صنم القدوة

 

محمد علي عبد الجليل

 

يشير المعنى اللغوي للقدوة إلى الاتِّباع والتقليد والامتثال والطاعة وغالبًا من دون تفكير. يُقالُ: اِقْتَدَى المرءُ اِقْتِداءً بشخص آخر، أيْ: اِقْتَفَى خَطْوَهُ وتَمثَّلَ بِهِ، أيْ فَعَل مِثلَ فِعْلِهِ تشبُّهًا به. والقدوة أيضًا هي كلُّ ما أو من يُـتَّـخذُ مثالاً يُـتَّـبَع.

ولكنْ كيف تُصنَع القدوةُ؟ ولماذا؟ وما حاجتُنا إليها؟ ألا نستطيع أنْ نكون أناسًا "صالحين" مِن دونِ الحاجة إلى أنْ نتَّـخِـذَ قدوةً لنا؟! أوَلَيس كلُّ فردٍ منا يمتلكُ فِطْرةً وميزانًا طبيعيًا وحواسَّ سِـتًّا وتمييزًا وعقلاً يجعله يستغني عن الاقتداء بأحد؟ أفلا يكفينا ذلك الدليلُ الداخليُّ، رسولُ العقلِ هذا، الذي أودعَـتْه "الألوهةُ" فينا؟!

إنَّ مجتمعاتِنا مبنيَّةٌ على علاقةِ امتلاكٍ وسيطرة. والتربيةُ تساعد على ترسيخ تلك العلاقة. كما أنَّ النفْس البشرية تميل، بحثًا عن الراحة والأمان، إلى الخضوع للأنماط الاجتماعية السائدة. فتستغلُّ النفوسُ المريضةُ الجشعةُ الفرصةَ لتخدِّرَ عقولَنا وتوهمَنا بأننا نحتاج إلى معلِّم أو مربٍّ أو هادٍ أو مرشد أو غورو [گورو] (معلِّم روحي) يدلُّنا على الطريق. إنَّ المستغلِّين يعملون بتواطؤٍ منا على إطفاء النور الداخلي فينا ليبيعونا مصابيحَ وشموعًا تُعمي أبصارَنا وبصيرتَنا بدلاً من أنْ تنيرَنا. هل تحتاجُ الأغنامُ المتناغمةُ مع الطبيعة إلى راعٍ يدلُّها على ماذا تأكل وكيف تأكلُ ويحميها من ذئابٍ يصنعُها الراعي ليخيفَها بها؟ أم أنَّ الراعيَ نفسَه يحتاج إلى تلك الأغنام؟ وليست الحيواناتُ إلا إخوتَنا في هذه الأرض تعيشُ تفتُّحَها الروحيَّ مثلما أنَّ علينا أنْ نعيشَ تفتُّحَنا الروحي. لكنَّ السلطة السياسية تخلقُ في المجتمع الحاجةَ إلى معلِّم "يهدي" إلى الطريق "الصحيح" وإلى نموذجٍ يُـقتدَى. ولكنْ هل نحتاج فعلاً إلى معلِّم يعلِّمنا كيف نتنفَّس أو نرى أو نسمع أو نمشي؟ ثم ما هو الطريق "الصحيح" أو ما يسمَّى بـ"سواء السبيل"؟ أليس هو الطريقَ الذي يتوافق مع مصالح الطبقة الحاكمة من ساسة ورجال دين وتُجَّار. فالساسةُ ورجالُ الدين استطاعوا من خلال الدعوة والتبشير أنْ يزرعوا في النفوس الحاجةَ إلى "القدوة" مثلما أنَّ حضارة الاستهلاك الحالية خَـلَـقَتْ وتَـخْـلُـقُ لدى المجتمعات حاجاتٍ جديدةً لا تَـخْـلَقُ ولا تنتهي وزرعَتْها وتزرعها في النفوس من خلال الدعاية.

وهكذا نحتَت المؤسساتُ الدينيةُ جميعًا، والتي هي الذراع الطولى للسلطات السياسية، صنمًا فكريًا عقائديًا سمَّتْه القدوةَ بهدف السيطرة على أتباعها وخدمة مصالحها فقامت بربط "المؤمنين" بـ"مثال" أو "قدوة" أو "أسوة"، أيْ برسَنٍ يلجمُ النفوسَ ويمنعها من أنْ تتقدَّمَ أو تتجاوزَ الحقلَ المسموحَ لها. هذه القدوةُ هي الفكرة الأساس التي ساهمَت مع عواملَ أخرى في صناعة شخصية الدكتاتور أو القائد الرمز. وعلى خُطى المؤسسات الدينية سارت المؤسساتُ التربويةُ التي ليس لها من هَـمٍّ سوى القضاء على الاختلاف والتنوُّع والغنى في الأفراد من خلال تلوينهم وتلويثهم بلون واحد مصطنع على شاكلة "القدوة" فتجعلهم مجرَّدَ أرقام تؤلِّف قطيعًا من الخراف خاضعًا للراعي وللجزَّار. ويصير جميعُ المواطنين صورًا ممسوخةً للقائد الرمز يمكنُ أنْ يضحِّيَ بهم أنَّى شاءَ لإنقاذ ما يسمَّى مجازًا بـ"الوطن" الذي يُـختزَلُ بشخصه هو ومن معه.

لقد نحتَت السلطةُ السياسيةُ قديمًا بأزاميلِ السلطةِ الكنَسيَّةِ شخصيةً تاريخيةً أسطورية رمزيةً وجعلَتْها نموذجًا للطاعة والاستسلام دونَ أيةِ مقاومةٍ ليقتديَ به العوامُّ المؤمنون. وحذَتْ حَذْوَها السلطةُ الإسلاميةُ لتجعلَ من شخصية الحاكم "أسوةً حسنة"[1]؛ والويل لمن تُسوِّلُ له نفسُه بأنْ يرفضَ هذه القدوةَ. فكيف بمن يفكِّرُ بمحاولة تحطيمها. عِلْمًا أنَّ الإسلام نفسَه قد روى في موضع آخر مغامرةً قامت بها شخصيةٌ أسطوريةٌ أخرى تحمل اسمَ إبراهيم حين أراد تحطيمَ رموزِ القدوة في زمنه فعوقبَ بالحرق ("قَالُوا: حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ"[2]). فمن يجرؤ أنْ يكون "إبراهيمًا"؟ ومن يجرؤ أنْ يكونَ إبليسًا يرفض طاعةَ الله الذي لم يفعلْ، بالمقابل، ضدَّه شيئًا. ليس المقصود أنْ نقتديَ بإبراهيمَ أو بإبليسَ، بل أنْ نكونَ أنفسَنا، أيْ ألا نقتديَ بأحد. فإنْ قلتُ: "سأكسر صنمَ القدوةِ كما فعلَ إبراهيمُ"، أيْ بهدف الاقتداء به لا بهدفِ اكتشافِ نفسي والعالَمِ الذي هو صورةُ نفسي فإنني بذلك لا أُحطِّمُ فعلاً صنمَ القدوةِ بل أصنع مِن إبراهيمَ صنمًا لأقتديَ به. إنني ألغي ذاتي بمجرَّدِ أنْ أقرِّرَ الاقتداءَ بفلانٍ أو فلان، في حين أنَّ الغاية هي أنْ أكونَ ذاتي، أنْ أعرِفَ نفسي لا أنْ أعرِفَ غيري.

عندما أريدُ أنْ أُحطِّمَ القدوةَ لأنَّ فلانًا حطَّمَها ووصل إلى حقيقةٍ أو حقَّقَ شيئًا فإنني لا أُحطِّمُ في الحقيقة صنمَ القدوة. يكفي أنْ أتأمَّلَ في مفهوم القدوة وأرصدَ عملَها وآليتَها وأفهمَها حتى تنهار حُطامًا. فلا ينفعني أنْ أحطِّمَ قدوةً لأستبدلَها بقدوة أخرى.

تتلاشى القدوةُ بقدر ما أعيشُ هنا-الآن. إذْ إنَّ هدفَ «القدوة» أصلاً هو القضاء على «القدرة» في أنْ أكُوْنَ نفسي هنا-الآن. فكلَّما امتلأْتُ بالآن وتجذَّرْتُ في الحاضر اضمحلَّتْ قدرةُ القدوةِ في نفسي. لأنَّ القدوة شيءٌ ينتمي إلى الماضي، إلى الذاكرة. انتبهوا جيدًا. "تَأَمَّلُوا زَنَابِقَ الْحَقْلِ كَيْفَ تَنْمُو"[3] وحركةَ النسيم وأوراقَ الشجر... تأمَّلوا ماذا تفعلون وكيف تفعلون كذا وكذا ولماذا تفعلون كذا وكذا. "سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا"[4]. "انْـظُرُوا إِلَى طُـيُـوِر السَّمَاءِ"[5]. انْظُروا إلى كلِّ شيء في داخلكم وفي كلِّ الأرجاء. انْظُرُوا بصمتٍ ولا تُـنَـظِّروا. وأنتم تَـنْـظُرونَ هل تحتاجون إلى قدوة؟ هل أحتاج لكي أرصدَ شيئًا أنْ أعرِفَ كيف رآه فلان وليُّ أو القدِّيسُ فلان والفيلسوف فلان وماذا قالوا عنه. ثم كيف لي بالمقابل أنْ أعرِفَ كيف اختبروا لحظتَهم وماذا ذاقوا؟ لهم ذوقُهم وليَ ذوقي. لا يمكنني من خلال قراءتي لسيرتهم في الكتب أنْ أختبرَ طعمَ حقيقةٍ ذاقوها هُمْ بل من خلال قيامي باختبار طعم حقيقتي بنفسي. وهل تفيدني "معلوماتي النظرية" عن شيء في رصد هذا الشيء أو اختباره؟ على العكس، هذه "المعلومات" تقف حاجزًا بيني وبين صفاء رؤيتي وحقيقة اختباري. إنني أرى بوضوحٍ أكثرَ كلَّما تحرَّرْتُ من المعلوم (بحسب تعبير جِدُّو كريشنامورتي)، وبالتالي فكلُّ قدوةٍ تقف عائقًا أمام اختباري ورصدي.

لقد أوضحَ كريشنامورتي آليةَ القدوة فقال:

ألم تلحظوا أنَّ الذهن، حين يستقرُّ في أخدود، في قالب جاهز، مدفوع دومًا بالرغبة في الأمان؟ لذلك فإنه يتبع مثالاً، قدوةً، گورو. إنه يريد أنْ يكون مطمئنًّا، لا يكدِّره شيء، ولهذا يقلِّد. [...] لكننا نندفع بالغريزة إلى تقليد العظماء، فنحاولُ أنْ نتمثَّـلَ بهم؛ وذلك عامل من عوامل التلف لأنَّ الذهن عندئذ يضع نفسه في قالب.

كما أن القرآن نفسه انتقدَ اقتداءَ الأقدمين بآبائهم في الآية: "وكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِن نَذِيرٍ إِلا قالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنا آبَاءَنا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثارِهِم مُـقْتَدُونَ."[6]

كيف يمكنك أنْ تتحرَّرَ وأنت تقتدي بشخص كانت له حياةٌ غيرُ حياتِكَ وخبرةٌ غيرُ خبرتِكَ وظروفٌ غيرُ ظروفِكَ وحاجاتٌ غيرُ حاجاتِك؟ كيف ترى بعينَيْ شخصٍ غيرِك؟ أما لكَ عينانِ؟ وكيف تسمع بأُذنَيْ شخصٍ غيرِك؟ أما لكَ أذنانِ؟ أمْ أنَّكَ واحدٌ مِنَ الذين "لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَـفْـقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْـيُـنٌ لا يُـبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بها"[7]؟ ثم كيف تأكلُ لقمةً مضغَها وهضمَها غيرُكَ؟

الاقتداءُ يعطِّـلُ العقلَ والحواسَّ ويجعلُ الإنسانَ يقلِّد تقليدًا أعمى. كما يجعل الاقتداءُ المقتديَ في خوفٍ أحيانًا. يخاف من التقصير في الطاعة والامتثال، يخاف من نفسه لأنه يجهلها بينما هو يبدِّد طاقاتِه في الطاعة، يخاف من الموتِ لأنه يخاف من الحياة، ويخاف من الحياة لأنه ليس سوى آلةٍ تَـمْـتَـثِـلُ لبرنامجَ ميتٍ في داخلها. وما الأمانُ الذي يحسُّ به المقتدي سوى وهْمٍ في وهْم. بينما يتطلَّبُ الاكتشافُ التحرُّرَ مِن القدوة ومن الخوف. كان كلُّ الناس يرون سقوطَ التفاحة مِن على الشجرةِ ولكنَّ رؤيتهم كانت تقليديةً، آليةً، أوتوماتيكيةً، كأية آلة تصوير. فجاء نيوتنُ وأحدثَ قطيعةً في الرؤية. فرصدَ وتأمَّلَ فرأى غيرَ ما رأى الآخرون.

إننا نتحجَّرُ بمجرَّد أنْ نتَّخِذَ فلانًا قدوةً لنا ونموتُ عندئذٍ على صعيد الوعي وإنْ بقينا أحياءً من الناحية البيولوجية. فيصبح قالَبُ القدوة هو الذي يسيِّرنا ليس لِما فيه خيرُنا بل لِما فيه إشباع رغبات القدوة أو رغبات المستفيد منها.

الحقيقة نهرٌ جارٍ. فكلُّ شيء يَـسْـبَـح ويُـسَـبِّـح. الحقيقةُ حية. والحياةُ حركةٌ وجريان. فإذا توقَّفَ الحقُّ صارَ باطلاً. فحتَّى يكونَ قلبُكَ حيًا عليك أنْ تأخذَ عن حي لا عن ميت. وما القدوةُ سوى صنمٍ إيديولوجي ميت صنعَـتْه عبْـرَ العصورِ أزاميلُ السلطة السياسية لتُـثَـبِّـتَ سيطرتَها. ليست القدوةُ سوى صورةٍ ميتة لحقيقةٍ حية، سوى وردةٍ اصطناعية وصورةٍ جامدة لنهرٍ جارٍ. القدوةُ صورة ذهنية، والصورةُ صنم. ولهذا قال أبو يزيد البسطامي: "أخذْتُم عِلْـمَكم مِن علماء الرسوم ميتًا عن ميت وأخذْنا عِـلْـمَنا عن الحي الذي لا يموت."[8] ووصف القرآنُ عِلْمَ "العبد الصالح" الذي أراد موسى وهو "النبيُّ" أنْ يتعلَّمَ على يديه بالعِلْم اللدُنِّيّ [الإلهي، الداخلي] الحيّ لا بالعِلْم الببغائي المأخوذ من الكتب فقال: "فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنا وعلَّمْناه مِن لَـدُنَّا عِلْمًا."[9]

لكي أعرفَ ماذا آكلُ وأشربُ وكيف أعيش، علَيَّ أنْ أعرِفَ ماذا تحتاجُ نفسي وجسدي وروحي لا أنْ أبحثَ في بطون الكتب الميتة عن ماذا أكلَ قدوتي وماذا شرِبَ وكيفَ صلَّى وكيف مشى.

هناك بونٌ شاسع بين من تواصلَ مع الرسول الحي الذي في داخله وبين من تواصلَ مع صورة ميتة لرسولٍ في كتب التاريخ والعقيدة، لرسولٍ "سياسيٍّ" صنعَتْه الصراعاتُ الإيديولوجيةُ والاجتماعيةُ والسياسيةُ عبر العصور. فمن يأخذ "حقيقةً" من كتابٍ، أيًا كان ذلك الكتابُ، كمن يشتريَ "ثمارًا" مرسومةً في كتاب يمكن أنْ يمتِّعَ بها ناظرَه ولكنْ لا يمكنُ أنْ يتذوَّقَ طعمَها ولا أنْ تجريَ طاقتُها الحيةُ في عروقه.

لا تؤدِّي القدوةُ إلى تعطيل العقل والحواسِّ فحسب بل تؤدي إلى العنف أيضًا. إذْ تميل النفسُ البشرية تكاسلاً إلى إيجاد نموذج تَحتذي به؛ فما إنْ تجد هذه النموذجَ وتتَّبعه حتى تُحوِّله بعد فترة إلى مقدَّس وتفصله عن الواقع والطبيعة، مما يؤدي بها فيما بعد إلى اللجوء إلى العنف للدفاع عنه وربما لفرضه على الآخرين. فضلاً عن أنَّ القدوة تُبعِد تابعَها عن الواقع وتجعله مفصولاً عن ذاته.

فالقدوة تُشَرْعِنُ العنفَ تحت ذرائعَ وهميةٍ (الدفاع عن مقدَّسات، عن رسول أو نبي أو قائد "ملهَم" أو وطن). فبما أنَّ القدوة، قائدًا كان أم نبيًا، قد أمرَ بالقتل بذريعة خدمة الدين أو الوطن أو مقاومة عدو خارجي أو داخلي أو الدفاع عن إيديولوجيا دينية أو سياسية فإنه حريٌّ بالتابع أنْ يحذوَ حذْوَ قدوته. والقدوة عمومًا فضفاضة مطَّاطة تصلح للقاتل كما تصلح للمقتول، تُشرْعِنُ أفعالَ الرئيس في القتل والاستبداد مثلما تُشرْعِنُ طاعةَ المرؤوسين وخضوعَهم.

القدوة تجعلُنا كالآلات نتحرَّكُ، وربما بسرعة وسهولة، على سكة محدَّدة لنا مسبقًا. ولكنْ هل فكَّرْنا أنْ نتركَ سكةَ القدوةِ وننطلقَ نحو الحقول والجبال والأودية لنكتشفَ الأزهارَ والنباتاتِ والحيواناتِ والطبيعة، لنكتشفَ نفوسَنا.

أساسُ المعرفة يقوم على مبدأ "اعرف نفسَكَ بنفسِكَ" "Gnothi seauton" (سقراط)، أيْ أنَّ المعرفة تنحصر في أنْ تقومَ أنتَ بمعرفة نفسِكَ من دون أي وسيط أو قدوة. ولهذا ورد عن عليٍّ قوله: «غايَةُ المَعرِفَةِ أَن يَعرِفَ المَرءُ نَفسَهُ» إذْ أنَّ «مَن جَهِلَ نَفسَهُ كانَ بِغَيرِ نَفسِهِ أجهَلَ».[10] فالإنسان أدرى بنفسه: "بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ، وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ"[11]. وهل يمكن للإنسان أنْ يعرِفَ نفسَه بتقليد غيرِه؟! وبالتالي فكلُّ فعلٍ ناتجٍ عن اتِّباعٍ واقتداءٍ لا يؤدِّي إلى معرفة حقيقية، بل ليس سوى نسخٍ ولصقٍ (محاكاة عمياء calque). فكيف يعرف الإنسانُ نفسَه؟ هل بالاتِّباع والتقليد والاقتداء؟ أم بالنظر والتأمل والصمت؟ وقد أعلنَها القرآنُ صراحةً: "وفِي الأَرْضِ آيَاتٌ للْمُوقِنِينَ، وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُون؟!."[12]

يمكنك، إذًا، أنْ تعيشَ حرًّا من دون أية حاجة إلى قدوة. ألا يمكنك، بدون قدوة، أنْ تتنفَّسَ وتأكلَ وتمشيَ وترى وتسمع وتُـفكِّر وتتأمَّل؟ أليست هذه هي الحياة؟ فما نفعُ القدوة لكَ أنتَ إذًا؟!

إكس-أون-ﭙـروﭭـانس، 9/10/2012

*** *** ***


 

horizontal rule

[1] سورة الأحزاب، 21.

[2] سورة الأنبياء، 68.

[3] إنجيل متَّى، 6: 28.

[4] سورة العنكبوت، 20.

[5] إنجيل متَّى، 6: 26.

[6] سورة الزخرف، 23.

[7] سورة الأعراف، 179.

[8] الطبقات الكبرى.

[9] سورة الكهف، 65.

[10] غرر الحكم.

[11] سورة القيامة، 14، 15.

[12] سورة الذاريات، 20، 21.

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود