الـشـجـاعـة

 المطران جورج خضر

المطران جورج خضر

 

العلاقة البشرية علاقة شجاعة أو علاقة خوف. أمَّا علاقة الشجاعة فتأتي من إيمان الإنسان بقوته أو حقه. غير أن الإيمان بالحق لا يقودنا دائمًا إلى المجابهة ولو قادنا إلى الشهادة التي لا تحتاج دومًا إلى قوة بشرية بل إلى يقين يقول لك إن الله الذي فيك يدافع عنك ولو قاد هذا الدفاع إلى هدر دمك.

ولك أن تكون شجاعًا لثقتك بأن رأيك مستقيم وتدعمه أمام أي مخلوق بشري منفردًا أو أمام جماعة خطيبًا أو كاتبًا. هذا ما يسمى عند العرب الشجاعة الأدبية. غير أنك تتخوف أحيانًا من المجابهة ولو كنت متيقنًا كل التيقن أنك في جانب الحق.

بولس الرسول قال في رسالته إلى أهل رومية: "كونوا رجالاً تقووا"، وحثَّ قبله المعلِّم في طرق مختلفة على الشهادة أمام الملوك والولاة وفي المحاكم، والواضح أن حياته كانت صدامية من بدء بشارته حتى موته. والتلاميذ نلمس شجاعتهم أمام اليهود وأمام الأمم، ومعظمهم استشهد، ومن بعدهم أقبل إلى الموت، ملايين المؤمنين خلال ثلاثة قرون وكأن لهم ألفة مع النار أو الزيت المغلي أو الأسود لأنهم كانوا ينتظرون شيئًا أفضل. كانت الحياة عندهم حياة مع المسيح وهذه السبيل إليها أحيانًا كثيرة الاستغناء عن هذه الحياة الدنيوية.

كيف تحب الإنسان وتخشاه أحيانًا؟ هذا يعني أنك تتوقع أن ينفصل عنك وألا تظل عليك رعاية الحب. تفقد، عند ذاك، رعاية المحبوبية. تبقى وحدك. وعند المقابلة التي فيها تبادل حجج ترى أنك لا تستطيع مقابلة تعرف أن تحتج بها خوفًا من فقدان الصداقة. وتبقى منعزلاً حتى يدبِّر الله أمرك بعد أن أوكلته أمرك.

في هذه الحالة، خوفك أنت تحت التأويل. أنت غير قادر أو غير عارف ويفسِّرون خوفك بعدم يقين عندك أو يرصفونك في مصف الضعفاء مع أن الله ملك وتعرف ذلك وهم لا يعرفون، ولكن الله لا يزعم ازعامًا. إنه يوحي وحيًا وهم لا يعرفون.

***

ومع أن المحبة تطرح الخوف خارجًا على ما يقول يوحنا في رسالته الأولى الجامعة، لا يحس الخائف المحب أنه يستطيع المقاومة، وأحيانًا يخسر قضيته في السجال أو بعضها. يحصل هذا كثيرًا في مجتمعات تتكل كثيرًا على الكيد.

المأساة في ذلك أن الصالحين يشتمهم أهل الكيد أو يدوسونهم وتربح الخطيئة، ولكنها تربح ظاهرًا إلى أن ينجلي الحق يومًا بنعمة الرب.

كن أنت مع الضعفاء، وبخاصة مع المستضعفين، وهؤلاء ذوو قلوب نقية وعقول راجحة في أحوال كثيرة، وأهل الظلم زاهقون تحت وطأة الرب الذي يدوسهم في حكمته لأنهم يريدون أن يسترضوه ولا يرضى، ويبدو المستضعفون أسيادًا في ملكوته وحسبهم هذا الرضاء.

***

يبقى السؤال: كيف نزيد مساكين الأرض قوة حتى يغالبوا الشر في هذا العالم، وحتى يبدو ملكوت الله بدوًا ولا يختفي؟ هنا يأتينا قول المخلص: "كونوا حكماء كالحيات وودعاء كالحمام". صعوبة العيش أن بعض الناس حيات وبعضهم حمائم. كيف نقود الأشرار إلى الوداعة، وكيف نربي الودعاء على شيء من معرفة الفخاخ التي ينصبها البعض حتى يزول أثرها؟ إذا كان الرسول قال: "المحبة تصدق كل شيء"، هل عنى أنك أنت تظن كل من بادرك بالكلام إنسانا سليمًا؟ لا أظن ذلك لأننا نعرف أن بولس كان ذا تدبير رعائي في هذه المدينة وتدبير آخر في مدينة أخرى، ويعرف كيف يواجه والي فلسطين مستخدمًا الحجة من القانون الروماني. "المحبة تصدق كل شيء" لا بد أن تعني أنها قادرة أحيانًا على الاقتناع بأن الكاذب يمكن أن يصدق فتصدقه. وفظاعتنا أحيانًا أن نظلم إنسانًا صادقًا. هذا جرح له، ويكون قد اقتبله ربه بين التائبين وأنت لم تقتنع. هو يندم على صلاحه وتكون أنت رصفته من جديد بين الخاطئين.

تعلَّم الشجاعة بالتماسها من ربك، فإن الخوف قد جاءك من التربية، من العقد التي ترابطت في كيانك ولم تستطع بقواك الطبيعية أن تتخلَّص منها، وتحس إذا ما تقدمت في الخبرة الروحية أنه ينزل عليك قوة من العلاء. أنت لا تستطيع أن تجعل لك سلاحًا إلا كلمة الله واللطف.

والكثيرون يعتبرون اللطف ضعفًا لأنهم يقيسونه بالقسوة التي تكسبهم سلطة، ويحسبون أن السلطة تجعلهم عظماء. حذار أن تقع في شهوة الظلم لتحس نفسك قويًا. هذا ليس فيه شيء. أحبب من خاصمك وهذا يتضمن مؤازرته لإصلاح نفسه.

تعلَّم كيف تجمع بين اللطف وشدة القول إن كان عندك قول لأنك مسؤول عن أن يكبر مجادلك في الرب. لا هم أن تربح السجال أو تخسره، المهم أن تأخذ بيد الآخر لتقربه إلى ربك.

ولكن هناك من عرفوا أن يدافعوا عن أنفسهم وهناك من لا يعرف أن يتكلَّم ويعرف نفسه مظلومًا. عليه أن ينتبه ألا ينضم إلى حزب القساة، ولكن أن يكسب الشدَّة مع المرونة التي هو عليها، وإذا بقي على ما هو عليه، وهذا ليس بعيب، يصبح الله لسان حاله في هذه الدنيا أو الدنيا الآتية. هذا حسبه الله.

نحن استلمنا من القديسين أن هناك تروضًا على الفضائل وتدرجًا ما لم ينقلك الرب بأعجوبة من عنده إلى ذروة الذرى. ولكن تدرب على هذه القوة الروحية التي بها تعلو فيك الشجاعة لتقدر أن تكون شبيهًا بالحية في حكمتها وبالحمامة في وداعتها فيسترك ربك بستر جناحيه.

*** *** ***

النهار

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 إضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود