الخلافة بين الزمن الاجتماعي والزمن الصوفي

 

يوسـف العـاملـي[*]

 

1

إنَّ تصارُع الأحداث في الدنيا يخلق في المجتمعات البشرية تقاليدَ وأعرافًا مقيَّدة بقيد الزمن الاجتماعي. فهل المستهلَكون في هذا الزمن الوهمي قادرون أن يعرفوا حقيقة وجودهم بواسطة عيونهم الشحمية؟!

سؤال يستدعي منَّا، قبل الإجابة عنه أو حتى طرحه، مقدماتٍ من الأسئلة المفزعة مطروحة على الوعي الاجتماعي، منها ما هو وجودي ومنها ما هو اجتماعي، وأولها: ما علاقة الوعي الاجتماعي بالزمن؟

وتتوالى الأسئلة تباعًا: وما علاقة الزمن بالوعي الاجتماعي؟ وهل تستطيع الرؤيةُ بواسطة العيون الشحمية إدراكَ تلك العلاقة؟ وهل يوجد وعيٌ أصلاً خارج هذا الزمن الاجتماعي؟

2

إنَّ كينونةَ أيِّ مجتمع بشري مرتكزةٌ على فهم التحدي الذي تُحدِثُه مجرياتُ الأمور السياسية والاقتصادية والشخصانية المكوِّنة له. ذلك أن هذا التحدي يُحدِثُ مفاهيمَ تصادُميةً بين أفراد المجتمع الواحد – الشيء الذي يدفع بعض أفراد ذلك المجتمع، المفتون بتصارُع الأحداث داخل الزمن، إلى الهجرة بعيدًا للبحث عن مفاهيم وجودية كائنة خارج مفهوم الصراع الاجتماعي الذي تُحدِثُه العيونُ الشحميةُ المنهوكةُ في مقارنة الغني بالفقير، والفقير بالغني، والأعلى بالأدنى، والحرمان بالعطاء، إلخ.

فكيف لمجتمع يستهلك أفرادُه أوقاتهم في الإطاحة بعضهم ببعض أن يعرف معنًى للوجود خارج دائرة الصراع؟! وهل للصراع وجودٌ حقيقي، أم أنه من صنع الوهم الاجتماعي؟

3

أوجدتِ الإرادةُ الكلِّيةُ الإلهيةُ العنصرَ الآدمي من أجل تحقيق الخلافة الإلهية على وجه الأرض؛ فكان أبو البشر جميعًا وحيدًا وإلهيًّا، ولم يخطر بباله قط أن لمفهوم الخلافة أوجُهًا أخرى تتمثل في ذرِّيته التي سوف يتولَّد بعضُها من بعض كما يتولَّد الوعيُ من اللاوعي.

جاءتِ المجتمعاتُ البشريةُ كلُّها من أجل فهم وجودها أولاً – الشيء الذي استهلكتْه بعض الحضارات الغابرة في الزمن، كحضارة الفراعنة، وقبلها حضاراتٌ منسيةٌ وصلتْ إلى أوج التقدم الإنساني، وهي حضارات كونية، مثل حضارة أطلنتيس الغارقة في الزمن.

فهل المجتمعات البشرية اليوم، بكلِّ إثنيَّاتها وثقافاتها ودياناتها، قد فهمت ما يجب عليها فعلاً أن تعيه في علاقتها مع كينونتها الوجودية، كما فعلت تلك الحضارات الغابرة في الزمن؟ أم أنها غارقة في حلِّ مشكلاتها وتنظيف وسخها "الحضاري" المتمثل في التلوث البيئي والاجتماعي والأُسَري؟!

4

لا أظن أنَّ هذا الزمن المعبَّر عنه بـ"زمن العولمة" قادر على تخطِّي ما أنتجه من نفسه، لأنه كان أنانيًّا في تعاطيه مع معطيات الماضي، ولأنه، كذلك، استقل بذاته في ذاته، فأنتج بشرًا صناعيًّا يحمل مفاهيم مغلوطة عن الخلافة.

فللخروج من الأزمة المفتعلة بالطاقة الإنسانية علينا أن ننتج وعيًا صوفيًّا إدراكيًّا حركيًّا يُصلِحُ فينا ما أنتجتْه الأنانيةُ البشريةُ الحاقدةُ على نفسها بواسطة العيون الشحمية والزمن الاجتماعي.

ألم يقل فيلسوفُ الشعراء:

واللبيبُ اللبيـبُ مَن ليـس * يغتـرُّ بكوْنٍ مصيرُه للفساد

فسادٌ وكونٌ حادثان كلاهما * شهيدٌ بأن الخلقَ صُنْعُ حكيم

يحطِّمنـا ريبُ الزمـان كأنَّنا * زجاجٌ ولكنْ لا يُعاد لنا سَـبْك

يُفني ولا يفنى ويُبلي ولا يبلى * ويـأتـي برخــاءٍ وويـل

ولـو طـارَ جبـريـلُ بقيَّـة عـمـره * عن الدَّهر ما استطاع الخروجَ من الدهر

نَـزول كـمـا زال أجـدادُنـا * ويبقـى الزمـانُ على ما ترى

أما المكان فثابت لا ينطـوي * لكـنَّ زمـانك ذاهبٌ لا يثبت

وما الإنسـان في التطواف إلاَّ * أسـير للزمـان فمـا يُفـك

وإنِّي وإنْ كنتُ الأخير زمانه * لآتٍ بما لم تستطعْه الأوائل

؟؟؟

5

إنَّ عشقي لك – الذي هو عشقكَ لي – قد أوقف دواليب الكون، فتداعتْ عليَّ أسرارُك – التي هي أسراري، فعانق عالمي – الذي هو عالمكَ – عالمي.

العشق يحرق الأحاسيس كلَّها ويجعل إحساسَك إحساسي، يحرق المصطلحات كلَّها ويبني من النور عوالم الحبِّ الخالدات.

لا أدري، أعشقي لك هو الذي سبق أم أن عشقكَ لي هو السابق؟! لا هذا ولا ذاك، بل العشق الذي أنت فيه عاشقٌ ومعشوق. فالعشق هو البيكار، والمعشوق نقطة ارتكازه، والعاشق دورانه.

فعندما تمتلئ عشقًا ويتملَّككَ عشقُ ذاتكَ الأبدي سوف تقفز عن الزمن الكوني – فما بالك بالزمن الاجتماعي؟!

6

يا أيُّها العالم، إنَّ مصير وجودك هو استقامة خلافتك.

*** *** ***


 

horizontal rule

[*] كاتب من المغرب الأقصى.

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 إضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود