قطاعٌ طوليٌّ في الذاكرة

قصائد منتقاة

 

فاطمة ناعوت

 

قطاعٌ طوليٌّ في الذاكرة

 

يسقطُ الضَّوءُ على وجهي

مرتينِ في العامْ.

 

المقطعُ الطُّوليُّ يكشفُُ

أن سُمْكَ الجدارِ ثلاثون عامًا

بعد أن تسرَّبَ يومانِ خُلسةً

عبرَ عوازلِ الرطوبةِ والحرارةْ.

 

لا بدَّ من فواصلِ هبوطٍ وتمدُّدٍ

لجدارٍ بهذا الطُّولِ

والصَّمتْ.

 

طبقاتُ الأرضِ الافتراضيةُ

يحتلُّها بالتتابعِ:

صخرٌ / رصاصٌ

نورٌ / ماءٌ

ترقُّبٌ

ماءٌ

وموتْ.

 

لذا

لمْ يجدِ البنَّاءُ بُدًّا

من زرْعِ أوتادٍ

بعمقِ الخيبةِ الزاحفةِ على وجهي

في العامِ الأخيرْ،

ومَدِّ فَرْشَةٍ من الأسمنتِ

تضمنُ ثباتَ البنايةِ في الزلازلْ.

 

الرسوماتُ التنفيذيةُ

أخذتْ مسارًا آخرَ

غير اسْكِتْشاتِ المُصَمِّمِ

لأن عاملَ الأمانِ المُفترَضَ

لم يناسبْ مواصفاتِ الحفرِ

سيَّما

وقد اكتشفَ الموقِعيُّونَ

أن الجسَّاتِ التي تمَّتْ للتربةِ

شابَها التزييفُ.

 

الحقُّ

أن هذا الاكتشافََ

جاءَ مصادفةً:

في ليلةٍ مقمرةٍ

وبينما أحدُ الخفراءِ بالموقعِ

يعدُّ لكوبِ شايٍ

لمحَ نبتةً صغيرةً تشقُّ الأرضَ

بعدما غافَلَهُ

بعضُ الماءِ وسقطْ.

التربةُ طينيةٌ!

 

التربةُ الطينيةُ

لا تطمئنُ للأبنيةِ التاريخية.

 

أكثرَ من مرةٍ

شوهدتْ أراضٍ تتركُ مواقعَها

وتفرُّ

تاركةً للفراغِ

بناياتٍ معلقةً في الهواءْ.

 

الإنشائيونَ

استحدثوا طرائقَ مبتكرةً:

الشَّدُّ من أعلى

بأسلاكٍ معلقةٍ إلى السماءِ،

أو بناءُ حوائطَ ساندةٍ

تحولُ دون مصبَّاتِ المياه.

 

المعماريون

– في جلساتِ العَصْفِ الذِّهنيِّ –

يرفضونَ الحلولَ التقليديةَ

يفضلونَ أن يخلِّصوا المبنى

من وزنهِ الذاتيِّ أصلاً

لا ليسخروا من قانونِ الجذبِ

– لا سمح الله –

لكن ليبتكروا مجالاتِ خلقٍ جديدةً

تجعلُ الأطفالَ يفرحون.

 

الضَّوءُ سقطَ على وجهي مرتينِ في العامْ

أقصدُ العامَ الأخيرْ.

 

الجدارُ سميكٌ طبعًا

لكن

الضَّوءُ يسيرُ في برابولا من الدرجةِ الثالثةِ

تسمحُ له بالتعاملِ مع حوائطَ

يُعوِزُها الذكاءُ.

 

الضَّوءُ يخدعُ ويناورُ،

يلتفُّ حولَ الحجارةِ

ويدخل قدسَ الأقداسِ

من ثغراتِ العراميسِ

مرتينِ في العامِ،

لا في أيلولَ وآذارَ،

لكن في الردهةِ الصَّامتةِِ

نصفِ المعتمةِ مرةً

ومرةً في غرفةِ الطعامْ.

 

الضوءُ لا يسقطُ على وجهي مرتينِ في العامْ.

الضوءُ سقطَ

مرتين

في عامْ.

القاهرة، 24 نوفمبر 2002

***

 

رقصةٌ زنجيةٌ أخيرة

 

هاتفٌ صغير

فوقَ طاولتِكَ

يحدثُ عرضًا

أن يخايلَ ستائرَ صومعتي.

 

هي الأغنياتُ والأحاجي التي

أدهشتْ أيقوناتٍ

مجَّتْ سكونَها

فتعلَّمتْ

لُعبةَ الحروفِ والأرقام.

تحوُّلٌ وشيكٌ

وحتميٌّ

كأن يسأمَ البوهيميُّ مثلاً

وينصرفَ عن نافذةٍ

تعلقتْ بمفرداتٍ ضالَّة.

 

وهكذا

سوف تَرَونهُ غدًا

– الزنجيَّ البارع –

يرقصُ على أنغامِ

رسالةٍ غجريةٍ جديدةٍ

لا تحملُ توقيعي.

الدمام، 4 فبراير 2002

***

 

النورس

 

سوف أُمَسْرِحُ الأحداثَ كعادتي

فأنا

كلاعبِ سيركٍ قديمْ

أُجيدُ المشيَ على أحبالِ حنجرتي.

 

ولأن الأعذارَ

– كما تعلمونْ –

تقترحُ نفسَها في الوقتِ المناسبِ

فلا حاجةَ لي

أن أصنعَ من صوتي بالوناتٍ

تسرقُ الهواءَ الضيِّقَ والضحكاتْ،

سيَّما

وقد عقَّمْتُ قميصي من الألوانِ والأسبرين.

 

أنا الفتى الذي

خِفَّتُهُ لا تُحتَملْ،

أرتكبُ الحُبَّ وسيقانَ النوبياتِ

التي يقطرُ من شَعرِها الماءُ.

 

بالشِّعرِ

أُبَلَّلُ التبغَ والشراشفَ

ثمَّ أركعُ،

فيما أخطُّ بالرابيدو

بناياتٍ مرتبكةً

لا تَحفلُ بالصَّمغِ العالقِ

بتنورةٍ سوداء.

 

صفِّقوا كثيرًا إذن

وساوموا اللهَ من أجلي

وسأخرجُ الآنَ لكمْ

بعدما أُنظِّفُ ذاكرتي

من فستانِ البنتِ المنتحرةِ.

 

البنتِ التي

ساعتُها تؤخِّرُ

عشرةَ أعوامٍ...

ودقيقة.

الرياض، 4 أكتوبر 2002

***

 

عندَ أطرافِ الأصابع

 

شجرةٌ طيبة

غادرتِ الألوانَ في مساءٍ قريب

كَرْمَشَتْ أوراقًا لامعةً

ثم نَفَضَتْ هدايا السماءِ

فوقَ وسائدِ الأطفال.

 

هي الشجرةُ التي

تحفظُ الأرقامَ جيدًا

ولا تُخادِعُها الفصولْ.

 

قريبًا

ستطاردُ فراشاتٍ

تنامُ فوقَ صَفحتي

فَتَفِرُّ إلى البَعيد

و تسيلُ النهاياتُ

على حَوافِ الأمْكِنة.

 

هناك

حيثُ الحقولُ لا تعرفُ الأسماءْ

تتأرجحُ سلةٌ

تحملُ ذاكرةَ الأقنعةِ

و لا تقترحُ بدائلَ.

 

سلةٌ عادلةٌ

ترفعُها أيادٍ صغيرةٌ

ثمَّ

تقذفُها إلى الأعلى.

 

شجرةَ الميلادِ الطيبة

أمهليني بعضَ الوقتِ

ثمةَ مهامٌ صغيرة

أحرى بها أن تؤدَّى.

القاهرة، يناير 2002

*** *** ***

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

Editorial

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال يوسف وديمة عبّود