حول الشُّروط الموضوعيَّة للتجدُّد الحَضاري والنَّهضة العربيَّة

لستُ من القائلين بأنَّ المجتمع العربي في أزمة

تنظيم ردِّ الفعل وتحويله إلى وعي هو العمل السِّياسي والفكر الاجتماعي

تؤرِّقنا كيفيةُ نَقْلِ الفكر من النُّخبة إلى الجماهير

 

حوار مع محمَّد عابد الجَّابري

 

هذا الحوار مع المفكر المغربي د. محمد عابد الجابري حصل في مدينة فاس، المغرب، على هامش ندوة "نحو مشروع حضاري نهضوي عربي" التي دعا إليها "مركز دراسات الوحدة العربية" في نيسان الفارط [2001]. كان د. الجابري أحد المشاركين الأساسيين في الندوة، وقد ألقى كلمةً قيِّمة في "التجدد الحضاري" أثارت مناقشةً وسجالاً بين المشاركين.

حين اقتربتُ منه محييًا في أثناء الاستراحة، مستوضحًا فكرةً وردتْ في مبحثه، ذكَّرتُه بمحاضرة ألقاها ببيروت في "النادي الثقافي العربي" في العام 1991 حول "الديموقراطية في الوطن العربي"، وأعلمته أن ما يصلنا إلى بيروت من مجلة فكر ونقد التي يُصْدِرها في المغرب قليل يتناقص. ثم تشعَّب الكلام، فقلت له: "ولنُبْقِ السؤال مفتوحًا، بحسب هيدغِّر"، فأجاب بلهجته المغربية المحبَّبة: "إلى الحوار إذن..."!

يجمع د. محمد عابد الجابري في شخصه وتجربته بين الناحيتين الأكاديمية الراقية والممارسة العملية؛ كما يجمع في تحليله بين النظرة الموضوعية وهدف التغيير وإعادة البناء. يعمل في النقد، مستفيدًا من المناهج الحديثة ومتقنًا توظيفها في معالجة إشكالياتنا الفكرية والاجتماعية والثقافية. ومن موقعه الأكاديمي والفكري والثقافي، وعبر أعماله ومؤلَّفاته، يساهم الجابري في إغناء الفكر العربي، السياسي والاجتماعي والثقافي، خاصة في أعماله المميزة حول "نقد العقل العربي"، بنيةً وتكوينًا وسياسةً وأخلاقًا. وفي هذا المعنى، هو صاحب رؤية ومشروع يحاول من خلاله الارتقاء بتراثنا ومخزوننا الفكري إلى مستوى يمكن لنا الالتقاء فيه مع الحداثة المعاصرة. ولأنه مجدِّد حضاري كبير، يمضي طارحًا الأسئلة الحقيقية، لا المزيفة، والقضايا النقدية الإشكالية، لا العَرَضية، والأصل، لا ما ينتج منه.

وفي ما يقوله الجابري ويفعله يظل مؤمنًا بالحوار، مصرًّا على تشكُّل الوعي وعلى امتلاك المصير في النظر إلى قضايانا المعاصرة، في ضوء العقل النقدي وإرادة التغيير وإعمال الفكر في مواجهة الوقائع، لا الممكنات. يسكنه الهمُّ الفكري ويستحوذ عليه في حومة البحث عن مقاربات جديدة أو حلول أو مخارج لمعضلات الوعي والتغيير والحداثة في المجتمع العربي. وكل ذلك يتم له بجرأة صاحب الحق، ونقاء صاحب القضية، وتواضُع العالِم، وعمق المفكِّر المتنوِّر.

س.ب.

* * *

 

سليمان بختي: نحن هنا في مدينة فاس للمشاركة في ندوة "نحو مشروع نهضوي عربي". هل يسعنا، في رأيك، توقيت بدء انطلاقة المشروع وتقريره، أم أنه يأتي نتيجةً طبيعيةً لاستمرار المعرفة وتواصُلها وتفاعلها وتراكمها؟

محمد عابد الجابري: الواقع أنه، كما يقول المتفقِّهون في بعض المسائل، ونردد معهم: "يجوز الوجهان"! ولكن لا بدَّ من إرادة النهضة، وإرادة العمل، وإرادة المستقبل، والعمل والكفاح من أجل هذا المستقبل، والانتباه كذلك إلى أن الأشياء لا تأتي بحسب ما نريد، بل قد تأتي بأشياء مختلفة وبأسباب متباينة. وثمة القوة الموضوعية التي تفوق القدرة البشرية، والقدرة البشرية التي تهيمن وتسيطر على القدرة الموضوعية أو تغيِّبها. والأمور، بالتالي، مترابطة في ما بينها، ولا بدَّ من إرادةٍ ومن توفير مناخ وشروط ومقوِّمات.

لا بدَّ من إرادة النهضة والتقدم والديموقراطية والعمل من أجل ذلك – لا بد. لكن هل سيأتي العمل كما نريد أم لا؟ – هذا أمر آخر. وهل ستساعد الظروف الموضوعية عملنا أو جهدنا، أم أن الرياح ستهب على ما نشتهيه، أو بعكس ما نشتهيه – فذاك أمر آخر أيضًا. يجب أن نعمل وأن ندرس حيوية المعرفة وقوتها.

س.ب.: في ضوء ذلك، كيف ترى إلى الواقع العربي الراهن اليوم؟ وكيف يمكن لنا قراءته وتوصيف أزمته وإمكان الخروج من هذه الأزمة؟ – خاصة أن مساهماتك الفكرية تناولت قضايا حيوية في الخطاب العربي المعاصر وأثارت سجالات.

م.ع.ج.: تقول إن المجتمع العربي "في أزمة" اليوم، وتطلب مني أن أصف لك هذه الأزمة. لست – عمليًّا – من القائلين بأن المجتمع العربي في أزمة، لذا فإن توصيفها متعذر؛ إذ يجب أن تكون الأزمة قائمةً لأصفها! هنالك إشكاليات ومشاكل ومشاغل وقضايا قطعًا – وليس ثمة مجتمع في الدنيا إلا لديه مشاكل ومشاغل ومطالب، حقَّقها أم لم يحقِّقها. لكن القول بأن المجتمع العربي "في أزمة" فهذه مقولة تحتاج في نظري إلى مناقشة.

أولاً، ليس هناك مجتمع عربي واحد، بل هناك مجتمعات وأقطار عربية؛ ولكلِّ قطر خصوصياته ومشاكله وقضاياه. وثمة مشاكل عامة ومشتركة، وأهمها الآن قضية فلسطين. لا أعتقد أن هناك أزمة؛ لكني أرى، في السياق العام، أن الظرف الراهن سيجعل الوضع العربي أشد تأثرًا بالعامل الخارجي نظرًا إلى أن القوة الذاتية الشعبية في الوطن العربي غير منظمة وغير مهيأة للعقل التاريخي. ثمة غياب للعقل الذي يتطلبه التطور. لذا يظل العامل الخارجي، الواقعي الملموس، إلى مزيد من التضخم والقوة والسيطرة، بما يضمن استمراره – أي العامل الخارجي – وتأثيره وفاعليته مستقبلاً.

س.ب.: ولكن كيف يسعنا مواجهة أو مقاومة الهيمنة أو الأحادية أو العولمة أو ما سمَّيته "العامل الخارجي"؟

م.ع.ج.: ليس في وسعنا مقاومة الهيمنة العالمية الإمپريالية الاستعمارية من خارج نظامها، أو مواجهتها من الخارج، بل لا بدَّ من أن نجد لأنفسنا طرقًا ومداخل للنضال والسعي والعمل ضدها من الداخل. ثمة وقائع وحقائق أمامنا. مرة ثانية، هناك ظاهرة سبق أن عالجتُها في كتابي الخطاب العربي المعاصر وأوسعتها درسًا في مشروع "نقد العقل العربي"، وهي أننا نهرب من الوقائع ونفكر على أساس الممكنات. ويعني ذلك أن "العقل السياسي العربي" عقل يؤثِر دومًا التفكير انطلاقًا من الممكنات بدلاً من الوقائع.

س.ب.: السؤال هنا هو: كيف يمكن لذلك أن يتبدل؟ – أقصد العقل السياسي في انتقاله من حال إلى حال. هل يتم عبر المنهج أم كسر القيود أم بناء ذهنية جديدة؟

م.ع.ج.: هذا الكلام لا يعني أن الصورة لم تتبدل، ولكن يمكن القول إن هناك ردود فعل متنوعة. لكن عبر منهج تفكيك النصوص وخلخلة الثوابت العقلية يمكن قيام حوار وحصول نتائج تطول تلك الثوابت وتُصلِحُها وتغيِّر فيها. وحين أقول بأن العقل السياسي العربي مازال يفكر في الممكنات فذلك لأقول إنه "انتقائي" في هذا المجال، يختار من تلك الممكنات ما يريحه ويستجيب لمصالحه، ويترك التي ليست في مصلحته! وهو ما يجعل عنصر الحلم يطغى على واقعنا وتفكيرنا.

وثمة عامل القياس أيضًا، وهو قيد آخر على العقل العربي؛ وقد أبرزت مدى هيمنته في كتبي وأبحاثي. قياس الحاضر على الماضي، أو العكس. وهذا القياس يفتقر إلى مشروع، من ناحية، وهو غير قائم على أسُس، من ناحية ثانية، لأن الظروف تغيرت والعالم تغير؛ وبالتالي، لا بدَّ من مراعاة التغيير والفروق.

لا يمكن القول بأن العقل السياسي سيتغير بين ليلة وضحاها، أو بجهد هذا الشخص أو ذاك، بل هي سيرورة تاريخية وحوار جديد واستعداد للتخلص من القيود، بما يوفِّره ذلك من نظرة واقعية إلى فضائنا العربي.

س.ب.: على المستوى المقابل، هل ترى لدى العرب اليوم لحظة "تاريخية" لإنجازٍ ما؟ – ولاسيما أن أمامنا أحداثًا سياسية–حضارية صنعت تغييرًا ما، إذا شئت، في الواقع العربي – الواقع السياسي والاجتماعي. وأذكر هنا تحرير الجنوب اللبناني، الانتفاضة الفلسطينية...

م.ع.ج.: العرب، كسواهم من الشعوب، يحاولون الإنجاز، يحاولون العمل. هنالك الصين والهند والپاكستان، وهنالك أمريكا اللاتينية وأفريقيا، وهنالك روسيا؛ وهي، في شكل أو في آخر، في مثل وضعنا. أي أن كلَّ بلد يحاول أن يعمل، وليس العرب وحدهم في الدنيا يعملون ومطلوب منهم أن يعملوا أو ينهضوا. نحن، كالآخرين، نحاول أن ننجح، اليوم أو غدًا. لسنا وحدنا: هنالك الغرب وتناقضاته، وهناك غير الغرب. والغرب متعدد، ويعاني المشكلات نفسها التي نعانيها، وفق خصوصيات معينة، ومطلوب منه العمل، ويعمل. أما القول "نحن العرب... ونحن العرب..."، فلا طائل تحته! نحن واحد من "نحن" كبيرة جدًّا هي العالم الذي يسمَّى الآن "جنوبًا".

ما ذكرتَه في سؤالك وسمَّيته بـ"الأحداث" إنما هي ظواهر انفعالية وردود أفعال تحصل في مناسباتها. حين تحصل انتفاضة تقوم قائمة الشارع العربي، وحين يهاجَم العراق تقوم تظاهرات في المدن العربية – لعلها تعبير عن إرادة الشعوب وخصوصية الإنسان في ردِّ الفعل. لكن تنظيم ردِّ الفعل وتحويله إلى وعي هو العمل السياسي والفكر الاجتماعي، عمل الدولة والمؤسَّسات والهيئات – وهذا هو التحدي الحقيقي!

س.ب.: منذ القرن الخامس عشر والظروف التاريخية والحضارية التي عاشها المجتمع العربي والتي رافقت سقوط الأندلس والحروب الصليبية، ثم مجيء المغول والمماليك والعثمانيين، دخل الفكر العربي في حالة جمود. ثم كانت مرحلة يقظة، أو "نهضة"، وكان للغرب أثر كبير فيها. واليوم تطلب المجتمعات العربية حداثةً جديدة. لكن هذه "الحداثة" هي في أوروبا والغرب؛ ولو نُقِلَتْ إلينا فسوف تصطدم بواقعنا الذي لم ينجز تغييره الاجتماعي، ولم يحسم مسائل خلافية كثيرة. سؤالي – ودعني أستعمل تعبيرك – كيف يمكن "تَبْيِئَة" الحداثة و"تأهيلها"؟

م.ع.ج.: أعتقد أن الجهد ينبغي أن ينصبَّ على بعث الحياة في "حداثاتنا" الماضية لنرتقي بتراثنا وبمخزوننا الفكري إلى مستوى يمكن لنا فيه الالتقاء مع الحداثة المعاصرة. ليس المطلوب نقل أشياء متشابهة على الإطلاق. التكنولوجيا مثلاً: هل ننقل مصنعًا ونغرسه هنا؟ بذلك لا نبني التكنولوجيا، بل نستهلكها! "التبيئة" تعني أن نأتي بالأسُس التي يقوم عليها العمل، فننتج ونطور نحو الأفضل؛ نغرس الحداثة، بدلاً من نقلها، ونهيِّئ لها التربة الملائمة.

والعمل النقدي في التراث يشترط استرجاعه ومحاورته للرفع من مستوى التفكير إلى المستوى الذي يرتقي فيه مع العصر. ولو استطعنا أن نرقى إلى تعامُل نقديٍّ جادٍّ ومخلص يستمد صدقيَّته من التراث نفسه، لاستطعنا عندئذٍ تجاوُز المعوقات والاعتراضات التي تأتي تارةً باسم الدين وتارةً أخرى في صورة مختلفة عنه، بيد أنها لا تعبِّر عن فهم للدين الذي بات متجاوِزًا لها. لا بدَّ من الاستناد إلى معطيات تراثنا نفسه، أولاً، لنكسر القيود التي تعرقل طريقنا.

إن ما يُسمَّى بـ"قضايا العرب الداخلية"، مثل الديموقراطية وحقوق الإنسان وسواها، ستعرف مصيرًا يختلف نوعيًّا عما عرفتْه سابقًا. كما أن تأجيل الديموقراطية أضحى غير قابل للتبرير، والزعم أن "الحزب الواحد" هو الخيار الأفضل لم يبقَ يجد سندًا، والتطرف باسم استخدام السلطة وتوظيفها لمصالح خاصة لا يمكن له أن يستمر أيضًا. كل ذلك لا يعني ترك الأمور لعامل الوقت والتاريخ. إن إرادة المستقبل مشلولة جوفاء إنْ لم تُبْنَ على إرادة التغيير وعلى الممارسة العقلانية. والتغيير يبدأ من تغيير النظرة إلى الأمور وتحليل الواقع تحليلاً يجمع بين النظرة الموضوعية وبين هدف التغيير وإعادة البناء.

س.ب.: طرحت في أبحاثك الحلَّ الفدرالي لقضية فلسطين. هل يملك هذا الحل، في رأيك، مقوِّمات صلبة ملائمة؟ وهل يتم – استطرادًا – على المدى البعيد أو المدى القريب؟

م.ع.ج.: قلت إن الحلَّ أمام الوضع القائم الآن، الذي يتمثل في تداخُل دولتين ومجتمعين: دولة فلسطين، المتمثلة في السلطة الفلسطينية، ودولة إسرائيل. هناك حرب فلسطينية–إسرائيلية منذ العام 1948. وهذا الواقع أفرز وجود عمال فلسطينيين يقدَّرون بنحو مئة وعشرين ألف عامل يروحون ويجيئون يوميًّا ولا بدَّ منهم. وثمة في الطرف العربي تعدُّد وإثنيات وديانات، وفي إسرائيل الأمر نفسه، أي يهود شرقيون ويهود غربيون. أضف إلى ذلك مشكلة اللاجئين. كل هذه المشكلات كيف يمكن أن تُحل؟ لا إخال أن إسرائيل يمكن له أن يقبل بقيام دولة فلسطينية تمامًا كما يريدها الفلسطينيون ويتصورونها، ولا أن يقبل بعودة اللاجئين. وعلى الصعيد الديني، ثمة تداخُل بين الأماكن الدينية: "حائط البُراق" هو نفسه "حائط المبكى" عندهم، والمسجد الأقصى يمكن أن يكون تحته هيكل سليمان! تداخُل من هذا النوع، كيف تفصل فيه ما هو فلسطيني وغير فلسطيني؟ وكيف تكون السيادة الإسرائيلية على الهيكل والسيادة العربية–الإسلامية على المسجد الأقصى؟ والعودة إلى واقع 1967 صعب بعثُها. عامذاك، لم يكن الفلسطينيون يعملون في إسرائيل، ولم يكن إسرائيل في حاجة إليهم، ولم تكن هناك مستوطنات. وهل ثمة إمكان لحرب عربية–إسرائيلية وأمامك الرأي العام الدولي وأمريكا وسوى ذلك؟

يبقى في النهاية البحث عن الحل العقلاني الذي يمكن أن يخلخل الأمور قليلاً. أعتقد أن الحلَّ العقلاني الممكن هو الحل الفدرالي الذي يمكن أن يكون موضع مناقشة نظرية. اقترحت الفدرالية على النمط السويسري، أي أن تكون هناك "كانتونات". إنه إطار عام؛ أما التفاصيل وما لونها فأمر آخر. ما طرحته هو حل عقلاني حالم ليس لليوم، بل على المدى البعيد. إنه الممكن كإشكال نظري أو كحلٍّ نظري؛ أما شكله وتوقيته، اليوم أو غدًا، فهذا أمر آخر. ولو استعرضنا قليلاً الحلول المتداولة، فهل يقبل الفلسطينيون التنازل عن القدس أو عن السيادة أم لا؟ وهل يقبلون بالمستوطنات أو ببعضها؟ وهل يستطيع الفلسطينيون العيش من دون أن يعمل في إسرائيل ما تعداده بين مئة وعشرين ومئة وخمسين ألفًا منهم؟ ليس هناك حل نظري عقلاني سوى ذلك. ولكن كيف يتم صوغه، سياسيًّا ونضاليًّا ومرحليًّا، فهذا موضوع يخصُّ آخرين.

س.ب.: كيف ترى إلى العلاقة مع الآخر–الغرب؟ – خاصة أن هذه المسألة اكتنفها الكثيرُ من الغموض والإشكالات والاجتهادات المختلفة التي تفتح على مسائل الهوية والانتماء والحداثة والخلفية الفكرية.

م.ع.ج.: عندي أن الغرب، في تعامُله مع العرب، هو "آخر" ذو وجهين: آخر–الأنا، والآخر؛ أي كالحبيب بالنسبة إلى حبيبته، والأم بالنسبة إلى ابنها: متصل ومنفصل في آنٍ واحد – المرآة التي يرمي فيها المرءُ نفسه. الغرب "الأنواري"، الحَداثي، الديموقراطي، إلخ – هذا وجه؛ وهناك الغرب الآخر، أي "العدو" الذي يستعمرنا ونقاومه وندخل معه في خصومات وعداوات. الغرب، في نظري، غَرْبان: أنا والآخر. والآخر ليس واحدًا، أي ليس هناك غرب واحد نريد أن نكون مثله ديموقراطيًّا وتكنولوجيًّا وحَداثيًّا؛ فثمة غرب آخر نريد أن نقاومه، هو الغرب المستعمِر. من هنا التناقض الذي يفتح على الإشكالات التي ذكرت.

س.ب.: في الواقع، كيف ترى مسيرة العقلانية في العالم العربي؟ – وأنت من الذين شدَّدوا في الفكر العربي على العقلانية، ولديك مساهمات جادة ومشهود لها وعميقة.

م.ع.ج.: أعتقد أن ثمة فعلاً توجهًا أكثر نحو العقلانية في الوطن العربي. لو عدنا إلى الخمسينيات، مثلاً، لوجدنا أن التيار الذي كان سائدًا في الفكر العربي الحَداثي عهدذاك هو عينه الذي كان سائدًا في الغرب. دعك من القديم. كان هناك تيار برغسون وسارتر والوجودية وتيارات غير عقلانية، تيارات غير وجودية، باطنية. الآن لم تبقَ هناك وجودية وما شابه. ثمة عمل على الذات؛ وقطعًا، هناك اتجاه عقلاني وحتى معلوماتي وعصري. الاتجاه العقلاني والمعلوماتي ينمو ويزدهر ويعوَّل عليه أكثر فأكثر في العالم العربي.

س.ب.: يقودنا ذلك إلى سؤال حول علاقة التراث بالعقلانية والعقل. وثمة نماذج مضيئة في التحليل العقلي، مثل ابن رشد والمعتزلة وسواهم.

م.ع.ج.: في تراثنا تنوع وموضوعات ومراحل؛ فيه ما يدعو إلى التقدم وفيه ما يُحبِط. لكن السؤال هو: ما الذي بقي مستمرًّا فينا من هذا التراث؟ ما الذي بقي ممتدًّا في واقعنا، في حاضرنا؟ أعتقد أن ما بقي هي الجوانب التي صارت متجاوَزة حتى داخل هذا التراث. ثمة ضرورة لممارسة نوع من النقد في التراث ومعايشة حيويته وتطوُّره وتقدُّمه في مساحة الزمن والتاريخ لنتمكن، بالتالي، من محاربة المتبقي فينا والراسخ من الماضي بوسائل من الماضي نفسه. ولعل انكبابي على التراث وممارسة النقد فيه ليسا بغية تجديد النظر إلى التراث، بل لإثارة المناقشة في تراثنا، تمهيدًا لإحيائه، من ناحية، ولمواجهة التقليد المترسب في داخلنا من التراث، من ناحية ثانية.

ومن الصعب أن يتحول العقل العربي إلى عقل نقدي بممارسة النقد في تراث آخر، بل الأجدى والأحرى ممارسة النقد في تراثنا نفسه لنكتسب، من خلال الممارسة، روحًا نقدية أصيلة، ذات صدقية مشروعة. وهو ما يساعدنا على النظر إلى ثقافة الغرب من زاوية نقدية ومن زاويةِ ذاتٍ عارفة وفاهمة أسُسَها ومدركة لأصولها ولطريقتها النقدية وواعية لما تختزن من قوة.

أما ما ذكرتَه حول المعتزلة، فهو تطوري أو تاريخي؛ أي أن تقوم حداثةٌ ثم تأتي حداثةٌ أخرى تتجاوزها. الفكر الاعتزالي تقولَب ثم جَمُدَ، مما استدعى حداثةً أخرى، فقامت ترجمات وفلسفات وتجاوزت؛ وهي بدورها جَمُدَتْ، وأعني حداثة ابن حزم وابن رشد. الحداثة سلسلة تجديدات، ومضامينها تاريخية، سواء كانت في أوروبا أو سواها – لكنْ عندما يعبَّر عنها بالتجديد، التجديد الحضاري. وأعتقد أن الامتلاء بالثقافة العربية–الإسلامية – وهي ثقافتنا القومية – هو امتلاء بالهوية؛ ومن دون ذلك، يكون الانفتاحُ على الثقافات الأخرى، خاصة المهيمنة منها، مدعاةً للاستلاب والاختراق.

س.ب.: في أطروحاتك وأبحاثك حول التجدد الحضاري، ركَّزتَ على ضرورة تجنب "الأسئلة الزائفة". كيف يمكن، في رأيك، تجنبها؟ وكيف يمكن لنا مواجهة الأسئلة الحقيقية، القضايا الحقيقية؟

م.ع.ج.: يتم ذلك بتغيير طريقة النظر إلى الأمور. أما ما قصدتُه بـ"الأسئلة الزائفة"، فهي التي تحيل على التاريخ أسئلة لاتاريخية، أسئلة من نوع: هل يقبل الإسلام الديموقراطية أم العَلمانية؟ ثمة تساؤلات أثيرت بالأمس وباتت غائبة اليوم. الأسئلة الزائفة هي التي تسأل عما لم يحصل في التاريخ وتروم معرفة سببه؛ في حين أن السؤال التاريخي هو الذي يسأل عما حصل فعلاً، عن كيفية حصوله وسبب حصوله، أي أن تكون هناك طريق أو طُرُق لالتماس السبب أو الأسباب لحوادث الماضي. فالسؤال عن أسباب عدم تطور الأوضاع في العالم العربي في القرون الوسطى كما تطور الوضع في أوروبا في العصر الحديث هو كالسؤال: لماذا لم يتطور فلان في جسمه وقوة حواسه وحدَّة ذكائه مثل علان؟ إن السؤال الحقيقي والمشروع والعملي هو الذي يسأل عما حصل لعلان وأسباب ذلك، وليس عما لم يحصل لفلان وأسباب عدم الحصول! هناك أسئلة زائفة تُطرَح، مثلاً حول دور ابن رشد في العقلانية الأوروبية وانكفائه في الحضارة العربية. والسبب أن الحضارة العربية دخلت في الانحطاط والتراجع، اللذين شملا النواحي السياسية والاقتصادية والثقافية.

س.ب.: تردُّ ذلك، إذن، إلى حركة تطور الحضارات؟

م.ع.ج.: إنه واقع يعود إلى التطور في آخر المطاف. فلو أردت أن تقول إن أرسطو لم ينتفع به اليونان لصحَّ قولك؛ فبعد أرسطو وقع انحطاط لدى اليونان، والذي انتفع بأرسطو هم العرب. كذلك الأمر في خصوص ابن رشد: لم ينتفع به العرب، وأفادت منه أوروبا. إنها مسألة حضارات: حضارة سابقة تدخل في طور انحطاط، وتأتي حضارةٌ أخرى، فتنتقل الشعلة من حضارة إلى أخرى – تمامًا كما أن الفلسفة إنسانية، شاملة للإنسان كلِّه وللمجتمع الذي تكون ظروفُه متقبِّلة خطابًا فلسفيًّا وتقوى على النهوض بمفاعيله.

س.ب.: هل إن الفكر الفلسفي العربي اليوم قادر، في رأيك، على القيام بأعباء المجتمع العربي ومشكلاته؟

م.ع.ج.: عامةً وفي العالم ككل، لم تبقَ الفلسفةُ اليوم ذاك القطاع الفكري الذي يملك حلولاً سحرية جاهزة لمشكلاتنا كلِّها. اليوم تتولَّى العلوم الأعباء وحلَّ المشكلات. المعرفة باتت متخصصة: إن كانت المعضلة اقتصادية فثمة علم الاقتصاد، وإن كانت تكنولوجية ثمة العلوم التكنولوجية، وإذا كانت اجتماعية فثمة العلوم الاجتماعية. الفلسفة أضحت مجالاً متقلصًا في مجالات محدودة، وليست مكلَّفة الآن تغيير المجتمع ولا تحويله. لعلها قاعدة نظرية قادرة على التنظير للمشكلات القائمة أو إقامة حلم نهضوي أو غير نهضوي.

س.ب.: طرحت في ورقتك التي قدمتها إلى الندوة ثلاثة أهداف للمشروع النهضوي العربي، وهي الوحدة والتمدن والعقلانية، وقلت إن هناك في العالم ثلاثة مشاريع: المشروع العربي، والمشروع الغربي، والمشروع الصهيوني. تحديدك الصارم يثير سؤالاً عما قبل هذه المشاريع وما بعدها؟

م.ع.ج.: هناك حاجتان مختلفتان:

1.    المشروع الحضاري العربي، كما يمكن أن يُقرأ من خلال التاريخ العربي إلى عصرنا، ويعني الإسلام خاصة؛ و

2.    اتجاه التاريخ، حيث النزوع، أولاً، نحو التوحيد في العقيدة والأمَّة والتاريخ والدولة، والنزوع، ثانيًا، نحو التمدن وتمصير الأمصار والانتقال من البداوة إلى الحضارة، والنزوع، ثالثًا، نحو العقلانية، وقد تمثل في ترجمة العلوم اليونانية وإغنائها وفي عقلنة التفكير الديني.

تلك النزوعات لم يخطَّط لها اليوم، ولو فكرنا فيها في إطار مشروع نهضوي. التاريخ صار هكذا. إنه المشروع الحضاري العربي الذي يمكن لفيلسوف التاريخ أن يفكر فيه، لا السياسي أو الفاعل السياسي. ولكن بعد النهضة، أي في القرن التاسع عشر، برز مشروعٌ آخر إرادي، هو مشروع "النهضة" انطلاقًا من الأفغاني ومحمد عبده، وإذا شئت، محمد علي. هذا المشروع العربي لم يكن وحيدًا، كما كان المشروع الأوروبي إبان النهضة في القرن السادس عشر وإلى الآن من دون منافسة؛ في حين أن مشروعنا النهضوي العربي ينافسه مشروعان: الأوروبي الاستعماري والصهيوني. وهذه المنافسة، بل المعارضة والمقاومة، كان لها دور كبير – ومازال – في إحباطات عاناها المشروعُ العربي نكساتٍ وعدم تحقيق مطالب وأهداف.

س.ب.: في العام 1909، ذهل فرح أنطون – الذي حمل وطنه في حقيبة ومجلة وهاجر – حين رأى الولايات المتحدة تنتقل في سرعة من التشرذم إلى التطور، وردَّ الأسباب إلى وجود رابطة عادلة بين الشعب وشخصية قادرة موثوقة في القيادة، إلى وجود الأحزاب والمعارضة والصحافة وفصل السلطات وضمان القضاء. سؤالي: إن ما نعانيه في العالم العربي المعاصر اليوم هو غياب للكثير من تلك الشروط على المستوى الذاتي والموضوعي. فكيف يتم النهوض في رأيك؟

م.ع.ج.: لا، الوضع في خير، وهناك ما يبعث على الأمل. لكني أعتقد أن ما يؤرقنا جميعًا هو كيف ننقل الفكر من النخبة المثقفة إلى الجماهير. كيف نحول الفكر إلى قوة مادية تصنع التاريخ وتبدِّل الاتجاهات، وتوقف، بالتالي، الاستلاب الحضاري؟ وهذه عملية تحتاج إلى بُعد زمني، إلى وقت. ما نعانيه جميعًا في الوطن العربي هو غياب الديموقراطية وحرية الصحافة وتبادل الأفكار والكتب. فكيف يقوم الحوار على النحو المطلوب؟ أعتقد أن الحظ سيكون إلى جانبنا في العقود المقبلة؛ ومهما حصل من تغييب للديموقراطية تحت أيِّ شعار فقد سقط ذلك كله، ولا مجال للبحث عن الشرعية خارج الديموقراطية.

علينا أن نسعى إلى تعميق النتائج؛ وأعني أن مهمتنا – كمثقفين – تكمن، من الناحيتين التاريخية والحضارية، في تكوين نخبة مثقفة أوسع. ومن هذه النخبة يبرز مثقفون عضويون، ويصار إلى إيصال العمل الفكري إلى القاعدة. لكن السؤال: هل إننا جميعًا نريد الديموقراطية ونسعى إليها؟ أرى أنه يمكن العودة بجميع قضايا الحداثة إلى أصل واحد، هو المصلحة العامة. فما يحقق مصلحة الفرد والمجموع واجب.

س.ب.: حديثك وتصنيفك لمشاريع حضارية تتداخل وتتصارع يدل، في جانب منه، إلى نظرية صموئيل هنتنغتون وسواه حول "صِدام الحضارات". كيف ترى، دكتور جابري، في ضوء العولمة والعلاقات الحضارية، مدى تأثر الحضارة العربية بذلك؟

م.ع.ج.: رددتُ على هنتنغتون في قضايا في الفكر المعاصر وفي مقالات متعددة متفرقة. وفي أية حال، خلاصة المشكلة في ذهن الأمريكيين وسواهم أنها مشكلة المصالح الأمريكية، ليس إلا! وإذا كان الأمر كذلك – وهو صحيح – فعلينا أن نفكر في توازن المصالح، مصالح النهضة أو سواها، على أن يؤخذ في الاعتبار هذا الأمر الجوهري في العلاقات. أرى أن الأمريكيين يختبئون خلف خيالهم بالقول بأنه "صراع حضارات"! إنه توازن مصالح، لا صراع حضارات.

س.ب.: طرح بعض علماء الاجتماع الفرنسيين، وتحديدًا بورديو، نظرية "الحقول" بالنظر إلى الواقع الاجتماعي: حقل المعرفة، حقل الإعلام، إلخ. كيف ترى إلى هذا النسق؟

م.ع.ج.: إنها وجهة نظر في أية حال. نظرية بورديو لم يبقَ لها ذاك الوهج السابق. هي وجهة نظر كسواها، تعيش فترة ثم يأفل وهجُها، وتأتي وجهات نظر أخرى. بيد أن الواقع يتغير: فقد ترى اليوم حقلاً وتختفي حقول، ويرى آخر حقولاً. في النهاية، كلها وسائل خاصة في ما يتعلق بالسوسيولوجيا – وقوام السوسيولوجيا أنها تتغير في استمرار. ومتابعة التغيير تستلزم الأفكار والنظريات. لذا فإن تصنيفات من هذا النوع، في رأيي، هي إجرائية تبعًا لنوع العمل الذي نقوم به. فلو أفادت سهَّلت العمل – وإلا فهناك تصنيفات أخرى نخلقها ونحاول الإفادة منها.

س.ب.: في المجتمعات العربية، أو لنقل في بعضها، ثمة إشكالية تظهر في علاقة السياسة بالدين. هنالك أطروحات عَلمانية، من ناحية، وأطروحات أصولية من ناحية ثانية؛ مما يُنتِج أحيانًا توتراتٍ عنيفة.

م.ع.ج.: موقفي من هذه القضية واضح من زمان. العَلمانية لنا، نحن العرب، شعار، لا مضمون، لأن مضمونها في الغرب ثلاثة أمور: العقلانية والديموقراطية وفصل الدولة عن الكنيسة، وهي معروفة تاريخيًّا. وإذ ليست لدينا كنيسة ولا دولة [ضحك]، أعني ولا كهنوت، تبقى المسألة تعنينا في الديموقراطية والعقلانية، ويسعنا أن نلغي من قاموسنا كلمة "عَلمانية" ونستعيض عنها بالديموقراطية والعقلانية. إنه موقفي منذ السبعينيات، ولا أزال متمسكًا به.

س.ب.: لكن ثمة مواجهات في الجزائر، مثلاً، تزرع الشقاق بين المجتمع المدني والسياسات المدنية، من ناحية، وبين الأطروحات الأصولية، من ناحية أخرى...

م.ع.ج.: أعتقد أن هناك خلطًا في المصطلحات. فأن يضع المرء المجتمع المدني في مقابل الأصولية فهذا موروث فرنسي، كان سائدًا في زمن الثورة الفرنسية والثورة على الكنيسة؛ فكان "المجتمع المدني" الذي لا يخضع للكنيسة كسلطة تحكم الأجساد وتحكم الزمن. وهذا الأمر غير متوافر لدينا ولا ينطبق علينا. وكذلك نقل هذه المصطلحات وإسقاطها على الوضع في الجزائر، فهذا من طغيان المصطلح الفرنسي في الجزائر. ولو تأمل الناس في هذه الكلمات ومدلولاتها ومصادرها لوجدوا أنها لا تصح في وصف حالتنا. فالتعارض بين المجتمع المدني والأصولية كلام بلا مضمون واقعي.

س.ب.: لكني أرى أطروحات أصولية تذهب إلى حدِّ رفض منطق الدولة برمَّته، وصولاً إلى تكفيرها وإعلان الحرب عليها، وترفض كذلك قيم المجتمع القائم على أسُس مدنية.

م.ع.ج.: أولئك أقلية في المجتمع يقولون بذلك. ولا يسعك أن تمنع مجتمع من تعدد الأفكار والصياغات والسياسات والتوجهات. إنه عمل نخبة تقليدية وعمل نخبة حديثة؛ لكن المجتمع كله والجماهير ليست منشغلة بتلك الموضوعات إلا في بعض البلدان العربية ذات الأقليات الدينية. أو ثمة مَن ينادي بـ"الدولة الإسلامية" بنوع من الفهم، كالخوارج مثلاً، أو بنوع آخر من الفهم. ومابرحت الرؤيتان مختلفتين، ولم تزل الرؤيتان السنِّية والشيعية قائمتين. هذه أمور طبيعية.

الإسلام ليس فكرًا وحيدًا؛ الإسلام فكر متعدد لأنه اجتهاد. والتطرف موجود في كلِّ مجتمع. لكن المشكلة تحصل عندما يتحول التطرف من الهامش إلى قوة مهيمنة في الوسط. المشكلة يجب أن تُبحَث في الاقتصاد، لا في الفكر. هناك، إذن، مشكلة اقتصادية وحاجات إنسانية ودور سياسي وغياب للديموقراطية وللعدالة الاجتماعية. عند ذاك، أي عند معالجة هذه المشكلات، ينسحب التطرف إلى الهوامش. الناس تبحث عن مكان في الدولة، عن دور، عن منزلة، عن عمل، عن حقوق، عن مكان في السلطة. ولو أُقفِلَتْ جميعُ الأبواب لا يبقى إلا باب التطرف!

س.ب.: سؤالي الأخير هو عن العقل العربي – وهو موضوعك الأثير الذي اشتغلت عليه منذ العام 1984 في كتاب تكوين العقل العربي. كما أصدرت حديثًا كتابك العقل الأخلاقي العربي، وأثرت في كتاباتك حول هذا الموضوع معضلاتٍ بنيوية عميقة. أين أنت اليوم من المغامرة، من "المشروع" ومن المسافة الزمنية منه؟

م.ع.ج.: والله أنا سعيد لكون كتبي في موضوع العقل العربي قد أثارت أصداءً جيدة ومناقشات وسجالات. وعبارة "العقل العربي" لم تكن منتشرة وباتت منتشرة. كما أن التقسيم الذي اعتمدته، أي "بيان البرهان" و"بيان العرفان"، باتا متداوَلين أيضًا. المهم، في عالم الفكر، أن تبقى الفكرة حيَّة، يؤيدها بعضهم ويعارضها بعضهم الآخر؛ المهم أن تبقى شغل الجميع. وهو أمر مهم لي، ويعني أن الكتاب لم يولد ميتًا، وهو في طبعته الثامنة. ماذا يريد الكاتب سوى أن يُشرِك معه الآخرين في همِّه؟! وأعتقد أننا جميعًا نحمل همًّا واحدًا.

اليوم، بعد مرور هذه الفترة الزمنية (17 عامًا) على صدور أول كتاب في المشروع، وهو تكوين العقل العربي، أعتبر أن المغامرة لا تزال مستمرة؛ وبعدما لقيتْه الأجزاء الثلاثة من التفاعل والاهتمام، أقول إن المخاض يجري في قوة وحيوية على مستوى طموحات شبابنا الجديد ليضع القول في مكانة التاريخ. كتابي الذي صدر اليوم في العقل الأخلاقي العربي هو ورشة تحليلية نقدية لنُظُم القيم في الثقافة العربية، ويصب استكمالاً في المشروع عينه. وقد دفعني أكثر فأكثر إلى إنجازه إدراكي أننا نعاني ليس فقط من فراغ في محاولات سابقة في هذا المجال، بل ثمة فراغ في مجال التأريخ الفكري الأخلاقي في الإسلام.

*** *** ***

حاوَرَه: سليمان بختي

عن النهار، السبت 21 تموز 2001

 

ببليوغرافيا

بعض مؤلَّفات محمد عابد الجابري الصادرة عن "مركز دراسات الوحدة العربية"

1.      ابن رشد – سيرة وفكر: دراسة ونصوص، طب 2: 2001

2.      إشكاليات الفكر العربي المعاصر، طب 5: 2005

3.      بنية العقل العربي: دراسة تحليلية نقدية لنظم المعرفة في الثقافة العربية، طب 7: 2004

4.      التراث والحداثة: دراسات... ومناقشات، طب 2: 1999

5.      تكوين العقل العربي، طب 8: 2002

6.      تهافت التهافت: انتصارًا للروح العلمية وتأسيسًا لأخلاقيات الحوار، طب 2: 2001

7.      حفريات في الذاكرة من بعيد، طب 2: 2004

8.      الخطاب العربي المعاصر: مراجعة تحليلية نقدية، طب 5: 1994

9.      الديمقراطية وحقوق الإنسان، طب 3: 2004

10.  الدين والدولة وتطبيق الشريعة، طب 2: 2004

11.  العقل الأخلاقي العربي: دراسة تحليلية نقدية لنظم القيم في الثقافة العربية، طب 1: 2001

12.  العقل السياسي العربي: محدداته وتجلياته، طب 4: 2000

13.  فكر ابن خلدون – العصبية والدولة: معالم نظرية خلدونية في الفكر الإسلامي، طب 6: 1994

14.  في نقد الحاجة إلى الإصلاح، طب 1: 2005

15.  قضايا في الفكر المعاصر: العولمة – صراع الحضارات – العودة إلى الأخلاق – التسامح، طب 2: 2003

16.  المثقفون في الحضارة العربية: محنة ابن حنبل ونكبة ابن رشد، طب 2: 2000

17.  مدخل إلى فلسفة العلوم العقلانية المعاصرة وتطور الفكر العلمي، طب 5: 2002

18.  المسألة الثقافية في الوطن العربي، طب 2: 1999

19.  مسألة الهوية: العروبة والإسلام... والغرب، طب 2: 1997

20.  المشروع النهضوي العربي: مراجعة نقدية، طب 2: 2000

21.  نحن والتراث: قراءات معاصرة في تراثنا الفلسفي، طب 1: 2006

22.  وجهة نظر نحو إعادة بناء قضايا الفكر العربي المعاصر، طب 3: 2004

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

Editorial

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود