إيمانويل ليفيناس: أَنَسيَّة الإنسان الآخر٭

 

جان-ماري مولِّر

 

يعارض إيمانويل ليفيناس الأولوية المعطاة لعلم الوجود (الأنطولوجيا) في التراث الفلسفي الغربي. ينظر علم الوجود إلى الوجود على أنه استمرارية في الكيان: "أن تكون، هو السعي لأن تكون والمثابرة في الكيان"[1]. آنذاك، يكتفي الكائن بتفكير في الوجود يصبح انطواءً على الذات وأنانيَّة. فالكائن لا يهتم إلا بإشباع احتياجاته، ويسعى لتأكيد ذاته في التمسُّك والسيطرة. يؤكِّد إيمانويل ليفيناس:

في كل ما أجدُّ ساعيًا إليه هناك شيء من الانتقاص في مفهوم الكائن الذي في إصراره بأن يكون، يخبىء عنفًا وشرًا وأنانية[2].

إنَّ حرِّية الإنسان الذي لا يأبه إلا لذاته تتوه في ما هو اعتباطيٌّ: حيث كل شيء مسموح له به، حتى القتل. إنَّ مفهومًا كهذا للوجود يجعل الكائن مستمرًا في الرضى بذاته وجهله الآخر. إنَّ علم الوجود المفهوم بهذا الشكل يصبح فلسفة القوة والتسلُّط والاحتلال والعنف والحرب. فإذا كان الهمّ الوحيد للإنسان أن يستمر في الوجود فإن ذلك يحمله حتمًا على مقاومة الإنسان الآخر الذي يبان له وكأنه عدوّ.

أن تكون أو لا تكون [في نظر إيمانويل ليفيناس] ليس هو على الأرجح السؤال الجيد[3].

ذلك

لأن الكائن هو ليس أبدًا علَّة وجوده، وذلك على عكس ما يقوله العديد من التراثات التي تبغي التطمين[4].

إنَّ ملاقاة الإنسان الآخر تقضي على وحدة الإنسان وأنانيته. فالاعتراف بالإنسان الآخر إنما هو الحدث الحاسم الذي يحدِّد بدء الوجود البشري للإنسان. وعندما اقترب من الإنسان الآخر، فهذا الأخير يطلب مساعدتي. وبهذا، يزعج سكينتي، ويضع حريتي في موضع تساؤل ويعكِّر صفاء ضميري.

إنَّ ملاقاة الإنسان الآخر تسمح لي بأن اكتشف وجهه. والوجه هو هويَّة الكائن[5]. ومن خلال وجه الإنسان الآخر تظهر في آنٍ معًا عطوبيَّة الكائن وتعاليه، لأن "الوجه في عريه كوجهٍ يقدِّم لي فاقة الفقير والغريب"[6]، وتعاليه، لأن "اللامتناهي تقترب فكرته منّي من خلال معنى الوجه "[7]. "وفكرة اللامتناهي تدلُّ على علوٍّ ونبلٍ وتعالٍ"[8].

إنَّ اكتشاف وجه الإنسان الآخر في عطوبيته وتعاليه يجعلني أعي، وفي آنٍ معًا، إمكانية ولا إمكانية القتل. وهذا الوعي هو تأكيد لضميري الأدبي. يؤكِّد إيمانويل ليفيناس أنَّ "العلاقة بالوجه هي على الفور أخلاقية". الوجه هو ما لا نستطيع قتله، أو هو على الأقل، ما يقول معناه: "لا تقتل أبدًا". صحيح أنَّ القتل هو فعل مبتذَل حيث باستطاعتنا أن نقتل الآخر. وهنا لا تبدو الأخلاقية كضرورة أنطولوجية. فتحريم القتل لا يجعل القتل مستحيلاً حتى لو كانت سلطة التحريم موجودة في الضمير الصالح[9]. في الوقت الذي فيه الآخر "يقدِّم نفسه لحدِّ السيف أو لرصاصة المسدس"، يواجه القوَّة التي تهدِّد بضربه "لا بقوَّة أكبر [...] بل بتعالي كيانه [...] واللامتناهي الذي هو أقوى من القتل يقاومنا بوجهه". هذا اللامتناهي هو وجهه، هو التعبير الأصلي، هو الكلمة الأولى أَنْ "لا تقتل"[10]. نظرة الآخر، بمقاومتها القتل، تشلُّ قدرتي وتجرِّد إرادتي من سلاحها. وهكذا، فإنَّ "فكرة اللامتناهي لا تتعدَّى على العقل بل تتحكَّم باللاعنف نفسه، أي أنها تؤسس الأخلاقية"[11]. الفلسفة، في نظر إيمانويل ليفيناس، لا تبدأ بعلم الوجود، أو الأنطولوجيا، بل تبدأ بعلم الأخلاق. وعلم الأخلاق ليس شعبة من علم الفلسفة بل هو "الفلسفة الأولى"[12].

إنَّ التأكيد الأساسي لعلم الأخلاق هو تطلُّب اللاعنف الذي يجب أن يرجح في علاقة الإنسان بالإنسان الآخر. يؤكِّد إيمانويل ليفيناس أنَّ

مفهوم "لا تقتل!" أُعطيه معنى لا كتحريم القتل الموصوف، بل يصبح تحديدًا أو وصفًا أساسيًا لنشوء الكيان البشري الذي هو حذر مستمر حيال الفعل العنيف الذي يقتل الآخر[13].

ويقول أيضًا:

إنَّ أمر "لا تقتل" ليس قاعدة بسيطة للسلوك. بل هو مبدأ الخطاب نفسه ومبدأ الحياة الروحية[14].

ليس بوسعي لقاء الآخر دون أن أجري، بشكل أو بآخر، محادثة معه. أن تلتقي الآخر يعني أن تتحدَّث معه:

أنْ تتكلَّم هو، في نفس الوقت، أن تتعرَّف على الآخر وأن تعرِّفه بذاتك [...] هذا التعاطي الذي يتطلَّبه الكلام هو بالتحديد العمل بدون عنف[15].

الكلام هو فعل الإنسان العاقل الذي يتخلَّى عن العنف لكي يدخل في علاقة مع الآخر.

العقل والكلام هما خارج العنف. إنهما النظام الروحي. وإذا كان على الأخلاقية أن تنبذ العنف، فيجب أن يكون هناك رابط عميق ما بين العقل والكلام والأخلاق[16].

عندما يقترب مني الإنسان الآخر آتيًا إلى لقائي، فإنه يناديني ويتوسَّل إليَّ: إنه ينادي مسؤوليتي. وأن أجيبه، فذلك يعني أن أجيب عنه. وعندما اكتشف وجه الآخر، أصبح مسؤولاً عنه. بالطبع، أستطيع أن أتوارى عنه. لكنني لا أستطيع ذلك من وجهة نظر إنسانية.

يفرض الوجه ذاته عليَّ فلا أستطيع أن أمتنع عن سماع ندائه، أو أن أنساه، أو أن أتخلَّى عن مسؤوليتي أمام بؤسه[17].

عندما ألتقي الآخر أصبح مدينًا له. وعليَّ واجب أن لا أتركه وحيدًا. عندما أصبح مسؤولاً عن الآخر، أرتقي إلى شرف كائن فريد ومتعذَّر استبداله: فتصبح مسؤوليتي إصطفاءً.

أن أكون أنا، ذلك يعني عدم القدرة على التهرُّب من المسؤولية [...] إلا أنَّ المسؤولية التي تُفرغ الأنا من استقلاليتها ومن أنانيتها [...] إنما هي تؤكِّد وحدة الأنا. من هنا أنْ لا أحد يستطيع أن يجيب مكاني[18].

وهكذا يحقق الإنسان ذاته ليس بانعكاس تفكيره على ذاته، بل بأن يصبح مسؤولاً عن الآخر:

المطلوب هو التعبير عن هوية الأنا انطلاقًا من المسؤولية[19].

إنَّ ما يؤسس ويصوغ هيكلية الإنسان إنما هي المسؤولية تجاه الإنسان الآخر. وهذه المسؤولية هي التي تعطي معنى ووقارًا وعظمة للوجود البشري. وهكذا فإنَّ إيمانويل ليفيناس لا ينفكُّ يدافع عن الانقلاب الذي يستبدل الأنا الذي يتحدَّث عنها علم الأنتولوجيا، أو علم الوجود، بالآخر الذي يتحدَّث عنه علم الأخلاق.

إيمانويل ليفيناس

إنَّ حضور الإنسان الآخر إلى جانبي يزعجني ويضايقني. إنه ينتشلني من رفاهيتي ويجعلني أخرج من عزلتي. وعندما ألتقي الآخر أعرض ذاتي أمامه، أخاطر، أصبح عطوبًا. عندما أقف إزاء الآخر أعرِّض ذاتي للإنجراح وللإهانات:

فالواحد يتعرَّض للآخر كما يتعرَّض جلد الإنسان للذي يريد جرحه، أو كما يتعرَّض الخدُّ لمن يريد لطمه[20].

إلا أنَّ الإنسان عليه أن يمتلك الشجاعة لمجابهة مثل هذه الأخطار.

الاتصال بالآخر لا يستطيع أن يكون رفيع الشأن إلا إذا كان حياة محفوفة بالخطر ومجازفة جميلة يجب القيام بها[21].

إنَّ مسؤوليتي تجاه الآخر تفرض ذاتها عليَّ مهما كان موقف الآخر مني. فالعلاقة مع الآخر ليست تماثلية، لأنني مسؤول عن الآخر من دون أي مقابل، حتى لو كلفني ذلك حياتي. فالمبادلة تخصُّ الآخر وحده[22]. لست أبدًا بريء الذمَّة حيال الآخر، ودائمًا أصل متأخرًا إلى موعدي معه. إنَّ مسؤوليتي عن الآخر تقوم بأن

أذهب نحو الآخر دون أي اعتبار لتوجُّهه نحوي، أو، بطريقة أوضح، أن أذهب نحوه بطريقة تجعلني، بمعزل عن العلاقات المتبادلة التي سوف تقوم بيني وبين قريبي، أقوم بخطوة إضافية نحوه[23].

لا ينفكُّ إيمانويل ليفيناس يستشهد بجملة قالها أحد شخصيات كتاب دوستويوفسكي الأخوة كارامازوف، واسمه مارسيل وهو شقيق الشيخ الروحي زوزيم، والتي تقول:

كل واحد منا هو مذنب أمام الجميع ولأجل الجميع ولأجل كل شيء، وأنا مذنب أكثر من الآخرين[24].

المسؤولية أمام الإنسان الآخر يُعبَّر عنها بشكل أساسي بالطيبة إزاءه. فبالطيبة يصبح الإنسان فاعل سلام:

فالسلام إذن لا يتطابق مع نهاية القتال لقلَّة المقاتلين، وبخسارة البعض وانتصار البعض الآخر، أي مع نشوء المدافن أو نشوء الأمبراطوريات الشاملة المستقبلية. على السلام أن يكون سلامي أنا، بعلاقة تنطلق من الذات نحو الآخر، بالرغبة والطيبة حيث الأنا تقوم وتستمر بدون أنانية[25].

وهكذا، يحدِّد إيمانويل ليفيناس انطولوجيا جديدة لا تتأسس على معرفة الذات، بل على الطيبة إزاء الآخر: أنْ تكون، هو أنْ تكون للآخر، أي أن تكونْ طيِّبًا. فيما التراث الفلسفي الغربي يحدِّد حقوق الأنا إزاء الآخر، فلسفة ليفيناس تؤسس امتيازات الآخر إزاء الأنا. فحقوق الإنسان هي أولاً حقوق الإنسان الآخر: فالمحبة المنظَّمة تبدأ بالآخر. وبالطيبة إزاء الآخر تؤكِّد الأنا ذاتها وتبني ذاتها كائنًا بشريًا. الطيبة هي الجواب الحقيقي لتوسُّل وجه الآخر. هي الطيبة التي تنشىء علاقة مع اللامتناهي الذي يعبِّر عنها وجه الآخر:

الطيبة هي التعالي بذاته، في مغامرة مطلقة، وبتهوُّر أصليٍّ[26].

الأنا، في حركة الطيبة، لا تهتمُّ بما لذاتها بل تهتمُّ قبل كل شيء بما للآخر. الطيبة هي عدم اهتمام بالذات: "الطيبة تقوم باعتبار الآخر أهم من الذات"[27]. في هذا المنظور لا يحدِّد ليفيناس الفلسفة على أنها محبة الحكمة، بل على أنها "حكمة المحبة في خدمة المحبة"[28].

عندما أصبح مسؤولاً عن الآخر، أصبح مسؤولاً عن موته:

فالخوف من أن يموت الآخر هو بالتأكيد أساس المسؤولية عن الآخر[29].

عندما أكتشف وجه الآخر بعريه وعطوبيَّته، أي أنه معرَّض للموت وأخاف عليه. وعدم اللامبالاة من موت الآخر هو أحد أشكال الطيبة إزاءه.

هو الخوف على موت الآخر يتقدَّم على خوفي على ذاتي[30].

ونجد هكذا عند الإنسان

دعوة الوجود في سبيل الآخر أقوى من خطر الموت[31].

هذه الدعوة يسمِّيها ليفيناس الدعوة "للقداسة". فعندما يخاف الإنسان من موت الآخر أكثر مما يخاف من موته، آنذاك يفضِّل أن يموت بدلاً من أن يقتل. وهكذا يحقق الإنسان إنسانيته عندما يقرِّر

أن يعيش في سبيل الآخر، أي أن يضع نفسه في تساؤل وأن يخاف من القتل أكثر مما يخاف من الموت[32].

وعندما يختار خطر الموت في سبيل ألا يقتل، يعطي الإنسان حياته معنى لا يمكن للموت أن يمحوه. وعندما يعبِّر الإنسان عن مسؤوليته بالطيبة، فإنه يعطي حياته معنى يعطي بدوره معنى للموت نفسه، معنى لا يقاس بأن تكون أو لا تكون، لأنَّ الكائن يتحدَّد "انطلاقًا من المعنى"[33].

يبدو لنا أنَّ تفكير ليفيناس حول مسؤولية الإنسان تجاه الآخر وتجاه الميزة الملزمة لوصية "لا تقتل"، يشكِّل مساهمة غنية جدًا لتأسيس فلسفة اللاعنف. بالطبع هناك العديد من تأكيدات ليفيناس تخضع للنقاش. وهكذا، فمن الصعب أن تشاطره كل فكره لا سيما عندما يرى أنَّ علاقة الأنا بالآخر تكون في وضعِ لا تماثُل ولا تبادُل بالكلِّية. ففي هذا المجال يحقُّ لبول ريكور أن يطرح على ليفيناس هذا السؤال:

ألا يجب على صوت الآخر الذي يقول لي "لا تقتل" أن يصبح صوتي وأن يشكِّل لديَّ قناعة ؟[34].

بالفعل، إذا ما استقبلت وجه الآخر الذي يكلِّمني من خلال وجهه، وتعرَّفت عليه، واستبطنته، ينشأ آنذاك اتصال وحوار وبالتالي تبادُل. حينذاك لا تبقى الأنا في حالة "سلبية" كما يزعم ليفيناس. إلا أنه إذا كان من الضروري ربما أن نأخذ مسافة من تأكيدات ليفيناس فذلك لا يعني، في رأينا، دحض حقيقة تأكيدات هذا الأخير. وإذا ما تصرَّفنا بموجب تلك التأكيدات، وصلنا إلى قلب الفلسفة الحقيقية، أي إلى "حكمة المحبة" وحكمة الطيبة.

النقد الأخلاقي للدولة

عندما يؤكِّد إيمانويل ليفيناس ضرورة الدولة، إنما يستند إلى أعمال إريك فايل[35]. إلا أنَّه يبقى حريصًا أكثر من هذا الأخير في محاولة تجنُّب الأخطار الملازمة لإدارة الدولة للمجتمع.

إنَّ علاقة الناس بعضهم مع بعض لا تقتصر على مواجهة الواحد للآخر. فحالما يحضر شخص ثالث تظهر ضرورة تنظيم العدالة من خلال القوانين والمؤسسات، أي من خلال الدولة. لا ينكر ليفيناس أنَّ إلزام تحقيق العدالة يتطلَّب "بعض العنف"[36]. فالإنسان العنيف الذي يهدِّد الإنسان القريب إنما "ينادي العنف"[37]. حينئذ، يقول ليفيناس: "لا يمكننا أن نقول أنْ ليس هناك أي عنف لا يكون شرعيًا"[38]. مع ذلك يبقى واعيًا على أنه في كل عنف يوجد هناك شيء من الظلم يتعذَّر تخفيضه.

لا تستطيع القواعد والقوانين الشمولية التي بموجبها تحكم الدولة على المواطنين أن تعطي إلا عدالة غير كاملة لا تقضي، في النهاية، بالعدل للشخص المحكوم عليه. فهذا الشخص هو فريد، وفرادته ليس معترف بها. الدولة "لا تفكُّ العِقَد بل تقصُّها"[39]. والعدالة الردعية تقع دائمًا "على حدود اللاعدالة الممكنة"[40]. غالبًا ما ينقلب عمل الدولة ضدَّ الخير المفترض أن تسعى إليه الدولة: الحرب والإدارة (أي السلطة) اللذان عليهما تتأسس الدولة وتستمر، يستلبان ما كان من واجبهما إبقاؤه على نقاوته. ولأجل القضاء على العنف يجب اللجوء إلى ممارسة العنف[41]. يقول ليفيناس:

إنَّ السياسة المتروكة على حالها تحمل في طياتها الاستبداد[42].

فمن المهم إذن أن لا تسلَّم الدولة إلى "ضروراتها الخاصة"[43]. لذلك،

فالسياسة يجب دائمًا أن تراقَب وتُنتقَد انطلاقًا من الأخلاقية[44].

الدولة التي ترفض أن تنساق وراء منطقها الخاص – ويسميها ليفيناس "الدولة الليبرالية" –

عليها دائمًا أن تكون مرتابة بسبب تأخُّرها بتطبيق متطلَّبات وجه الآخر[45].

وعلى الدولة أن تحمل دائمًا ضميرًا مؤثِّـمًا من جراء أنها ليست دائمًا عادلة بالكفاية. عليها دائمًا أن تشعر بتبكيت الضمير بسبب قساوتها. هذا وإنَّ ضرورة عدالة تطبَّق تحت غطاء قوانين الدولة أمر لا يعفي الإنسان من مسؤوليته تجاه الآخر.

في الدولة التي فيها تطبَّق القوانين بشكل عام، وحيث الأحكام تعلَن مع الاهتمام بأن تكون شمولية، وعندما تعلَن العدالة، يبقى أن يُعطى الإنسان، كشخص فريد ومسؤول، إمكانية إيجاد طريقة ما تعيد النظر في قسوة العدالة هذه. فتلطيف هذه العدالة، وسماع النداء الشخصي، هذا هو دور كل واحد منا[46].

في نظر ليفيناس، كل مؤسسة في النظام الاجتماعي مرتكزة على سلطة تراتبية، لا تستطيع أن تنتج إلا عدالة ناقصة.

بالنسبة إليَّ [يقول ليفيناس] العنصر السلبي، عنصر العنف في الدولة، وفي السلطة، يظهر حتمًا حتى لو كانت السلطة تمارَس بانتظام كامل، وذلك عندما يخضع الجميع للأفكار الشمولية. هناك قساوات فظيعة لأنها بالتحديد تأتي من النظام العقلاني. هناك دموع لا يستطيع موظف دولة أن يراها: إنها دموع الآخر [...] الأنا وحدها تستطيع رؤية "الدموع السرِّية" عند الآخر والتي يسبِّبها التنظيم العقلاني للسلطة. فالذاتية بالنتيجة هي لا بدَّ منها لتأمين اللاعنف الذي تفتِّش عنه الدولة أيضًا[47].

في تحليله شروط إمكانية نظام سياسي عند إيمانويل ليفيناس، كتب فينسان تزونغو لووتو:

إنَّ الأخلاقية، عندما تُظهر كم أنَّ السياسة لا تؤمِّن دائمًا، كما يجب أن تفعل، الأهداف النبيلة التي تقرُّها، وعندما تدفع الأخلاقية السياسة ليكون لها ضمير أثيم علاجي، فإنَّ تلك الأخلاقية توقظ، كما في فعلٍ نبوي، ما هو بشري في قلب ما هو سياسي [...] فالإنساني، وهو القاعدة التي بنى عليها ليفيناس فلسفته، هو هذه القدرة على قول لا، لا لِما هو غير إنساني تختصُّ به الكلِّية الظافرة[48].

ترجمة: د. جيروم شاهين

 

*** *** ***


 

horizontal rule

٭ محاضرة أُرسلت من قبل المؤلف إلى معابر. وهو نص أعده المفكر الفرنسي اللاعنفي جان-ماري مولِّر لجامعة "أونور" (جامعة اللاعنف وحقوق الإنسان في العالم العربي، ومقرّها لبنان)، في سياق مادة "فلسفة اللاعنف" التي يدرِّسها في الجامعة university@houkoukmadania.org ، تولى ترجمته إلى العربية جيروم شاهين. نُشر بعد موافقة خاصة من "أونور".

.[1] Emmanuel Lévinas, dans François Poirié, Emmanuel Lévinas, Besançon, Éditions La Manufacture, 1992, p. 96.

[2] Ibid., p. 90.

[3] Ibid., p. 140.

[4] Emmanuel Lévinas, Éthique et Infini, Paris, Le Livre de Poche, Biblio-essais, 1992, p.121.

[5] Emmanuel Lévinas, Entre nous, Essais sur le penser-à-l'autre, Paris, Grasset, 1991, p. 46.

[6] Emmanuel Lévinas, Totalité et Infini, Essai sur l'extériorité, Paris, Le Livre de Poche, Biblio-essais, 1992, p. 234.

[7] Emmanuel Lévinas,  Éthique et Infini,  op.cit., p. 101.

[8] Emmanuel  Lévinas,  Totalité et Infini, op.cit., p. 31.

[9] Emmanuel  Lévinas,  Éthique et Infini, op.cit., p. 81.

[10] Emmanuel Lévinas, Totalité et Infini, op.cit., p. 217.

[11] Ibid., p. 223.

[12] Emmanuel  Lévinas,  Éthique et Infini, op.cit., p. 71.

[13] Emmanuel Lévinas, dans François Poirié, Emmanuel Lévinas, op.cit., p. 100.

[14] Emmanuel Lévinas, Difficile liberté, Paris, Le Livre de Poche, Biblio-essais, 1990, p. 21.

[15] Ibid., p. 20.

[16] Ibid., p. 19.

[17] Emmanuel Lévinas, Humanisme de l'autre homme, Paris, Le Livre de Poche, Biblio-essais, 1994, p. 52-53.

[18] Ibid., p. 53-54.

[19] Emmanuel  Lévinas,  Éthique et Infini, op.cit., p. 97.

[20] Emmanuel Lévinas, Autrement qu'être ou au-delà de l'essence, Paris, Le Livre de Poche, Biblio-essais, p. 83.

[21] Ibid., p. 190.

[22] Emmanuel  Lévinas,  Éthique et Infini, op.cit., p. 94-95.

[23] Emmanuel Lévinas, Autrement qu'être ou au-delà de l'essence, op.cit., p. 134.

[24] Dostoïevski, Les frères Karamazov, Paris, Gallimard, 1948, p. 264.

[25] Emmanuel  Lévinas, Totalité et Infini, op.cit., p. 342.

[26] Ibid., p. 341.

[27] (27) Ibid., p. 277.

[28] Emmanuel Lévinas, Autrement qu'être ou au-delà de l'essence, op.cit., p. 253.

[29] Emmanuel Lévinas, Éthique et Infini, op.cit., p. 117-118.

[30] Emmanuel Lévinas, Entre nous, op.cit., p. 228.

[31] Ibid., p. 10.

[32] Emmanuel Lévinas,  Totalité et Infini, op.cit., p. 275.

[33] Emmanuel Lévinas, Autrement qu'être ou au-delà de l'essence, op.cit., p. 205.

[34] Paul Ricoeur, Soi-même comme un autre, Paris, Le Seuil, 1990, p. 391.

[35] Cf. Emmanuel Lévinas, Cahier de l'Herne, Paris, Le Livre de Poche, Biblio-essais, 1993, p. 64.

[36] Emmanuel Lévinas, op.cit., p. 124.

[37] Ibid., p. 123.

[38] Ibid., p. 124.

[39] Emmanuel  Lévinas,  Autrement  qu'être, op.cit., p. 264.

[40] Ibid.

[41] Emmanuel  Lévinas, Cahier  de  l'Herne, op.cit., p. 55.

[42] Emmanuel  Lévinas, Totalité et Infini, op.cit., p. 334-335.

[43] Emmanuel  Lévinas, Autrement  qu'être, op.cit., p. 248.

[44] Emmanuel  Lévinas, Ethique et Infini,  op.cit., p. 75.

[45] Emmanuel Lévinas, Entre nous, op.cit., p.238-239.

[46] Emmanuel Lévinas dans Emmanuel Lévinas, Franµois Poirié, op.cit., p. 108.

[47] Emmanuel  Lévinas,  Cahier de l'Herne, op.cit., p. 63-64.

[48] Vincent Tsongo Luutu, Penser le socio-politique avec Emmanuel Lévinas, Lyon, Profac, 1993, p. 131-132

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود