لعبة الأرقام
خرافات وحقائق وأنصاف حقائق حول النمو السكاني البشري والبيئة[1]

 

جيم موتاڤيللي
ترجمة: معين رومية

 

ثمة حقل ألغام في الحركة البيئية الأمريكية، واسمه عدد السكان. ولأن التخويض في هذا الحقل خطر جدًّا فإن العديد من المجموعات البيئية والزعماء توقفوا عن محاولة عبوره. إنما سيكون إنكارًا للواقع تجاهُل عدد السكان كقضية مركزية في الوقت الذي نتحدث فيه في حرية عن التوسع العمراني العشوائي sprawl، وتلوث الماء والهواء، وخسران التنوع الحيوي والأراضي الزراعية وموائل الحيوانات، وعن الاحترار العالمي global warming والكثير من القضايا البيئية الحاسمة الأخرى.

إن عدد السكان – والهجرة خصوصًا – ليسا من القضايا السهلة أبدًا. ففي الولايات المتحدة، على الأقل، يعادل النمو السكاني تقريبًا الهجرة. فإذا أسقطنا أعداد المهاجرين بعد العام 1990، فإن عدد سكان الولايات المتحدة سيكون في حدود 310 ملايين نسمة في العام 2050؛ أما مع معدلات الهجرة الحالية، فيقول «مكتب الإحصاء الرسمي» إنه قد يصل إلى 438 مليون نسمة. ويمكن لعدد السكان أن يتضاعف مرتين بحلول العام 2100؛ ويُعزى ثلثا ذلك النمو إلى الهجرة.

وهذه بعض عواقب نمونا السريع: فمع نموِّ عدد سكان الولايات المتحدة بمعدل ثلاثة ملايين نسمة سنويًّا، نفقد فدانين من الأراضي الزراعية كل دقيقة، وفقًا لما يقوله «اتحاد الأراضي الزراعية الأمريكي». ويكلِّف الاكتظاظ المروري السائقين 78 مليار دولار كلَّ عام، كما يقول «مشروع المعلومات الطرقية». ويتفاقم نقص خطير في المياه في طول البلاد وعرضها، علمًا أن المخزونات المائية، التي اعتُبِرَتْ ذات يوم لا تنضب، قد تجف. ويحاجج لو دوبس، الكاتب الصحفي النقابي، بأن النمو السكاني الذي تتسبب فيه الهجرة يلقي «عبئًا ثقيلاً» على مواردنا الطبيعية الوفيرة، وأن الولايات المتحدة لن تصدِّر الغذاء أبدًا بحلول العام 2025 إذا استمر المعدل الحالي للنموِّ السكاني على حاله.

يغذِّي بعضُ هذه المشكلات بعضَها الآخر: فالنمو السكاني يؤدي إلى زيادة إنتاج الولايات المتحدة من غاز الدفيئة، وهذا بدوره يجعل الأزمات الموجودة أكثر حدَّة. فعلى سبيل المثال، تشير إحدى الدراسات إلى أن معظم الولايات الغربية الأمريكية – التي تواجه حاليًّا تحديًا مائيًّا – ربما تعاني هبوطًا يتراوح بين 40% إلى 76% في مستويات الهطول المطري بسبب تغير المناخ.

تتراءى تجربة الولايات المتحدة على الصعيد الدولي. فمن 6.3 مليارات إنسان على كوكب الأرض اليوم، تتوقع الأمم المتحدة أن يصل الرقم إلى 8.9 مليارات نسمة في العام 2050. (وهذا مجرَّد وسطي ثلاثة احتمالات: فالحد الأقصى لعدد السكان قد يصل إلى 10.6 مليارات، بينما الحد الأدنى قد يصل إلى 7.4 مليارات.) وإذا بقيت معدلات الخصوبة ثابتة – وهذا ليس مرجَّحًا – فإن الأمم المتحدة تتوقع أن عدد سكان العالم قد يتضاعف فعليًّا مرتين بحلول العام 2050 ليصل إلى 12.8 مليارًا.

نحن في حاجة إلى فهم جديد لآثار النمو السكاني لأن الكثير مما اعتُبِرَ معرفةً مقبولةً في هذا الموضوع هو إما خاطئ وإما صحيح جزئيًّا وحسب. ففي كثير من الحالات، تنشأ هذه الأفكار الشائعة كنتيجة للنفعية السياسية – إنها ما نريد تصديقه –، لذا فمن الضروري جدًّا أن نُخضِعَها لإعادة نظر موضوعية. وهاهنا نظرة على بعض الخرافات وأنصاف الحقائق والحقائق وما يتخلَّلها:

خرافة: إن عدد سكان العالم، بغضِّ النظر عن كونه مشكلة، يتقلَّص فعليًّا بسبب «قلَّة الولادات» على صعيد عالمي.

ثمة بالفعل ميل طفيف نحو الانخفاض في عدد السكان؛ وهو يتنامى في أوروبا الغربية وروسيا واليابان[2]. ففي أيرلندا، على سبيل المثال، يعادل متوسط عدد الأطفال لكل أسرة في هذه الأيام 1.8، وهذا أخفض قليلاً من مستوى الإحلال replacement. وعند الأزواج في إيطاليا وألمانيا وإسپانيا يعادل من 1.2 إلى 1.3 طفل وسطيًّا. ويبلغ معدل الخصوبة الوسطي 1.45 في أوروبا وفي روسيا واليابان 1.3.

لكن، في بساطة، ليس من الصحيح أن «المشكلة اليوم ليست تزايد عدد السكان، بل تناقصه»، كما يكتب «مركز إصلاح الأخلاق الحيوية» المحافظ. والسبب الذي يجعل «قلة الولادات» وحدها لا تؤدي إلى أعداد أقل هو التزايد السكاني السريع في بلدان العالم الأقل تطورًا. إذ ينمو عدد السكان في أغلب المناطق المصنَّعة جدًّا في العالم بمعدل سنوي مقداره 0.25%، كما تشير تقارير الأمم المتحدة، بالمقارنة مع معدل 1.46% – أي أسرع بست مرات – في البلدان الأقل تطورًا.

فنحن نضيف حاليًّا إلى الكرة الأرضية 77 مليونًا من البشر سنويًّا؛ ويأتي 21% من هذه الزيادة من الهند و12% من الصين و5% من پاكستان. وتساهم ثلاثة بلدان بنسبة أربعة بالمائة من النمو السكاني في العالم سنويًّا، وهذه البلدان هي بنغلاديش ونيجيريا و – يا للدهشة! – الولايات المتحدة. ونصف الزيادة المتوقعة سوف يحدث في ثمانية بلدان فقط، سبعة منها في أفريقيا وآسيا. ينمو عدد السكان في الولايات المتحدة بسرعة، على الرغم من أن 2.05 كمعدل خصوبة في العام 2002 كان قريبًا من معدل النمو صفر؛ وذلك عائد إلى ضغط المهاجرين وذراريهم (الذين يميلون لتكوين أُسَر كبيرة العدد، وفقًا لما يقوله مكتب الإحصاء الرسمي). ولهذا السبب فإن عدد سكان الولايات المتحدة ينمو بالسرعة التي نجدها في بلدان العالم الثالث الأكثر اكتظاظًا.

والاتجاه الأساسي هو أن عدد السكان في 30 من البلدان المتطورة (باستثناء الولايات المتحدة) من المرجَّح ألا ينمو كثيرًا بحلول العام 2050؛ أما في الولايات المتحدة والعالم الثالث فإنه سيتصاعد في ثبات ليصل إلى 7.7 مليارات أو أكثر.

نصف حقيقة: إن التوسع العمراني العشوائي والنقص السريع في المساحات المفتوحة ناجم عن سياسات التنمية السيئة وحبنا للسيارات.

من الواضح أن السيارة متهم رئيسي في ظاهرة التوسع العمراني العشوائي. ففي أمريكا الآن من السيارات أكثر مما فيها من السائقين، وصناعة الآليات (بالتشاور الوثيق مع جماعات الضغط المستفيدة من الطرق السريعة) تؤثر، بل وتتحكم، في سياسة التنمية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. والأذونات الرخيصة لرهن العقارات في إعلان GI Bill جعلت نشوء الضواحي ممكنًا[3]، إذ كان كل مسح جديد للأراضي يطالب بمساحات مفتوحة. وقد تصاعدت الفورة المفاجئة للضواحي أيضًا نتيجة الاكتظاظ المديني في الستينيات، مما أدى إلى إفراغ مراكز المدن. لكن النمو السكاني، العادي البسيط، هو الذي يُتجاهَل عندما يُناقش «التوسع العمراني العشوائي».

في العام 1950، كان عدد سكان الولايات المتحدة 150 مليونًا، وآنذاك كانت الضواحي جديدة. وبحلول العام 2000، أي بعد خمسين سنة فحسب، أصبح العدد 275 مليونًا. ففي كل عام، كما تقول «منظمة التوازن البيئي السكاني» PEB، نقوم بتحويل مساحة بحجم ديلاوير نحو الاستعمال البشري، بما في ذلك 400.000 فدان من الأراضي الصالحة للزراعة.

ونحن نستطيع، ويجب، أن نأخذ على محمل الجد مسائل «النمو الذكي» و«الأحزمة الخضراء» و«التمدين الجديد»، وأن نعيد تطوير «تخطيط استعمال الأراضي» و«الاستيعاب». ولكننا لا نستطيع حلَّ مشكلة التوسع العمراني العشوائي بمجرد أن ننقل الناس إلى مدن عالية الكثافة، وحتى إلى مراكز مدينية مُدارة بذكاء، مثل پورتلاند وأوريغون. إذ تُظهِر دراسات «الأثر الإيكولوجي» ecological footprint أن المدن تستعمل موارد طبيعية وقدرةَ تخلُّصٍ من النفايات لمساحة تفوق عددًا كبيرًا من المرات حجمَها في المحيط الريفي. ولهذا السبب أصبحت «أبراج القمامة» في نيويورك شهيرة.

فالهجرة تُفاقِمُ من التوسع العمراني العشوائي لأنها المساهم الرئيسي في نمو عدد السكان: وقد خَلُصَتْ دراسةٌ أجرتْها «مؤسسة كاليفورنيا للاستقرار السكاني» CAPS إلى أن الهجرة كانت مسؤولة، على نحو مباشر وغير مباشر، عن 98% من ارتفاع عدد السكان في كاليفورنيا. والفهم الشائع يقول بأن الهجرة لا تُفاقِمُ من التوسع العمراني العشوائي لأن المهاجرين الجُدُد ينتقلون إلى المناطق المدينية. لكن نصف المهاجرين في البلد اليوم يعيشون في الضواحي، و24% فقط من الأعمال التجارية للمهاجرين تتوضع في مراكز المدن.

وعلى الرغم من أن بعض مدن «الطوق» الصناعي السابقة قد اتسعت، حتى مع فقدها للسكان، فإن القاعدة العامة تقول بأن التوسع العمراني العشوائي يترافق مع النمو السكاني. وتبعًا لتقرير التحايل على النمو الذكي الذي أصدره «مركز دراسات الهجرة»، ففي المتوسط، الولايات التي نما عدد سكانها أكثر من 30% بين العامين 1982 و1997 توسعت عشوائيًّا بنسبة 46%، بينما الولايات التي نمت في حدود 10% أو أقل توسعت عشوائيًّا بنسبة 26% فقط. وعندما تضيف 10.000 شخص إلى سكان ولاية، ستفقد، في المتوسط، 1600 فدان من الأراضي لحساب التنمية.

صحيح وخاطئ: ليست المشكلة في عدد السكان، بل في معدلات الاستهلاك والنفايات العالية في الغرب.

من المؤكد أن ثمة قاعدة صلبة جدًّا تستند إليها هذه الحجة. فوفقًا لبرنامج Affluenza التلفزيوني الوثائقي،

[...] على الرغم من أن مواطني الولايات المتحدة يشكلون خمسة بالمائة فقط من عدد سكان العالم، فإننا استعملنا في العام 1996 ما يقرب من ثلث موارده وأنتجنا تقريبًا نصف نفاياته الخطرة. إذ يستهلك الفرد الأمريكي المتوسط خمس مرات زيادة على ما يستهلكه المكسيكي المتوسط، و10 مرات زيادة على الصيني المتوسط، و30 مرة زيادة على الفرد المتوسط في الهند.

فمن الواضح أن تخفيض معدلات استهلاكنا العالية جدًّا سيكون ذا عون كبير.

ولا ريب في أن معدلات الاستهلاك العالية والنمو السكاني السريع يعملان سوية على تدهور البيئة؛ وكلاهما يتطلب الانكباب على دراسته عالميًّا. لكن تخفيض الاستهلاك صعب المنال على صعيد وطني، لسوء الحظ: فالزخم العالمي يتجه صوب محاكاة مستويات الاستهلاك الأمريكية العالمية، وليس صوب نموذج العالم الثالث في اقتصاد النفقات. وكما يشير وليام رايرسون في كتابه 16 أسطورة حول النمو السكاني الذي نشرته «شبكة قدرة التحمل»، فإن البلدان النامية تطلب السيارات وأجهزة التلفزيون وعلامات الرخاء الاقتصادي الغربي الأخرى. فالصين، التي توسِّع شبكة طرقها السريعة وتشجع امتلاك السيارة الخاصة، من المحتمل أن تتخطى الولايات المتحدة في إصدار غاز الاحترار العالمي بحلول العام 2015.

عقيدة جامدة: إن الجهود في سبيل تخفيض الخصوبة وحجم السكان في العالم الثالث هي ضد المرأة.

من المحتمل أن تكون بيتسي هارتمان أبرز الناطقين باسم وجهة النظر هذه، وهي مديرة «برنامج التنمية والسكان في كلية هامشاير» والمؤسِّسة المشارِكة لـ«لجنة المرأة والسكان والبيئة» CWPE. إن مذهب الاستقرار السكاني (الذي تسميه «المالتوسية الجديدة»)، بحسب ما كتبت في العام 1999،

[...] قوي في الولايات المتحدة لأنه يرجِّع صدى العنصرية العائلية والتفرقة الجنسية. [...] وثمة صورتان: الأولى للمرأة الوحيدة الملونة غير الولود والثرية، والثانية للمرأة من العالم الثالث العارية الصدر والحامل دومًا؛ والصورتان وجهان لعملة رديئة واحدة. وكما يُعتقَد، فإن المجموعتين مؤشران ممتازان على الهندسة الاجتماعية. فلتحقنوهن بموانع الحمل Norplant، ولتُحكموا صماماتها، ثم لترسلوهن إلى العمل في سلاسل الوجبات السريعة أو في المشاغل، ولتمنحوهن بطاقة اعتماد صغيرة وتعليمًا، هذا إذا كنتم تشعرون بالسخاء.

وتقول هارتمان في رسالة إلى E-magazine: «من المستحيل واقعيًّا فصل النقاش حول الهجرة عن العنصرية». ومجموعتها CWPE

[...] تنبذ فكرة أن حجم السكان ونموَّه هما المسئولان في المقام الأول عن التدهور البيئي. فقد ابتدع هذه الفكرة وأشاعها ذلك الحلفُ بين الوسائط الإعلامية السائدة والمنظمات الإيكولوجية والمدافعين عن التحكم بعدد السكان، خصوصًا في الولايات المتحدة.

وعندما سألتها مجلة New Statesman كيف توفِّق بين خياراتها المسبقة التي تتضمن نظراتها المعارضة للتحكم في السكان، أجابت هارتمان:

يصعب على كثير من الناس تصديق هذا الأمر. لكن تنظيم الأسرة، في نظري، يتعلق بحقوق الإنسان وصحة النساء – وليس بالتحكم بالسكان. إنه حول تحرير النساء ليكون لهن العدد الذي يرغبن فيه من الأطفال، وليس لومهن بشأن جملة كاملة من المشكلات.

وهي تعتقد بأن «تنظيم الأسرة ينبغي فصله عن التحكم بالسكان»، وأن هدفه الأصلي ينبغي أن يكون «تلبية حاجات النساء أولاً».

وفي الوقت الذي تملك الصين سياسة إجبارية تقيِّد عدد الولادات قانونيًّا وتواجه تحديات في حقوق الإنسان، فإن هارتمان تمضي إلى أبعد من ذلك وتستخلص أنه حتى البرامج الطوعية مجحفة في حق النساء. لكن ثمة دلائل جديرة بالاعتبار تقول بأن النساء (وأطفالهن) هم أول ضحايا التزايد السكاني. وعندما تُسأل عن ذلك، تستنجد بمساعدات تنظيم الأسرة. وتبعًا لپاتريك بورنز من «جمعية Audubon الوطنية» فقد

[...] بدأت النساء حركة تنظيم الأسرة، وتزعَّمن هذه الحركة، كما أنهن يشترين معظم موانع الحمل في العالم ككل. لماذا؟ لأن النساء يرغبن في التحكم بحياتهن وفي تحديد عدد أطفالهن وتوقيت ولادتهم والمدد الزمنية فيما بينهم.

ويضيف وليم رايرسون من «مركز الوسائط الإعلامية السكانية»:

تميل النساء اللواتي يعشن في مجتمعات حيث يمتلكن السلطة على حياتهن الخاصة إلى الانتفاع من تنظيم الأسرة بشكل أكثر تواترًا من البلدان حيث لا يمتلكن تلك السلطة نسبيًّا.

وعلى الرغم من أن هارتمان ولجنة CWPE يدعمان

[...] حق النساء في التحكم بولادة طوعية آمنة وفي الإجهاض، إلا أنهما يعارضان بقوة سياسات السكان الموجَّهة ديموغرافيًّا. وبكلمات أخرى، إنهما يفضلان جعل موانع الحمل متاحة على نطاق واسع، لكنهما ضدَّ ربطها بأية خطة وطنية منصبَّة على النمو السكاني.

وليس البرنامج الإجباري في الصين وحسب ما يشجبانه، بل، نظرًا لأن هدفه المعلَن هو تخفيض حجم السكان، فهما يشجبان أيضًا الجهد الجذري الإيراني الجدير بالثناء في سبيل جعل التحكم بالولادة متاحًا على نطاق واسع، وهو الذي خفَّض معدل الولادة إلى النصف. (تشجع هذه السياسة النساء على الانتظار من ثلاث إلى أربع سنوات بين حمل وآخر، ولا تشجع الإنجاب للنساء الأصغر من سن 18 أو الأكبر من سن 35، وتشجع تقييد عدد الأطفال بثلاثة، ويبدو بالضبط أن هذه سياسة «موجهة ديموغرافيًّا».)

وتهاجم هارتمان هجومًا فعالاً ما تعتبره «مؤامرة شائنة» تعزِّز المعايير المضادة للهجرة والمضادة للنمو السكاني في الولايات المتحدة («اخضرار الكراهية»، كما تدعوه). لكن الوسائط الإعلامية تتعامل في الواقع مع الموضوع في حذر شديد، إذا حدث ذلك على أية حال. وتقدم الناشطة في مجال السكان رجينا أبيرنتي، عضو مجلس PEB والأستاذة في جامعة ڤانديربلت، الرد التالي:

في مقابلة مع مجلة New Scientist [شباط 2003] تهاجم بيتسي هارتمان الكثير من العلماء البارزين بلا سبب معقول. [...] ولذلك ربما علينا الشعور بالفخر.

نصف حقيقة: سوف يسهم التعليم إسهامًا كبيرًا في تخفيض معدلات الخصوبة.

يؤدي التعليم عادة إلى أُسر صغيرة، لكن ثمة استثناءات. فقد أنجزت تنزانيا محو الأمية بنسبة 90% بحلول أوائل التسعينيات، لكن معدل الأطفال لدى الآباء في العام 2002 كان 5.3، أي أكثر من ضعفَي معدل الإحلال. وفي دراسة أجراها تشارلز ويستوف من «مكتب بحوث السكان» في جامعة پرنستون، وجد أن ثمة علاقة قوية بين التعليم وحجم الأسرة في بعض البلدان وارتباط «ضعيف أو معدوم» في بلدان أخرى.

وقد وضَّحت دراسات أُجريت لصالح مسوح الصحة والديموغرافيا في التسعينيات أن نصف النساء اللواتي يوصفن بأنه لديهن «احتياج غير ملبَّى» unmet need لموانع الحمل لن يستخدمنها، حتى لو كانت متاحة. وفي إمكان التعليم المتخصص في تنظيم الأسرة أن يُحدِثَ تغييرًا في هذا الرقم، لأن «الافتقار إلى المعرفة» كان من أكثر الأسباب ورودًا لعدم الانتفاع من التحكم بالولادة في المسح الذي أُجري في كينيا. ومن المثير أن نلاحظ أن المسلسلات الإذاعية والتلفزيونية الهادفة التي تقدم التحكم بالولادة في ضوء إيجابي أدَّت إلى ازدياد في استعمال موانع الحمل وغيَّرت المعايير في الهند وكينيا والمكسيك.

من الواضح أن الاعتقادات الثقافية لا تتغير بالضرورة كنتيجة للمستوى التعليمي المكتسَب، وهي تساهم بقسط كبير في المواقف تجاه التحكم بالولادة. ويُظَن أن الدين يساهم، ربما، بقسط كبير؛ لكن من الواضح أن تنظيم الأسرة يُتبنَّى في قوة في جمهورية إيران الإسلامية، وفي بلدان أوروبا الكاثوليكية، وهي تملك أدنى معدلات خصوبة في العالم. ولكن دون الاهتمام بالسلوك الفعلي لرعاياها، فإن بعض الطوائف الدينية، كالكاثوليكية وبعض الملل الإسلامية والتقليد المعمداني الجنوبي، يواصلون رفع الصوت عاليًا ضد تنظيم الأسرة. فقد جاء في مجلة الجواب الكاثوليكي الشعبية: «إن تحريم التحكم الصناعي بالولادة شامل ومطلق».

نصف حقيقة: لا يؤدي النمو السكاني إلى الجوع والفاقة، فهذه مشكلة التوزيع العادل.

صحيح أنه لا شك أن العالم اليوم ينتج غذاءً يكفي عديد سكاننا المتنامي، وأن التوزيع المتفاوت هو ما يؤدي إلى الجوع، لكن النظرة العامة إلى الإنتاج على المدى الطويل تبدو منذرِةً بالسوء. يخبرنا «مركز المراقبة العالمي» أن نمو الإنتاج الزراعي قد تباطأ في ثبات منذ الستينيات مع ارتفاع عدد السكان، وأن المحاصيل اقتربت من إنتاجيتها البيولوجية القصوى، وأن الأرض الزراعية تنحسر ومصائد الأسماك العالمية تنهار. أما الهندسة الوراثية، التي يعدها بعضهم دواء شافيًا لزيادة الإنتاجية، فقد تعطي من الناحية الفعلية نتائج معكوسة وتجعل الوضع أكثر إحباطًا، وفق ما تقوله مجموعة «مستشارو التقييم الإستراتيجي للابتكار».

وفي حين أن الأرقام الصرف المعبِّرة عن سوء التغذية على مستوى العالم تتناقص، إلا أن النمو السكاني السريع في بلدان مثل هاييتي أدى إلى أزمة متواصلة في حقوق الإنسان. هناك حوالى 70% من الهاييتيين يعتمدون في رزقهم على الزراعة في بيئات هي الأكثر تدميرًا على كوكب الأرض، في حين أن 30% وحسب من الأراضي ملائمة للفلاحة:

في هاييتي (ومعدل الخصوبة 4.3% في العام 2002)، يمكن أيضًا عزوُ التقاسم الفعلي للفقر إلى النمو السكاني السريع الذي يلقي بثقله على الهبات المحدودة التي تقدمها التربة والماء النظيف،

كما يقول تقرير الجامعة الأمريكية المعنون بـ«إزالة الحراج في هاييتي». ويضيف التقرير:

إن إزالة الحراج والنمو السكاني اقترنا بسنوات من القمع والتدخل الاستعماري، مما سبَّب اقتلاع مئات آلاف الهاييتيين من جذورهم.

ويقول «البنك الدولي» إن هاييتي تأتي في المرتبة الرابعة من حيث نقص تغذية السكان، و40% فحسب من ملايينها الثمانية لديهم القدرة على الوصول إلى المياه العذبة. لذلك فقد اقترنت مشكلة السكان في هاييتي مع المشكلة السياسية. والمعونات الدولية، بالإضافة إلى العمل المخلص لمجموعات دعم أجنبية مثل «شركاء في الصحة»، لا تقدر على تعويض بيئة مدمَّرة تسند كثيرًا من الناس.

والحجج التي تقول بأن التوزيع العادل سوف يُمِد العالم بالغذاء قد تكون صحيحة، لكنها سوف تتسم بقدر أكبر من الأهمية لو أن العالم مضى في ذلك الاتجاه فعليًّا. ففي الواقع، كما تكتب تريس كيدر في مجلة The Nation، انخفضت فعليًّا مساعدات التنمية إلى هاييتي بنسبة الثلثين منذ العام 1995.

وتلاحظ ميا ماكدونالد من «منظمة المراقبة العالمية» أن من المحتمل إضافة مليار من الناس إلى شبه القارة الهندية في السنوات الخمسين القادمة، في الوقت نفسه الذي تواجه المنطقة أزمة هائلة في المياه العذبة. وتكتب:

يتساءل المرءُ عن جدوى إنفاق ملايين لا حصر لها من الدولارات على إصلاح أنظمة الري وبناء سدود جديدة، في حين توظَّف أموالٌ قليلة جدًّا في معالجة جذر المشكلة – أي النمو السكاني البشري.

ومن المحتمل أن يضاعف پاكستان عدد سكانه ليصل إلى 332 مليونًا في حدود العام 2050. ومبلغ 11 مليار دولار الذي ينفقه على بناء سد كالاباخ قد يفوق مرتين توظيفاته المالية في تنظيم الأسرة للأعوام الخمسين القادمة.

خرافة: إن استعمال موانع الحمل يُتبنَّى على نطاق واسع، والمساعدات الأمريكية تزيد الإمكانية المتاحة.

يلاحظ «مركز موارد السكان» أن

[...] حجم النمو [السكاني] في البلدان النامية سوف يعتمد كثيرًا على مدى وصول النساء إلى التعليم والعناية الصحية، وخصوصًا إلى خدمات تنظيم الأسرة.

فبما أن معظم النمو السكاني يتم في هذه البلدان، فهناك يجب أن يتركز انتباه العالم. ويمكن لمساعدات تنظيم الأسرة أن تؤدي إلى تخفيضات درامية في النمو السكاني، لكن عقبات غير متوقعة قد تحول أيضًا دون حدوث ذلك. ففي كينيا، حيث قادت الكنيسة الكاثوليكية حملة شعبية لإحراق الرِّفال condom، تبلغ نسبة الوصول إلى موانع الحمل 90%، لكن ثلث السكان فحسب يستعملونها، وفقًا لما تقوله شخصيات كينية مستقلَّة. وقد وضحت دراسة في العام 1991 أن نصف النساء فقط ممن يوصفن بأن لديهن «احتياج» سوف يستخدمن الرفالات إذا توفرت لهن.

وقد عدَّ «مؤتمر الأمم المتحدة حول السكان والتنمية» في العام 1994 الوصول إلى خدمات الصحة الجنسية والتناسلية حقًّا من حقوق الإنسان. ولسوء الحظ، فإن ذلك الحق لا يُلبَّى. فعلى الرغم من أن 60% من النساء المتزوجات على الصعيد العالمي يستخدمن موانع الحمل، إلا أن 10% فقط من النساء المتزوجات في أفريقيا جنوبي الصحراء يفعلن ذلك. و«الاحتياج» الحالي لموانع الحمل يبلغ معدلُه 70% في آسيا وأمريكا اللاتينية. وعلى اتساع العالم، ثمة 123 مليون امرأة ليس لديهنَّ وصولٌ كافٍ إلى خدمات تنظيم الأسرة.

والبلد الأكثر قدرة على المساعدة هو بلد «المغامرات بلا حدود»[4]. فقد كانت الولايات المتحدة تقليديًّا المصدر الأكبر لمساعدات تنظيم الأسرة، لكن هذا النهج تغير جذريًّا في عهد الرئيس جورج بوش لأسباب سياسية. ففي مواجهة طلب غير مسبوق، قطعت إدارة بوش (التي تستمر في الربط الساذج بين التحكم بالولادة ومسألة الإجهاض) الاعتماد المالي قطعًا مفاجئًا عن الوكالة الأكثر قدرة على قيادة السياسة السكانية العالمية، أي «صندوق الأمم المتحدة للسكان».

سوف تعني سياسة إدارة بوش، بلا ريب، المزيد من عمليات الإجهاض، وليس التقليل منها. يقول روبرت إنغلمان، نائب رئيس لشؤون البحث في المنظمة الدولية للنشاط السكاني PAI:

إن مَتَاحية [خدمات] تنظيم الأسرة على نطاق واسع تميل إلى تخفيض معدلات الإجهاض، كما وثَّقت ذلك جيدًا بحوثٌ حديثةٌ متعددة.

وهكذا فإن

[...] وحدهما تنظيم الأسرة – والصحة التناسلية الجيدة – يستطيعان جعل النساء الحوامل يرغبن كلهن بحمولهن ويخفض معدلات الإجهاض،

كما تضيف ماكدونالد.

ووفقًا لـ«التحالف من أجل إنقاذ حياة النساء»، فإن الإجماع في التسعينيات، في عدة مؤتمرات للأمم المتحدة، كان حول ضرورة أن يبلغ الإنفاق العالمي على تنظيم الأسرة 17 مليار دولار بحلول العام 2000، و18.5 مليار دولار بحلول العام 2005. ذلك هو الهدف. أما في الواقع، ففي العام 2000، قدمت البلدان المانحة فعليًّا فقط نصف مبلغ الـ5.7 مليارات دولار الذي تعهَّدت به.

مأزق: يمكن التعامل مع النمو السكاني على صعيد عالمي فحسب. ومن الأنانية القلق حول مستويات الهجرة في الولايات المتحدة.

من الصحيح، بلا لبس، أن النمو السكاني مشكلة عالمية وتتطلب حلولاً عالمية. لكن هذه عبارات غير كافية ويُرثى لها. تتحدث جماعات مثل «الرابطة السكانية» («النمو السكاني صفر» سابقًا) في غموض عن حلِّ مشكلة الفقر العالمي لتخفيف ضغوط الهجرة، لكنهم يقصِّرون في بيان التفاصيل. فعلى الرغم من أننا نحتاج بالتحديد إلى حلول عالمية، إلا أن تقرير غاريت هاردين الأخير أشار إلى أن السياسة السكانية توضع فعليًّا على المستوى القومي؛ ولذلك فهي تخضع لميول الثقافات المحلِّية والمعايير الدينية.

ينبغي للأمريكيين الانكباب على العواقب الكاملة لأعداد المهاجرين المرتفعة في الولايات المتحدة. فكما حاجج ليستر براون من «معهد سياسات الأرض»، فإن الهجرة المرتفعة ربما تقدم لبعض البلدان «صمام أمان» وتتيح لها الاستمرار في معدلات خصوبة عالية. وهذه الوضعية قد تنعكس، كما حصل تاريخيًّا في أيرلندا، حيث الخصوبة العالية وسجل الهجرة المرتفع قد حلَّت محلَّهما خصوبة ذات مستوى إحلال منخفض ونزوحٌ تجاوز الهجرة.

وثمة حقيقة أخرى هامة، ألا وهي أن المهاجرين سرعان ما يتبنون أنماط الاستهلاك المرتفعة في بلدهم المضيف، فيُلقون إجهادات أكبر على الموارد الطبيعية. فكما تلاحظ مجلة البحوث المنزلية:

سوف يرتفع مجموع الاستهلاك المنزلي للمهاجرين جوهريًّا في السنوات الـ15 القادمة مع ارتقاء موجات المهاجرين السابقة سلَّم الاستهلاك المنزلي.

ويقدم استعمال الطاقة مثالاً مثيرًا إضافيًّا. فبحسب تقرير النمو السكاني السلبي، فإن استهلاك الطاقة لكلِّ فرد ارتفع ارتفاعًا طفيفًا جدًّا بين العامين 1970 و1990 نظرًا للمكاسب الناجمة عن الفعالية الطاقوية والصيانة، لكن الاستعمال الكلِّي للطاقة في الولايات المتحدة ارتفع بنسبة 36% بسبب عدد السكان الكبير والموجَّه بالهجرة.

خطأ: إن الدعوات إلى تخفيض الهجرة عنصرية في الأساس.

ليست الهجرة موضوعًا سهلاً أبدًا. وإذا أردنا التحدث مباشرة فإن الهجرة بذاتها قد لا تقود إلى عدد سكاني مرتفع على الصعيد العالمي – فهي تحرِّك الناس فحسب حول العالم. وقد كان المهاجرون على الدوام كبش الفداء في غالب الأحيان في أمريكا. ففي العام 1855، كتبت جريدة Chicago Tribune محذِّرة:

مَنْ ذلك الذي لا يعلم أن معظم مدمني الخمر السكِّيرين، الفاسقين، المنحطين، التافهين، المتعذر إصلاحهم، الذين ينزلون البلاء بالمجتمع، هم الكاثوليك الأيرلنديون؟

كانت مثل هذه الآراء شائعة، حتى في ظلال جزيرة Ellis، كما أوضحه فيلم عصابات نيويورك The Gangs of New York لمارتن سكورسيزي.

فلا يزال الخوف من جماعات الأجانب مستعمَلاً لتحريض الناس، حتى في أيامنا. وقد عبَّرت «جمعية ساكن السهول الأسحم في ألاباما» مؤخرًا:

لقد حان الوقت لإغلاق الحدود، لأن الهجرة الكثيفة المستمرة سوف تواصل فحسب استئصال بقايا الغرب في أمريكا. وإذا ما استمرت فسيتبع ذلك منطقيًّا أنه في غضون عدة أجيال سوف تُمحَّى الحضارة الغربية من أمريكا.

إن مفتاح هذا النوع من الأَبْلَسة demonizing هو إيجاد خطٍّ فاصل بين المهاجرين والأمريكيين «الأُصلاء». فوفقًا للكاتب «الأمريكي الأصلي» سام فرانسيس، إن المهاجرين

[...] يعملون هنا وحسب، أو يتسكعون برفاهية، يتعاطون المخدرات، أو يفعلون ما يحلو لهم. لكن ولاءاتهم الحقيقية في مكان آخر، أقصد في البلدان التي قدموا منها.

وتحذِّر أيضًا منظمة «أمريكيون لأجل ضبط الهجرة» أن

[...] أقل من 15% من المهاجرين يأتون من أوروبا ويشتركون معنا في التراث الذي جعل أمريكا قوية.

ومجموعات من قبيل «الخفر الأمريكي» تتيح خدمة سهلة المنال لإعداد تقارير حول الأجانب غير الشرعيين. وبالفعل، فإن كريس سايموكس وما يُدعى «روابط الدفاع المدنية عن الوطن» قد خَفَروا الحدود المكسيكية للبحث عن مهاجرين غير شرعيين لإعادتهم إلى أوطانهم «بشكل إنساني». «لا نستطيع ترك [المكسيكيين] يصدِّرون إخفاقاتهم»، هكذا أخبر غلين سپنسر، من «رابطة خفر الحدود الأمريكية» في أريزونا، جريدةَ Los Angeles Times. «إنهم يشكلون تهديدًا لثقافتنا بأكملها». وقد أعلن المعلق والمرشح الرئاسي السابق پات بوكانان: «إن تحوُّل كاليفورنيا إلى بلد عالم ثالثي يمضي الآن قدمًا».

والخوف من التكتل مع مثل هذه المجموعات قد دفع العديد من المنظمات الإيكولوجية الرئيسية إلى تجنب المسألة السكانية، وخصوصًا الهجرة. لكن الحقيقة تبقى، وهي أن النمو السكاني البشري سبب أساسي من أسباب التدهور البيئي، وعدد سكان الولايات المتحدة (حيث معدل الخصوبة 2.05) ما كان ليزداد إلا زيادة طفيفة لولا الهجرة. إن قومية هؤلاء المهاجرين وعِرقهم لا يهم إطلاقًا، بل أعدادهم، بكلِّ وضوح وبساطة.

ويُستعمَل نقص «المهاجرين من أصل أوروبي» كعبارة مرمَّزة بغية تجنب القول في وضوح إن المهاجرين الجُدُد هم من الناس الملونين. ويقول الكاتب پيتر بريملو، مؤلِّف كتاب أمة أجنبية:

إن عدد سكان الولايات المتحدة ماضٍ نحو التضخم السريع، المزيد من غير البيض والقليل من المَهَرة. فما ستكون عليه الحالة من دونهم؟

وليس من الواضح لماذا يكون القسم «غير الأبيض» على هذا القدر من الأهمية!

لكن من السخيف افتراض نوع من المؤامرة «غير البيضاء» للسيادة على أمريكا، كما يفعل بعض المحذِّرين. حتى ولا يمكن الاستنتاج في تهور أن السكان الحاليين من الزنوج والأصول الهسپانية يدعمون تلقائيًّا الأعداد المرتفعة للهجرة. ففي العام 1990، تشكلت لجنة بمبادرة من عضو الكونغرس السابقة باربرا جوردان D-TX، الناشطة الشهيرة في مجال حقوق الإنسان، قدمت توصية بأن يوضع سقفٌ للهجرة هو 550.000، أي نصف الحجم الحالي. وقد أظهر استطلاع للرأي في حزيران 2003 أجراه «معهد غالوپ» أن 44% من الأمريكيين الأفارقة يعتقدون بأن الهجرة يجب تخفيضها. وكشف استطلاع للرأي أجرتْه The Wall Street Journal في العام 2000 أن 42% من ذوي الأصول الهسپانية يعتبرون أن الهجرة إلى الولايات المتحدة «متساهلة جدًّا». وفي العام 1993 وجدت «المجموعة البحثية لذوي الأصول الهسپانية في الولايات المتحدة» أن 89% من ذوي الأصول الهسپانية يدعمون بقوة وقفًا فوريًّا للهجرة.

ينبع بعض هذه المواقف من عنصرية ذات أساس أقلَّوي. ففي افتتاحية Asian Weekly، وهي صحيفة تصدرها منظمة الأمريكيين الصينيين، جاء أن هجرة الصينيين جيدة للمجتمع، حتى لو كانت غير شرعية، بينما يلقي المهاجرون من أمريكا اللاتينية عبئًا ثقيلاً، حتى لو جاؤوا إلى هنا بصفة شرعية.

والقلق الرئيسي لدى جميع أصحاب الدعاوى هو استبدال الوظائف. فقد قالت باربرا جوردان في تحقيق نيابي أن هدف اللجنة الرئيسي هو «خفض الجاذبية التي تمثلها الوظائف حاليًّا للهجرة غير الشرعية». والقضية موضع الاهتمام هنا هي الصناعة الفندقية. فعلى سبيل المثال، تُظهِرُ دراسة في لوس أنجلس أن البوابين الزنوج المولودين في الوطن والمنتسبين إلى النقابات في الصناعة الفندقية قد استُبدل بهم استبدالاً ساحقًا عمالٌ من المكسيك والسلڤادور غير منتسبين إلى نقابات، وانخفض الأجر من 12 دولارًا للساعة إلى 3.35 دولارات. وتبعًا للدراسة المعنونة «المهاجرون ومعايير العمل: حالة البوابين في كاليفورنيا» التي نُشِرَتْ في مجلة الاعتماد المتبادل في سوق العمل، فإن معظم العمال المستبدَلين يخفقون في الحصول على وظيفة جديدة.

وفي أثناء «الحملة من أجل حرية العمال المهاجرين» التي جرت مؤخرًا، حذَّر الزعيم النقابي جون ڤيلهلم قائلاً: «ليس ثمة كائن بشري غير شرعي». ولكن، هل وجود سبعة ملايين مهاجر غير شرعي في الولايات المتحدة يدعم حقًّا الفقراء ومجتمعات الأقليات التي تشكل الأولوية العليا للائتلاف التقدمي؟ تقول ميشيل أ. ڤيهلر، منسِّقة «منظمة التوازن البيئي السكاني»:

يسبب المهاجرون الضرر أولاً، وعلى أسوأ نحو، لفقرائنا الذين يتألفون في معظمهم من الأقلَّيات والمهاجرين المستقرين. [...] ومن المثير للانتباه أن بعض أنصار الهجرة الكبار هم زعماء الأعمال الذين يرغبون في الإبقاء على الأجور منخفضة. وقد نجح أنصار الهجرة تمامًا في وقف المناقشة إذ لعبوا ورقة العنصرية.

ذكرت تيريزا هاتير، المؤلِّفة البريطانية لكتاب حدود مفتوحة: «إن ضوابط الهجرة يمكن تفسيرها بالعنصرية وحسب». لكن الواقع أكثر تعقيدًا من ذلك التوكيد الشامل. يشير پاتريك بورنز، مدير برنامج السكان والموطن لدى «جمعية أودوبون الوطنية»، إلى أن «سوق عمل أمريكية مضبوطة من المحتمل أن تفيد كلَّ شخص حول العالم»، لأن الأجور سوف ترتفع في الولايات المتحدة، والأعمال سوف تصدَّر من هنا فورًا إلى بلدان مثل الهند والمكسيك وڤييتنام، التي تحتاج بشدة إلى تشغيل سكانها.

إنها إحدى أكثر القضايا استقطابًا في زماننا. لذا ليس من المستغرَب أن المناقشات السكانية تنتهي عادة بالصياح. لكننا إذا لم نمسك بزمام هذه القضية الحرجة فقد يكون الأوان قد فات، بالنسبة للكوكب ولأنفسنا.

*** *** ***

ترجمة: معين رومية
عن الثقافة العالمية، العدد 131، الكويت، 2005


 

horizontal rule

[1] العنوان الإنكليزي للمقال: "The Numbers Game"، عن: E-magazine, Vol. XV, Nº 1, January/February 2004 (الموقع الإلكتروني: www.emagazine.com).

[2] انظر: «قلة الولادات»، Currents، أيلول 2003.

GI Bill [3] مرسوم أصدرته الحكومة الأمريكية في العام 1944 على شكل إعلان حقوق، ويتضمن تقديم تسهيلات متنوعة للمحاربين الذين شاركوا في الحرب العالمية الثانية. (المترجم)

[4] AWOL: Adventures WithOut Limits.

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود