لقاء مع أدغار موران: تغيير الحياة*

 

أدغار موران

 

"تغيير الحياة"، شعار رامبو، لم يعد اليوم يمثِّل مطمحًا للفرد وحده بل يُفترض أن يكون مطمح عصرنا. إنَّ الإنسانية تواجه تحديًا كبيرًا، فهي تدعو إلى سياسة حضارية تقتضي بدورها تغييرًا للحياة.

إنه أدغار موران في أفضل حالاته من فتح لي الباب، مبتسمًا، هادئًا، ساطعًا، مستعيدًا دهاء عينيه، في هذا اليوم الربيعي من سنة 2011. إنَّ الإشارات إلى ذلك، منذ بعض الوقت، لا تخدع. فبدلاً من أن نستمع، عندما نطلبه، إلى صوت الآخرة على جهاز ردِّه، يرفع السماعة سريعًا ويتكلَّم بصوت أكثر ثباتًا وابتهاجًا. وهو، إضافة إلى الإيقاع المحموم للمحاضرات والمقالات والمنشورات والمقابلات والرحلات، يجد الوقت ليبعث إلى أصدقائه رسائل إلكترونية تتضمَّن بعض الحكايات الطريفة في آخر السهرات، حكايات يُعتبَر هو مكتبتها الحية.

إنَّ أدغار الذي سيبلغ قريبًا التسعين من العمر يحيا من جديد. وإنَّ التحوُّل الذي يتحدَّث عنه في كتابه السبيل يشبه تجدُّده الحالي.

"كلُّ ما لا يتجدَّد يتدهور"، يحبُّ أن يذكِّر. كان، منذ وقت قصير، يتحدَّث عن الفترة "السابقة لما بعد موته"، ويرى نفسه في القبر، أمَّا اليوم، فها هو يعود إلى الهجوم، وكله ابتسامة. وبينما اقترحت عليه أنا أن نبدأ المناقشة بالحديث عمَّا ورد في كتابه الأخير من تشخيص مأساوي جدًا حسب رأيي، وعن الحلول التي يدعو إليها والتي تجعلني متشكِّكًا، ناقضني هو تمامًا: "ولكني أودُّ أيضًا أن نتحدَّث عن الحبِّ. عن طريقة الحبِّ. ذلك أنَّ الحبَّ قوَّة حيوية تحيينا. إنَّ أحزان الحبِّ تسحقنا. ولكن اللقاءات الجديدة تلهمنا وتنشِّطنا. يجب أيضًا أن نعرف كيف نحب". هناك شيء ما يقول لي إنه في حالة حبٍّ... بعد بضعة دقائق، سيقدِّم لي رفيقته الساحرة. إنهما يزمعان الانتقال إلى مسكن جديد ويبحثان عن مكان منزو لـ"حياتهما الجديدة". حسنًا، ما رأيك لو نتحدَّث أيضًا عن "إصلاح الحياة". ولنؤجل النقاش حول أزمة الإنسانية إلى فرصة أخرى.

***

جون فرانسوا دورتيي: تخصِّص جزءًا من كتابك السبيل للتعريف بـ"إصلاح الحياة" الذي يرافق ويسوِّغ سياسة حضارية لا غنى عنها في سبيل مجابهة التحديات الكبرى المطروحة على البشرية. فماذا تعني بإصلاح الحياة؟

أدغار موران: بالفعل، إنَّ السبيل الذي أقترحه يرسم أفقًا آخر مغايرًا لذاك الذي يعجِّل التاريخ بأخذنا إليه. إنَّ كوكب الأرض منخرط في مسار جهنمي يقود البشرية إلى كارثة متوقَّعة. وحده التحوُّل التاريخي يمكن أن يحلَّ الأزمات – الكبرى والمتعددة – الإيكولوجية والاقتصادية والمجتمعية والسياسية التي تهدِّد الوجود بالذات لحضارتنا السائرة في طريق التوحيد. أنا لا أسطِّر في السبيل برنامجًا سياسيًا، بالمعنى الضيق للكلمة، بل دربًا، "سبيلاً" مشكَّلاً من التقاء سبل متعددة لابدَّ أن نتوجَّه نحوها من أجل مواجهة تحدي أزمة البشرية. وتمرُّ "سياسة الإنسانية" هذه عبر إصلاحات اقتصادية وسياسية وتربوية وعبر تجديد الفكر السياسي الذي أحاول أن أرسم حدوده.

غير أنَّ إصلاحات المجتمع هذه تنطوي أيضًا على "إصلاح للحياة". ذلك أنَّ التطوُّر آلة جهنمية من الإنتاج/الاستهلاك/التدمير التي تندفع نحو أزمات أيكولوجية واقتصادية. ويجد هذا المسار مثيلاً له على المستوى الفردي: في اعتبار تنمية الفرد تنمية كمية ومادية بالأساس، تقود الميسورين إلى سباق محموم نحو "المزيد باستمرار" بل وحتى إلى قلق الوجود داخل رغد العيش بالذات، هذا المفهوم الذي تدنى للتعبير عن الرفاهية فقط. يتعيَّن أيضًا تعزيزُ العيش السعيد الذي يتضمَّن في آن واحد الاستقلالية الفردية والاندماج في مجموعة أو مجموعات، والسيطرةُ على الميقاتية chronométrie التي تحطُّ من قيمة زمننا الحي، والحدُّ من تسمُّمات الحضارة التي تجعلنا خاضعين للأشياء التافهة وللمنافع الوهمية.

لطالما اعتبرت المجتمعات الغربية نفسها مجتمعات "متحضِّرة" مقارنة بالمجتمعات الأخرى المعتبَرة همجية. وفي حقيقة الأمر، أنتجت الحداثة الغربية هيمنة همجية جليدية، وغير مسماة، هي همجية الحساب والربح والتقنية، ولم تكبح بما يكفي همجية داخلية ناتجة من عدم فهم الغير ومن الاحتقار واللامبالاة.

يرى الكثيرون أنَّ المجتمعات المعاصرة قد حقَّقت لهم ما كان يعتبره أجدادنا حلمًا، أي الرخاء المادي والرفاهية. في الوقت ذاته، اكتشفنا أنَّ الرخاء المادي لا يجلب السعادة. بل الأسوأ من ذلك أنَّ الثمن الذي ينبغي دفعه لقاء الوفرة المادية قد تبدى ثمنًا إنسانيًا باهظًا: هو الضغط النفسي وسباق السرعة والإدمان والشعور بالفراغ الداخلي.

لقد انتشر المال والربح في ميادين كانت سابقًا محفوظة للمجان، للخدمة المبذولة، للمقايضة، للهبة، ممَّا ولَّد لدى البعض شراهة، ولدى البعض الآخر غمَّ النقصان. هناك منطق للنجاعة، للمردودية، للإنتاجية، يحتِّم لدى الذين يعانون منه الضغط وقلق الوجود.

وعلاوة على ذلك، نحن ما زلنا، على المستوى الإنساني، همجيين: ذلك أنَّ العمى عن الذات وعدم فهم الغير يعبِّران عن نفسهما على مستوى المجتمعات والشعوب وكذا على مستوى العلاقات الشخصية بما في ذلك في داخل الأُسَر والأزواج. فالكثير منهم ينفصلون ويتمزَّقون، وهذه الصراعات تشبه معارك حربية مبنية على الكراهية وعلى رفض فهم الآخر. هناك أزواج آخرون يتعايشون ليس إلا. وتسود في المؤسَّسات والمنظَّمات زُمَرٌ وأنفارٌ يضنيها الحسد والحقد والبغضاء أحيانًا. إنَّ هذه الرغبات الشديدة وهذه الكراهية تسمِّم حياة أولئك المحسودين والمكروهين معًا، ولكن أيضًا حياة الحاسدين وأولئك الذين يكرهون. وعلى الرغم من وسائل الاتصال المتعددة، يتزايد عدم فهم الشعوب الأخرى.

إنَّ انعدام الإنسانية والهمجية على استعداد دائم للانبثاق داخل كل إنسان متحضِّر. وإنَّ رسائل التعاطف والأخوة والصفح التي توارثتها الاتجاهات الروحانية الكبرى والأديان والفلسفات الإنسانية قد بدأت بالكاد في صدِّ الهمجيات الداخلية.

ج. د.: على أيَّة مبادئ يرتكز "فنُّ العيش" الجديد هذا؟

أ. م.: ثمَّة تطلُّع إلى فنِّ العيش الجديد هذا بصدد البروز في المجتمع بفعل الأضرار الناجمة عن أنماط حياتنا الحالية ذاتها. إنَّه انطلاقًا من هذا الانتظار يمكننا أن نرسم ما يمكن أن يكونه "إصلاح الحياة".

ليست فكرة فن الحياة بجديدة. فقد كرَّست فلسفات الهند والصين واليونان القديمة نفسَها لهذا البحث. وهي اليوم تظهر بطريقة جديدة في حضارتنا المتميِّزة بالتصنيع والتحضر والتطور وسيادة ما هو كمي. إنَّ الطموح المعاصر إلى فن للعيش هو أساسًا ردُّ فعل منقذ لنا من آلام حضارتنا، من مَكْنَنَة الحياة، من التخصص المفرط، من الميقاتية. فتعميم قلق الوجود بما في ذلك داخل الرخاء المادي، يثير، كردِّ فعل، حاجة إلى السلام الداخلي والامتلاء والانشراح معًا، أي تطلُّعًا إلى "الحياة الحقيقية".

ينبني العيش السعيد على بعض المبادئ: على أسبقية الكيف على الكمِّ، والوجود على المقتنَى، على وجوب أن تكون الحاجة إلى الاستقلالية الذاتية والحاجة إلى المجموعة مجتمعتين، على شاعرية الحياة، وأخيرًا على الحبِّ الذي هو قيمتنا وأيضًا حقيقتنا الأسمى. إصلاح الحياة هذا سيقودنا أيضًا إلى التعبير عن إمكانيات الفعل الغنية الملازمة لكلِّ كائن بشري.

ج. د.: كيف يمكن تطبيق هذا بطريقة ملموسة؟

أ. م.: تتمثَّل المهمة الأولى في التحرُّر من طغيان الزمن. ذلك أنَّ إيقاعات حيواتنا الحالية قائمة على سباقات دائمة. فالسرعةُ والعجلة والترحال الذهني يجعلنا نعيش على إيقاع جارف. يجب أن نجعل أنفسنا أسيادًا على الزمن، على هذه الثروة الأكثر قيمة من المال كما كان سيناك Sénèque يقول. ومثلما توجد حركة "الأكلة البطيئة" ينبغي كذلك نشر "الزمن البطيء"، و"السفر البطيء" و"العمل البطيء" و"المدينة البطيئة". من المهم أكثر أن يعيش المرء حياته على أن يجري وراءها. ويتطلَّب امتلاك الزمن من جديد تنظيمًا جديدًا للحياة ولوسائل النقل ولإيقاعات الدراسة وإيقاعات الحياة في آن واحد. وهذا يفترض أيضًا أن نعيد اكتشاف معنى استمتع بيومك carpe diem: تعلَّم العيش "هنا والآن"، كما دعا إلى ذلك الحكماء القدامى. إنَّ إصلاح الحياة يدعو إلى تباطئ معمَّم، إلى الثناء على البطء. فالتوقُّف عن الجري هي طريقة لاستعادة زمننا الداخلي.

لا بدَّ من استبدال التعاقب المؤذي اكتئاب/إثارة الذي يسم حيواتنا الحاليّة بزوج يتركَّب من سكينة وحدة.

ج. د.: ماذا تعني؟

أ. م.: لا يمكن لوجود إنساني تمامًا أن ينبني على انسجام تلقائي بين ميولنا المتناقضة. فالحياة المكتملة تتطلَّب حوارًا دائمًا بين متطلَّبات العقل ومتطلَّبات العاطفة: ليس إمكاننا أن نضبط حيواتنا على الحساب والمعقولية الباردة وحدهما، ولا على العاطفة وحدها التي تقود، دون رقابة ذاتية، إلى الهذيان. لا بدَّ أن نتعلَّم أنسنة دوافعنا الغريزية وانفعالاتنا من خلال القيام برقابات تأملية: وهذا يعني أنه لا بدَّ من تنمية قدرتنا على احتواء الغضب وإضمار الحقد والضغينة والغضب... إلخ. ولا تعني هذه السيطرة الذاتية في شيء أن نكبت دوافعنا، فالنوع الإنساني هو في نفس الوقت إنسان عاقل Homo sapiens وإنسان معتوه Homo demens، والمشكل هو الترابط بين هذين البعدين الأساسين لوجودنا. ترابط لا يمكن أن يتم دون معرفة بالذات، هذه المعرفة المتخلفة في حضاراتنا. لقد بجَّل الغرب معرفة الطبيعة وإخضاعها بدلاً من معرفة النفس والسيطرة عليها.

لكي يعرف المرء نفسه، يجب عليه بالخصوص أن يطوِّر تأمله الذاتي وفحصه الذاتي ونقده الذاتي. ولقد انكببت على هذه التمرين الصعب في النقد الذاتي (1959)، وبعد ذلك، واصلت القيام بذلك في يومياتي وكتبي. إنَّه تمرين صعب لأنه يتعلَّق بطرد الأفكار الثابتة والمعهود الذهني من الذات، بإخضاع معتقداتنا ويقينياتنا الخاصة إلى النقد، وهذا ليس أمرًا سهلاً سهولة ميلنا إلى انتقاد الآخرين وإلى تحقير الخصم. إنَّ الفحص الذاتي يفترض نصيبًا من السخرية الذاتية، من هذه القدرة على التهكم على النفس الذي هو شكل من تجاوز الذات distanciation ومن إلغاء المَركزة décentration.

إصلاحُ حياتنا يستتبع أيضًا أن نزيل عنا جميع سموم إدماننا الاستهلاك. وهذا لا يعني أنه لا بدَّ من التضحية بملذات الاستهلاك من أجل حياة التقشف والزهد والتقييد المستمر والصرامة والحرمان. على العكس من ذلك، إنَّ الاستهلاك الجيد هو تعلُّم اكتشاف مذاق الأشياء من جديد. هي حياة غنية وممتلئة جدًا قائمة على تناوبات بين فترات من الاعتدال وفترات من الاحتفال. فلا بدَّ لفترات مراقبة الذات أن تعقبها لحظات لا غنى عنها من الخلاعة والاحتفال، أي ممَّا يسميه جورج باتاي "الاستنفاد" consumation. يجب على المجتمع اليوم أن يشفى من "حمَّى الابتياع"، من الاستهلاك المفرط. وهذا لا يمنع من القيام بمشتريات نابعة من الرغبة والإعجاب.

ج. د.: ليس إصلاح الحياة إذن تمرينًا في البساطة الطوعية فقط بل إنه يستدعي كذلك إعادة الفتنة إلى وجودنا. أليس كذلك؟

أ. م.: بلى، ولكن مع الوعي باستحالة العيش بشكل دائم في النعيم البالغ. إنَّ شرطنا الإنساني يفترض تناوبًا بين "حالات نثرية" و"حالات شعرية"، وهما قطبيتا حيواتنا. تتوافق الحالة النثرية مع الأنشطة والضغوط الإجبارية التي تُفرض علينا. أمَّا الحالة "الشعرية" فتتوافق مع لحظات الإبداع والاحتفال والحوار والمشاركة والحب. تتعاقب هاتان الحالتان وتتشابكان في الحياة اليومية: دون النثر، لا وجود للشعر. فلا جدوى من الأمل في حياة مبتهجة تكون فيها الحالة الشعرية دائمة. حياة كهذه يمكن أن تنتهي بنفسها إلى الضجر. إننا منذورون للتكامل والتناوب بين الشعر والنثر.

تستلزم السياسة الحضارية وعيًا تامًا باحتياجات الإنسان الشعرية. وعليها أن تبذل قصارى جهدها للتخفيف من القيود والعبودية والعزلة، لمقاومة الاجتياح الشاحب للنثر، بطريقة تمكِّن البشر من التعبير عن إمكانياتهم الشعرية. إنها تتضمن بعدًا جماليًا لا يمكن أن يكون "ترفًا" محفوظًا لنخبة معينة.

ج. د.: ضدَّ الآثار المدمرة للنزعة الفردية وضدَّ الإفراط في الاستقلالية الذاتية، يدعو كثيرون اليوم إلى العودة إلى التضامن، إلى التعاطف، إلى الغيرية. ما رأيك في هذا؟

أ. م.: يجب أن يتضمَّن إصلاح الحياة تطلُّعين اثنين في نفس الوقت من التطلعات الإنسانية الإضافية الأبعد غورًا: هما التطلُّع إلى إثبات "الأنا" بحرية ومسؤولية، والتطلُّع إلى اندماج الـ "نحن" الذي يعيد بناء الثقة مع الغير بودٍّ وصداقة وحب. يحثنا إصلاح الحياة على أن ننخرط في مجموعات دون أن نفقد شيئًا من استقلاليتنا الذاتية. وترتكز إحدى أولويات إصلاح الحياة على تعلُّم أشكال المعاشرة الاجتماعية الجديدة.

ما نسميه بسياسة الاعتناء والاهتمام بالآخر هو جزء من الورشات الكبرى لإصلاح الحياة. ينبغي القيام بالمساعدة والتضامن في "دُور تضامن" تشتمل على مساعدات طارئة عند الشدائد وعلى خدمة مدنية للتضامن خاصة بالشباب. وهذا يبيِّن لك أنَّ إصلاحات الحياة لا تستند إلى ضمائر الأفراد فحسب بل أيضًا إلى مجموعة من الإصلاحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. إنَّ التعاطف والرفق واللطف والغيرية والاهتمام بالآخر موجودة في كلِّ البشر باعتبارها استعدادات جوهرية: نرى ذلك بالخصوص عند الكوارث الكبرى حيث ينشط من جديد بصفة عفوية زخمٌ من السخاء، حتى من أجل سكان بعيدين جدًا. هذا الاستعداد الفطري يتطلَّب الرعاية والتحفيز والتشجيع والعلم به.

يقوم التعاطف والتعايش أيضًا على فهم الغير، وهذا الفهم هو مقوِّم أساسي لإصلاح الحياة. ويعني فهم الغير أن نتعلَّم الاهتداء إلى الرواسم المضبوطة والقوالب الجاهزة التي تسجن أحكامنا وتختزلها وتشوهها، وأن نقوم بتوضيح ذاتي عن شياطيننا وأعدائنا الداخليين، الذين يدفعوننا مثلاً إلى أن نلقي أخطاءنا على الآخرين، وأن نبحث عن أكباش فداء. ويعني أن نتعلَّم كيف نطرد مخططات التفكير والنماذج التي تحكم وجهات نظرنا وتصوراتنا. ينبغي البدء بتعليم فن التواصل والكلام والإصغاء منذ المدرسة.

ج. د.: ولكن، كيف يمكن الوصول حقًا إلى إصلاح الحياة هذا؟ أيُّ إصلاح مؤسسي يقتضيه ضمنًا؟

أ. م.: يتطلَّب إصلاح الحياة تدرُّبًا وإصلاحًا شخصيًا معًا. وهو يستدعي في الوقت نفسه إصلاحًا للتعليم وكذا إصلاحات اقتصادية واجتماعية كبرى، ووعيًا استهلاكيًا جديدًا، وإعادة أنسنة المدن، وبث حياة جديدة في الأرياف. أنا أعدِّد في كتابي كافة حقول الإصلاحات الضرورية. وأرى أنَّ الدخول في سبيل جديد لا يمكن أن يتمَّ على مستوى شخصي فقط ولا على مستوى جماعي فقط، بل يتطلَّب بالأحرى تعددًا في الإصلاحات التي، بتطوُّرها، سوف تصبح متكافلة فيما بينها. لقد ذكرتُ أندريه جيد الذي تساءل ليعرف إن كان ينبغي البدء بتغيير المجتمع أو بالتغيير الشخصي. يجب البدء بالجهتين في الوقت نفسه. كان غاندي يقول: "يجب أن نحمل بداخلنا العالم الذي نريد". ولكن هذا لا يكفي كما لا تكفي إزاحة نظام للاستغلال، يتمُّ تعويضه في الحال بنظام آخر مثلما بينه مثال الاتحاد السوفييتي، سيفشل بدوره في آخر المطاف. أنا لست مثاليًا ساذجًا، ذلك أنَّ المثاليين الساذجين يظنون أنَّ نوعًا واحدًا من الإصلاح يمكن أن يحسِّن الحياة الإنسانية والمجتمع، أمَّا أنا فأرى أنَّ كلَّ شيء متصل ببعضه البعض (هذا هو التفكير المركَّب) وأنَّ السّبيل الوحيد هو التكافل البيني بين الإصلاحات. بطبيعة الحال، ما زال هذا أمرًا غير مؤكد جدًا. في جميع أنحاء العالم يتكشَّف حشد من المبادرات الخلاقة التي تُظهر لنا إرادة حياة يتم تجاهلها من قبل البيروقراطيات والأحزاب. لا شيء حتى الآن قام بالربط بين هذه المبادرات، بمعنى أننا بالكاد في بداية فترة تبدأ. في التاريخ، بدأ كل تحوُّل – ديني أو إيتيقي أو سياسي أو علمي – بطريقة منحرفة بالنسبة إلى مجرى الأحداث الرئيسي وبطريقة بسيطة مقارنة بالظروف السائدة. وهذا يسمح لنا بالأمل الذي هو ليس يقينًا بطبيعة الحال.

إنَّ إصلاح الحياة هو في الآن نفسه مغامرة داخلية ومشروع حياة ومشروع جماعي.

أجرى الحوار: جون فرانسوا دورتيي Jean-François Dortier

ترجمة: المنتصر الحملي

*** *** ***

الأوان، السبت 4 حزيران (يونيو) 2011


 

horizontal rule

*  نشر الحوار في العدد الخاص لمجلة Sciences Humaines، رقم 13، ماي-جوان–2011، وعلى موقعها الإلكتروني Sciences Humaines.Com.

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود