اللاَّعنـف... إسـلاميًّا

 

محـمَّـد العـمَّـار

 

محمد العمار: واضحٌ من الأسئلة التي طُرِحَتْ، أمس واليوم، على جان ماري أن اللاعنف أشبه بـ"تربيع الدائرة" squaring the circle [كناية عن مسألة مستحيلة أو متعذرة الحل]. واللاعنف، إسلاميًّا، هو تربيع للدائرة مرة ثانية! عالم الاجتماع والفيلسوف الفرنسي إدغار موران تحدث في كتابه مقدمات للخروج من القرن الحادي والعشرين عن "الكلمات السائدة". فنحن عندما نتكلم على اللاعنف نتكلم ضد ما هو سائد أصلاً؛ وحين نتكلم على اللاعنف إسلاميًّا فنحن نتكلم ضد ما هو سائد في شكل مضاعف!

في القرآن الكريم، كانت الأقوام تقاوم دعوات الأنبياء بالقول إن النبي إما ساحر وإما مجنون: "ساحر" لتأثير ما يقوله على الآخرين، و"مجنون" لأن ما يقوله يصعب تصوُّره وفهمه. وهذا هو الموقف من اللاعنف اليوم. أريد أن أسأل: هل بحث اللاعنف ممكن؟ كما أفهم اللاعنف، وكما أفهم الإسلام والدين، يمكن لي أن أعرِّف باللاعنف بأنه استبعاد العنف بكل أشكاله كأسلوب في مواجهة المشكلات، باعتبار أن الكون خاضع للمشيئة الإلهية ومسخَّر. المشكلات تنشأ من نقص المعرفة. والإسلام في، التحليل النهائي، هو رؤية للوجود تتأسَّس على معرفة بالكون وبالكتاب، وتؤسِّس لأسلوب في الحياة ينضبط بمقتضيات هذه المعرفة. من خلال هاتين المقدمتين نستنتج أن اللاعنف هو الإستراتيجية الوحيدة الممكنة للدين الحق.

مسألة هل العنف واللاعنف فطريان في النفس البشرية تطرَّق إليها الأستاذ جان ماري في محاضرته عن المبادئ الفلسفية للاَّعنف، ولا مبرِّر للتكرار.

فيما يتعلق بتاريخ اللاعنف: أنا، كمؤمن وكمسلم وكدارس للتاريخ الإنساني من مراجع غير إسلامية أيضًا، لا أعتقد أن اللاعنف بدأ عند غاندي. هناك مشكلة في تعامُل الغرب مع الشرق تجعل الغربيين لا يرون حسناتٍ خارج ثقافاتهم؛ ولذلك فإن كلَّ ما هو إسلامي يُتجاهَل ولا يُرى. فيما يتعلق بالتراث الإسلامي وبعمل النبي محمد (ص)، أرى أنه ضحية لنوعين من المركزية: ضحية لمركزية التراثيين السلفيين، الذين لا يرون محمدًا وتجربة محمد إلا من خلال منظار القرن السابع الميلادي؛ وضحية للمركزية الأوروبية التي لا ترى شيئًا خارج أوروبا.

بحسب ما نفهم من القرآن، اللاعنف هو توأم العنف. وقد ولد هذان "التوأمان" في أول اجتماع بشري كنتيجة لفشل إدارة الاختلاف. ولذلك قلت إني أتحفظ على قول جان ماري بأن الإنسان "نزاعي" بطبعه. المشكلة، في الواقع، هي مشكلة التكيف مع الاختلاف. فالاختلاف لا يقتضي النزاع ولا يتطلبه؛ النزاع نتيجة لفشل التكيف مع الاختلاف. ولذلك فإن القرآن الكريم، حين يتحدث عن الاختلاف، يتحدث عنه كبُعد أونطولوجي، بُعد وجودي، لا يمكن للحياة أن تكون إلا به؛ وبالتالي، لا يمكن للناس أن يكونوا إلا مختلفين. وهذا مرتبط بالبيولوجيا والپسيكولوجيا الإنسانية، كما بيَّن في وضوح علم النفس. أما النزاع فهو حالة شاذة. ولذلك فإن القرآن يؤكد على الاختلاف، على ضرورته وحقيقته، ويدين النزاع باعتباره حالة شاذة عن الحالة الإنسانية الطبيعية التي هي حالة الاختلاف.

بحسب القرآن، أيضًا، فإن انتصار اللاعنف على العنف هو رهان التاريخ الإنساني. فالإنسان بدأ تاريخه بالفساد وسفك الدماء. لكن التجلِّي النهائي للإنسان ليس الفساد وسفك الدماء؛ الفساد وسفك الدماء ليسا حقيقة الإنسان. وهذا واضح في القرآن الكريم في الآية التي تتحدث عن خلق الإنسان، عندما كان بعدُ مشروعًا قيد الخلق. فحين خاطب الله الملائكة: "وإذ قال ربُّك للملائكة إنِّي جاعلٌ في الأرض خليفةً"، احتجت الملائكة: "أتجعلُ فيها مَن يُفسِدُ فيها ويسفك الدماء"؟، فكان الجواب الإلهي متحديًا، إذ قال: "إنِّي أعلم ما لا تعلمون" [البقرة 30]. بذا كان الرهان على أن هذا الإنسان لديه الإمكانية والقابلية والقدرة على الارتقاء فوق مستوى "الفساد وسفك الدماء".

وبعد صفحات من هذه القصة، يورد لنا القرآن قصةً رمزيةً أخرى تتحدث عن أول نزاع حدث في تاريخ البشر. هذا النزاع حدث بين رجلين، يسمِّيهما القرآن "ابنَي آدم"؛ وهذان الرجلان حدثت بينهما حالة اختلاف أدت إلى تنافُس. وهذا التنافس تحول إلى نزاع، وكان في النزاع سلوكان: سلوك عنفي وسلوك لاعنفي. السلوك العنفي مارس صاحبُه القتل، والآخر قابَل القتل، ليس بالتراجع، لكن بنوع من الإيجابية أو باللاعنف، وقال ما مُفاده: لن أستعمل أسلوبك العنيف هذا لأنني، كإنسان، قد تجاوزتُه: "لئن بسطتَ إليَّ يدكَ لتقتلني ما أنا بباسطٍ يدي إليكَ لأقتلك" [المائدة 28].

بحسب تصوري للقرآن الكريم، فإن القرآن يضع أسُسًا للاجتماع الإنساني؛ وهذه الأسُس تجعل العنف متجاوَزًا. يمكن لنا أن نعدِّد هذه الأسُس، ويمكن لنا أن نتناقش حولها. تعدادًا نقول إن الأساس الأول للاجتماع الإنساني، بحسب القرآن، هو العدل؛ الأساس الثاني هو مركزية الضمير؛ الأساس الثالث هو الاختلاف؛ الأساس الرابع هو أن الحقيقة لا يمكن أن تُحتكَر؛ الأساس الخامس هو التعدد؛ والأساس السادس هو تحييد العنف في العمل الديني أو العمل الفكري.

القرآن نص مقدس. لكن ميزة هذا النص المقدس أنه يدعو إلى تحييد النص: إذ يقول بأن اللغة الإنسانية، حتى التي كُتِبَتْ بها الكتبُ المقدسة، هي لغة بشرية، وهذه اللغة يعتريها كل ما يعتري منتجات البشر من القصور؛ ولذلك فإن هذه اللغة لا يمكن لها أن تحسم إشكال الحقيقة. من هنا يدعو القرآن إلى شيء يسمِّيه بـ"آيات الآفاق والأنفس": إن مصاديق هذا الكتاب سوف ترونها فيما يحدث في الواقع، في التجربة التاريخية المعيشة، وفيما يأتي من الآيات.

على مستوى علم البيولوجيا، مثلاً، نعرف الآن أنه قد حدثت قطيعة، في سياق تطور الإنسان بيولوجيًّا، بين الثدييات العليا والرئيسات primates، التي كان الإنسان آخرَها في سياق التطور. الإنسان يمثل تلك القطيعة البيولوجية التي حدثت على مستوى الـHomo sapiens منذ حوالى 150 ألف سنة، وكان من المفترَض أن تترافق مع قطيعة على مستوى التاريخ الإنساني، لأنه من الناحية البيولوجية صارت لدماغ الإنسان المادة الرمادية التي مكَّنته من إنتاج اللغة؛ وبإنتاج اللغة صار في إمكان الإنسان أن يُحدِثَ قطيعةً مع سلسلة المخلوقات السابقة له. لكنه، إلى الآن، لم يتمكن، لا من الناحية الپسيكولوجية ولا من الناحية الثقافية، أن يعيش على مستوى المادة الرمادية، مادامت خيارات الإنسان تنتمي إلى العالم القديم، عالم العضلات وعالم الحيوان وعالم العنف، حيث لغة العنف هي اللغة الوحيدة – إلى الآن، لم يستطع الإنسان الانتقال إلى اللغة الإنسانية أو لغة العقل. يمكن لنا أن نقول إن الإنسان مخلوق قدماه ما تزالان مغروستين في العالم القديم، وإنْ أصبح دماغه في العالم الجديد؛ أي أنه لم يستطع أن ينتقل كليًّا إلى العالم الجديد.

مما يمكن لنا أن نفهمه في موضوع البيولوجيا أيضًا أن علاقة الإنسان بالحقيقة وقدرته على الفهم والاقتراب منها قدرة محدودة تحول دونها عوائق كثيرة. نأخذ مثالاً موضوع دوران الأرض حول الشمس. هذا الموضوع يُضرَب به المثلُ في الوضوح؛ لكن جميع الناس، لقرون عديدة خلت، كانوا يعتقدون أن الحقيقة على عكس ما تبيَّن لاحقًا، وكان كل إنسان يعبِّر عن فهم مختلف يتعرض للقتل! فإذا كان يمكن للناس أن يختلفوا على حقائق على مثل هذا المستوى من الوضوح لماذا نلومهم إذا اختلفوا على أشياء أخرى؟!

النقطة التالية هي درس التاريخ فيما يتعلق باللاعنف. العنف بدأ مع الإنسان كضرورة حياة في ممارسة الصيد للحفاظ على حياته. ولما نشأت دولة المدينة، أصبح العنف ضرورةً لحماية المدينة، أي أُنشئت مؤسسةُ العنف (الجيش) لحماية المدينة. وهذه المؤسسة التي استُخدِمَتْ لحماية المدينة صارت لاحقًا مسيطِرة على المدينة، وصارت خيرات المدينة كلها مخصصة لخدمة هذه المؤسَّسة. صارت مؤسسة الجيش، عبر التاريخ، مثل "الخطأ الجيني" في المجتمعات البشرية كلها، وكانت عامل عطالة في حركة الإنسان باتجاه مستقبله الذي هو اللاعنف، كما قدمنا.

على مرِّ تاريخ البشر، دفع البشر أثمانًا كثيرة، وخاضوا حروبًا كثيرة، ولم تحدث في حياتهم تغييرات حقيقية. حتى الثورات الكبرى، فيما أتصور، مثل الثورة الفرنسية والثورة الروسية والثورة الصينية – حتى هذه الثورات بذلت أثمانًا بشرية باهظة يصعب تصورها. لكن التقدم الذي قطعه البشر باتجاه قضيتهم، التي هي أنسنة الإنسان، كان محدودًا؛ والتغيير كان يقتصر على تغيير النخب أو تغيير أصحاب الامتيازات، دون أن تتقدم قضية الإنسان تقدمًا حقيقيًّا ملحوظًا.

لكن بعد حدوث أول تفجير نووي، دخلت القوة في مأزق، حيث أصبحت هذه القوة غير قابلة للاستعمال، وأصبح السلاح الجديد غير التقليدي سلاحًا لا يمكن استعماله. وبعد 11 أيلول، دخلت القوة التقليدية في مأزق جديد، ذلك أن هذه القوة أبدت عجزًا منقطع النظير. فكما أن الفارق بين القوة التي يملكها إسرائيل والقوة التي يملكها "حزب الله" فارق كبير، لكنه لم يقف حائلاً دون انتصار الجانب الأضعف، كذلك العملاق الأمريكي في العراق لم ينجح. أي أن "القوة" بالمفهوم التقليدي لم تتمكن من تغيير العالم بالطريقة المتوقَّعة. أيضًا حدث شيء آخر بعد 11 أيلول – وهذا موضوع سجَّله تشومسكي – وهو أن إمكانية استعمال القوة أصبحت إمكانية متبادلة: ذلك أن النيران وُجِّهَتْ للمرة الأولى إلى الضفة الأخرى من الأطلسي؛ الشروع في القتل صار ممكنًا في الاتجاهين، وليس في اتجاه واحد فقط.

فيما يتعلق بموضوع التغيير والعنف: الكون، عبر التاريخ، لم يتغير بالعنف، بل من خلال معرفة السنن والقوانين، ومن خلال نموِّ القدرات والمهارات الإنسانية وتراكمها. تغيير الإنسان ممكن بغير العنف فقط. الأمر المهم هو أن اللاعنف، كما أسلفت، لم يبدأ عند غاندي، وإنما كانت بدايته قديمة. ولكن الأفكار العظيمة كلَّها في تاريخ البشر لم تتجلَّ دفعة واحدة في التاريخ، بل كان التجلِّي تدريجيًّا. موضوع المرأة، مثلاً، لم يولد اليوم، وإنْ لم يصل إلى الآفاق المرجوة حتى الآن؛ كذلك موضوع تحرير العبيد: لم يُحرَّر العبيد لأسباب فلسفية، ولا لأسباب أخلاقية، ولا دفعة واحدة، إنما بسبب التطورات التقنية، كدخول الآلة إلى المعمل الذي فرض على سادة العبيد الاستغناء عن عبيدهم – وليس بفضل الدعوات الأخلاقية، وإن كانت الدعوات الأخلاقية متقدمة جدًّا على التطور التقني. موضوع اللاعنف موضوع قديم؛ ولكن، للأسف الشديد، هناك قراءة متحيِّزة للتاريخ، على الأقل من الذين يقرؤون.

بحسب القرآن، هناك قانون نسميه "قانون النسخ" يحكم تاريخ الإنسان. ملخص هذا القانون أن الكون يسير على أساس "ما ننسخ من آيةٍ أو نُنسِها نأتِ بخير منها" [البقرة 106]. إن هذا الكون في زيادة دائمة، وهذه الزيادة تكون باتجاه الأحسن والأنفع للبشر...

أكرم أنطاكي: هل تقصد أن "قانون النسخ" ينتج "الأحسن" دومًا؟ الآيات التي استند إليها بن لادن جاءت بعد غيرها...

محمد العمار: قانون النسخ، كما أتحدث عنه، هو قانون "آفاقي أنفُسي"...

أكرم أنطاكي: لكن الآيات التي استند إليها بن لادن كانت منسوخة...

هڤال يوسف: لندع المحاضر يكمل محاضرته!

محمد العمار: شكرًا هڤال!

پريهان قمق: لقد انتقدتَ جان ماري على اعتبار أن نظرته "غربية"، وقلت إن الغرب فهمنا فهمًا خاطئًا... أين اللاعنف عندنا؟ كل ما سمعته حتى الآن هو عن العنف عندنا!

محمد العمار: هناك حديث موجز عن التجربة الإسلامية في ضوء المعرفة التاريخية، وهي تجربة محمد في المدينة. محمد عاش في المدينة 23 سنة، ثلاث عشرة سنة منها لم يمارس أيَّ عنف، فتمكن من الوصول إلى مرحلة الدولة دون إراقة قطرة دم، فلم يسقط إلا ثلاث ضحايا في كفاح لاعنفي قام له صحابته. طريقة التغيير التي أتى بها محمد هي طريقة لم تكن معروفة في القرن السابع في الجزيرة العربية: هو أتى بكتاب، وافتتح مدرسة، وبدأ عملية التغيير، خلق أسلوبًا جديدًا في المواجهة. الأعرابي البدوي لم يكن يعرف هذا الأسلوب، لذلك كانت هناك احتياجات (طبعًا هناك أدلة وشواهد)... وقد تعرَّض لحصار دام عامين، وصمد في الحصار؛ وبعده انعقدت مفاوضات بينه وبين الفريق الخصم. هذا لم يحدث مع غاندي ولم يحدث مع المسيح، لأن المسيح توقف قبل مرحلة الدولة. محمد أنشأ دولة في القرن السابع على أساس شرعية جديدة لا عنف فيها ولا وراثة؛ دولة المدينة التي أسسها محمد قامت على شرعية جديدة هي شرعية بناء الدول. في القرن السابع، قبل ولادة غاندي بسبعمائة عام، كانت شرعية بناء الدول شرعية مزدوجة: إما عن طريق العنف أو عن طريق الوراثة. الشرعية التي أسَّسها محمد لم تكن على أساس العنف، ولا على أساس الوراثة، بل على أساس قبول الناس. وهذه الدولة كانت دولة مدنية، لم تكن فيها سلطة روحية عليا، بما في ذلك سلطته الشخصية؛ وكانت دولة تعددية فيها طوائف مختلفة، فكان هناك ميثاق ينظم آلية عمل الطوائف المختلفة؛ وكانت دولة مُواطنة، بحيث إن انتماءات الناس الدينية لا علاقة لها بحقوقهم داخل الدولة؛ وكانت دولة ديموقراطية، لأن الناس فيها، على الرغم من وجود النبي والنبوة، الوحي والرسالة، كانوا أصحاب قرار في القضايا الكبرى التي تخص حياتهم.

في موضوع الحرب والسلم، النقطة الأولى: الناس تتحدث عن القرآن من خلال ما سأل عنه منذ قليل الأستاذ أكرم، أي من خلال آيات القتال أو آيات الجهاد، وهي آيات تصف العلاقة بين المحتربين؛ أي هي آيات توصِّف حالة الحرب، وليس حالة السلم. أساس العلاقة مع الآخر ليس العدوان. ولقد ذكرتُ هذا الموضوع عندما تحدثتُ عن الاجتماع الإنساني. فالله يقول: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدِّين ولم يُخرجوكم من دياركم أن تبرُّوهم وتُقْسِطوا إليهم" [الممتحنة 8]. "القسط" هو العدل، و"البر" هو ما فوق العدل. إذًا أساس العلاقة مع الآخر المختلف ليس العدوان وليس الحرب، بل العدل والإحسان، الذي يعني أن نعطي الآخر أكثر مما نعطي أنفسنا. القوانين التي تحكم الوضع الإنساني في حالة الحرب تختلف عن القوانين التي تحكم الوضع الإنساني في حالة السلم. إذًا كل ما في القرآن من آيات تتحدث عن حالة الحرب لا علاقة له بالوضع الإنساني العادي؛ فالوضع الإنساني العادي أن الإنسان، ما لم يقاتل، مثلاً، أو يهجِّر غيره، لا يُسأل عن دينه، بل له البر وله القسط...

دارين أحمد: ولكن ألا يمكن اعتبار حالة الحرب حالةً دائمة، كما في رأي بن لادن الذي يعتبر أن الحرب بين المؤمنين والكفار مازالت مستمرة؟

محمد العمار: إعلان حالة الحرب لا يجوز أن يكون بيد الأفراد! حالة الحرب يعلنها مجتمعٌ أُسِّس بطريقة شرعية، مجتمعٌ النخبةُ الحاكمةُ فيه اختارها الناس. هذا المجتمع فقط له حق إعلان حالة الحرب. ليس كل مَن يريد أن يحارب يجوز له أن يعلن الحرب، يحفظ آيتين من القرآن، ويشن حربًا على غيره...

زينب نطفجي: ما الذي تعنيه بـ"النخبة الحاكمة التي اختارها الناس"؟ كيف اختارها الناس؟ لم أفهم ما ترمي إليه.

محمد العمار: ما أريد قوله هو أن مفهوم العدالة ومفهوم الديموقراطية ومفهوم حرية المرأة، هذه المفاهيم...

زينب نطفجي: لا تقل لي "حرية المرأة" في نصٍّ وردتْ فيه عبارة "واضربوهن" [النساء 34]!

محمد العمار: أنتِ هنا "ما جبتِ الديب من ديلو"! لا تتصوري أنك أمسكتِ بالموضوع بطريقة نهائية. أنا تكلمت بطريقة مختلفة. ما قلته – وما أريد قوله – هو أن النص القرآني، القانون القرآني أو الحكم القرآني، هو شيء قابل للتغيير. المبدأ وحده هو الثابت...

زينب نطفجي: النص القرآني قابل للتغيير! كيف؟

محمد العمار: ليس النص، بل دلالة النص والحكم. في مرحلة مبكرة من تاريخ الدعوة الإسلامية، كانت إحدى بنات النبي متزوجة من رجل؛ وبعد نزول آية التفريق، افترقا نزولاً عند الأمر القرآني دون غضاضة، بل على مودة ورضا، والرجل، بمنتهى الود والإكرام، أوصل زوجته إلى بيت أهلها وعاد إلى منزله، ثم كان على سفر مع قريش للتجارة...

زينب نطفجي: عندما تقول: تتغير الأحكام بتغير الأزمان، أوافقك. أقول ذلك لكي لا ندخل في تفاصيل عن هذا الموضوع...

محمد العمار: أذكر هذه القصة لأن فيها موقفًا مهمًّا، من الصعب أن يفعله رجل آخر...

زينب نطفجي: لا نريد حالات فردية، نريد أحكامًا عامة! هل تتغير الأحكام العامة بتغير الظروف؟

محمد العمار: تغيُّر الأحكام بتغيُّر الأزمان موضوع بدهي، لا أحد يناقش فيه. المهم هو التطبيق. فقد تسألين أحدًا ويقول لك: نعم موافق؛ لكن الأساس هو التطبيق على أرض الواقع. ليس للجميع الجرأة على تطبيق هذه القاعدة!

مرمريتا، 21 حزيران 2008، الجلسة المسائية

*** *** ***

 

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود