فلسفة اللاَّعنف
تعليقات متفرقة من المشاركين[*]

 

زينب نطفجي: في البلدان العربية، وبلدان العالم الثالث في شكل عام، نحن واقعون في مأزق كبير في خصوص الفكر اللاعنفي. وهذا المأزق يتجلَّى في علاقة الدولة "اللاتعاقدية"، لا بل التسلطية مع مجتمعها. أسوق هذه الملاحظة لكي أثنِّي على الاقتراح الذي قدمه السيد المحاضر حين قال إن على المواطنين أن ينتظموا في تجمعات للمجتمع المدني لإيجاد نويَّات أو تنظيمات صغيرة تسمح لهم بالتحرك. غير أن جميع محاولات المجتمعات المدنية العربية التي دخلت في تجارب، منذ العام 2000 حتى الآن، قُمِعَت: "كفاية" في مصر، حركة المثقفين الاحتجاجية في السعودية، إلخ. أسأل السيد المحاضر عن مخرج من هذا المأزق.

زهير وفا: الأولوية المفروضة على الشعب الفلسطيني، الآن، هي أن يحافظ على الشعب السوري، أن يحافظ على الشعب اللبناني، أن يحافظ على العشب الأردني... أي أن هناك أولوية بأن يحافظ [الشعب الفلسطيني] على الشعوب العربية التي تستعمل حكوماتُها القضية الفلسطينية لخدمة مآربها، فتدفع الفلسطينيين إلى اتخاذ وجهات عدوانية جدًّا!

رجا ديب: إن موضوع الورشة هو ثقافة اللاعنف، باعتباره منهجًا للوصول إلى هدف معين أو حل قضية ما. أنا مقتنع بهذا الأسلوب، وخاصة في وضعنا الفلسطيني، في ظل عدم تكافؤ القوى بين الطرفين؛ أي أنني مقتنع باللاعنف من منطلق پراغماتي، ومقتنع بأن علينا العمل لتأسيس ثقافة جديدة، ثقافة لاعنفية توصلنا إلى هدفنا. الإشكال هنا، على ما أظن، هو أن لكلٍّ منَّا قضيته؛ وبالتالي، فأنا أستعمل المنهج [اللاعنفي] في سبيل قضيتي [حق العودة]، بينما يمكن لغيري أن يتخذ مطلبًا آخر غاية، كحقوق الأقلية القومية، فيلجأ إلى إستراتيجية لاعنفية لخدمة قضيته – له الحق في ذلك بالطبع. ولكن عندما ينتقل الموضوع إلى الممارسة السياسية أخشى عند ذاك أن يساء استعمال المنهج. إذ إن من الممكن لبعضهم، بالترويج لهذا المنهج، أن يقحم بُعدًا سياسيًّا يريد من خلاله الترويج لحلٍّ سياسي بعينه، كتقسيم الأرض بين الفلسطينيين والإسرائيليين الذي طرحه المحاضر. فهل هذا ما نريد؟! أظن أن هذا ليس موضوعنا هنا في هذه الورشة. أخشى ما أخشاه تجيير المنهج [اللاعنفي] لمأرب آخر تمامًا. أخيرًا، أعتقد أن مسألة حكم الواقع الذي يجبر الجميع على إيجاد حل، كاقتسام الأرض في مثال المحاضر، غير دقيقة تمامًا. فصاحب الحق يمكن له أن يثبت على تمسُّكه بحقِّه، حتى لو لم يحصل عليه!

مسألة ثانية: صحيح أن اللاعنف أسلوب نضالي، لكننا يجب ألا ننسى أن العنف أيضًا، خاصة في منطقتنا، يستطيع أن يحقق أهدافًا. والدليل أن إسرائيل الذي يعتقل حوالى 12000 أسير لم يطلق سراحهم نتيجة المفاوضات الثنائية، ولا نتيجة اتفاق أوسلو، بينما خطفُ حزب الله جنديين إسرائيليين، وإنْ عنفًا، أدى إلى إطلاق الأسرى!

هلا شامية: المنظمات اللاعنفية تنشط اليوم أكثر في الأماكن التي فيها احتلال، مثل فلسطين والعراق. ما يراه الناس – وأراه أنا أيضًا – أن هذه المنظمات اللاعنفية تنشط كي يكون اللاعنف طريقة فقط لمقاومة الاحتلال، وكأننا لسنا معنيين به، نحن الذين لسنا خاضعين للاحتلال! إذا دققنا في الواقع، لوجدنا أن هذه المنظمات تنشط فعلاً في الدول المحتلة فقط. أنا لا أشكك في النوايا، ولكن أرجو أن يعاد النظر في هذا الأمر حتى يظل اللاعنف مهمًّا حتى في حال عدم وجود احتلال.

منى بارة: الكلام النظري الذي سمعناه البارحة كان مهمًّا ومفيدًا جدًّا. لكني أشعر من نقاشاتنا، الآن وبالأمس، أننا خرجنا، ربما، عن الموضوع. يجب ألا نبدأ فورًا بتبني جمل من قبيل: "هذه عقيدتي"، "هذا ديني"، إلخ، أو أن نبدأ فورًا بالتفكير في القطيعة مع تراثنا. المهم أن نبدأ بأنفسنا، أن نرصد العدوان الذي نوجِّهه لأنفسنا وللآخرين – فهكذا فقط يمكن لنا أن نفهم أنفسنا.

طلب منَّا المحاضر أن نتفكر في تعريف شخصي باللاَّعنف، وقد فكرت وكتبتُ هذا التعريف: "اللاعنف طريقة حياة يبدأ بناؤها من الذات انطلاقًا نحو الآخر."

پريهان قمق: أجد أن "اللاعنفي" يكون أحيانًا أكثر عنفًا من العنيف: يكون متشبثًا بآرائه، ردود فعله عنيفة، وأحيانًا يجرح الآخرين معنويًّا. نحن "نواة" لاعنفية. واضح أن لكلِّ واحد منَّا خلفيته، واكتشاف اللاعنف قد يكون صدمة له، إذ يدفعه إلى تساؤلات من نحو: كيف يمكن له أن يتخلَّى عن هذه الخلفية؟ كيف يعمل قطيعة معها؟ هذه أكبر إشكالية تواجهنا. لأننا لو فكرنا في حياد لوجدنا أن الكثير من الأشياء التي تحدثنا فيها الآن في حاجة إلى إعادة النظر فيها، وكأننا نكرر إشكاليات الأحزاب السياسية نفسها في خلافاتها العميقة، وكأننا نجتر هذه الإشكاليات لندخل في خلافات حول مفهوم اللاعنف. فكأن اللاعنفيين يمشون على حدِّ السيف! كيف نقطع هذه المسافة للوصول إلى شاطئ الآخر دون أن نكون عنيفين؟ – هذا هو التحدي الحقيقي!

هڤال يوسف: أحب أن أحكي نكتة: في واحد مليشيا رايح يلحق صحابو اللي طالبين نجدة. اصطدم المليشيي بمواطن عادي في الشارع، فنزل من سيارته وشهر سلاحو وصوَّبو نحو الرجل، فسأله المواطن: "ما بمشي الحال بكفِّين؟!"

أكرم أنطاكي: نحن كثيرًا، من منطلق لاعنفي، نحاول تجنب واقع معين، نخاف مواجهته؛ نتصور أننا أصحاب حق، وأن هذا الحق لا بدَّ أن يُدافَع عنه دفاعًا مطلقًا؛ وبالتالي، نبرر دومًا "تسوية" نظن أن في الإمكان استعمالها، وهي المزاوجة بين أساليب العنف وأساليب اللاعنف (وغالبًا ما يكون حزب الله مضرب المثل في ذلك)، لكنها توقعنا في تناقض شديد!

رأيي، في خصوص القضية الفلسطينية تحديدًا، – وإذا كان كلامي جارحًا فأنا أعتذر سلفًا – أننا اليوم إما أن نجد تسوية مع طرف كنا نعتبره "عدوًّا أزليًّا"، وإما أن نبقى في حالة حرب مفتوحة معه. وأنا أقول، بالأصالة عن نفسي على الأقل: لم أعد أريد الحرب! و"التسوية" هنا تعني عدم حصولي على مئة في المئة مما أطالب به، وكذلك عدم حصول "عدوي" على مئة في المئة مما يريد. وبالتالي، فأنا لا أدين [الرئيس] محمود عباس، بل بالعكس أؤيده؛ بل أؤيد حتى، من حيث المبدأ، ما فعله [الرئيس أنور] السادات، وإن كنت أتمناه على غير ما حصل. أريد التسوية.

كاجو كاجو: قال مولِّر إن اللاعنف لا علاقة له بالسلام الداخلي، بالسلام مع النفس، بل بالسلام مع الآخر. أنا لا أربط اللاعنف بالسلام الداخلي حصرًا؛ لكن السلام مع النفس يقدم خدمة جليلة للاَّعنف، خاصة في تأهيل الكوادر اللاعنفية. إذ إنه ليس من المصادفة أن يكون غاندي – الهندوسي والمنتمي إلى ثقافة السلام مع النفس – رمزًا للاَّعنف. السلام مع النفس (أو معرفة الذات) يتيح وعي المشكلة، يمنح قوة للثبات، يعطي مزايا ضرورية للكادر الناشط لاعنفيًّا.

يحيى الأوس: نحن مشاركون في ورشة من المفترَض أن تكون مفتوحة على أسئلتنا. أنا هنا لكي أستفيد. في رأسي عشرات الأسئلة حول اللاعنف. فهل من الممكن أن نخصص جلسة قصيرة لأسئلتنا الشخصية؟ عندي مجموعة من الأسئلة، أحدها تطرق إليه جان ماري عَرَضًا، وهو موضوع الدولة، مؤسَّسات الدولة. هل من المفروض وجود مؤسَّسات يقوم عليها أي مشروع لاعنفي؟ مثلاً، شروع أية دولة في المفاوضات، هل هو سلوك "لاعنفي" لتفادي الحرب؟ الدپلوماسية، كجهاز من أجهزة الدولة، هل يقع على كاهلها عبء اللاعنف أو مهمته؟

رشا عروس: هناك فكرة صغيرة، لم أكن منتبهة إليها في السابق، حتى قابلت صديقة كانت تقوم بدراسة عن أسماء العلم "الثورجية" في الشرق الأوسط، وطلبتْ مني أن أعد قائمة بأسماء العلم "الثورجية" في سوريا. تفاجأت عندما شاهدت طول القائمة بالأسماء التي أحصيتها، مثل "جهاد"، "كفاح"، "صراع"، "نضال"، "انتصار"، "إسعاف"، "مجد"، إلخ – حتى إن أحد الأشخاص سمَّى ابنته "اغتصاب"، "تيمنًا" بذكرى اغتصاب فلسطين! وددت فقط أن ألفت النظر إلى هذه الفكرة.

أديب الخوري: أريد أن أحكي تجربة شخصية. ولدت ونشأت في لبنان، وجئت إلى سوريا في أثناء الحرب وأنا بعدُ طفل. عندما صار عمري 15 سنة، ذهبتُ إلى لبنان صيفًا مع والدتي، ومكثنا في بيتنا ببيروت فترة، ثم حدثت مشكلة وطُردنا من البيت بقوة السلاح! أذكر هذا الأمر لكي أقول إني أتفهم شعور أشخاص تعرضوا لظلم أو اضطهاد معين. في الوقت نفسه، أقول إن هذا لا يستدعي بالضرورة ردَّ فعل عنيف، ولا يستدعي بالضرورة ردَّ فعل لاعنفي. فهناك مسألة الحرية: لي الحرية، مع وجود الضغوط كلِّها، في أن أختار هذا الموقف أو ذاك.

في خصوص القضية الفلسطينية، نحن في الشرق، في هذه المنطقة تحديدًا، منذ أيام [اتفاقية] سايكس–پيكو حتى الآن، تتكشف لنا، يومًا بعد يوم، مجموعة من الخيانات المتتالية، أحيانًا من دول بعيدة وأحيانًا من أشخاص بين ظهرانينا. لهذا السبب، ربما، الشك مزروع في وعينا. ثقتي كبيرة بجان ماري قطعًا، لكني أتفهم تمامًا، في الوقت نفسه، أنه عندما يُحكى بشكل غير مقصود عن "تقسيم فلسطين" فإن هذا يترك إشارة استفهام في أذهان السامعين (وأنا نفسي طرحت تساؤلاً حول ذلك). نحن في حاجة إلى انفتاح أكثر، إلى مقدرة على التمييز بين مَن يريد "تمرير" أفكار معينة وبين مَن يتكلم بإخلاص.

النقطة الأخيرة التي عندي تعليق عليها تتعلق بـ"قانون الضرورة الأسود": أنا أيضًا، مثل الجميع، أعمل عملاً لا أحبه؛ وطفلتي الصغيرة إذا بكت كثيرًا وأنا تعبان فقد أصرخ في وجهها، على الرغم من وعيي بخطأ ذلك! أريد أن أقول إن هناك شيئًا أبعد من تفاصيل وقائع حياتنا: فعندما أعمل عملاً لا أحبه، مع وعيي بأني أعمل عملاً لا أحبه، ومع قبولي واقعي بنوع من التواضع يتمثل في اعترافي بأني أعجز من أن أختار العمل الذي أحب، ومع رجاء بأن أغيِّره في المستقبل، ومع مشاركة معنوية لأشخاص كثيرين يعملون عملاً لا يحبونه أو عملاً أسوأ من عملي – هذا كله يضفي معنًى عميقًا على ما أفعل، وإنْ كنت لا أحبه، بل يضفي، بنظري، على ما أعمل معنًى مقدسًا.

مرمريتا، 21 حزيران 2008

*** *** ***


 

horizontal rule

[*] نعتذر من المشاركين الذين ساهموا، ربما، في هذه التعليقات، وفاتتنا مداخلاتُهم بسبب عطل فني في جهاز التسجيل لم ننتبه له في أوانه. (دارين أحمد)

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود