. ودعَّم آراء أفلاطون واعتبر أنه يتحدث عن حضارة راقية واقعية هي مهد الحضارات اللاحقة في التبت وتايلاند وما بين النهرين ومصر والبيرو (الإنكا) والمكسيك (المايا) معتبرًا أن ملوك هذه الحضارة الراقية وأبطالها هم الآلهة في الأساطير الإغريقية والفينيقية والهندوسية والاسكاندينافية، حيث هذه الأساطير تحدثت عن وقائع تاريخية مشوبة بخيالات وأحداث مقدسة وخوارق. فالأطلنطيد "هو الذاكرة العالمية المفقودة لحضارة فردوسية، أصل تاريخ الجنان الأرضية في عدن والأولمب وأماكن أخرى عمَّدتها البشرية الأولى، وعاشت في أمن واطمئنان" (ص33). ويلاحظ دونيلِّي بأن التشابه الكائن بين الحضارة المصرية الفرعونية والحضارة الأطلنطية هو كون الأولى كانت أقدم مستعمرة أطلنطية. وخلص إلى كون الأبجدية الفينيقية والكتابة الهيروغليفية في عهد المايا منحدرتين عن الكتابة الأطلنطية، ذاهبًا إلى حد اعتبار الأطلنطيد مهد العرقيات الآرية والهند–أوروبية والسامية، معتبرًا أن الناجين من الكوارث الطبيعية العظمى التي قوَّضت الحضارة الأطلنطية قاموا بنقل تراثهم العلمي والأدبي حيث تحوَّل لاحقًا، بعد مرور آلاف السنين، إلى أساطير وخرافات وحكايات وملاحم تتحدث عن آلهة وعادات خارقة وفيضانات طوفانية. ويدعم دونيلي آراء أفلاطون السابقة ملاحظًا بأن الفيلسوف لم يبدأ حديثه عن هذه القارة بالأبطال والآلهة الأسطورية (كما هو الحال في الإلياذة والأدويسا لهزيود وهوميروس) وإنما تحدث عن شخصيات واقعية كانت لها الإمكانيات العلمية الراقية في بناء المعالم الأثرية والأهرام والبواخر والموانئ. كما أنه يوظِّف آراء الجيولوجيين ليدعِّم بها افتراضاته، ومنها كون القشرة الأرضية لم تكن على ما هي عليه الآن، فثمة قارات اختفت وأخرى ظهرت بفعل انقلاب الأقطاب المغناطيسية والجغرافية للكرة الأرضية Poles Shift/ basculement des poles. لكن الجيولوجيين يتحدثون عن آلاف (وربما ملايين) السنين، ودونيلي يتكلم عن فترة قريبة في الزمن. كما أنهم يتفقون على حدوث كوارث محلية تتمثل في انفجار براكين أو حدوث زلازل. ولا يمكن بأي حال أن يؤدي بركان أو زلزال إلى انغمار قارة بأكملها. وهناك فقط حالة واحدة تفعل هذا هي حدوث عامل خارجي مهول كسقوط مذنب أو نيزك كبير جدًا على الأرض كما حدث في عهد الديناصورات مما أدى إلى أفولها وانقراضها. ولم يترك دونيلي صغيرة أو كبيرة في الجيولوجيا والعادات وعلم الإحاثة إلا وأدرجها لتدعيم آرائه، فهو يلاحظ أن هناك تشابهًا في العادات والممارسات في الجانبين الشرقي والغربي للمحيط الأطلسي مرجعًا ذلك إلى وجود قارة في الوسط كانت مهد الحضارات الأخرى. ومن جملة هذه العادات اعتقاد الشعوب في الجانبين بخلود النفس وبعث الجسد: كانوا يمارسون التحنيط والتضحيات والقرابين وتأليههم للشمس والقمر. ويخلص إلى أن تشابه الآلاف من العادات في الجانبين لا يمكن أن يكون صدفة. ويورد حكايات وملاحم من الشعوب مفادها أن الانتقال بين الجانبين من الأطلسي كان يتم في السابق على اليابسة مرجعًا ذلك إلى وجود قارة كهمزة وصل بين الجانبين قبل انغمارها تحت الأطلسي. لكن نقَّاده يعتبرون أنه قد ذهب بعيدًا في تحليلاته الشبيهة بالقصص والروايات وأطلق العنان لخياله وهو سر نجاح كتابه في الأوساط الشعبية كمرجع هام حول أسطورة الأطلنطيد.

وعلى منوال دونيلي، حاول العديد من الكتاب البرهنة على وجود الأطلنطيد، كما فعل لويس سبينس في كتبه: مشكل الأطلنطيد وتاريخ الأطلنطيد والأطلنطيد في أميركا (1924 – 1928)، وبشكل أقل جيمس برامويل في كتابه الأطلنطيد السابق (1937). والكاتبان يسندان إلى إنسان الكهوف Cromagnon قدرات عقلية هائلة كالانتقال من أميركا الجنوبية إلى أوروبا عبر اليابسة، وهذه اليابسة حسب سبينس هي القارة المفقودة. وحدث هذا قبل ما يقارب 25000 سنة. والهجرة الجماعية الثانية لإنسان الكهوف نحو أوروبا حدثت قبل ما يقارب 16000 سنة وأخرى حوالي 10000 سنة. وتخلص تحليلات برامويل إلى أن الأطلنطيد هو في الحقيقة أسطورة مخالفًا آراء سبينس ودونيلي معتمدًا على حقائق تاريخية وجيولوجية في عصره. ومن جهته، كشف شارل بيرليتز في كتابيه لغز الأطلنطيد (1969) والأطلنطيد: القارة الثامنة (1984) عن وجود كتابة تشبه الكتابة الهيروغليفية في جزيرة الباك في المحيط الهادئ، وكتابة أخرى شبيهة بالأولى في هضبة الهندوس في الباكستان. ولم تتم بعد قراءة هاتين الكتابتين المتشابهتين ويصعب الاعتقاد بأنهما من أصول مختلفة.

جـ. في التصور الباطني: كانت تحليلات دونيلي ولاحقيه تعتمد على فرضيات علمية ومعطيات تجريبية في البرهنة على وجود القارة المفقودة. لكن مع الباطنيين سنرى أطلنطيدًا مختلفًا في الوصف والشكل. وقصته هي في الغالب عبارة عن تعليم باطني سري يتداوله المريدون في شكل رؤى كشفية وبصائر. وهنا تعتبر هيلينا بلاڤاتسكي مؤسسة للمذهب الباطني (سنة 1800) الذي يستقي بعض تعاليمه من البوذية والهندوسية ويتطرق لتاريخ البشرية بتعاقب عرقيات روحية وجسدية. ولا يرفض الباطنيون طبعًا المعطيات العلمية، لكنهم ينظرون إلى الأطلنطيد من منظور آخر يختلف عما يقرُّ به العلم الحديث. وحديثهم عن عرقيات روحية وأخرى جسدية، هو برهنتهم على نزول البشرية من أصولها الروحانية إلى العالم الجسدي. ولتعويض النقص الناتج عن انعدام الشهادات الصحيحة والوثائق الصادقة، ولردم الفجوات التي يتركها التاريخ والحفريات، يلجأ الباطنيون إلى تفسيرات غامضة حول تاريخ البشرية وطبيعتها. لكن نقَّاد الباطنية يرجعون هذه التفسيرات والرؤى إلى مجرد خيالات وأوهام. ويعترف أحد الباطنيين، وهو (شتاينر)، بأن ملكة البصيرة وقدرة النفس في رؤية الماضي السحيق والمستقبل ليست دائمًا سليمة. فقد تكون خاطئة على العكس تمامًا مما هو موجود في الواقع. لكنه يذهب إلى أن تطابق بعض الرؤى الكشفية بما توصَّل إليه العلم الحديث لا يمكن إرجاعه إلى مجرد هلوسات وأحلام فاسدة. وتعتمد هـ. بلاڤاتسكي على ما يسمى "المذهب السري" أو الحكمة الإلهية Theosophy في البرهنة على وجود عروق روحية وهي أصول البشرية. والعرق في التصور الباطني لا علاقة له بالمفهوم الحديث للعرق Race. وتتحدث بلاڤاتسكي عن:

1.    العرق البولاري الذي وجد في جسم بروجي Astral.

2.    عرق هيبربوري في قارة من القطب الشمالي، وهو عرق جسدي له ارتباط بالعالم الأثيري.

3.    عرق ليموري من قارة "مو" التي يعتبر البعض بأنها وجدت بين الهند ومدغشقر قبل انقلاب محور الكرة الأرضية، وهو عرق من البشر يشبهون القردة، وهو ما دفع البيولوجي أرنست هيكيل إلى اعتبار قارة "مو"، التي انغمرت تحت مياه المحيط الهندي، تكوِّن أصل البشرية، وأن الإنسان الليموري ينتمي إلى صنف حيواني في طريقه التطوري نحو الشكل الإنساني.

4.    عرق أطلنطي أسهب في الحديث عنه الباطني ويليام سكوت إليوت الذي كتب قصة الأطلنطيد (1896) معتبرًا أن هذه القارة المفقودة تعرضت لأربع كوارث، آخرها سنة 9564 ق.م. أدت إلى انغمار الجزيرة–القارة تحت الأطلسي.

وفضلاً عن العروق والتواريخ التي يقدمها الباطنيون حول أصول البشرية، يعتبر المذهب الباطني أن الحضارة الأطلنطية كانت تتمتع بتكنولوجيا راقية كوجود عربات طائرة وأسلحة فتَّاكة كما نجد ذلك في ما يسمى بمركبة النبي حزقيال.

د. عند الشكَّاك: رغم مئات الكتب التي أُلِّفت حول موضوع الأطلنطيد لتبرهن على وجوده، قليلة هي الكتب المبرهنة على عدم وجود القارة المفقودة. في كتابه رحلة إلى الأطلنطيد، يرى جيمس مافور في حكايات أفلاطون إشارة إلى جزيرة انغمرت تحت بحر إيجه بين تركيا واليونان، ويعتبر أن أفلاطون قد أخطأ في المكان والزمان عند حديثه عن الأطلنطيد. وحسب مافور، فأطلنطيد أفلاطون هو في الواقع مدينة من الحضارة المينوسية متواجدة في جزيرة انغمرت في بحر إيجه بفعل بركان هائل انفجر سنة 1500 ق.م. ويذهب ويلي لاي في كتابه رؤية أخرى حول الأطلنطيد إلى أن أطلنطيد أفلاطون ظل مجرد أسطورة حيث لم يتردد أرسطو في اعتباره قصة خيالية مصطنعة. وفي كتابه القارات السابقة، يعتبر سبراغ دو كامب أن أطلنطيد أفلاطون لا يمكن فصله عن سياقه التاريخي بمعنى انهيار الحضارة المينوسية سنة 1500 ق.م. بسبب كارثة طبيعية مهولة، والاستعمال الشائع في عصره للأساطير والحكايات والملحمات. وكالحكايات الأسطورية والخرافية، يغدو الأطلنطيد حسب دو كامب مجرد الرغبة اللاشعورية للذات في طوباويات هادئة وآمنة وفردوسية إفلاتًا من الصراعات والهيمنات المتنامية (إشارة إلى الحرب الضروس بين أثينا وإسبارطة). ويرى أن أفلاطون هو الكاتب اليوناني الوحيد الذي تحدَّث عن الأطلنطيد. فإذا كان للقارة المفقودة وجود، فلماذا لم يتحدَّث عنها كتَّاب آخرون في اليونان ومصر وخصوصًا هيرودوت، المؤرخ الشهير؟ لكنه يعترف بأن مثل هذه الشهادات تكون ربما قد فقدت خصوصًا بعد الاحتراق المهول لمكتبة الاسكندرية. لكنه يصر على أن فكرة الأطلنطيد هي مجرد حكاية تتلى على مسامع العامة، ومن السذاجة اتخاذها موضوعًا للبحث العلمي والتنقيب الحفري والجيولوجي. وينتقد دو كامب الحماس اللامتوازن لدونيلي في برهنته على وجود الأطلنطيد معتبرًا أن أحكامه المتسرعة قادته إلى نتائج خاطئة تنقصها الرؤية الحصيفة والفكر النقدي. ويعتبر أن المعتقدات البشرية هي في الواقع عالمية وشاملة ووجود تشابهات في جانبي الأطلسي لا يبرهن أي شيء. وفي انتقاده لسبينس، يرى أن إنسان الكهوف له وجود أيضًا في فلسطين تبعًا للاكتشافات الأخيرة، فيكون قد أتى من الشرق وليس فقط من الغرب كما يذهب سبينس، كما أنه لا يوجد أي تشابه بين الكتابة المصرية والكتابة الهيروغليفية لحضارة المايا. وكذلك يستهزئ من التصنيفات العرقية كما يعرضها الباطنيون ويعتبرها باطلة لا تستند على أي نظرية بيولوجية وعلمية صارمة. ويعتبر الأنثروبولوجي روبرت ووشوب أن نجاح الأدبيات الخرافية والأسطورية حول القارات المفقودة تستلهم المخيلة الجماعية وتثير فضولها أكثر من البحوث العلمية الجادة، لأن هذه الأدبيات أقرب إلى اللغات العامية منه إلى التخصص العلمي، ويرى أنه من العسير التمييز بين العلمي والخيالي والحدسي التي يدمجها الكتَّاب في حديثهم عن القارات المفقودة والحضارات العتيدة والسلالات العريقة. ويخلص إلى أن كلمة "أطلنطيد" هي عبارة عن أسطورة سحرية وفاتنة ووحش ألسني.

3. في قراءات إدغار كايسي

يولي كايسي أهمية كبيرة للأطلنطيد في القراءات التي قدَّمها لزواره. يتحدث عن حضارة تكنولوجية راقية، لكن صراعاتها العرقية والأخلاقية والاستعمال السيئ لتكنولوجيتها وأسلحتها الفتاكة أدَّت إلى أفول حضارتها قبل انقراضها النهائي بفعل طفرة جيولوجية مفاجئة. وقراءات كايسي تتفق مع بعض النظريات الجيولوجية التي تسلِّم بأن الشكل الحالي للقارات يختلف تمامًا عما كان عليه الكوكب الأرضي في السابق، خصوصًا بعد الانتشار السريع للمذهب "الكارثي" Catastrophiste الذي قاده البارون كوفيه Cuvier أب علم الإحاثة Paléontologie (يبحث في أشكال الحياة في العصور الجيولوجية السالفة كما تمثلها المتحجرات أو المستحاثات الحيوانية والنباتية)، والذي يسلِّم بحدوث طفرات جيولوجية بسبب عوامل كثيرة (تدفؤ الجو، حقل مغناطيسي عابر الكواكب، عواصف شمسية هائلة، تحرك القشرة الأرضية، طفو القارات، إلخ) تغيِّر الواجهة القارية للكوكب الأرضي.

وخلافًا لأفلاطون والباطنيين والعلم الحديث في عصره، يعتبر كايسي أن الكوارث الطبيعية التي أدَّت إلى انغمار جزيرة–قارة الأطلنطيد لم تكن بين عشية وضحاها وإنما تمتد إلى آلاف السنين من 50000 ق. م. إلى 10000 ق. م.، ويتحدث عن الحضارة الأطلنطية كحضارة شبيهة بالحضارة المعاصرة (تقدم تكنولوجي، أسلحة فتَّاكة، مواصلات متطورة، إلخ) ولا علاقة لها بمفهوم الحضارات القديمة كما نتصوره اليوم. هكذا تختلف قراءاته عن التصور المعاصر للحضارات القديمة الذي تحكمه الرؤية الخطية للأحداث والتواريخ والتي تتحفَّظ على وجود حضارة تكنولوجية راقية خارج الحضارة المعاصرة التي تتجلى أمامنا اليوم. وبناءً على فكرة التناسخ التي أدرجها كايسي دون دراية منه، يعتبر أن الأطلنطيين يعودون اليوم بفعل هذا التناسخ: إذا كانت لديهم قدرات علمية راقية من الماضي، فما نشاهده اليوم من تطور تكنولوجي باهر يكون من صنعهم أيضًا. يقول: "هناك حقيقة تناسخ الأرواح. هذه الأرواح التي وجدت في هذا المكان (الأطلنطيد) لا تزال تعود اليوم في قوالب جسدية أخرى. ومن المدهش أنها قامت بتطوير شؤونها في تلك الفترة وحطمت نفسها بنفسها وتعود اليوم لتقدم تعديلات وتوجِّه شؤون البشر!" (ص54). هذه الفقرة جعلت من بعض من يرى في الولايات المتحدة (القوة العظمى) نسخة من الأطلنطيد بنفس درجة التقدم العلمي والتكنولوجي وإمكانية الانغماس في صراعات عرقية واجتماعية ودولية قد تؤدي إلى أفولها مما ينعكس سلبًا على باقي البشر. وحسبه فبين 50000 و10000 ق. م.، حدثت انقلابات جيولوجية هائلة (براكين، زلازل، تأرجح طرفي محور الأرض، إلخ) أدت تدريجيًا إلى تحطم الأطلنطيد: الانقلاب الأول سنة 50000 ق. م. حيث نسبة كبيرة من القارة تحطمت. والثاني سنة 28000 ق. م. حيث انقسمت القارة إلى جزيرتين كبيرتين تعادلان أستراليا حاليًا وأخرى صغيرة. والأخير سنة 10500 ق. م. حين انغمرت الجزر تحت الأطلسي.

هذه الانقلابات وتحوُّلات أخرى دفعت، حسبه، بالعديد من سكان هذه القارة إلى الهجرة نحو مناطق أخرى، خصوصًا الانقلاب الأخير الذي قوَّض نهائيًا الحضارة الأطلنطية (قام الملايين من البشرية الأولى بالهجرة نحو مصر والتبت والبيرني والمغرب وأميركا والقوقاز). والانقلاب الأول يرجعه كايسي إلى خطأ بشري واستعمال سيئ وفاحش للأسلحة الفتاكة معتبرًا أنه قبيل 50722 ق. م. اجتمعت البشرية وقتها للتصدي لخطر بات يهدد أمنها ويتمثل في انتشار حيوانات ضخمة (شبيهة بالديناصورات)، وهذا دفع الذين لديهم خبرة بالتكنولوجيات الراقية لاستعمال "شعاع الموت" (تعبير لكايسي) الذي "سيكتشف من جديد في الـ25 سنة المقبلة" كما يقول (ص73). وهذه القراءة مؤرَّخة بتاريخ 21 فبراير 1933. وفي سنة 1958، أي بعد 25 سنة من هذه النبوءة، توصَّل ثلاثة فيزيائيين لإنتاج المازر Maser الذي سوف يطوَّر لاحقًا ليسمى الليزر Laser. وحسبهم فإن اجتماع المادة واللامادة من شأنه أن يحدث انفجارًا هائلاً أكثر قوة من انشطار نووي أو قنبلة هيدروجينية. وقراءة كايسي تشير بدون لبس إلى أن الأسلحة الفتاكة كما تتصورها مخيلتنا اليوم ليست وليدة العقل المعاصر ولكنها قديمة في الزمن! حين سئل أحد الفيزيائيين المشاركين في تجربة انشطار اليورانيوم في جامعة شيكاغو سنة 1942 عن هذه التجربة: هل تمثِّل تجربة فريدة في نوعها في تاريخ البشرية؟ أجاب: "إننا اليوم نعيد اكتشاف هذه الظواهر". وقد أوَّل البعض تعبيره بأن تجارب الانشطار النووي والليزر وطاقات أخرى ليست حكرًا على البشرية الراهنة! بل كانت هناك استعمالات مشابهة في الماضي. وتغلب على الذهنية الجماعية اليوم استحالة وجود حضارة تكنولوجية راقية سابقة في الزمن على الحضارة المعاصرة، فهذه الفكرة تثير التحفظ والتعجُّب ما لم نقل السخرية والاستهزاء. لكن نعرف بأن التقدم التكنولوجي لا يخضع لإطار زمني متوازن. فمنذ 100 سنة فقط كنا نعتقد بأن الجسم الثقيل لا يمكنه أن يحلِّق في الهواء. وبعد سنوات انفجرت تكنولوجيا راقية في صناعة الطائرات (حربية ونقل الأشخاص والبضائع). ومنذ 30 سنة كان يستحيل التواصل عن بعد خارج مواصلات محدودة (الهاتف والتلكس) والآن غدا ممكنًا أن نتواصل عبر الإنترنت وأجهزة مواصلاتية راقية. هكذا يتسارع التطور التكنولوجي بصورة مذهلة.

والانقلاب الثاني، حسب كايسي، وقع حوالي 28000 ق. م. وقسَّم الأطلنطيد إلى ثلاث جزر: بوسيديا وآريان وأوغ (ص 75). وهذا لم يمنع من انحصار التطور التكنولوجي، لكن الصراع الديني والأخلاقي كان على أشدِّه بين عشَّاق المادة والشهوات الحسية وبين المنغمسين في الروحانيات. هذا الانقسام كان سببه براكين وزلازل وربما أيضًا انقلاب جزئي في محور الأرض أدى إلى تغيير في المناخ. أما الانقلاب الأخير فقد حدث بين 11000 و10000 ق. م. وكان قادة الأطلنطيد على علم بأن الجزر سوف تختفي بسبب فاجعة كونية، وهكذا قاموا بترحيل سكانها قبل حدوث الكوارث. قام الأطلنطيون بالهجرة نحو مناطق أخرى لم تلحقها تحويرات جيولوجية بليغة ناقلين تراثهم العلمي والباطني. والسؤال الذي يطرحه الكتاب: إذا كان ثمة حضارة راقية في العلوم والتكنولوجيا والمواصلات والآداب قد انهارت بفعل عوامل بشرية وطبيعية فلماذا لم نعثر اليوم على آثار تؤكد بدون لبس أنها من صنع الحضارة الأطلنطية؟ يجيب الكتاب بأنه ثمة مناطق عديدة لا تحصى من الكوكب الأرضي لم تصلها أيادي الحفر الأركيولوجي، فضلاً عن أن الحفريات بطيئة جدًا في استكشافاتها، وقليلون من يتحملون مشقة البحث عن آثار مطمورة. من هنا يفضِّل الناس قراءة حكايات أسطورية وروائع وعجائب عوض أن يتجندوا للتنقيب عن آثار مطموسة في أعماق الأرض. كما أن الحفريات البحرية أشد تعقيدًا من الحفريات على اليابسة. وكذلك الميزانية المخصصة للعلوم والبحوث والاستكشافات لا تتجاوز 2% مما تنفقه الدول في صراعاتها وتطوير أسلحتها وصيانة وسائل حروبها! هذا يفسر إلى أي مدى أصبح العثور على آثار أطلنطية صعبًا إن لم نقل مستحيلاً. وعامل الزمن له تأثيره أيضًا حيث يتصوَّر الكتاب قارة كأميركا الشمالية يصيبها ما أصاب الأطلنطيد: لا شك في أن الناجين من الكارثة سوف يلتمسون مناطق آمنة وأشد غورًا من الأمازون أو أفريقيا تاركين وراءهم متاعهم وأجهزتهم وتكنولوجيتهم ليتلاءموا مع ظروف حياتية قاسية. فلا شك في أن آلاف السنين كافية لتجعل من حضارتهم أسطورة وكأنها لم توجد أبدًا على سطح البسيطة ويصعب إذن العثور على آثارها بسهولة.

4. المعطيات الجيولوجية

خلافًا للكتب التي تطرقت إلى الأطلنطيد من وجهة نظر علمية، والتي ابتعدت أساسًا عن هدفها الأصلي لتدمج حكايات حول الأطباق الطائرة وزوار من كواكب أخرى ومثلث برمودا وغيرها من الفانتازمات المهيِّجة للمخيلة الجماعية، التزم الكتاب الحياد وأورد فقط الدلائل العلمية حول صحة أو عدم صحة فكرة الأطلنطيد ليقارنها بنبوءات كايسي حول الموضوع. ويعتبر أن الأدلة العلمية ليست براهين مطلقة بل ثمة مراجعات وانتقادات وتمحيصات ضرورية لئلا تتعثر مسيرة العلم أو ينغلق في وثوقية ودوغمائية قاتلة. ويورد النص المذهب الكارثي الذي تحدثنا عنه سابقًا كما صاغه البارون كوفيه في كتابه نظرية الأرض (1812) معتبرًا أن تاريخ الأرض هو تاريخ الكوارث الجيولوجية التي وقعت على سطحها (تبدُّل القشرة الأرضية، انغمار قارات وظهور قارات، تأرجح قطبي الأرض، إلخ). والأدلة التي يوردها يستقيها من علم الإحاثة الذي يبرهن على وجود مستحاثات لأسماك وأصداف في أعالي جبال الألب في أوروبا، ومستحاثات لنباتات استوائية في القطب الشمالي. وخلافًا لنظرية كوفيه، يتحدث تشارلز لايل في مبادئ الجيولوجيا (1833) عن النظرية "التدريجية" التي تعتبر أن التحولات الجيولوجية على الأرض تمت بشكل تدريجي وثابت، وبالتالي لا يقاس عمر الأرض بآلاف السنين وإنما بملايين السنين. وحسمت الجيولوجيا الرسمية لصالح لايل الذي استوحى منه تشارلز داروين نظريته في التطور. وتبدو قراءات كايسي وكأنها تقترب من نظرية كوفيه الكارثية: "ثمة أراض اختفت، يقول، وأخرى ظهرت ثم اختفت من جديد وهكذا دواليك عبر العصور الجيولوجية..." (ص 97)، ويصف جغرافيا الأرض على الخلاف تمامًا مما يذهب إليه العلم في عصره. معتبرًا أن سيبيريا والقطب الشمالي كانا ذات يوم في المناطق الاستوائية، ونهر النيل كان يصب سابقًا في المحيط الأطلسي، والصحراء كانت سابقًا أرضًا خصبة ومعمرة بالسكان، وأميركا الشمالية كانت تحت المحيطات، والمحيط الأطلسي كان في الواقع قارة الأطلنطيد.

ويبدو أن الأوصاف التي قدمها كايسي تقترب من نظرية "طفو القارات" La dérive continentale، النظرية الأكثر ترجيحًا اليوم، والتي صاغها الجيولوجي ألفريد فيغينر في كتابه أصول القارات والمحيطات (1829). وقد دعَّمت دلائل جيولوجية أخرى نظرية فيغينر مثل وجود سلاسل جبلية بركانية تحت بحرية تمتد من أمريكا الجنوبية إلى القطب الشمالي. وعلى إثر هذه الملاحظات الجيولوجية المدعَّمة بأجهزة حديثة، نشأت نظرية "بنيوية الأديم" التي تسلِّم بحدوث تغيرات في بنية القشرة الأرضية وتوسع المحيطات. وتشير إلى نظرية أخرى في الجيولوجيا لم يتطرَّق إليها الكتاب، وهي للأمريكي هابغود، حول تأرجح طرفي الكرة الأرضية، وكانت محل شكوك الجيولوجيا الرسمية، لكنها دُعِّمت من آينشتين وعالم العصور الجليدية لويز آغاسيز وألفريد فيغينر صاحب نظرية طفو القارات. ونظرية هابغود تعتبر أنه ثمة انقلابًا في قطبي الأرض يحدث كل 50 ألف سنة (وآخر انقلاب وقع قبل ما يقارب 750 ألف سنة) مع تأرجح نسبي في القشرة الأرضية يؤدي إلى تغيُّر واجهة القارات. ويعتمد هابغود على أقدم خريطة بحرية من رسم الأميرال رايس تعود إلى سنة 1513 (300 سنة قبل اكتشاف القطب الجنوبي) التي تبين قارة الأنتارتيك وعليها الجبال والأنهار والهضاب قبل أن تغطى بالثلوج والجليد كما هي الآن. ونظرية هابغود تعتبر أن تأرجح طرفي محور الأرض يجعل من القارات الاستوائية تنتقل إلى الشمال أو الجنوب والقارات القطبية تنتقل إلى الاستواء.

وهذا الانقلاب في المحور الأرضي والتوزيع القاري نجده في إحدى قراءات كايسي عندما يستطرد قائلاً: "في هذه الفترة كان الإنسان يسكن الصحراء والمناطق العليا للنيل الذي كانت مياهه تصبُّ من قبل في المحيط الأطلسي". وفي مقال نشره روبرت كير في مجلة "العلم" (أوت 1986)، يتحدث عن كيف اكتشف العلماء، بفضل صور ملتقطة من القمر الصناعي، شبكة من أنهار جافة تحت الصحراء فقاموا بالتنقيب الحفري في المنطقة ليكشفوا عن آثار لحياة بشرية قديمة في الزمن عمرها 250000 سنة. فالنهر كان يمتد من أعالي البحر الأحمر ويصب في المحيط الأطلسي مرورًا بالصحراء. وظهور سلاسل جبلية بفعل انقلاب نسبي في محور الأرض غيَّر مجرى النهر ليصب في الشمال، أي في البحر المتوسط.

وبشأن قارة الأطلنطيد، فمن الصعب العثور على أدلة جيولوجية لا تفنَّد حول وجودها في الماضي البعيد. ويسلِّم بعض الجيولوجيين بإمكانية وجود مناطق من الأطلسي خارج المحيط في العصور الغابرة، غير أنهم لا يعتقدون بوجود قارة في أبعاد أوروبا أو إفريقيا في مكان المحيط. لكن الكتاب يرى في أن إشكالية الأطلنطيد تكمن في كلمة "قارة". فعندما نطرح السؤال التالي: هل وجدت في الماضي قارة تسمى الأطلنطيد؟ فهي لا توحي شيئًا لباحث في الجيولوجيا يعتبرها أقرب إلى الحكايات والقصص منها إلى البحث العلمي. لكن عندما نطرح السؤال بصيغة أخرى: هل وجدت في الماضي مناطق من الأطلسي كانت فوق مستوى البحر، بمعنى مناطق من اليابسة؟ فيمكن في هاته الحالة اتخاذ الأطلنطيد كموضوع لبحث علمي ولاستكشاف واعد، وكل الأحكام المسبقة تتلاشى وسوء التفاهم يصبح محاولة فهم وبحث واستقصاء علمي.

ونعرف بأن سلسلة جبلية تحت البحر تمتد على طول المحيط الأطلسي وتلعب دورًا هامًا في ظاهرة طفو القارات. لهذا يتساءل الجيولوجيون حاليًا عما إذا كانت في الماضي الغابر مناطق فوق سطح البحر بالقياس إلى أرخبيل الباهاماس وكوبا وجزر الكاراييب: إحدى قمم هذه السلسلة الجبلية البركانية تبلغ بين 3000 و4000 متر تحت مستوى سطح الأطلسي، وبعضها عبارة عن جزر مثل جزر الأعاصير الإسبانية وجزر المالوين البريطانية في أميركا الجنوبية. لكن الجيولوجيين الذين تردَّدوا على هذه السلسلة الجبلية التحت بحرية لم يعثروا على آثار يمكن اعتبارها بقايا مدن الحضارة المفقودة. هناك فقط آثار طبيعية توحي وكأنها اصطناعية كوجود سلسلة من الهضاب تحت الأطلسي تشبه أدراجًا ضخمة دفعت المتحمسين لاعتبارها آثار هذه القارة المفقودة. لكن لا شيء يبرهن بوضوح على ذلك. وكايسي يعتبر الوحيد الذي تطرق لأرخبيل الباهاماس (بين كوبا والولايات المتحدة) كمركب تحت بحري للأطلنطيد. وهناك دراسات جيولوجية عديدة برهنت على أن المنطقة كانت في الماضي فوق سطح البحر كيابسة ممتدة ومعمرة بالسكان. لقد بين عالم الحفريات كارل كلاوزن عن وجود آثار لمنطقة سكنية تعود إلى حوالي 10000 ق. م. وهو اكتشاف دعَّمه جوزي وكروكسانت وإيرفينغ دونر في مجلة "أميركا العلمية" (نوفمبر، 1969).

ويعتبر كايسي أن نهاية العصر الجليدي الأخير كان لها تأثير واضح على حدوث تغيرات في القشرة الأرضية كما حدث حوالي 10500 ق. م. مما أدى إلى انهيار تدريجي ثم مفاجئ للأطلنطيد. من هنا يوضح الجيولوجي سيزار إميلياني (جامعة ميامي) أن القشرة المذكورة من طرف كايسي تعرضت بالفعل إلى ارتفاع طوفاني لنسبة مياه المحيطات بسبب نهاية العصر الجليدي الأخير وذوبان الكتل الجليدية في طريقها نحو الجنوب. وفضلاً عن التغيرات المناخية والجغرافية للأرض، يتحدث كايسي بشكل صريح عن "تأرجح طرفي محور الأرض" الذي يؤدي إلى تغير المناخ وانقراض الأجناس الحياتية. ما هي الأدلة العلمية التي تبرهن على حدوثه بفعل تفاقم ظواهر كارثية هائلة تتمثل في البراكين والزلازل العنيفة وأفول بالجملة لأجناس حيوانية ونباتية؟

يبدو أن اكتشاف مستحاثات نباتية استوائية في القطب الجنوبي كاف لتبيان أن القارة الجنوبية كانت ذات يوم في خط الاستواء، وبفعل انقلاب في محور الأرض تأرجحت نحو الجنوب؛ لكن دليلاً واحدًا لا يكفي بمفرده لتدعيم نظرية جيولوجية. ينبغي وجود أدلة عديدة كافية لتدعيمها وإضفاء المصداقية عليها. وبشأن انقلاب الأقطاب المغناطيسية والجغرافية للكوكب الأرضي، اكتشف جيولوجيان من أستراليا، مياكئيل باربيتي وميكائيل ماكلهيني، أدلة لتأرجح في القطب المغناطيسي للمحور الأرضي حدث حوالي 28000 ق. م.، واعتمدا في ذلك على موضع بقايا فحم لتجمعات سكانية بأستراليا وبقايا الجير التي احتفظت باتجاه الحقل المغناطيسي للأرض. وفضلاً عن ذلك، أكَّد جيولوجيون (جوهان لانزير، نيلز مورنير، رودس فيربريدج) على حدوث تأرجح في المحور المغناطيسي بين 11000 و10000 ق. م. اصطلح عليه بـ"تأرجح غوتنبورغ" (في السويد). لكن لا توجد أدلة حاسمة حول إمكانية حدوث تأرجح في الأقطاب الجغرافية: نظرية طفو القارات ثم البرهنة عليها بحكم وجود تغيرات في القارات وتوسُّع المحيطات. لكن تأرجح المحورين الجغرافيين وتغير محور دوران الأرض لا يزالان من المعضلات التي يحاول البعض حلها مثل توماس غولد الذي يعتبر أن الأرض في تاريخها قامت بتغيرات عدة في محور دورانها بسبب عوامل داخلية وخارجية. كما أن إدوارد وبيار ربط بين تأرجح القطبين الجغرافيين وتغيُّر المناخ عبر التاريخ الجيولوجي للأرض. ومن جهته بيَّن بيتر وارلوف في "مجلة الفيزياء" (1978) أن المحاور المغناطيسية ليست وحدها التي تتأرجح ولكن الأرض في حد ذاتها تغير فجأة محور دورانها أو تنقلب مثل الكرة ليصبح القطب الشمالي في الجنوب والقطب الجنوبي في الشمال. ويرجع ذلك إلى عوامل خارجية كمرور مذنب ذو جاذبية قوية بالقرب منها يدفعها لتغير محور دورانها. ورغم هذه الافتراضات المعتمدة على أدلة موثوقة، لا يزال المجتمع الجيولوجي يشك في مثل هذه الانحرافات الهائلة في مدار الأرض ومسارها. ونظرية طفو القارات تكفي لوحدها، حسب نظرهم، في تفسير وجود مستحاثات استوائية في القطبين الشمالي والجنوبي، ومستحاثات لأصداف في أعالي الجبال القارية التي كانت قديمًا تحت مستوى سطح البحر. لكن النقاش لم ينته بعد، ولم تقدِّم الجيولوجيا شيئًا يذكر بشأن وجود أو عدم وجود قارة مفقودة تحت الأطلسي باستثناء ما يتعلَّق بوجود سلسلة جبلية بركانية كانت ذات يوم فوق سطح المحيط. ماذا عن الحفريات الآن؟ هل توجد آثار لبقايا تراث أو ثقافة أو معمار يمكن اعتباره من صنع الحضارة المذكورة؟ هذا ما يحاول الكتاب تبيانه بعد رحلته عبر الأدلة الجيولوجية.

5. الأطلنطيد والأدلة الحفرية

كانت قراءات كايسي بشأن الأطلنطيد أقرب إلى التيار الكارثي في الجيولوجيا الذي يتنامى اليوم بشكل مدهش. أما فيما يتعلّق بالحفريات، فقراءاته حول أصول البشرية والهجرات المتوالية لسكان الأطلنطيد عبر الأرض لا تزال تتحدى الحفريات الرسمية كما كانت تدرَّس في برامج التعليم في عصره. وفي معظم قراءاته، يتحدث عن هجرات أطلنطية نحو أميركا الشمالية والجنوبية ونحو أوروبا وأفريقيا عبر الفترات التاريخية التي شهدت الانهيار التدريجي للأطلنطيد. يقول (ص 142): "سوف نكتشف يومًا أدلة عن وجود آثار الحضارة الأطلنطية المفقودة في البيرينيه والمغرب من جهة والهندوراس ويوكاتان في المكسيك وفي أميركا من جهة أخرى" (16 فبراير 1932). فهل ثمة أدلة حفرية تحيل إلى هجرات جماعية في الفترات التي ذكرها؟ يعتبر الدكتور أليس ردليكا، صاحب الحفريات الرسمية في أميركا، أن وجود البشر في أميركا يعود إلى فترة تمتد إلى 3000 سنة. والسكان الأصليون لأميركا الشمالية (الهنود الحمر) هم في الحقيقة من أصول منغولية جاؤوا من آسيا الوسطى ليستقروا في أميركا الشمالية. وبقيت نظرية ردليكا سارية حتى 1926 عندما عثر أحد رعاة البقر في فولسوم في النيومكسيك في الولايات المتحدة على بقايا سهم بالقرب من بقايا عظام أبقار متوحشة انقرضت حوالي 8000 ق. م.. وبالموازاة مع هذا الاكتشاف الحفري، وجد علماء الحفريات بقايا أخرى في المنطقة. كما وجدت بقايا أسهم في كلوفيس يعود عمرها إلى حوالي 10000 ق. م.. ورغم هذه الاكتشافات الهامة ظل ردليكا متمسكًا بموقفه حول وجود بشري في فترة قصيرة (حوالي 2000 ق. م.). لكن آراء علماء الحفريات بدأت تختلف ابتداءً من 1940 عندما جمعت أدلة كافية حول هجرات جماعية نحو أميركا الشمالية والجنوبية بين 9000 و10000 ق. م.، وهي الفترة التي اعتبرها كايسي الانهيار النهائي للأطلنطيد، وأكدت الحفريات تصاعدًا مدهشًا لهجرات جماعية وانخفاضًا حساسًا في عدد الحيوانات الضخمة التي وجدت في المنطقة بسبب تقنيات الصيد المستعملة وتغير المناخ، فضلاً عن وجود بقايا آثار مذهلة بنيت وصوِّرت بصورة هندسية دقيقة، يستحيل أن تكون قد شيِّدت بآليات بدائية تجهل الأبعاد الرياضية والجغرافية والحسابات الفلكية في تصميم هذه المركبات الأثرية. وغالبًا ما نجد هذه الآثار في البيرو، مهد حضارة الإنكا، وفي المكسيك التي ترعرعت فيها حضارة المايا. يركِّز كايسي على ثلاث مناطق يعتبرها مفاتيح هامة في حل أقفال التراث الأطلنطي المتمثل في أرشيفات أودعها المنحدرون من هذه الحضارة: مصر (مركب الجيزة) والباهاماس (جزيرة بيميني) والمكسيك (شبه جزيرة بوكاتان). ويعتبر الكتاب أنه في سنة 1930 وجدت آثار مروعة في المكسيك لم يكشف عن هويتها وتم نقلها إلى الولايات المتحدة دون إعطاء إجابات استفسارات حول هذا الاكتشاف.

وبشأن حضور أطلنطي في أرض مصر، تم تأليف مئات الكتب كما تم القيام بالمئات من البحوث الحفرية. ومعظم قراءات كايسي ركَّزت على أرض الفراعنة في تبيان وجود آثار أطلنطية لم يكشف عنها بعد وهي على وشك الظهور بفضل التنقيبات الحفرية المتواصلة في مركب الجيزة. وقراءاته هنا تختلف طبعًا عن علم المصريات الحديث في تعليمه وتأريخه والمعطيات الحفرية والتاريخية التي بدأت اليوم تشكِّك صراحةً في سلطة التأريخ الحفري والأثري لمعالم الجيزة كما يقدِّمها علم المصريات. فضلاً عن فقد العديد من الأرشيفات والمعالم في هذا المجال بسبب عوامل كثيرة منها عامل الزمن والأخبار المتناقضة المتداولة ومعالم مسروقة أو مشوهة، إلخ. فلا يمكن، بهذه القطع المتناثرة، كتابة تاريخ كامل ومتكامل لمصر القديمة لا تزال كتابته مفتوحة أمام معطيات جديدة واكتشافات مدهشة لمعالم وآثار أخرى وتنقيبات متواصلة وانتقادات ومراجعات مستمرة. فالتاريخ، في هذا المضمار، عبارة عن احتمال وافتراض لا يضفي على معطياته وأحداثه الإطلاقية والوثوقية. ورغم هذه النسبية التي تضفيها على تاريخ مصر القديمة، يتمادى علماء المصريات في اعتبار اكتشافاتهم وكتاباتهم لأحداث مصر الفرعونية وكأنها نهائية ومغلقة حيث يرفضون كل التأويلات والقراءات المتعارضة مع اقتناعاتهم وفروضهم التاريخية. لكن عندما تطرح بعض الأسئلة المزعجة فهنا ترتبك العقول: من بنى أهرام الجيزة؟ في أي عصر؟ كيف تم بناؤها؟ لماذا بنيت أو ما الهدف من تشييدها؟ والجواب الرسمي هو: أول من بنى الهرم الكبير هو خوفو في العهد الملكي الرابع سنة 2700 ق. م. ليكون قبرًا للفراعنة. لكن، كما يقول ويليام فيكس في كتابه القيِّم الهرم الكبير والأطلنطيد، فالجواب أكثر تعقيدًا وصعوبة من السؤال نفسه، لأن ثمة أدلة حفرية وجيولوجية تشكِّك أصلاً في تاريخ بناء الهرم الكبير إذا سلَّمنا أيضًا أنه لم توجد أي مومياء في هذا الهرم، كما أن الكيفية التي بني بها تتحدى كل تفسير ساذج حول استعمال وسائل بسيطة في بناء هرم يتركَّب من حجارة مستطيلة يصل وزن الواحد منها إلى 70 طنًا بينما يصل وزن الهرم كله إلى 6 ملايين طن! وفضلاً عن الوزن، هناك الأبعاد الجغرافية والفلكية في بناء الهرم الكبير وكأنه بني باستعمال كمبيوتر دقيق، من ذلك وجود مركب الجيزة في خط 30ْ طول – عرض في وسط الأبعاد الجغرافية للأرض، وفي قمة المثلث المشكِّل لدلتا النيل. ودراسات روبرت بوفال في كتابيه أسرار الجوزاء وأسرار أبي الهول تبين إلى أي مدى يرتبط مركب الجيزة، من وجهة نظر فلكية وأستروفيزيائية، بمجرة الجوزاء. وكل الحسابات الجغرافية والفلكية المعقدة التي أدرجها بوفال، وأيضًا ميكائيل ويلز ماندفيل في كتابه الضخم عودة العنقاء، تتحدى التفسير الساذج حول بناء الأهرام.

والأبحاث الحفرية الجارية في مصر لا تزال تكشف عن خبايا وأسرار تجعل من العسير الخروج بأفكار تاريخية متفق عليها، فضلاً عن أن مناطق عديدة هنا لم يصلها الحفر الأركيولوجي. لكن استعمال آليات متطورة وتكنولوجيا راقية (أشعة تحت الحمراء، ذبذبات صوتية، كاميرا مصغرة، إلخ) ساعد علماء المصريات في المضي قدمًا نحو الاكتشاف الحفري لآثار مطموسة، وبالتالي نحو تدعيم أو تفنيد افتراضات وتخمينات متعددة حول أصول وتواريخ المعالم المتواجدة على طول نهر النيل. إن قراءات كايسي تركِّز أساسًا على بناء أبي الهول والهرم الكبير (قبل ما يقارب الـ12000 سنة) وآثار أخرى لا تزال مطموسة تحت مركب الجيزة. والغريب في الأمر أن نصوص عبد القادر بن محمد المقريزي المسعودي (ت:957) في أخبار الزمان تتطابق مع قراءات كايسي مثلها مثل نصوص أفلاطون، مع أن كايسي لم يكن على علم بوجود أفلاطون ولا المقريزي: يعتبر المقريزي أن أحد ملوك مصر قبل الطوفان قام ببناء الأهرام. فقد رأى هذا الملك في المنام أن الأرض تأرجحت والنجوم سقطت تحت أعين البشر الباحثين عن المفر. لهذا السبب قام ببناء الأهرام ليودع فيها علومًا وأسرارًا بعد استشارة منجمين وعلماء كانوا على علم بحدوث انقلاب جيوفيزيائي هام. وابن بطوطة (1304 – 1378) من جانبه يتحدث عن هرمس كمهندس بارع، صاحب الهرم الكبير، شيَّده بفنونه وعلومه الغزيرة. وقراءات كايسي تحيل بشكل مدهش إلى كل هذه الأخبار التي أوردها المؤرخون والرحالة العرب، وتركز على أربع نقاط أساسية:

1.    هجرات أطلنطية نحو مصر؛

2.    اكتشاف أهرام أخرى مطمورة تحت الأرض؛

3.    الأرشيفات التي أودعها الأطلنطيون تحت مركب الجيزة؛

4.    التاريخ الحقيقي حول بناء بعض المعالم الأثرية في مصر.

وحسب كايسي، كان سكان الأطلنطيد على علم بالانهيار الأخير الذي قوَّض حضارتهم، وقبل حدوث الفاجعة قاموا بالهجرة نحو مناطق مختلفة من العالم. والوجهة التي ارتضوها لإيداع وثائقهم وأرشيفاتهم في مأمن من الضياع والهلاك هي مصر. فبناء الأهرام كان في الحقيقة معلمًا عظيمًا ومهيبًا بقدر ما يثير الانتباه والفضول المعرفي والعلمي، فإنه يفرض في الوقت ذاته سلطة قاهرة تحول دون المساس بهذه المعالم لاحتوائها على ذاكرة البشرية التي سيتم يومًا ما الكشف عنها وسبر أغوارها. ويتحدث كايسي عن وجود غرفة أو هرم تحت الأرض بين أبي الهول ونهر النيل يحتوي على أرشيفات أطلنطية سيتم الكشف عنها قريبًا. وأبو الهول هو في نظره مجرد حارس الذاكرة البشرية المطمورة تحت كفوفه. وتحت أبي الهول ثمة رواق يؤدي إلى غرفة الأرشيفات. وبناء الأهرام وأبي الهول تم خلال مائة سنة (من 10490 إلى 10390 ق. م.)، وصاحب هذا البناء الجبار هو هرمس (كما يقول ذلك أيضًا ابن بطوطة). وتكون قراءات إدغار كايسي قد زرعت روح المبادرة والبحث في عشرات الباحثين في الحفريات والجيولوجيا لاستقصاء مواقع أخرى من مركب الجيزة بأجهزة تكنولوجية راقية تفاديًا لانهيار المعالم والآثار. وباستعمال هذه الأجهزة تم فعلاً اكتشاف تجاويف مستطيلة تحت أبي الهول لم تستكشف بعد أشرف عليها معهد البحوث "ستاتفورد". وحسب المؤرخ أوغست مارييت، باعتماده على وثيقة اكتشفها بالقرب من الهرم الكبير، يكون خوفو (المهندس المسؤول عن بناء الهرم) قد وجد معبدي إيزيس وأبي الهول قد تآكلا بعوامل الزمن والمناخ فقام بإصلاحهما. الوثيقة التي عثر عليها مارييت تسلِّم مبدئيًا بقدم التمثال أبي الهول. والجيولوجي جوزيف شوش (جامعة بوسطن) برهن بأدلة جيولوجية (دعَّمها أشهر الجيولوجيين في مؤتمر عالمي انعقد سنة 1992) أن أبا الهول، المنحوت في نتوء صخري طبيعي، يحمل علامات بارزة لتعدية أو لتآكل شديد سببه الهواطل. وهذه العلامات تتفق مع الأمطار الغزيرة الجارفة التي سقطت شرق الصحراء حوالي 8000 ق. م.. وفي المؤتمر الجيولوجي العالمي، أقرَّ شوش بأن أبا الهول أقدم زمنًا مما كنا نظن، وقال بأنه يترك لعلماء الحفريات وللمؤرخين عناية الحصول على أدلة قاطعة عن التاريخ الحقيقي لبناء الأهرام وتمثال أبي الهول. ودعم الجيوفيزيائي الشهير توماس دوبيكي (جامعة هوستن) تحليلات شوش عندما قام بدراسة حالة الرواسب المحاطة بأبي الهول كما كشف عن وجود انحرافات وتجاويف في القاعدة الصخرية الموجودة بين كفوف أبي الهول وعلى مدى الخواصر. واكتشاف دوبيكي يدعم نظريًا تحليلات شوش، والتقرير الذي أعدَّه معهد البحوث بستافورد حول وجود انحرافات وتجاويف تحت مركب الجيزة. ويبقى المشكل في إقناع المؤسسات العلمية العالمية بقبول قراءات وتأويلات نقدية تثوِّر الحفريات في ميدان علم المصريات عوض الركون إلى بداهات إطلاقية ووثوقية تعيق مسار ومسيرة هذا الفرع من العلم.

فضلاً عن مركب الجيزة، يتحدث إدغار كايسي عن أرخبيل الباهاماس وخصوصًا جزيرة بيميني كمعلم أطلنطي هائل. ففي سنة 1968 (حددها كايسي لعودة الأطلنطيد) قام طياران، آدامس وبروش، باكتشاف معالم خلابة تشبه قواعد بناء معماري تحت بحري. وبعدها قام كل من فالونتين وريبيكوف بالتقاط صور عديدة لهذا المعلم الشبيه بآثار محطمة وأعمدة جبارة يتوسطها شارع واسع. وقام هؤلاء المكتشفون بتأسيس معهد البحوث في الحفريات البحرية Mars لمواصلة التنقيب عن آثار أخرى. لكن ويمان هاريسون وجون جيفورد، بعد دراسات جيولوجية وحفرية معمقة حول المعلم، توصلا إلى أن الآثار هي في الحقيقة عبارة عن رواسب طبيعية توهم بأنها من صنع الإنسان. ورغم هذه المعاينة، واصل جيولوجيون عدة طريقهم نحو دراسة الآثار المكتشفة، وعلى رأسهم ديفيد زينك الذي استعمل وسائل أكثر تطورًا في دراسة واستقصاء المعالم تحت البحرية التي وجدها تستجيب لحساب هندسي دقيق وليس مجرد مركبات طبيعية. والاكتشاف الباهر الذي حقَّقه زينك هو عثوره على شكل يشبه رأس الإنسان منحوت على أحد هذه المعالم، لكن حماسه للأطلنطيد أعطى لجهوده العلمية طابعًا أسطوريًا في أعين علماء الحفريات الأورثوذكسيين. ولا شك أن العمل الميداني الذي قام به كان جبارًا ومفيدًا للباحثين، لكنه لا يكفي، رغم غزارته ودقته، في تحديد أصول المعالم المكتشفة. ينبغي إذن مواصلة البحث وصياغة خرائط تحت بحرية أكثر دقة وتفصيلاً لتسهيل عملية دراسة الآثار والعالم المحيطة بجزر الباهاماس.

6. حفريات في الذاكرة البشرية

لم تجمع الأدلة الكافية حول حقيقة وجود الأطلنطيد، لكن هذا الأمر دفع ببعض المفكرين والمؤرخين المتحمسين لتأسيس "علم الأطلنطيات" أو "الأطلنطولوجيا" Atlantologie بالاعتماد على ما توصلت إليه البحوث العلمية والحفرية والجيولوجية التي تقترب أكثر من فكرة وجود الحضارة المفقودة. وكتاب كايسي الذي تطرقنا إليه وأسهبنا حوله هو دعوة ضمنية لتأسيس أطلنطولوجيا نقدية تتسلح بسلاح المعرفة العلمية والرؤية النقدية الوجيهة، لكنها لا تتنكر للبعد النفساني العميق المتمثل في الحدوس والرؤية الكشفية والظواهر النفسية الخارقة اعتمادًا على فكرة "الحدس" و"الديمومة" البرغسونية و"التمدُّد النفسي" الأغسطيني، أي قدرة النفس في التمدد نحو الماضي والمستقبل ورؤية الأحداث الواقعة فيهما.

والأدلة الحفرية والجيولوجية حول احتمال وجود حضارة الأطلنطيد تحمل في طياتها وعودًا وإمكانات مدهشة إذا سلَّمنا بما يقوله بول فاليري: "يوتوبيا اليوم هي واقع الغد". من كان يصدق بوصول الإنسان إلى القمر؟ روايات جول فيرن في نهاية القرن 19 كانت مجرد أساطير وحكايات تروى من خلالها رغبة الإنسان في استكشاف القمر. كانت فكرة السفر إلى القمر مجرد أسطورة فاتنة في الأوساط الشعبية، لكنها أصبحت واقعًا ملموسًا وحقيقة علمية عندما وطئته قدما الإنسان في يوليو 1969. لقد تحولت الأسطورة إلى واقع وبدأ العقل البشري يتفطن إلى حقيقة مثيرة: لا يتوجد في الواقع أساطير وإنما مجرد إرادات ورغبات نفسية وباطنية ولاشعورية تترجم إلى وقائع وأحداث. و"الترجمة" هي مسار طويل وشائك ومحفوف بالمخاطر، يتمثل في التطور التكنولوجي وتحديث آليات في كيفية تحويل الأسطورة إلى واقع والخيال إلى حقيقة واللاشعور إلى شعور والرغبة إلى فعل وممارسة. ولا شك في أن السفر إلى الكوكب الأحمر أو المريخ لا يزال أسطورة، لكنه سيتحول إلى واقع فعلي عندما تستحدث النماذج والآليات المتطورة القادرة على نقل الإنسان إلى هذه المساحة المجهولة من الكون. وبالتالي، لا يتعلق الأمر بأسطورة أو واقع وإنما بنماذج مستحدثة ووقائع مولِّدة وآليات مخترعة قادرة على تحقيق حلم الإنسان في خرق الحجب واكتشاف الأبعاد واستكشاف الأمكنة والأزمنة. وعندما يحدث النموذج وتقع النقلة النوعية، تتحول الأسطورة إلى واقع ويصبح جول فيرن الخرافي والروائي الأسطوري في منظور عصره أكثر تقدمًا وحدسًا وفطنة من أقران عصره.

وينطبق هذا بشكل مدهش على الحضارة الأسطورية المسماة الأطلنطيد. ربما يكون الأطلنطيد حقيقة واقعية متوارية ومطمورة في منطقة مجهولة على سطح الأرض، لكن من أجل نقل هذه الحضارة من الأسطورة والخرافة إلى الواقع والحقيقة يلزمنا استحداث النماذج وصوغ الوقائع وتطوير الوسائل وتثوير الآليات وترقية العقليات. فهذا الشرط الضروري كفيل بجعل أقدم معضلة بشرية وأعقد معادلة في تاريخ الإنسان واقعًا حيًا بكل ملابساته ومفارقاته ورموزه وفنونه وفتنته وسحره وجاذبيته وهيبنوزيته. ماذا لو أصبح "الأطلنطيد" واقعًا ذات يوم؟

الحفريات في الطبقات التحتية الأرضية هي في الواقع حفريات في الذاكرة البشرية، لأن أي اكتشاف باهر في أرض الواقع ينعكس لا محالة على الذاكرة الإنسانية والضمير الجمعي في سبيل تصحيح كرونولوجيته، وملء فراغاته التاريخية، وردم مسافاته الزمنية، وتثوير مفاهيمه العلمية والفلسفية والأدبية، وتطوير أنماط تعبيره ورؤيته، وإعادة توجيه كينونته وشرطه الوجودي والإنساني. وإذا سلَّمنا افتراضًا أن الأطلنطيد كان، في الماضي السحيق، حقيقة وواقعًا، وكان بالتالي عبارة عن حضارة تكنولوجية راقية، لا شك في أن الوعي الجمعي سيصاب بذهول مرعب وسيصطدم بحقيقة مفجِّرة لقنابل المعتقدات الموروثة والأفكار المتداولة والأحكام المسبقة المتجذِّرة والعادات الراسخة والعقليات المتحجرة، ويصبح الماضي انعكاسًا للمستقبل. لا شك في أن هذا التصور سيدفع الإنسان إلى مراجعة مفاهيمه وتصوراته ومعتقداته، ويصبح التطور الخطي للبشرية مجرد وهم رغم التأثير الواضح لنظرية التطور في كل المجالات العلمية. بالفعل، أصبح الإنسان اليوم يكتشف من جديد شرطه الوجودي والإنساني ويضع تصوراته وفروضه وأحكامه ومعتقداته وظنونه على محك النقد. لقد بدأ يطرق أبواب الحقائق الافتراضية والتواريخ الانفصالية والتطورات الفجائية والانقلابات المفاجئة والطفرات المباغتة. وحديث الفلاسفة والأدباء والعلماء اليوم عن القطيعة والانفصال والطفرة والنموذج (باراديغم) والكارثة والإزاحة والانزياح والانقلاب والتأرجح والتدوم والالتواء والانطواء والنبرة والقفزة وغيرها من المفاهيم الإجرائية... هو اعتراف ضمني بهزال ومهزلة التصور التطوري، الخطي، السكوني، الرتيب. يصبح تاريخ البشرية عبارة عن طفرات ودورات وانفصالات وليس تطورًا خطيًا من إنسان الكهوف إلى إنسان الإنترنت!

ظل الفكر البشري متشككًا طبعًا بشأن وجود حضارة أو حضارات، متطورة علميًا وتكنولوجيًا، في الماضي السحيق لاعتبارات موضوعية وذاتية منها انعدام الأدلة الكافية حول وجود مثل هذه الحضارات ورسوخ أنظمة فكرية واعتقادات وأوهام وليدة التربية والأخلاق والسياسة والنرجسية تستبعد كل انفتاح علمي وتطور تكنولوجي خارج ما حقَّقته الحضارة المعاصرة من تقدم باهر ومذهل في جميع ميادين الحياة. وهناك عامل آخر لا يتحكَّم فيه الفكر البشري، والذي من المحتمل أن يكون سبب الانفصالات المفاجئة والانقلابات المباغتة، إنه يتمثل في "طفرات جيولوجية" لا يكتنهها الفكر البشري ولا يتوقع حدوثها. فمنذ اكتشاف ظاهرة السوبرنوفا (انفجار النجوم قبل موتها وأفولها)، أصبحت الظواهر العنيفة والطفرات الفجائية محل اهتمام من طرف العلماء والباحثين. وحدوث طفرة جيولوجية رهيبة كتأرجح قطبي الأرض، أو كارثة كونية كسقوط نيزك جبار عليها، كفيل بإعدام الحياة على وجه البسيطة حيث تدفع ثمنها الكائنات المتواجدة على ظهرها، وبالتالي انعدام حضارات وثقافات تشكَّلت عبر آلاف السنين. هكذا تتشكل دورة جديدة في حياة الأرض ليبدأ الفكر من جديد رحلته الأوديسية من الشكل البدائي للحياة البشرية إلى هرم القوة والشوكة. وفجأة، تظهر على التو نبرة جديدة تغيِّر الإيقاع وتنبئ بحدوث عهد جديد فوق أرض جديدة، تحت سماء جديدة، لا يدري الفكر كيف وقعت. من هنا كان معنى الكارثة Catastrophe هو "نهاية النبرة" (عن الإغريقية Kata – Strophê) وبداية نبرة جديدة تبدِّل الإيقاع وتغير المشهد.

*** *** ***

المراجع:

1.    تشارلز برليتز، أسرار الأطلنطيد، نيويورك، 1969.

2.    تشارلز برليتز، الأطلنطيد أو القارة الثامنة، نيويورك، 1984.

3.    ج. برامويل، الأطلنطيد السابق، لندن، 1937.

4.    إدغار كايسي، آراء إدغار كايسي حول الأطلنطيد، نيويورك 1968.

5.    هوغ لين كايسي، غضب الأرض، فيرجينيا بيتش، 1990.

6.    س. ص. كون، أصل العرقيات، نيويورك، 1962.

7.    دونيلِّي، الأطلنطيد أو العالم السابق على الطوفان، نيويورك 1949.

8.    ج. غودمان، علم الحفريات النفسي، نيويورك، 1977.

9.    س. حسام، تجاويف الجيزة، القاهرة، 1930 – 1939.

10.                       ز.كوكال، الأطلنطيد في ضوء البحوث الحديثة، أمستردام، 1984.

11.                       ج. مافور، رحلة إلى الأطلنطيد، نيويورك، 1969.

12.                       ويليام سكوت إليوت، تاريخ الأطلنطيد وقارة ليموريا، لندن 1925.

13.                       ل. سبينز، الأطلنطيد في أميركا، نيويورك، 1928.

14.                       جيمس وايت، تأرجح الأقطاب، نيويورك، 1980.

15.                       زيروف، الأطلنطيد وعلم الأطلنطيات، موسكو، 1970.

16.                       ويليام فيكس، الهرم الكبير والأطلنطيد، باريس، 1990.

17.                       دوروتي كوشلين دو بيزمونت، نبوءات كايسي، باريس، 1989.

18.                       د.ك. دوبيزمون، عالم إدغار كايسي، باريس، 1990.

19.                       جورج باربرين، سر الهرم الكبير، باريس، د.ت.

20.                       جوروج باربرين، لغز أبي الهول، باريس، د.ت.

21.                       إ.س. إدواردس، أهرام مصر، باريس، 1967.

22.                       آدام روثرفورد، علم الأهرام أو الهرمولوجيا Pyramidology، معهد علم الأهرام، 1968.

23.                       بيتر توميكنز، أسرار الهرم الكبير، نيويورك، 1971.

24.                       ميكائيل ماندفيل، عودة العنقاء، نيويورك، 2000.

25.                       روبرت بوفال، سر الجوزاء، نيويورك، 1990.

26.                       روبرت بوفال، سر أبي الهول، نيويورك، 1992.

27.                       هشام حمزة، حين يزأر أبو الهول، ترجمة محمد شوقي الزين.


 

horizontal rule

[1] ألغاز الأطلنطيد المستكشف Le mystère de l’atlantide revisté، منشورات مورتاني، أوتاوا، 1994 (الترجمة عن الإنكليزية لـ دونيز كومتوا)، تأليف: إدغار إيفانس كايسي، غايل كايسي شفارتزر، دوغلاس رشاردس، شارل توماس كايسي.

[2] Ignatius Donnelly, Atlantis. The Antedeluvian World, 1882, 1949 (Egerton Sykes ed.)

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 إضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود