تـوضيـح
من هيئة تحرير معابر

 

بالمقالات التالية:

-       افتتاحية أيلول 2008 بعنوان: "لماذا مرمريتا؟" لديمتري أڤييرينوس، التي تعكس تمامًا وجهة نظر معابر إلى "الورشة" وما جرى خلالها من نقاش وتحاول توسيع هذا النقاش وتعميمه ما أمكن، و

-       مقال "بعض النقاط على بعض الحروف" لأكرم أنطاكي، الذي ناقش فيه بعض القضايا الإشكالية التي طرحها الفيلسوف والمناضل اللاعنفي جان ماري مولِّر، ضيفنا في هذه الورشة، و

-       مقال "التوفيق بين الاقتضاء الروحي والواقعية السياسية" لجان ماري مولِّر، الذي وضَّح فيه مواقفه من تلك القضايا ردًّا على مقال أكرم أنطاكي المذكور –

بهذه المقالات، نقول، نختتم ملف ورشة العمل التي انعقدت من 20 إلى 22 حزيران 2008 في بلدة مرمريتا السورية بعنوان "اللاعنف، الثقافة، التربية" ونفتح صفحة جديدة سوف ننكب خلالها على مناقشة معمقة لما طُرِحَ فيها من مفاهيم وأفكار تتعلق باللاعنف، كفلسفة وكإستراتيجية عمل، ولإمكانية تطبيقها في واقعنا.

فمن الواضح جدًّا، في نظر مَن تابع على صفحات معابر، في إصدارها الخاص السابع، مَحاضر الورشة و/أو سيقرأ المقالات المذكورة أعلاه قراءةً متأنية، أن نقاشًا عميقًا – احتدَّ أحيانًا – دار خلال هذه الورشة، واستمرَّ بعدها، حول عدد من المفاهيم والقضايا.

ما نود توضيحه هنا والإصرار عليه، دفعًا لأيِّ لبس، هو أنه إذا كان أكرم أنطاكي وأصدقاء آخرون شاركوا في الورشة قد عبَّروا، وإنْ بشيء من الحدة في بعض الأحيان (وهو أمر قد يؤسف له)، عن خلافهم مع مولِّر، فهذا لم يكن قطعًا بهدف الانتقاص من أفكاره، بل في سبيل استقصاء منطويات هذه الأفكار، في بُعدها العملي، بحثًا عن إمكان تطبيقها في بلادنا.

في نظر كل مَن يعرف من قراء معابر أسلوب أكرم أنطاكي الكثيف، الحافل غالبًا بالشواهد والمقبوسات، لا نظن أن مخاوف مولِّر من أن يساء فهمُ مرامي مقاله "بعض النقاط على بعض الحروف" مبررة. وفي المحصلة، نرى أن من حق قرائنا، من بعد أن يطلعوا على فحوى الافتتاحية والمقالين، أن يشكلوا رأيهم الخاص.

ففي الافتتاحية المذكورة أعلاه، أجاز ديمتري أڤييرينوس لنفسه انتقاد بعض "المناضلين اللاعنفيين" الذين، بدافع پراغماتي محض، يجدون في إستراتيجية العمل اللاعنفي وسيلة فعالة للانتصار لقضيتهم من غير أن يروا ضرورةً لتجذير "نضالهم" في فلسفة اللاعنف – وهو اقتضاء لا غنى عنه، بنظره (وهذه نقطة خلافية مع مولِّر)، لدرء كلِّ انحراف محتمل. فمع أن الحرص على فعالية العمل أمر لا يُستهان به، لا مناص، فيما نرى، أن تتألف نواة الحركة اللاعنفية، على الأقل، من نساء ورجال ذوي قناعات فلسفية لا تتزعزع، يحيون حياة مستقيمة تليق بالمُثُل التي يتوقون إلى تحقيقها في الواقع، سواء على الصعيد الفلسفي أو على الصعيدين الاجتماعي والسياسي. (ألا ينطبق هذا على جماعة "الأقوياء بالحق" satyāgrahi الذين درَّبهم غاندي بنفسه؟) كيف يمكن "التوفيق بين الاقتضاء الروحي والواقعية السياسية" – وهو توفيق مافتئ يزداد إلحاحًا في زماننا – إذا افتقر العمل السياسي إلى القناعة الفلسفية؟ وما الداعي عندئذٍ إلى "توفيق" من أيِّ نوع أصلاً؟!

من جانب آخر، إذا كانت إستراتيجية العمل اللاعنفي التي طرحها مولِّر تنطبق فعلاً على مجريات النضال في عدد من بلدان العالم فهي أضيق مدًى من أن تطمح إلى العالمية. إذ هناك بلدان، بالنظر إلى سياقها المخصوص، قد يفضي فيها اتباع هذه الإستراتيجية بحذافيرها إلى عواقب مقلقة. من هنا لا بدَّ من مقاربة واقع كلِّ بلد على حدة، مع أخذ تعقيد هذا الواقع بالحسبان. ولا يجوز هنا التغافل عن عِبَر التاريخ: فحين نشهد ما آلت إليه اليوم السياسة التي تنتهجها الحكومة الپولونية، مثلاً، يحق لنا أن نتساءل عما إذا كان التهليل لـ"تقلبات" التاريخ بين ليلة وضحاها في محلِّه دومًا (مع الترحيب، قطعًا، بسقوط أيِّ نظام توتاليتاري، ومع الحرص على محض الاحترام كلِّه للنساء والرجال الطيبين الشجعان ممَّن كانوا "أداة" لذاك السقوط، دافعين تضحيات باهظة ثمنًا لذلك في كثير من الأحيان).

من حيث المبدأ، لا شيء يمنع حركة لاعنفية من الاستيلاء على السلطة إذا ارتأت صوابه وضرورته. ولكن هل في وسع المجتمع المدني، في الحالات كافة، أن يكون كفيلاً بتشكيل "السلطة مضادة" التي يعول عليها مولِّر لمراقبة السلطة ومحاسبتها؟ هذا أمر مشكوك فيه. ولنا في نضال المرحوم الجنرال جاك دُه بولَرديير – وهو الشخصية اللاعنفية الفذة ورفيق مولِّر في الكفاح – مثال بليغ على مقدار صعوبة النضال اللاعنفي، حتى في بلد ديموقراطي كفرنسا.

إن جمال اللاعنف، كما شدد على ذلك مولِّر في محاضرته الفلسفية أيما تشديد، هو أنه أبعد ما يكون عن الإيديولوجيا. ليس هناك، إذن، "مذهب" في اللاعنف واحد أوحد؛ وبالتالي، ومن باب أولى، ليست هناك إستراتيجية عمل واحدة ممكنة. اللاعنف، بحكم طبيعته، حين يندرج في الواقع، لا يمكن له أن يكون غير "مفرد في صيغة الجمع": عديدًا من حيث التطبيق، واحدًا من حيث الأساس، بوصفه بحثًا عن الحقيقة. هناك إذن، بالضرورة، "مدارس" في اللاعنف بعدد المقاربات إلى واقع عالمنا المركَّب الشديد التعقيد. "المدرسة" التي ينطق باسمها مولِّر أحد الأمثلة المرموقة عليها؛ لكن هذا لا يلغي وجود مدارس أخرى (كمدرسة آرون غاندي، مثلاً لا حصرًا).

للأسباب السابقة مجتمعة، ارتأينا، كي لا تتشتت الأفكارُ ويضيع خيطُها القائد، بما قد يُغرِقنا في متاهات وصغائر سجال عقيم نرغب عنه أصلاً، أن نلفت نظر قراءنا الأعزاء إلى أمرين أساسيين:

1.    إن الخيار اللاعنفي، في نظر معابر كما في نظر صديقنا الكبير جان ماري مولِّر، خيار وجودي محسوم لا يقبل النقاش، لا فلسفيًّا ولا فيما يتعلق بضرورة تطبيقه على أرض الواقع – إذ حول هذا الأمر لا خلاف بيننا على الإطلاق – لكن...

2.    من خلال بحثنا عن طريق، مازلنا نحاول تلمُّسه، تطبيقًا لفلسفة اللاعنف على بلدنا ومنطقتنا وعالمنا، وجدنا أن هناك بعض النقاط الإشكالية الهامة التي مازالت تحتاج، في نظرنا، إلى التعميق والتفكر والنقاش والمُدارسة؛ وهذه النقاط هي:

أ‌.       ضرورة التعمق في دراسة بعض الآراء السياسية التي طرحها مولِّر، المتعلقة بما جرى في عدد من البلدان، كپولونيا وتشيكوسلوڤاكيا والهند حتى، من أحداث بنى عليها ما بنى من استنتاجات تؤيد مفاهيمه عن إستراتيجية العمل اللاعنفي – استنتاجات مازلنا نعتقد أنها مغالية في "تفاؤلها".

ب‌.  ما قدَّمه في محاضرته في خصوص إستراتيجية العمل اللاعنفي من "تكتيكات" اختزلت هذا العمل المدني الجبار (الذي بذل غاندي حياته في سبيله) إلى 15 نقطة – تكتيكات عملية، فعالة في أحيان كثيرة قطعًا، لكن يمكن لها، إنْ تغيرت "يافطة" اللاعنف التي تحملها، أن تتحول إلى أداة بيد أيِّ تنظيم أو حزب سياسي.

ت‌.  آراؤه المتعلقة بالدولة والثورة والسلطة، وما نتج عنها من مفاهيم مغالية في "يساريتها" وتبسيطها، كمفهومه عن "استلام السلطة"، مثلاً، وتعبير "الثورة الدائمة"، ليس حصرًا، الذي نجده، على الرغم من الشروح والتوضيحات التي قدَّمها لنا حوله، غير موفَّق في حالة اللاعنف على الإطلاق.

ولأننا جادون فعلاً في سعينا في ابتكار "لون اللاعنف الخاص بنا"، على حدِّ تعبير مولِّر، فإننا ندعو قراءنا الأعزاء إلى مشاركتنا مناقشة متأنية، معمقة، لهذه المفاهيم، عسى أن تسهم هذه المناقشة بقسط في عملية الابتكار هذه.

مع أطيب التمنيات بقراءة مُغنية.

هيئة تحرير معابر

*** *** ***

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 إضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود