ما أمسي ما غدي؟

القرد ليس أبًا للإنسان بل نسيب فاشل لم يتطور

 

ضاهر مرعي ريشا

 

كتاب جديد للأب الفيلسوف يوحنا قمير، غرضُه، كما يتضح من عنوانه، عَرْضُ ما توصَّل إليه العلمُ من معرفة ماضي الإنسان، منذ ظهوره على سطح الأرض إلى تطوره البيولوجي واستشراف ما هو صائر إليه.

الأب قمير واحد من رعيل من العلماء سبقوه إلى طرح هذا الموضوع، وصبَّتْ الكنيسة عليهم غضبها، ولاحقتْهم محاكم التفتيش، ورشقت البعض منهم بالحرم، والبعض الآخر حرَّمتْ على المؤمنين قراءةَ كتبهم واقتناءها (منهم الأب تلار دُه شاردان).

في التمهيد لكتابه ما أمسي ما غدي؟ يسلِّم الأب قمير بنظرية التطور الكوني والإنساني، ويحاول تبيُّن ماضي الإنسان وآتيه، منطلقًا من معطيات علمية، ليثبت ما يثبته في ما بعد الطبيعة ونهاية عمر الإنسان. وكأني به يستجيب لدعوة البابا يوحنا بولس الثاني التي أطلقها سنة 1988 عندما حضَّ العلماء واللاهوتيين على العمل لرؤية "جديدة موحِّدة".

جاء في مطلع الكتاب أن أول خطوة خطاها المعدن الميت كانت قبل 3.200 مليون سنة؛ وظهر أول حيوان قبل 700 مليون سنة؛ وظهرت، بالتالي، الفقريات واللبونات والإنسان – وهو آخر إنجازات التطور.

ويستطرد الأب قمير: من الصعب التمييز بين متحجرة قردية ومتحجرة إنسانية، وخصوصًا القرود الكبار: الشمبنزي والغوريلا والأورنغ أوتان. وأقصى ما يسلِّم به العلم أن القرود والإنسان سلالتان تفرعتا من أصل واحد وتشابهتا. ليس القرد جدُّنا ولا والدنا، إنما هو نسيب فاشل توقف عن التطور منذ 12 مليون سنة، بينما ظلَّ الإنسان يتطور. والفرق في مسيرة التطور هو الذي أدى إلى فوارق عدة.

بعد المقدمة، يعدِّد الأب يوحنا قمير الفصائل الإنسانية التي ظهرت على وجه الأرض من خلال ما اكتُشِفَ من متحجرات وعظام إنسانية وهياكل بشرية وقردية ومن آثار وآلات تبيِّن وجه الشبه بين السلالات وسِمات تطورها.

1.    سلالة الإنسان الذي اكتُشِفَ في مصر. وتُقسَم إلى فرعين: المصري والبروبيلوني؛ ويعود تاريخها إلى 35 مليون سنة.

2.    الإنسان الأوريوني: وملامح القرد غير غائبة عنه، وانقرضت سلالتُه دون عقب.

3.    الأسترالي، أي الجنوبي: عاش قبل 4-8 ملايين سنة.

ويمكن ترتيب الفروع الأسترالية كما يلي:

أ‌.       الأسترالي العفاري: عاش 3 ملايين ونصف مليون سنة.

ب‌.  الأسترالي الأفريقي: عاش 3 ملايين ونصف مليون سنة.

ت‌.  الأسترالي المفتول: عاش قبل مليوني سنة.

ث‌.  الأسترالي الماهر: عاش قبل مليوني سنة، وهو أكثر تطورًا من سواه؛ كان له بيت وأسرة، وليس معروفًا إذا كان نطق بكلمات.

ج‌.    الأسترالي البوازي: عاش منذ 1.700.000 سنة.

هذه السلالات الأسترالية عاشت ملايين السنين. إلا أنها انقرضت دون أن يُعرَف سببُ انقراضها.

الإنسان المنتصب Home erectus

عاش هذا الإنسان منذ مليون ونصف مليون سنة، وهو يحمل ملامح قردية وملامح إنسانية وملامح بدائية. وهو سليل الأسترالي الماهر Homo habilis، وجدُّ النياندرتالي Homo neandertalensis الأوروبي والإنسان العالِم العالِم Homo sapiens sapiens.

أ‌.       الإنسان النياندرتالي العالم: وهو أحدث متحجرات الإنسان النياندرتالي العالِم، وعمرها 300.000 سنة. وأقدم متحجرات النياندرتالي العالم عمرها 100.000 سنة. ظهر هذا الإنسان في أوروبا، وانقرض منذ 40.000 سنة؛ وبعضه الباقي منذ 35.000 سنة. بنى مسكنًا، استعمل النار، صنع بعض الآلات، ودفن موتاه.

ب‌.  الإنسان العالِم العالِم: ظهر منذ 40.000 سنة في الشرق الأوسط. تعايَش مع الإنسان النياندرتالي، وتزاوجا. وهو أقرب الفصائل الإنسانية إلى إنسان اليوم، شكلاً وحجمًا وقدرة على الكلام: استعمل الآلات الدقيقة، وأتقن دفن الموتى، وظهر على يده الفن، رسمًا ونحتًا ونقشًا. هؤلاء هم أجدادنا ونحن أحفادهم؛ وما نحن عليه اليوم هو حصيلة تطور إنسان بدائي، منذ فجر وجوده إلى يومنا هذا.

يعقِّب الأب يوحنا قمير على هذا التقصِّي في تطور السلالات الإنسانية بالقول:

كان التطور نظرية، فأصبح واقعًا. وعلم المتحجرات لعب دورًا مهمًّا في تاريخ الأحياء وتاريخنا.

كانت الأرض، ولم يكن عليها حي قبل 1.5 مليون سنة؛ ثم عقب وجودها أحياء، وكان تطور: تعدَّد الحي، تنوَّع، تفرَّع، تعقَّد، وتصاعد.

الإنسان هو سليل ما سبقه من أحياء: سليل الفقريات واللبونات وآخر الرئيسات primates: جدُّنا حيوان،  أبونا حيوان، نحن أحد الأنواع الحيوانية – وإن نكن أرقاها.

يجزم الأب يوحنا قمير أن تطور المادة وتطور الأحياء لم يحدثا عن طريق الاتفاق، لأن المادة تخضع لقوانين تحملها على التطور.

إن الطبيعة–المادة، أو المواد التي تتركب منها أرضنا وكوننا، هي انطلقتْ بها وطوَّرتْها. وسبب تطورها هو طبيعة الأشياء نفسها. أما السبب البعيد فهو خالق تلك المواد بتلك الطبائع: الله هو الذي وضع في العناصر الطبيعية اتجاهًا معينًا، فجارت العناصر طبائعها، واتجهت اتجاهها، وكان تطورها وما آلت إليه.

هل يتوقف التطور وتعيش الإنسانية مرحلة استقرار بيولوجي نهائي؟

يجيب الأب قمير عن هذا السؤال:

أ‌.       لا يتوقع العلم ظهور فصيلة إنسانية جديدة.

ب‌.  يرجِّح تطور دماغنا وظهور إنسان أذكى منا.

ت‌.  يشير إلى احتمال ظهور إنسانية جديدة إذا تحكَّم العلم بالتركيبة الجينية الوراثية.

ث‌.  يرجِّح استمرار تطور نوعنا الراهن، وبنوع خاص، تطور دماغنا.

ثم يطرح الأب قمير سؤالاً آخر حول غدنا الآتي بالقول:

هل نهاية العمر نهاية المطاف؟

للإجابة عن هذا السؤال يقول: انطلقت الحياة من المادة، وتطور الحي حتى أصبح إنسانًا عاقلاً. والموت مآل كلِّ إنسان. فهل ينتهي به كلُّ شيء ويُسدَل الستار على جماد، لا عقل فيه ولا عاقل؟

*** *** ***

عن النهار، الأحد 30 حزيران 2002

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

Editorial

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال يوسف وديمة عبّود