فُصولي الأربعة

 

نسرين الخوري

 

الفرح: نسرقه من الحياة... لكننا نستحقه!! لقد مُنح لنا في تكويننا... منبعه من الداخل... فلماذا علينا أن نستجديه؟؟

يرفعني بقوة زنوده نحو الأعلى
فأطيرُ وأطير...
أحلِّق... إلى سماواتِ الإنتشاءِ العجائبية
لأتلذذ بالسعادةِ الصَّرفة
بقطعةٍ خامٍ من الجنة
يبدأ بها خوفي الأمومي
حتى من رفة النسيم...
أخشى أنْ يخطفَ جناحُ الهواءِ من فرحي ذرَّة...
أُطلقُ روحي فراشةً عذبة
بأجنحةِ عنقاءٍ أسطوريَّة
تراقصُ الغيماتِ الأعلى
التي تزبدُ نشوة
وأغيمُ في الفضاءاتِ البكرِ السحريةِ الزُرقة
التي لم تخدشْ ذاكرتي بعدْ.
تشرئبُ مني الأعناقُ متطاولة
خوفًا من النظرِ إلى أسفل
فإذا تعبت
سأغمضُ عيني، وأسدلُ أجنحتي،
وأعانقُ أوصالَ نفسي المُرتعشة
كي لا تبردَ أبدًا
كي تدفأَ أبدًا
بذاكَ الوَهجِ العلويِّ...
وسأغمضُ وأغمض
كي لا يحرقَ شعاعُ ضوءٍ منسلٍ حُلمي
كي أنسى وأنسى... ولو إلى حين
ساعةَ اليقظة.

*

القلق: إنه النبض الذي نُحيي به القيمة في الحياة... فلماذا نَعيبُ فيه مشاعرنا؟؟

كلَّما أفكرُ
يَقرعُ طبولاً إفريقيةً في دمي
يعصفُ مُوتِّرًا أعصابي على نغمٍ نشاز
يهزُّ جدرانَ شراييني
فيضطربُ النبضُ، ويختلطُ الاحساس.
يدقُّ فيَّ إسفينًا فولاذيًا
استعدادًا لصلبٍ غيرَ محددِ الأجَل.
تستنفرُ جيوشُ المَسامات
وتبدأُ الغددُ مناوباتِ عملها الإضافيَّة
حتى أطراف شَعري المُسترسِل تُلقي براياتِ السلامِ
لتعلنَ كلُّ ذرةٍ فيَّ حالةََ الطوارئ
استعدادًا لتفكيرٍ طويل
وتحليلٍ كثير
وحساباتٍ مكررة
توقعاتٌ واحتمالات
خشيةٌ واستعداد
ترقبٌ وأمل
خوفٌ ووجل.
تُرى مِنْ أين يَستمدُ شعبُ جسدي كلَّ هذهِ القوَّةِ للاستنفار؟؟
ولماذا، لماذا يعتملُ فيَّ كلُّ هذا؟؟
فقطْ لأني أفكر؟؟
فقط لأني أكترث؟؟

*

الخوف: إنه مجرد وهمٍ يصدُّنا عن النهوض!

مشاريعي الصغيرة تتكومُ أمامي
أسمعُ صوتَ أكداسِ الملل
زفراتِ احتضارِ أحلامي
التي انتهكتْ حُرمتَها عكاكيزُ عَجزي وإعاقتي...
لا أستطيعُ أنْ أتحرَّك
أشعرُ بهِ يضعُ يدَهُ فوقَ رأسي
يضغطني نحو الأسفل
وبشدةٍ وبعنف...
أُكوِّرُ رأسي داخلَ ذراعييَّ المُلتفَين
بوضعيةِ جنينٍ نائمٍ في رحمِ أمه... لكنه غيرُ هانئٍ أبدًا.
أشياءُ الحياةِ وخيالاتها تناديني لكي أنهض
وأنا أنتحب...
لكني سأحاول،
سأحاولُ أنْ أستشفََّ بصيصَ نورٍ.
رقبتي تؤلمني... إنها يدُهُ الجَلفة.
سأحاولُ المزيد...
لقد رأيتُ نورًا بعيدًا
سأرى هل سأستطيعُ تحريكَ يدي.
إنها تتحركُ ببطءٍ وألم
سأفلتُ من قبضتِهِ وأهربُ إذنْ
سأمدُّ قدمي وأقف
وسأتعاركُ معهُ رُغمَ ضَعفي
لأني تَعبتُ من الجمود
تكسَّرتْ أضلُعي منَ التَّكور.
سأقف... فليساعدْني الرَّب
وليكنْ معي
سأواجههُ حتى أنتصرَ أو أموت...

بدأتُ أشمُّ رائحةَ الحياة
أريدُ أنْ أتنفسَ هذهِ الرائحة
أريدُ أنْ أعيشَ كإنسان
أنا لستُ خُلدًا
سأقف
سأقف...

وقفت
لم أعدْ أشعرُ بيده
سألتفت
سأواجهه
أين هو؟
أين هرب؟
تُرى هل كانَ هنا؟
هل كان موجودًا؟

*

الحزن: يصلح أن نعتبره خلفية لمشاعرنا كلما انتهينا من إحساس نعود إليه. لكن إن طال وقوفنا فيه تتحول اللحظة إلى افتراس يقضي على كل ما هو جميل في حياتنا.

كيفَ وصلتُ هنا؟؟
كيف انجرفتُ إلى هذا القاعِ المُعتم؟؟
تُحيطني ظُلمةُ مَخاوفي.
تلبسُني بشاعةُ أشباحي.
أخافُ تلمُّسَ الجدرانِ المخدوشة.
ستصيبني عدوى الصدعِ والانكسار
فبداخلي جدرانٌ ناتئةٌ أيضًا
عششتْ فيها دماملُ محتقنة
أخشى أنْ تُفقأ...
فأصطبغَ للعلنِ بلونِ القَيحِ الأسودِ المُعتَمِلِ داخلي.
أحاولُ أنْ أهربَ... أنْ أجدَ منفذًا
تصدُّ العتمةُ بصري
أتخبطُ وأقع
تخترقني روائحُ الشرورِ المُتعفِنة
أشعرُ بمذاقِ يباسِ الأرضِ وجفافِ البشر
أرى ستاراتٍ سوداءَ كتيمة
تَهبطُ بقوةٍ على أصخبِ المَسارح
فتُغيِّبُ وراءَها كلَّ فرحٍ وجمالٍ سابق.

مع هذهِ الرؤية
يصبحُ التفكيرُ أسْوَأَ عقابٍ للإنسان
يصبحُ انتزاعُ العقلِ من الدماغ
صمامَ أمانٍ كي لا ينفجر...
كي لا تُغرقنا كآبتنا إلى أعمقِ أعماقِ العَدَم
بحثًا دونَ جَدوى
عن رصاصةِ رحمتِنا الضائعة.

*** *** ***

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 إضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود